Flag Counter

Flag Counter

Thursday, October 30, 2014

ربيع إيراني برعاية الشيخ باراك أبو عمامة وجورج سوروس وإكسون موبيل و منظمات NGO

إذا أردت أن تغتني وتكتنز المال وتجذب التبرعات والملايين من عوائد إتصالات الجماهير المخدوعة فما عليك إلا أن تصبح تاجر دين فتفتح محطة فضائية أو جريدة أو موقع على الإنترنت تلعب فيه على وتر الطائفية والفئوية والعنصرية وتطلق الإتهامات وتوزع صكوك الولاء والإنتماء لهاذا الطرف أو ذالك من سني وشيعي أو مسلم ومسيحي.
قنوات مثل الحياة المسيحية التي كان يظهر عليها المدعو زكريا بطرس وقنوات مثل فدك والغدير التي تمثل الإتجاه الشيعي ووصال والخليجية التي تمثل الإتجاه السني هي كلها تصب في خانة تلك النوعية من القنوات التي تتغذى على الطائفية والفئوية والعنصرية وفق مبدأ فرق تسد. في الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة تدخل تلك النوعية من القنوات وأجنداتها ضمن التحريض على الكراهية ويحاسب المسؤولون عنها أمام المحاكم ويتم إنذار تلك القنوات لتعديل برامجها وإلا فإغلاقها.
برنامج البالتوك يعتبر أيضا وسيلة من الوسائل التي يتم إستخدامها في التحريض ويمتلئ بالغرف البالتوكية المسيحية والسنية والشيعية حيث يوجد لدى زكريا بطرس غرفة وهناك غرف شيعية تستضيف ياسر الحبيب وغيره من المحرضين وأيضا هناك غرفة وسام عبدالله أو الذي يطلقون عليه لقب الشيخ وسام العبدالله ولا يعرف له مكان فمرة هو مقيم في نيويورك التي سافر إليها وتخصص في الكتاب المقدس حسب زعمه وهناك من يزعم أنه يقيم في المملكة العربية السعودية بينما هو لايعرف له شكل ولايظهر للعامة ولايعرف مكان إقامته ولا من أي جامعة تخرج متخصصا بالكتاب المقدس كما يزعم. برنامج البالتوك يجني عشرات الملايين من الدولارات إن لم يكن مئات الملايين من جيوب المخدوعين والسذج والمغرمين بسماع رموز الفتن والإستعباط والضحك على عقول الناس. وهناك نكتة شائعة وهي أنك إذا أمسكت أحد لحية أحد رجال الدين فسوف تجد عبارة صنع في بريطانيا على الجانب الأخر منها. مكتب التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يعمل في عاصمة الضباب البريطانية برعاية الحكومة البريطانية وحماية أجهزتها الأمنية ومكتب حزب التحرير الإسلامي له مكتب رئيسي في ألمانيا وأشخاص من أمثال ياسر الحبيب يعملون أيضا في بريطانيا وعندما تم تجريد نبيل العوضي من جنسيته الكويتية سمعت أنه شد الرحال أيضا إلى عاصمة الضباب البريطانية. كل من ذكرت سابقا لديهم أجندات علنية للضحك على عقول السذج من الأتباع بإقامة الخلافة الإسلامية وأنهم رؤوس تلك الخلافة وخصوصا حزب التحرير والإخوان المسلمين بينما تستضيفهم أو تحتضنهم بريطانيا على الرغم من أجنداتهم المعلنة بأسلمة بريطانيا واوروبا كلها. أمثال ياسر الحبيب يجتمعون دوريا مع مسؤولين بريطانيين منهم الملكة إليزابيث وكذالك رؤوس الإخوان المسلمين لهم مصالح عمل وشركات بالتحالف مع رجال أعمال بريطانيين وشخصيات حكومية نافذة.
في هذه الأيام فإن أحد أطراف ذالك الصراع السني\الشيعي السرمدي اللانهائي يحتفل بما يزعم أنها مظاهرات في إيران تؤذن ببداية النهاية لنظام حكم الملالي وكذالك بإنسحاب الولايات المتحدة والناتو من أفغانستان حيث سوف تتحول أفغانستان حسب مزاعمهم إلى قاعدة ومنطلق للهجوم على إيران والمساهمة في إسقاط نظام الحكم فيها.
ريحانة جباري هي العامل الذي يتم إستخدامه كرمز وأيقونة للمظاهرات في إيران حيث تم تنفيذ حكم الإعدام فيها مؤخرا بعمر ٢٦ عاما قتلها رجل أمن حيث كانت وقت حصول الحادثة بعمر ١٩ عاما.
هل تذكرون خالد سعيد في مصر؟ هل تذكرون الصورة الشهيرة التي تم إخذها له والتي زعمت مجموعات فيسبوكية مجهولة الهوية منها كلنا خالد سعيد أنها نتيجة تعذيب الشرطة بينما لم تكن إلا صورته بعد تشريح جثته لبيان سبب الوفاة؟ صناعة الأيقونات الثورية أو التي يتم إستخدامها كعامل مسرع (Catalyst) لما يسمى ثورات ومظاهرات يدخل فيها الكثير من الكذب والتلفيق والقليل من الحقيقة. فخالد سعيد لم يكن إلا شخصا له سجل جنائي سابق كتاجر مخدرات سبق حبسه على ذمة قضايا متاجرة وكم بوعزيزي حرقوا أنفسهم أو إنتحروا في طول الوطن العربي وعرضه قبل الحادثة التي تسبب بمظاهرات تونس وبعد تلك الحادثة وفي بلدان تعاني ظروفا أسوأ من تونس بكثير؟ هل قامت فيها ثورات أو تحركت مظاهرات؟ حتى حادثة صفع البوعزيزي من قبل الشرطية التونسية تمت تبرئتها منها حيث تبين أنها من ضمن الأكاذيب التي تمت روايتها على هامش قضية البوعزيزي لتحريك الجماهير.
وأريد سؤال من يقيسون الموضوع بمقياس الطائفية والعنصرية والصراع السني\الشيعي أو العربي\الفارسي عن رأيهم بهاذا الفيديو من الأردن:
تخيلوا أن بائع الخضار المسكين إنجلط على الهواء مباشرة فأين النوشطاء والحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان؟
مشكلة المعايير المزدوجة التي تحكم نظرتنا للأمور مستفحلة وللأسف الشديد وخصوصا إذا طبقنا ذالك على الطريقة التي ينظر فيها للمرأة ودورها في جميع بلدان الوطن العربي من المحيط إلى الخليج, دائما هناك نوع من التمييز والنظرة الدونية تختلف من بلد إلى أخر ولكنها تبقى موجودة وظاهرة في المجتمعات بطريقة أو باخرى.
هناك مجموعة أسئلة متعلقة بالأحداث الحاصلة في إيران وهي من يقف وراء محاولات تغيير النظام في إيران؟ ومن هو المستفيد من تحريك المظاهرات ومن يقف ورائها؟ أين هي الحقيقة في قصة إعدام ريحانة جباري؟
سوف أبدأ من السؤال الأخير وهو أين هي الحقيقة في قصة إعدام ريحانة جباري؟
الحقيقة ضاعت فلا أظن أنه مهما كانت الحكومة الإيرانية صادقة فسوف يتم تكذيبها ومهما كانت المحطات الأمريكية كاذبة فسوف يتم تصديقها ولايوجد مصدر محايد ينقل الخبر بمصداقية. أنا شخصيا المعلومة الأكيدة بالنسبة لي هي إعدام المواطنة الإيرانية ريحانة جباري بتهمة القتل العمد وباقي التفاصيل ضائعة فهناك من يقول أنها سنية أو شيعية وقد تكون ملحدة شيوعية أو إشتراكية. أحداث الجريمة أيضا تختلف فهناك من يزعم نقلا عن المتهمة أنها دفاع عن النفس بعد أن إستدرجها الضابط الإيراني لشقته بحجة مشروع ديكور داخلي وهناك حاول إغتصابها فطعنته بسكين في ظهره وهناك من يقول أنها كانت جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد. التفاصيل المتعلقة بسلاح الجريمة أيضا مختلفة حيث أنه حسب مزاعم الحكومة الإيرانية فإن المتهمة قامت بشراء السكين مسبقا مما يجعل الجريمة قتل عمد وهناك من يقول أن سلاح الجريمة هو من مطبخ شقة المتهم. حتى مكان الجريمة هناك من يقول أنها شقة المتهم أو مكتب ملحق بشقته أو مكتب منفصل.
والسؤال الأهم هو هل ذهبت المتهمة مع الضحية لشقته برضاها أم أنه هددها وإيتزها أو أنه خدعها بقصة الديكور؟ وماهي الخبرة التي تمتلكها فتاة بعمر ١٩ عاما في مجال الديكور الداخلي حتى يستعين بخبرتها شخصية متنفذة؟ هل تحصلت على شهادات من معهد أو جامعة مثلا؟ وكيف تعرف الضحية عليها؟
من هو الذي يحرك المظاهرات في إيران؟ ومن هو المستفيد منها؟ ومن هو الذي يقف وراء محاولات تغيير النظام في إيران؟
سوف أبدأ الإجابة على تلك الأسئلة بسؤال أخر وهو هل تغيير النظام في إيران سوف يكون لمصلحة الشعب الإيراني ولمصلحة المنطقة ككل؟
الإجابة بسيطة ومن الممكن إستخلاصها من واقع الحال في العراق, تونس, مصر, اليمن, ليبيا وهي الدول التي تم فيها تغيير الأنظمة ولكن هل كانت عمليات التغيير تلك لصالح الشعوب أم لصالح الولايات المتحدة ومصالحها النفطية والإستراتيجية في المنطقة؟
نظرة سريعة على تلك البلدان توضح لنا الصورة أكثر فأكثر فتونس وليبيا تحتويان على إحتياطيات نفط وغاز بالإضافة إلى كونهما تحولتا إلى خزان بشري للعناصر المتطرفة في كل من سوريا والعراق وكل البؤر الساخنة حول العالم. مصر بينها وبين فلسطين حدود مشتركة واليمن موقعه الإستراتيجي على مضيق باب المندب جعل السيطرة عليه مطمعا للعديد من الدول حيث التحكم بحركة الملاحة بين البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي.
الوضع في الكثير في جميع تلك البالدان من سيئ إلى أسوأ فتونس على شفا حفرة من الإفلاس لولا قروض صندوق النقد والبنك الدولي وليبيا تحولت إلى دولة فاشلة محكومة من قبل ميليشيات مسلحة تتصارع فيما بينها واليمن الأن وضعها لا يحتاج إلى شرح حيث تم تقسيمها تحت مسمى الفيدرالية وهناك صراع سني\شيعي متجذر يضاف إليه صراع قبلي وثارات وأحقاد والعراق حدث ولا حرج على خطى اليمن في التقسيم والصراع الطائفي والعرقي.
حين قامت أمريكا وبريطانيا بقلب نظام حكم مصدق في إيران فقد كانت الحجة المعلنة هي الشيوعية على الرغم من أن مصدق نفسه لم يكن شيوعيا ولكنه قام بتأميم صناعة النفط في إيران فكتب نهايته بيده وتم بعد ذالك تقاسم الحصة الكبرى من الغنيمة بين الشركات النفطية الأمريكية والبريطانية. ومن أجل تحريك المشاعر الدينية في إيران فقد قام عملاء مدفوعين الأجر من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا بالهجوم على الحسينيات في إيران وكذالك على منازل رجال الدين الشيعة وكذالك كتابة شعارات شيوعية وترديد كلام المصطلحات التي يكثر إستخدامها بواسطة الشيوعيين مما أدى إلى تأليب الرأي العام على حكومة مصدق بإعتبار أن الحزب الشيوعي الإيراني تودة كان من أكبر الداعمين لحكومة مصدق وأجنداتها بتأميم شركات النفط والثورات الوطنية.وحين قامت الولايات المتحدة بالتخلي عن الشاه وتركه لمصيره, كانت الحجة هي الديمقراطية وحقوق الإنسان بينما السبب الخفي الغير معلن هو أن الشاه بدأ منذ سنة ١٩٧٧ بالتحلل من الإرتباط الوثيق بينه وبين الكيان الصهيوني الغاصب, أعلن النية الإيرانية بالعمل على إستقرار أسعار النفط بالضد من رغبة الشركات النفطية الكبرى وبالمخالفة للإتفاق الذي تم بموجبه قلب نظام حكم مصدق لصالح الشاه, التعاون بينه وبين بعض الدول الأوروبية خصوصا ألمانيا الغربية وفرنسا في مجالات عديدة منها المجال النووي وتعاون بينه وبين الإتحاد السوفياتي في مجال النفط والغاز وهي خطيئة كبرى في نظر شركات النفط الكبرى دفعت الرئيس كينيدي لتوجيه إنذار إلى الشاه للإستجابة لمطالب الولايات المتحدة والإلتزام بالإتفاق الذي تم بموجبه إعادته لكرسي الحكم.
والأن السؤال ماهو الهدف من مظاهرات إيران ومحاولة تغيير نظام الحكم؟ هل هو لمصلحة الشعب الإيراني ومن الذي يقف ورائها؟المحصلة النهائية لتلك المظاهرات في حال تحقيق أهدافها لن يكون بالتأكيد لمصلحة الشعب الإيراني ولن تأتي بنظام أفضل يحقق المصلحة الإيرانية. أي نظام سوف يحل محل النظام الحالي يجب عليه الخضوع لمطالب الشركات النفطية وخصوصا أكسون-موبيل التي هي جزء من شركة (Standard Oil company) والتي أسسها جون.د.روكفيلر ويقال أن نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني يمتلك منصبا مهما داخل مجلس إدارتها. النتيجة هي قدرة أكبر على التلاعب بأسعار النفط والتحكم بها صعودا أو نزولا حيث يمكن في حال دخلت إيران السوق بكامل قدرتها الإنتاجية أن يهبط سعر البرميل لمستويات غير مسبوقة. من هو المتضرر الأكبر؟ الدول المنتجة للنفط وخصوصا المملكة العربية السعودية وفنزويلا ولذالك السبب فرأي الشخصي أن مايحصل في إيران هو بداية المؤامرة على المملكة العربية السعودية لتحقيق الأجندات الغربية بتقسيمها وفق مخطط الشرق الأوسط الجديد والنظام العالمي الذي بشر به جورج بوش الأب حين إنتخابه رئيسا. باراك أوباما يمثل حاليا مصالح شركات النفط الأمريكية الكبرى وخصوصا مجموعة شركات الأخوات السبعة والتي تحدث عنها وعن تاريخها في مواضيع سابقة ولذالك فهم أكثر المعنيين بما يحصل في إيران وكذالك جورج سورس والمنظمات الغير حكومية (NGO - Non Government Organization). وأحب أن أذكر أن جورج سوروس ومن خلال منظمة إدارة الأزمات (Crisis Group) ومنظمة جرين هاوس (Greenhouse) لعب دورا كبيرا فيما يسمى الربيع العربي وتمويل برامج تدريب لما يسمى النشطاء الحقوقيين وكيف يثورون بحداثة.
حاولت الكتابة عن الموضوع بحيادية وأكاديمية من دون التحيز أو الدخول في دوامة الصراع الديني والطائفي والعرقي وخصوصا السني\الشيعي فأرجو إلتماس العذر إن سهوت أو أخطأت فجل من لا يسهو.
مجموعة روابط أنصح بزيارتها والإطلاع عليها:
١- تجمع شركات وول ستريت الفاشية للحرب ضد إيران
٢- ثورات روتشيلد في تونس ومصر لقتل المصارف الإسلامية في الأسواق الناشئة في شمال افريقيا
٣- خطورة منظمات المجتمع المدني و حقيقة التمويل
٤- ثورة مصر هي ثورة ملونة أخرى لجورج سوروس
٥- منظمة موفمنتس بدايتها و أهدافها و مؤسسيها
٦- المؤامرة على بلاد الحرمين
٧- حقائق حول القناصة في مصر والدول العربية
تحياتي وتمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية







Wednesday, October 29, 2014

هل أثر صعود القوى الإسلامية المتطرفة في مسرح الأحداث الدولية على النمو الإقتصادي العالمي؟

إن جميع التوقعات بالإنكماش الإقتصادي بين سنة ٢٠٠٠ و ٢٠٠٧ قد أثبتت خطأها حيث توقع الخبراء أن تؤدي الأحداث المتتالية التي مر بها العالم خلال تلك الفترة إلى ذالك. قائمة تلك الأحداث قد تطول ولكن نذكر بعضها فهناك أحداث ١١ سيبتمبر وماتلاها من حرب في العراق وأفغانستان, البرنامج النووي الإيراني, كوريا الشمالية تتقدم في خطوات سريعة لتصبح ثامن قوة نووية معترف بها عالميا, روسيا تحاول إستعادة أمجادها السابقة. في أمريكا اللاتينية هناك صعود هيوجو شافيز وقيادته حملة معادية للغرب ويكسب العديد من الأنصار والمؤيدين.
وقد زاد معدل دخل الفرد بنسبة ٣.٢% حيث توقف النمو الإقتصادي على الأقل في الغرب ولكن السبب كان ليس صدمة سياسية بل صدمة إقتصادية بدأت بإنهيار سوق التمويل العقاري في الولايات المتحدة وإمتدت لتشمل دولا عديدة.
خلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله سنة ٢٠٠٦ فقد إرتفعت قيمة الأسهم في سوق الأسهم والبورصات الإسرائيلي وكذالك إرتفعت قيمة العملة الإسرائيلية (الشيكل). بين سنتي ٢٠٠٣ بداية الحرب على العراق و ٢٠٠٨ إزدهر إقتصاد تركيا والتي بينها وبين العراق حدود مشتركة بمعدل ٧% وذالك على الرغم من الإضطرابات التي سادت الجار الحدودي لتركيا.
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يتأثر الإقتصاد العالمي بكل تلك النوعية مما يطلق عليه صدمات سياسية؟
الجواب هو في ثورة الإعلام التي تنقل إلينا الأخبار والأحداث على مدار ٢٤ ساعة مما خلق حالة من الإشباع وعدم اللامبالاة. وبمناسبة الحديث عن الإعلام وتأثيره على الإقتصاد, عندي قصة قصيرة لأرويها لكم قد تساعدنا على فهم تلك النقطة.
يقال أنه عند إحتلال الجيش الألماني للعاصمة الفرنسية باريس فقد قام بداية بإعدام القطط والكلاب في الشوارع أمام مرأى المواطنين ثم عندما أصبح يعدم المواطنين أنفسهم, كانت هناك حالة من اللامبالاة وعدم الإهتمام والسبب هو الإشباع. المواطنون الفرنسيون أصيبوا بحالة من الإشباع بسبب منظر الإعدامات اليومية المتكررة للحيوانات فلم يبالوا بمنظر إعدام نظرائهم من قبل الجيش الألماني.
إن هاذا هو الحاصل بالنسبة للإعلام ودوره في التسبب بصدمات إقتصادية حيث أن متابعي المحطات الإخبارية والتلفزيونية والصحف والمجلات أصبحوا متعودين أو إنطبعت في أذهانهم أن الإعلام دائما يبالغ ويضخم الأمور فقد يصبح منخفض جوي بسيط عند تصويره في الوسائل الإعلامية عاصفة ضخمة وإنخفاض في درجات الحرارة إلى مادون الصفر.
التطرف هو عامل أخر يجب أخذه في الحسبان حيث نقوم بدراسة التغيرات الإقتصادية وأسبابها. إن الصورة النمطية التي ساهم الإعلام في الغرب في نشرها عن المسلمين تهدف في المجمل إلى شيطنتهم وساعد في ذالك أفعال تصدر من بعض أفراد الجاليات المسلمة تساهم في تثبيت تلك الصورة النمطية. الإعلام الغربي مزدوج المواقف بكل وقاحة فلم أسمع طوال سنين طويلة عشتها في الغرب أي إدانة صريحة وواضحة لمجازر النظام المجرم الفاشي في بورما حيث يتم شواء أطفال المسلمين هناك وأيضا في أفريقيا الوسطى حيث يقتل المسلمون في الشوارع في عملية تطهير عرقي وقحة تحت إشراف الجيش الفرنسي وقوات الأمن المحلية.
مرحلة ماقبل سيبتمبر ومابعد سيبتمبر ٢٠٠١ هي الطريقة التي يجب فيها النظر للأمور حيث أن إسائة تقدير قوة التنظيمات المتطرفة ومدى إرتباطها ببعضها البعض قبل ذالك التاريخ قد أدى إلى قيام أحدها, تنظيم القاعدة, لإستغلال ثغرات أمنية وتفجير برجي التجارة ومبنى البنتاجون بإستخدام طائرات مخطوفة مليئة بالركاب وطائرة أخرى تم إسقاطها قيل أنها كانت تستهدف البيت الأبيض. مرحلة مابعد سيبتمبر ٢٠٠١ تختلف حيث تتم ملاحقة التنظيمات المتطرفة ومصادر تمويلها فيما يسمى بتجفيف منابع الإرهاب. في أندونيسيا تم القبض على كل من زعيم الجمعية الإسلامية وعلى زعيم تنظيمها العسكري حيث أن ذالك التنظيم مسؤول عن تفجير بالي ٢٠٠٢. وبمساعدة أمريكية تمكنت القوات الفيليبنية من قتل زعيم تنظيم أبو سياف المتطرف في كانون الثاني ٢٠٠٧. في مصر والسعودية تمت ملاحقة خلايا التنظيمات المتطرفة والقبض على أعضائها ومن هرب منهم لم يتمكن من شن أي هجمة رئيسية لسنوات طويلة وتحولت التنظيمات المتطرفة إلى شركات تسجيلات صوتية وتلفزيونية يصدرون كل فترة تسجيل صوتي أو فيديو لأحد زعمائهم.
فترة التحول الرئيسية للتنظيمات المتطرفة جائت مع عملية غزو العراق وإسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين حيث بدأت مرحلة الإستقطاب للفئات السنية من قبل التنظيمات المتطرفة التي تماثلها أيدولوجيا وذالك من أجل شن حرب مقدسة ليس ضد الأمريكيين بشكل رئيسي بل ضد الشيعة والذين بدورهم كان ردهم بالإصطفاف خلف تنظيمات شيعية عسكرية وتحول العراق إلى ساحة إقتتال دموي إسلامية - إسلامية وغرق العراق في الفوضى والمجازر الطائفية إلى وقتنا الحالي. فتاوي تنظيم القاعدة قبل المرحلة العراقية لاتذكر أي جهاد مقدس ضد الشيعة فما الذي تغير؟ وماهو الهدف من زيادة حدة التقسيم الطائفي والتقاتل بين التنظيمات والمذاهب الإسلامية؟
الكثير من المحللين الغربيين يرون أن زيادة التنوع داخل الجسم الإسلامي سوف يساهم في تخفيف لهجته ونبرته العدائية لكل ماهو غربي تماما كما كان الحال أيام الشيوعية حيث تنوع المذاهب الشيوعية قد أدى إلى جعل الحركة الشيوعية ككل أقل خطرا على الغرب لإنشغال الشيوعيين بصراعات داخلية.
النقطة التي ربما قد يمر عليها البعض مرور الكرام هي أن لايوجد شعبية للنموذج الذي تحاول التنظيمات المتطرفة ترويجه ولرؤيتها للدولة الإسلامية وشكلها المستقبلي بعكس التنظيمات الشيوعية أو الفاشية. لا أحد يشجع النموذج المتطرف إلا قلة قليلة أدمنت العنف وسفك الدماء. تلك التنظيمات تعمل في بيئات لاتكن لها كل الود ولا يوجد لهم الكثير من الدعم في أوساطها مما يجعل مهمة الحفاظ على بنية خلاياهم صعبة وتسهل عمل السلطات الأمنية في ملاحقتهم القبض عليهم.
إن الأعمال التي تقوم بها فئة قليلة من المتطرفين تساهم في نشر صورة مسيئة للإسلام والمسلمين في الغرب حيث تدعو جهارا نهارا لأسلمة أوروبا مما ساهم في إنتشار الحساسية من المسلمين وأصبح هناك من يحصي على المسلمين أنفاسهم في إنتظار فرصة للصيد في الماء العكر. فمثلا تم النظر لرفض سائق تكسي صومالي إصعاد راكب للتكسي الذي يقوده بسبب حمله بعض المشروبات الكحولية على  أن ذالك دعوة لتطبيق الشريعة.
تأثير التنظيمات المتطرفة وأعمالها الإرهابية يتم إمتصاصه بسرعة أفضل وذالك لقلة الشعبية التي تتمتع بها تلك التنظيمات حيث أصبح تعافي الأسواق المالية والإقتصادية بوتيرة أسرع ظاهرة يجب التوقف عندها. إثر أحداث سيبتمبر ٢٠٠١ فقد تمكنت الأسواق المالية من التعافي بعد فترة شهرين. بعد تفجيرات مدريد ٢٠٠٤ كانت الفترة اللازمة لتعافي الأسواق المالية شهر واحد فقط. في حالة تفجيرات لندن ٢٠٠٥ فإن الأسواق المالية البريطانية لزمها ٢٤ ساعة فقط للتعافي. الولايات المتحدة خسرت مليارات الدولارات إثر أحداث سيبتمبر ٢٠٠١ وكذالك أندونيسيا إثر تفجيرات بالي ولكن تأثير تفجير بوسطن ٢٠١٣ لم يكن تأثيرها يذكر وتفجير فندق ماريوت جاكرتا ٢٠٠٣ حيث إستعاد الإقتصاد الأندونيسي عافيته في وقت قياسي.
الشيئ الوحيد الذي يمكن أن يحدث فرقا هو بالنسبة للأعمال التي ترتكبها التنظيمات المتطرفة هو إستحصالهم على أسلحة دمار شامل وتنفيذ هجمات بواسطتها ولكن ذالك بالنسبة للمطلعين على التفاصيل الأمنية المحيطة بتلك النوعية من الأسلحة يعلم علم اليقين ان تلك المحاولات تزداد صعوبة ولم تقترب أحدها مجرد الإقتراب من مجرد تحقيق أي نجاح يذكر.
إن نجاح أي عمل تقوم به التنظيمات المتطرفة يعتمد على ردة فعل الفئات أو البلدان المستهدفة بتلك الأعمال حيث يراقب زعماء تلك التنظيمات ردات فعل المواطنين في الغرب على أي عمل يقومون به, فإن كانت ردة الفعل تعبر عن قلق وخوف ورعب وفوضى فمعنى ذالك نجاح ذالك العمل والتخطيط للعمل القادم. وإذا كانت ردة الفعل هي عبارة عن مزيج من الوعي والهدوء وعدم الفزع والتصرف بطيش فإن ذالك يعني فشل ذالك العمل وإعادة النظر بإحتمالية القيام بأعمال مماثلة في المستقبل.
إن هؤلاء المتطرفون هم عبارة عن فئة قليلة يتناقص عدد المنتمين لها يوما بعد يوم ويتضائل دورها وتأثيرها لأن الأغلبية تعادي الأيدولوجيا التي تدين بها تلك التنظيمات مما يجعل تأثيرها لا يكاد يذكر.
في المجتمعات المعقدة والمفعمة بالحيوية كالولايات المتحدة, فإن حجم إقتصادها يبلغ ١٤ تريليون دولار , وهو من التعقيد والتماسك مايجعل عملية التأثير عليه أكثر تعقيدا مما يتصوره من يحاولون القيام بتلك النوعية من الأعمال.
دول مثل إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا تمثل تهديدا قائما للولايات المتحدة ولكن لننظر للأمور بموضوعية فالناتج المحلي الإجمالي لإيران هو ١ٍ\٤٣ مقارنة بالولايات المتحدة وإنفاقها العسكري ١\٧٢ مقارنة بالبنتاجون. كوريا الشمالية تمثل كابوسا للصين تبقي مسؤوليها مستيقظين طوال الليل في حالة أي إضطرابات خوفا من إغراق الصين باللاجئين. أما بالنسبة لفنزويلا فهي ليست وحدها في أمريكا اللاتينية فدول مثل البرازيل وتشيلي والمكسيك قد إختارت الطريق نحو الأسواق المفتوحة والتجارة الحرة هي دول قوية ومؤثرة. العبرة هي أن تلك الدول التي تعادي الولايات المتحدة هي جزء من المنظومة العالمية ولكنها لاتشكل كل المنظومة. التنظيمات الإسلامية المتطرفة ينطبق عليها نفس المبدأ فهي لا تشكل كامل المنظمة الإسلامية في المنطقة بل جزء منها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Saturday, October 25, 2014

ماهو مصير إقتصاد الولايات المتحدة في ظل أزمة دين سيادية عالمية؟

يمكن تشبيه الإرتفاع التصاعدي لمستوى الدين في الدول المتقدمة بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص بسباق السيارات السريعة بل شديد السرعة وحيث يمكن تقسيم الدين إلى خاص وعام. الدين الخاص يشمل قروض شراء المنازل والأموال المسحوبة على بطاقات الإئتمان حيث يكون لدى الأسرة الأمريكية الواحدة مامعدله ١٣ بطاقة إئتمان وقرض عقاري بمبلغ ١٢٠ ألف دولار على الأقل. ذالك النوع من الدين تضاعف من ٦٨٠ مليار سنة ١٩٧٤ إلى ١٤ تريليون سنة ٢٠٠٨.
الدين العام أو الدين القومي وهو الدين الحكومي ويشمل سندات الخزانة التي تصدرها الحكومة الأمريكية حيث تضاعف من ٣ تريليون سنة ١٩٩٠ إلى أكثر من ١٠ تريليون سنة ٢٠٠٨ والتضاعف مستمر لدرجة أن المسؤولين عن ساعة الدين القومي الشهيرة في نيويورك يخططون لإضافة خانات رقمية أخرى لإستيعاب الزيادة.
أحد أسباب تلك الزيادة في الدين العام هو الأزمة المالية التي عصفت بوول ستريت وكانت بدايتها أو سببها الرئيسي إنهيار سوق الرهون العقارية حيث كانت هناك نتائج كارثية منها فقدان ماقيمته ٥٠ تريليون دولار من الأصول وأكبر إعلان إفلاس في العالم ليمان برثرز(Lehman Brothers) ووضع اليد من قبل الحكومة الأمريكية على أكبر شركات الإقراض العقاري, إختفاء البنوك الإستثمارية وحزمة الحوافر التي قدمتها الحكومة الأمريكية في محاولة لإنقاذ مايمكن إنقاذه حيث أدى ذالك إلى زيادة مستوى ذالك الدين.
إذا رغبنا بمعرفة أصل تلك المشكلة وسبب ذالك الإنهيار المالي سنة ٢٠٠٧-٢٠٠٨ فعلينا معرفة أن السبب الرئيسي في ذالك هو توفر السيولة وسبب ذالك إزدياد حركة التجارة ورأس المال نتيجة فترة طويلة من النمو الإقتصادي مما جعل الإقتراض متوفرا وبشروط جدا متهاودة حيث أصبح بين سنتي ٢٠٠٦-٢٠٠٧ بإستطاعة دول تعاني أوضاعا مضطربة مثل الإكوادور وشركات متعثرة مثل ديمي كرايزلر أن تقترض بسعر يماثل سعر الإقتراض للحكومة الأمريكية. الإكوادور أعلنت إفلاسها سنة ٢٠٠٩ وشركة ديمي كرايزلر في أمريكا تم إبقائها مستمرة بفضل حزمة قروض حكومية. إزدياد حركة التجارة ورأس المالكان لها أثار إيجابية بالنسبة للدول النامية حتى في ذروة الأزمة المالية ٢٠٠٧-٢٠٠٨ وذالك بسبب قدرتها التنافسية في مختلف المجالات كما انها ساهمت في تخفيض نسبة التضخم, الصين ببضائعها الرخيصة والهند بخدماتها منخفضة الثمن حيث من المعتاد إذا إتصلت بقسم خدمة العملاء في إحدى الشركات الأمريكية أن يجيب مكالمتك شخص بلكنة أسيوية من الهند.
إن الأزمات الإقتصادية لها القدرة على نزع الريادة والشرعية من الولايات المتحدة إقتصاديا بدرجة متفاوتة ولكن أزمة ٢٠٠٧-٢٠٠٨ كانت مختلفة لأنها برزت من مركز الرأسمالية وقلبها النابض في وول ستريت نيويورك. وقد يظن البعض أنها نهاية الرأسمالية وأنها مقدمة لإنهيار الولايات المتحدة ولكنهم مخطئون في ظنهم. إن تلك الأزمة تسببت في الإنتهاء من نوع معين من الهيمنة الإقتصادية للولايات المتحدة ولكنها سرعت في دخول الولايات المتحدة إلى عالم تتقاسم فيه الهيمنة عدة دول من بينها الولايات المتحدة.
في ذالك العالم الذي تتقاسم الهيمنة فيه مجموعة دول وليس دولة واحدة, فقد توقع جولدن ساشز أن يجاوز مجموع إجمالي الناتج المحلي لأربعة من دول البريكس(البرازيل, الصين, روسيا, الهند) إجمالي الناتج المحلي لدول (G7) سنة ٢٠٣٩مؤسس شركة إنتل أندي جروف حذر سنة ٢٠٠٥ من أن أمريكا تسير بخطى متسارعة نحو مصير مماثل لأوروبا, المشكلة أن لا أحد يريد أن يستمع.
أمريكا تواجه بلدان تزداد إزدهارا كما أنها خسرت صناعات رئيسية, شعبها توقف عن الإدخار, حكومتها مدينة بإزدياد للبنوك المركزية الأسيوية. الشركات الأمريكية الباحثة عن الأرباح إتجهت مع زيادة النفقات لبلدان أسيوية حيث العمالة الرخيصة والمدربة والنتيجة فقدان ألاف الوظائف في أمريكا, العولمة تضرب في عقر دارها وعقر دار الرأسمالية.
هناك من يجادل ويقول أنظروا إلى معدلات النمو. متوسط معدل النمو في أمريكا ٢.٥% وخلال العقدين الأخيرين كان ٢.٣% بينما في اليابان معدل النمو ١.٢%  ولكن السؤال هو هل ذالك النمو هو حقيقي؟
الإجابة على هاذا السؤال قد تكون في مواضع أخرى ولا مجال الأن لتفصيل ذالك ولكن هناك وقائع على الأرض تؤكد ولو مرحليا إستمرار الهيمنة الأمريكية فسيطرة الولايات المتحدة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن واضحة كما أن القوات المسلحة الأمريكية هي العماد الرئيسي لقوات حلف الناتو وسيطرة الولايات المتحدة على المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد هي واضحة لا لبس فيها حيث تعد تلك المؤسسات أدوات لفرض السياسات المالية للولايات المتحدة على الدول الأخرى. الولايات المتحدة مقارنة بالدول الأخرى تعد ٥% من عدد السكان قد ساهمت بنسبة ٢٠%-٣٠% من إجمالي الناتج المحلي العالمي خلال ١٢٥ سنة الأخيرة.
كل تلك الحقائق لايمكن تجاهلها والسؤال بالنسبة للبعض ليس عن إنهيار الولايات المتحدة كنفوذ إقتصادي أو سياسي أو عسكري بل عن المدى الذي سوف تتكيف فيه وتندمج في عالم يحوي الكثير من القوى الصاعدة, عالم متعدد الأقطاب؟
يجادل طرف أن الولايات المتحدة سوف تضعف وتنهار قريبا بينما يجادل أخرون أنها سوف تبقى مهيمنة ومتسيدة في عالم متعدد الأقطاب. البعض يرى أن الولايات المتحدة أصبحت معتدة بنفسها أكثر من الالزم فهي الدولة الوحيدة في العالم التي تصدر تقريرا سنويا عن حقوق الإنسان في الدول الأخرى بينما لا يشمل التقرير إنتهاكات الولايات المتحدة نفسها لحقوق الإنسان.
بالنسبة للكثيرين الولايات المتحدة أصبحت عبارة عن فقاعة من الهيمنة والتسلط والقوة. فقاعة غير قابلة اللمس من قبل الكثيرين.
النقطة الأولى التي يحتج بها المراهنون على إنهيار الولايات المتحدة هي أن ذالك الإنهيار سوف يبدأ بإنهيار قيمة الدولار وإنخفاض قيمته بشكل كبير حيث أنه رمز للقوة والهيمنة الأمريكية على العالم. النقطة الثانية هي أن الشركات الأمريكية العابرة للقارات تسيطر على العالم.
سوف أناقش النقطتين بإختصار فبالنسبة للأولى فليس من مصلحة الكثيرين نظريا إنهيار الدولار الأمريكي على الأقل في الوقت الحالي بدون توفر البديل وهو ليس متوفرا. إنهيار الدولار الأمريكي يتطلب فك إرتباط مبيعات النفط بالدولار وفك إرتباط العملات بالدولار وهو شيئ ليس بالحاصل في وقت قريب. كما أنه يتطلب التوقف عن إستخدام الدولار كعملة رئيسية لمخزون إحتياطي العملات الأجنبية وهو أيضا ليس بالأمر الحاصل قريبا. قد يكون من مصلحة الولايات المتحدة إنهيار الدولار ولكن في الوقت الذي تختاره ويكون مناسبا لها والعكس بالنسبة لمنافسيها.
أما بالنسبة للنقطة الثانية فهي أن تلك الشركات العابرة للقارات قد تكون مقراتها الرئيسية تقع في أمريكا ولكنها نظريا شركات متعددة الجنسيات برأسمال متعدد الجنسيات. شركة مثل كوكاكولا لديها فروع في ٢٠٦ بلدا و٨٠% من أرباحها ناتجة عن عملياتها خارج الأراضي الأمريكية.
أختلف مع ذالك الرأي لأن العقلية التي تقوم بتسيير الأعمال اليومية لتلك الشركات هي العقلية الإدارية والمالية الأمريكية ووفق النهج والنسق الأمريكي وكون مقراتها الرئيسية تقع في الولايات المتحدة فهاذا ليس له علاقة بكونها أمريكية أو متعددة الجنسيات. من يحدد ذالك التصنيف هو العقلية المالية والإدارية التي تحكمها وهي أمريكية قلبا وقالبا, فهل لو تم إفتتاح شركة برأسمال أمريكي في البرازيل فهل سوف تقوم الشركة بتسيرر أعمالها وفق العقلية البرازيلية؟
الولايات المتحدة تقدم النصائح للأخرين حول العديد من الأمور مثل قبول تحديات الإقتصاد العالمي, تعويم أسعار صرف العملة وتطوير صناعات جديدة. الولايات المتحدة قامت بنقل خبراتها للكثير من الدول مما شجع تلك الدول على الإنفتاح ولكن في الكثير من الحالات كانت النتيجة عكسية. الولايات المتحدة نفسها في وقتنا الحالي تشعر بالتردد إزاء تلك السياسات نفسها التي ساهمت بنقلها لبلدان أخرى. في القرن الواحد والعشرين الولايات المتحدة نجحت في عولمة العالم ولكنها نفسها بقيت بدون عولمة تزداد إنغلاقا بينما البلدان الأخرى تزداد إنفتاحا.
شكرا لوقتكم مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية.
النهاية



Thursday, October 23, 2014

كيف ساهمت نظريات ماريون هوبرت(الملك) في تحويل النفط من مجرد سلعة إلى سلاح إقتصادي قاتل؟

كنت قد تكلمت سابقا حول نظرية (Neo-Malthusianism) للسيطرة على النمو في عدد السكان والتي بنى حولها ماريون(الملك هوبرت) نظريته المتعلقة بذروة الإنتاج النفطي ولكنها لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة من النظريات التي يسخرها ماريون في خدمة شركات النفط ومصالح الطبقة العليا. ماريون كان شخصية مثيرة للفضول وغريب الأطوار حيث أنه خلال الأزمة المالية سنة ١٩٢٩ ومرحلة الكساد الإقتصادي التي تلتها فقد كان مؤيدا لنظرية متعلقة بنظام مالي جديد يكون مرتبطا بشكل ما بنظرية (Neo-Malthusianism) التي إعتمد عليها في إخراج مفهوم الذروة النفطية إلى حيز الوجود.
بما أن وحسب نظرية ماريون الجديدة فإن النظام المالي القائم بشكل أساسي على الفائدة المركبة قابل للنمو المستمر بينما النفط محدود غير متجدد فقد قام بإقتراح بديل قائم على مجتمع إقتصادي تكون نوعية الحياة فيه قابلة للتحكم فيها عن كمية الطاقة المتوفرة للإستهلاك وليس النقود. وبما أن العالم بأكمله وليس فقط الولايات المتحدة مقبل على زمن تتناقص فيه كميات النفط المتوفرة فإنه يتوقع أن نوعية الحياة وجودتها سوف تعاني إنحدرا تدريجيا.
قام ماريون بتقديم نظريته للعالم سنة ١٩٣٨ حين كان عضوا في جمعية تماثل  بنيتها تلك التي تمتلكها الطوائف الدينية وتدعى (technocracy incorporated) وأثيرت حولها الكثير من التسائلات كونها تقدم نفسها أنها مشكلة من الخبراء الذي يعرفون مصلحة المجتمعات البشرية أكثر من الأشخاص العاديين وأن وسائل السيطرة على المجتمعات هي الوحيدة التي يمكن أن تحل المشاكل التي يمر بها العالم.
ولكن كيف يكون التطبيق العملي لنظرية ماريون؟
تتلخص نظريته بإصدار شهادات طاقة لعامة السكان وتسمح لحاملها بإستهلاك كمية من الطاقة تعادل كمية الطاقة المستهلكة في إنتاج سلع وخدمات قام ذالك الشخص بها بالمساهمة في إنتاجها خلال الفترة الزمية التي تغطيها الشهادة. مما يعني أنه لأي فرد الحق في إستهلاك كمية من الطاقة تساوي كمية الطاقة المستهلكة في إنتاج سلع وخدمات قام ذالك الشخص بإنتاجها أو تساوي كمية مساهمته في إنتاجها خلال تلك الفترة الزمنية.
تمت مكافئة ماريون(الملك هوبرت) حيث انه بعد إنتهاء عمله مع الهيئة الأمريكية الفيدرالية للحرب الإقتصادية سنة ١٩٤٣, فقد إنضم للعمل في شركة شيل(Shell) كخبير جيو-فيزياء(Geophysics) وتم إنتخابه لعضوية الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون. وفي سنة ١٩٥٩ تم منحه ميدالية من جمعية الجيولوجيين الأمريكيين الذي تولى رئاستها سنة ١٩٦٢ مما منح نظريته بخصوص ذرة الإنتاج النفطي إحترما ومصداقية.
إن ذروة الإنتاج النفطي كما توقع ماريون(الملك هوبرت) حلت في الولايات المتحدة سنة ١٩٧٠ ولكن لأسباب لاعلاقة لها بنظرياته العجيبة وخصوصا عن الأصل الذي تكون منه النفط. الإنتاج هبط من ١١.٣ برميل في اليوم إلى ١٠.٥ مليون برميل في اليوم لأسباب لها علاقة بإغراق السوق الأمريكي بنفط الشرق الأوسط الرخيص الثمن مما أدى إلى إفلاس عدد كبير من شركات النفط الصغيرة والمتوسطة. صادرات الولايات المتحدة النفطية قد إزدادت من ٢٣% إلى ٣٦% من مجمل إستهلاكها من النفط لنفس الفترة الزمنية. كما أن المعاملة الضريبية التفضيلية للشركات المستوردة لنفط الشرق الأوسط الرخيص قد جعلتها أكثر قدرة على المنافسة من شركات النفط المحلية وذالك زاد من عمق المشكلة.
قامت لجنة المشاريع التجارية الصغيرة في مجلس الشيوخ الأمريكي سنة ١٩٥٢ بنشر تقرير لها بعنوان(إحتكارات النفط الدولية). التقرير إتهم الأخوات السبعة بإحتكار ٨٨% من إحتياطات النفط خارج الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي وكذالك سياسة التحكم بالأسعار بالإتفاق فيما بينها لإبقائها مرتفعة بما يحقق لتلك الشركات أرباحا طائلة. الإخوات السبعة هم عبارة عن شركة نفط بريتش بيتروليم(BP) والتي كانت تسمى سابقا(Anglo - Iranian), رويال دتش شيل(Royal Dutch Shell), ستاندردز أوف نيوجيرسي(Standards Of New Jersey - Exxon), ستاندردز أوف نيويورك(Socony Mobil), شركة نفط الخليج(Gulf Oil), تيكساكو(Texaco) بالإضافة إلى شركة ستاندردز كاليفورنيا(Socal - Chevron).
كانت تلك الشركات إما أنها مملوكة بالكامل لأسرة روكفيلر أو أن الأسرة لها حصص مؤثرة فيها وكان لديها من النفوذ مايمكنها من إيصال أشخاص معينين لمناصب في الحكومة الأمريكية بما يضمن مصالح تلك الشركات. كمثال على نفوذ تلك الشركات النفطية فقد تم تعيين جون فوستر دالاس سنة ١٩٥٢ كوزير للخارجية من قبل إدارة الرئيس دوايلات أيزنهاور وتم تعيين أخيه ألان دالاس كمدير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالإضافة إلى أن أحد الأخوين, لست متأكدا أيهما, متزوج من أسرة روكفيلر.
من أوائل أعمال الأخوين دالاس هو تدبير إنقلاب إيران-١٩٥٣ ضد رئيس الوزراء المنتخب محمد مصدق والتهمة العلنية هي الشيوعية بينما كل ذنب مصدق أته قام إثر تصويت البرلمان الإيراني بتأميم صناعة النفط في إيران بعد رفض الشركات النفطية البريطانية زيادة حصة الحكومة من عائدات بيع النفط. وفي سبيل تحقيق ذالك فقد قام الأخوان عن طريق وكيلهما كيرميت روزفلت برشوة رجال دين, مؤسسات مجتمع مدني, أشخاص عاديين, إنتهازيين, مجرمين للقيام بمجموعة من الأعمال التحريضية منها مهاجة الحوزات الدينية ومنازل رجال الدين على أنهم شيوعيون يرتدون ملابسهم ويستخدمون مصطلحاتهم مما أدى إلى زيادة غضب رجال الدين الغاضبين أصلا بسبب علمانية نظام الشاه.
الوضع بالنسبة لتقسيم الكعكة النفطية الإيرانية قد تغير بعد الإنقلاب حيث كانت السيطرة لشركة النفط الأنجلو-إيرانية أو مايعرف الأن ببريتش بتروليوم منذ سنة ١٩٠٨ ولكن الأن إثر الإنقلاب على مصدق فإن الحصة توزعت٨% لكل شركة من شركات روكفيلر الخمسة والتي كانت تشكل (Standard Oil Trust) بما مجموعة ٤٠%, نسبة ٤٠% لشركة النفط البريطانية, ١٤% لشركة شل(Shell) و٦% لشركة النفط الفرنسية (CEP).
الإنقلاب المدبر في إيران كان رسالة لدول أخرى بالعواقب المترتبة ليس فقط على تأميم المصالح النفطية الأجنبية بل كل الشركات والمصالح الأجنبية. إن ذالك التغيير في السياسة الأمريكية والمتعلقة بالأمن القومي الأمريكي والمرتبطة بمدى توفر الخامات الضرورية منها النفط قد شهدت تغيرا كبيرا في الفترة التي تلت إنتخاب أيزنهاور مقارنة بالفترة التي سبقتها من إعطاء الأولوية للإستيراد على تحقيق الإكتفاء الذاتي من الإنتاج المحلي خصوصا في مجال النفط.
شركات النفط الأمريكية والمتحالفة معها كانت تحقق بفضل الإعفائات الضريبية الحكومية والقوانين التي تسمح لها بتحديد الأسعار مرابح خيالية قد تصل إلى ١٢٠٠% حيث كان يتم شراء النفط بسعر ٢٠ سينت وبيعه بسعر لايقل عن ٣ دولارات للبرميل. السلعة الوحيدة التي كانت أرباحها تنافس تجارة النفط في ذالك الوقت هي الهيروين الذي يتم تهريبه من لاوس وبورما.
إن الإنتقال من مرحلة الإعتماد على الإنتاج المحلي من النفط إلى مرحلة الإعتماد على الإستيراد قد جاء مترافقا مع زيادة التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة حيث نجحت الألة الإعلامية الجبارة التابعة لمؤسسات روكفلر بإقناع الرأي العام بأن ضمان الأمن القومي للولايات المتحدة لن يتحقق إلا بالسيطرة على حقول نفط الشرق الأوسط.
المسرح الأن أصبح جاهزا لأحد أكثر عمليات التلاعب والإحتيال خداعا والمتعلقة بكيفية الإستفادة من الإرتفاع المتوقع بنسبة ٤٠٠% لأسعار النفط وهي التي تم إتخاذ أول خطوة نحو تحقيقها بإجتماع سري للغاية عقد في جزيرة سويدية منعزلة وشاركت فيه مجموعة من كبار المصرفيين وأصحاب شركات النفط. ذالك الإجتماع كان سوف يترجم عن خطوات عملية وتطبيقية كأول إستخدام للنفط كسلاح من أسلحة الحروب الناعمة, النفط كسلاح للتغيير.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية








Wednesday, October 22, 2014

ماهي العلاقة بين نظرية ذروة الإنتاج النفطي وتحول الولايات المتحدة إلى دولة مصدرة للنفط؟

هناك الكثير من الجدل الذي يدور هذه الأيام في المواقع والصحف والمنتديات حول الأخبار المتواردة المتعلقة بتحقيق الولايات المتحدة الإكتفاء الذاتي من النفط وتحولها قريبا لدولة مصدرة ومنافسة المملكة العربية السعودية كأكبر مصدر للذهب الأسود. ذالك الجدل توج مؤخرا برسالة الأمير الوليد بن طلال والتي قام بتوجيهها إلى عدد من الوزراء منهم وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي ووزير الإقتصاد والتخطيط الدكتور محمد بن سليمان الجاسر, حيث تضمنت تلك الرسالة العديد من الملحقات كمقالات تم نشرها في صحف عربية وأجنبية وتضمنت أيضا إحصائيات وأرقام ويحذر فيها من معاناة المملكة العربية السعودية من عجز متوقع في الميزانية سنة ٢٠١٤ أو ٢٠١٥ على أقصى تقدير.
ليس هاذا أول المواضيع التي كتبتها في الرد على مزاعم تحول الولايات المتحدة إلى دولة مكتفية ذاتيا بل ومصدرة للنفط وبالتأكيد لن يكون أخرها ولكن هاذا الموضوع سوف يكون مختلفا من ناحية الغوص في أدق التفاصيل والكشف عن أكبر كذبة خدعت بها شركات النفط الأجنبية العالم لعقود ومازالت.
بداية أحب أن أذكر بقاعدة عامة للحكم على تلك النوعية من الأمور الجدلية. تلك القاعدة تقول: أن إرتفاع أو إنخفاض سعر سلعة معينة أو خدمة معينة بدون حدوث تغيير ملحوظ في العرض والطلب على تلك السلعة قد يحمل شبهة تلاعب.
لم يكن هناك أمر مقلق لشركات النفط العملاقة والأكثر نفوذا سوى مسألة إغراق الأسواق بالنفط وإنخفاض سعره ولذالك كانت المحافظة على الهيمنة والقدرة على التحكم بسعر النفط بالنسبة لهم أمرا حيويا.
في سنة ١٩٤٨ ومن خلال إحدى شركات النفط الفرعية (ARAMCO) التابعة لمجموعة شركات روكفيلر النفطية (STANDARD OIL COMPANIES) تم إكتشاف حقل جواهر في المملكة العربية السعودية والذي يعد الأكبر في العالم. وبحلول سنة ٢٠٠٥, فقد تم إنتاج ٥٥ مليار برميل نفط مما جعل قدرة حقل جواهر الإنتاجية تتجاوز أي إكتشاف نفطي أخر حتى وقتنا الحاضر. إكتشاف ذالك الحقل كان نقطة مفصلية أدت إلى تغيير في سياسة شركات النفط وتحويل الولايات المتحدة الغنية بالنفط إلى دولة تعتمد على النفط المستورد. في فترة لاحقة سنة ١٩٥٣ تم إكتشاف حقل الرميلة النفطي في العراق حيث كانت شركات النفط ماضية في سياستها التي تتلخص في الإعتماد على نفط الشرق الأوسط الرخيص مقارنة بكلفة إستخراج النفط في بلدانها الأصلية وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا.
إن ذالك التغيير في السياسة النفطية قد جلب إفلاس المئات إن لم نقل الألاف من شركات النفط الصغيرة والمتوسطة الحجم خصوصا في الولايات المتحدة. في عام ١٩٥٠, كانت تكلفة إستخراج برميل النفط في السعودية من حقل جواهر مثلا هو ٢٠ سنت أمريكي للبرميل الواحد الذي كان يباع بمبلغ ١.٧٥ سنت ممايعني نسبة أرباح تزيد عن ٤٠٠% في بعض الحالات تصب في خزائن شركات النفط. إستخراج النفط في الولايات المتحدة لم يكن بذات قيمة الجدوى الإقتصادية بالإضافة إلى أن شركات النفط لم تكن تدفع أي ضرائب عن النفط المستورد من الشرق الأوسط مما منحها ميزة تنافسية كبيرة مقارنة بشركات النفط المحلية الصغيرة والمتوسطة الحجم.
المشكلة التي واجهتها شركات النفط العملاقة وقامت بدراستها في وقت مبكر هي أن النفط أصبح محركا رئيسيا للإقتصاد العالمي وهناك إحتمال بإكتشاف حقول ضخمة كحقل جواهر والرميلة من قبل شركات خارج دائرة تحالف (Standard Oil Trust). في تلك الحالة فإن هناك حاجة إلى تغيير جذري في السياسة النفطية وتكيفها مع الوضع المستقبلي والإبقاء على أسعار مرتفعة للنفط.
وكخطوة أولى للشركات الأمريكية والبريطانية المهيمنة على سوق النفط فقد تقرر الحاجة إلى حجة علمية منطقية لنشر الخرافة بأن إحتياطيات النفط العالمية محدودة وأنها تتناقص بشكل متسارع. تم إختيار عالم في الجيوفيزياء من خريجي جامعة شيكاغو إسمه ماريون كينج هوبرت(Marion King Hubbert) الذي كان يعمل مع شركة شيل(Shell) في ولاية تكساس.
تم الطلب من مستر كينج(King - الملك) وهو اللقب الذي كان يفضل أن يتم مناداته به أن يقدم ورقة بحثية لمؤتمر معهد النفط الأمريكي في لقائهم السنوي وذالك سنة ١٩٥٦. إستند ماريون هوبرت في ورقته البحثية على النظرية التي لم يثبت صحتها علميا بأن النفط هو وقود أحفوري مكون من مركبات حيوية نتجت عن تراكم طبقات من أشكال متنوعة من الحياة منها الديناصورات و الطحالب. قبل ماريون تلك النظرية بدون نقاش أو تمحيص في مدى صحتها من عدمه وبدء في بناء نظريته حول مايسمى (Neo-Malthusianism) والتي تتعلق بأمكانية رفع المستوى المعيشي لسكان بلد معين في حال تم إستخدام وسائل منع الحمل مما يؤدي إلى القضاء على السلبيات المتأتية من زيادة غير مدروسة لعدد الولادات الجديدة.
نظرية ماريون كانت تشترك مع (Neo-Malthusianism) في النقطة المتعلقة بالتحكم بعدد السكان ولكن عن طريق التحكم بإمدادات الطاقة وليس من خلال وسائل منع الحمل. نظرية ماريون المتعلقة بندرة أو نقص المشتقات النفطية كانت أمرا ضروريا لشركات النفط الإنجلو-أمريكية لتتمكن من التحكم بأسعار النفط إرتفاعا أو إنخفاضا بإعتباره شريان الحياة للإقتصاد العالمي.
نظرية الملك هوبرت لم تعتمد على أي دراسة علمية حقيقية وواقعية لحقول النفط نفسها وهو نفسه إعترف في مقابلة أجريت معه سنة ١٩٨٩ فترة قصيرة قبل وفاته أن الطرق التي إتبعها في بناء نظريته ليس لها أي أساس علمي كما أنه إعترف بعرض ورقته البحثية على رئيس شركة شل قبل قرائتها في المؤتمر والذي علق عليها بأنه يتمنى أن يتمكن ماريون من نفي نظرية العالم لويس جي ويكس بخصوص كمية الإحتياطيات النفطية في الولايات المتحدة.
وبما أن أغلب كتب الجيولوجيا المدرسية والجامعية تم تأليفها في الولايات المتحدة أو أنها ذات مرجعية أمريكية فإن تلك النظرية أصبحت مقبولة عالميا على نطاق واسع وبقي التحكم بها وتوجيه مسارها سياسيا وعسكريا إن لزم الأمر.
سنة ١٩٨٠ قام عالم في جيولوجيا النفط من ولاية تكساس يعد من بين الذين يتمتعون بالمصداقية في مجال تخصصه ويدعى مايكل تي هاليبوتي(Michael T Halbouty) بنشر موضوع في مجلة وول ستريت ملخصه هو أن هناك إحتمال بوجود ٦٠٠ حوض أو حقل نفطي حول العالم منها ١٦٠ تعد مجدية إقتصاديا, ٢٤٠ مجدية جزئيا و٢٠٠ لم يتم إستكشافها. وأنه بحلول سنة ١٩٧٨ تم حفر ٣.٤٤٤.٦٦٤ بئر حول العالم منها ٢.٥١٣.٥٠٠ في الولايات المتحدة أي مانسبته ٧٣% ولكن نسبة الأحواض النفطية في الولايات المتحدة لاتزيد عن ١٠.٧% من مجموع عدد الأحواض عالميا. وبالتالي فإن نسبة الأحواض المتبقية حول العالم(١٠٠ - ١٠.٧ = ٨٩.٣%) والتي لم يتم حفر إلا مانسبته ٢٧% منها.
نظرية ماريون قائمة على مبدأ أن أغلب الحقول النفطية تم إستكشافها وإستغلالها ولكن ذالك يتعارض مع معلومات مايكل هاليبوتي والذي يعد أكثر مصداقية من ماريون. ولكن لأن تلك المعلومات لم تكن في مصلحة الشركات النفطية فقد تم طمسها من قبلهم وسارت الأمور كما يخططون ففي سنة ١٩٧٠ وصل إنتاج النفط في الولايات المتحدة إلى مرحلة الذروة ثم بدأ بالإنحدار. وصل إلى ذروة الإنتاج على الورق فقط وهو أمر أثار الإنتباه والقلق وأطلق جرس الإنذار غير أنه كان ليس عبارة إلا عن إنذار كاذب.
أحد زملاء ماريون(الملك هوبرت) ممن عملوا معه في شركة شل(Shell) خلال فترة الخمسينيات ١٩٥٠ ويدعي دينيس ديفايس أن الطرق المتعددة التي إتبعها ماريون لإثبات صحة نظريته ليست واضحة وأنه على الرغم من أكثر من ١٠٠ غداء مشترك بينهما ومناقشات مطولة عديدة فإنه(دينيس) لم يتوصل إلى الكيفية التي تمكن فيها ماريون من إثبات نظريته ولم يتمكن من فحص أي أدلة. ماريون قام بإخفاء أدلته ونتائج بحوثه والكيفية التي توصل بها إلى إستنتاجاته حتى عن أقرب زملائه في العمل. في الحقيقة فإن دينيس نفسه كان يقوم بالترويج لنظرية زميله السابق ماريون حين عمل كأستاذ للهندسة الجيولوجية في جامعة برينكتون مما يدل عن أنه لا يمتلك الشجاعة لإعطاء رأي أكاديمي واضح وصريح على تلك المسألة المهمة.
في ذالك الوقت, أي فترة الخمسينيات, فقد كان لويس جي ويكس(Lewis G Weeks) أحد أكثر العلماء إحتراما وتقديرا من العاملين في الأبحاث المتعلقة بإحتياطيات النفط في الولايات المتحدة حيث قدر كمية ٤٠٠ مليار برميل مع مراجعته الدورية لتلك البيانات تصحيحا بناء على تحديث المعلومات التي بحوزته ورفع مستوى الكمية بما يزيد عن ٤٠٠ مليار.
ماريون(الملك هوبرت) قد فهم الرسالة الموجهة إليه من رئيس شركة شل وقام في خطبته بتقدير الكمية بما لايزيد عن ٢٠٠ مليار برميل متوقعا ذروة الإنتاج سنة ١٩٧٠ كما أنه وفي نفس الورقة قام بتقدير كمية الإحتياطيات عالميا بكمية ١٢٥٠ مليار برميل. شركة بريتش بيتروليوم سنة ٢٠٠٨ قامت بعمل تقديرات للإحتياطيات العالمية بين ١.٨ تريليون برميل و ٢.٢ تريليون برميل.
إن مانسبته ٩٠% من النفط الذي تم إستهلاكه حتى سنة ٢٠٠٨ قد تم ذالك في الفترة التي تلت سنة ١٩٥٨ مما يعني ١٠٠٠ مليار برميل من ١٢٥٠ مليار خلصت إليها دراسة ماريون(الملك هوبرت) قد تم إستهلاكها فكيف تكون الكمية المتوفرة سنة ٢٠٠٨ حسب تقديرات شركة بريتش بيتروليوم(BP) تزيد بمقدار يصل إلى الضعف؟ من الواضح أن هناك ثغرات عديدة في نظرية ماريون(الملك هوبرت) وأنها لم تعتمد أي أساس علمي وإنما تم بنائها حول مطالب ورغبات شركات النفط الأمريكية والبريطانية على وجه الخصوص.
بحلول سنة ١٩٧٠, كانت نظرية ماريون(الملك هوبرت) بخصوص ذروة الإنتاج(Peak Oil) قد إنتشرت وأصبحت أمرا مفروضا حيث إنخفض إنتاج الولايات المتحدة من النفط ولكن ليس بسبب صحة تلك النظرية بل لعوامل وأسباب بعيدة كل البعد عن فرضيات نظرية ماريون(الملك هوبرت).
في الختام أحب أن أنوه إلى أنه من الواضح أن نظرية ذروة الإنتاج النفطي ليست إلا خرافة تستخدمها شركات النفط للتلاعب بالأسعار لغايات ليست دائما تجارية فالتداخل الحاصل بين شركات النفط والحكومات متشابك بطريقة يصعب فك لغزها.


لو كانت نظرية ذروة الإنتاج النفطي صحيحة فكيف يتم تفسير عودة الولايات المتحدة ليس لتصبح دولة مكتفية ذاتيا من النفط بل مصدرة رئيسية له؟ أليس من المفترض أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط سوف يبدأ بالإنحدار سنة ١٩٧٠؟ أين المدافعون عن نظرية ذروة الإنتاج النفطي؟
إن مايتم ترديده هذه الأيام بخصوص تحقيق الولايات المتحدة ليس فقط الإكتفاء الذاتي من النفط بل تصديره متفوقة على المملكة العربية السعودية كأكبر مصدر للنفط, هو أكبر كذبة وأكبر خرافة تقوم شركات النفط الأمريكية بنشرها ويقوم البعض بترديدها بدون تدقيق ولا تمحيص مسببين بنشر حالة من الفوضى والإرتباك بين المواطنين في الدول المصدرة للنفط فالولايات المتحدة قد تقوم بتخفيض إستيرادها للنفط من المملكة العربية السعودية لتزيد إستيراده من كندا أو من أي دولة أخرى. النفط ليس إلا سلاح من أسلحة الحرب الناعمة الذي يتم إستخدامه هذه الأيام في معركة سياسية تذكرني بأحداث الحرب الباردة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Monday, October 20, 2014

لمحة تاريخية عن أسرة روكفيلر ودورها في تحويل النفط إلى وسيلة للسيطرة الإجتماعية على الشعوب

لن نستطيع الخوض في في أي موضوع له علاقة بالنفط وإنتاجه وإنخفاض أسعار أو إرتفاعها بدون خلفية تاريخية مختصرة عن أسرة روكفلر التي تسيطر حتى يومنا هاذا على كبريات شركات النفط وتتحكم بالأسعار وتستخدم النفط كسلاح صامت للتحكم في مصير الشعوب, وكيف تم تأسيس شركة ستاندرز أويل ترست(Standard Oil Trust) والتي تعد مركز قوة أسرة روكفلر.
إن شركة ستاندرز أويل ترست(Standard Oil Trust) شكلت بحلول سنة ١٩٥٠ تحالف مصالح للسيطرة على النفط والتحكم بأسعاره مع حفنة من كبريات شركات النفط خصوصا البريطانية والهولندية. أسرة روكفلر ممثلة بشركة  ستاندرز أويل ترست(Standard Oil Trust) كانت تملك حصصا مؤثرة في كبرى شركات النفط الدولية والتي تتخذ من الولايات المتحدة مركزا رئيسيا لعملياتها وهي; شركة(Standard Oil Of California - Chevron) وشركة(Standard Oil Of New Jersey - Exxon) وشركة(Standard Oil of New York - Socony later called Mobile).
بحلول سنة ١٨٨٢ كانت عائلة روكفلر تسيطر على ٩٥% من النفط في الولايات المتحدة وذالك بمساعدة عائلة روتشيلد وقاموا بتأسيس مؤسسة ستاندرز أويل ترست(Standard Oil Trust) في الولايات المتحدة إلا أن قرارا من المحكمة العليا في ولاية أوهايو صدر بحل هذه المؤسسة الإحتكارية فقامت الأسرة بنقل نشاطها النفطي إلى ولاية نيويورك وغيرت إسم الشركة إلى (Standard Oil Of New Jersey) والتي تغير إسمها فيما بعد إلى (Exxon). وفي سنة ١٩١١ صدر قرار من المحكمة الأمريكية الإتحادية العليا بحل تلك المؤسسة الإحتكارية متهما إياها بالتأمر على سلامة الولايات المتحدة.
تمكنت أسرة روكفيلر من التحايل على قرار الحل سنة ١٩١١ بتأسيس عدة شركات إحتكارية وإزدادت ثروة الأسرة بإمتلاكها حصصا في العديد من الشركات التي كانت تستخدم كواجهة لتقوم بشراء أو إمتلاك حصص في شركات نفط لمصلحة أسرة روكفلر بدون لفت أنظار السلطات.
كانت إمبراطورية روكفيلر تدار من قبل أربعة إخوة أصغرهم ديفيد روكفيلر والذي تفرغ لإدارة بنك الأسرة(Chase National Bank) والذي برز كثاني أكبر بنك دولي في مدينة نيويورك حيث كانت تدار من خلال المصالح والتعاملات المالية لشركة(Standard Oil Trust).
الأخ الثاني نيلسون تولى عددا من المناصب الحكومية المؤثرة منها مستشار الرئيس فرانكلين . د . روزفلت لشؤون أمريكا اللاتينية كما خدم كمستشار للرئيس هاري . س . ترومان والرئيس دوايت أيزنهاور كمتخصص في الحرب النفسية حيث ساهم في إدارة دفة الصراع خلال الحرب الباردة مع الإتحاد السوفياتي.
الأخ الثالث جون . د الذي لعب دورا مهما في مستقبل اليابان خلال فترة مابعد الحرب العالمية الثانية وتولى مسؤولية برنامج أمريكي له علاقة بتحديد النسل عالميا. كما أنه تولى مسؤولية صندوق الإخوة روكفيلر ومؤسسة روكفيلر حيث كانت لمنح الصندوق المخصصة للأبحاث العلمية حول العالم مساهمة في تشكيل مستقبل تلك الأبحاث بما يخدم المصالح الخاصة لشركات روكفيلر.
الأخ الرابع لورنس والذي كان الأكثر مبادرة من بين الإخوة الأربعة في إنشاء المشاريع التجارية والمصالح منها شركة طيران وشركات مالية وعدد من المؤسسات الأخرى.
نفوذ أسرة روكفيلر لم يكن يتمدد بفضل ملكيتهم فقط لشركة (Standard Oil Trust) بل كانوا يملكون حصصا مساهمة ومؤثر بشركات ومكاتب الصناعات الدفاعية أو التي لها إستخدام عسكري مثل ديو-بونت, جينرال إليكتريك وروكويل الصناعية وغيرها من الشركات والمكاتب.كما أن نفوذ الأسرة قد إمتد إلى مايسمى معاهد رسم السياسات الأجنبية(Think Tank) حيث أن أحدها وهو معهد السياسات الخارجية(CFR) قد كان مسؤولا عن وضع الخطوط العريضة لبنود معاهدة فرساي والتي تم توقيعها إثر إنتهاء الحرب العالمية الأولى.
الشخصين الأكثر تأثيرا خلال إدارة الرئيس الأمريكي أيزنهاور وهما الأخوين ألين دالاس وجون فوستر دالاس قد قاما ببناء حياتهما المهنية من خلال العمل ضمن إمبراطورية روكفيلر. الأول تولى منصب مدير المخابرات المركزية الأمريكية والثاني سكرتير الحكومة وهو منصب يعادل وزير الخارجية في بعض الدول والأخوين الإثنين كانا وراء تدبير عدد من الإنقلابات في دول أمريكا اللاتينية والتي قامت بتأميم مصالح أمريكية كان منها أراضي عائدة لشركة الفواكه المتحدة المملكوكة للأخوين دالاس.
كانت مجموعة شركات روكفلر النفطية قد تمكنت بحلول سنة ١٩٥٠ بالإضافة إلى نسج تحالفات إستراتيجية وعلاقات تجارية مع شركات أخرى وإمتلاك حصص مؤثرة في العديد من المؤسسات والشركات بالإضافة إلى ترابط داخلي بينها وبين دولة الأمن القومي الصاعدة أو مايعرف بإسم الدولة البوليسية, الشرطي العالمي. الألة العسكرية المتنامية للبنتاجون جعلته من أكبر زبائن شركات روكفيلر النفطية حيث كانت شركات النفط ومازالت إلى يومنا هاذا تعامل تماما كالبقرة المقدسة في الهند, ممنوع إيذائها, حيث أنه من الممنوع والمحرم المساس بمصالح الشركات النفطية التي تهمين عليها أو تمتلكها أسرة روكفيلر على وجه الخصوص. فالنفط كان مهما جدا بالنسبة للأمن الإقتصادي للولايات المتحدة ليتم التحكم فيه من السوق الحرة أو قوانين مكافحة الإحتكار ومنع تحديد الأسعار(Price-Fixing Cartels).
سنة ١٩٤٨ قامت مؤسسة روكفيلر وبناء على توصية مهندسين مختصين بما يعرف بالعلوم الإجتماعية وكيفية التحكم بالجماهير واسلوب حياتها بمنح عالم الإقتصاد في جامعة هارفارد واسيلي ليونتيف منحة بمبلغ ١٠٠ ألف دولار, وهو مبلغ كان يعد كبيرا نسبيا بذالك الوقت. هدف المنحة هو إجراء دراسات وأبحاث على كيفية تحويل النفط إلى وسيلة للسيطرة الإجتماعية حيث تم إختبار تلك الوسائل على الشعب الأمريكي ثم تم تعميمها لاحقا لتشمل مجمل الإقتصاد العالمي.
ولكن من هو واسيلي ليونتيف؟
هو إقتصادي من أصل روسي هاجر إلى الولايات المتحدة خلال دراسته الجامعية وقام بتأسيس مشروع أو قسم للأبحاث الإقتصادية في جامعة هارفارد مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية. هدفه كان تطوير نموذج إقتصادي دقيق وديناميكي مرن بالإعتماد على بيانات المدخلات والمخرجات الصناعية.
وقد ساهمت لاحقا وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتمويل أبحاث واسيلي والتي كانت طموحة وتم لأول مرة إستخدام أجهزة الكمبيوتر الرقمية أي بي إم(IBM) المتطورة[بمعايير ذالك الزمان] في تحليل ودراسة متغيرات إقتصادية معقدة. نتائج تلك الأبحاث كانت ذات قيمة كبيرة لمن قاموا بتمويلها[مؤسسة روكفيلر] حيث أنه أصبح بمقدورهم توقع متى يكون النمو الإقتصادي مهددا لمصالحهم ومتى يكون عكس ذالك.
إن أصل الفكرة التي عمل على تطويرها ليونتيف جائت من خلال مايعرف عمليات الأبحاث وهي التي تم إستخدامها خلال فترة الحرب العالمية الثانية من قبل الجيش الأمريكي وتتمحور حول الطاقة وكيفية ترشيد إستخدامها بالطريقة المثلى من خلال دراسة مايحصل في اليابسة والبحر والسماء[العمليات البرية والبحرية والجوية] وتم تطويرها لتشمل نواحي حياتية وإقتصادية مختلفة بما يخدم مصالح مؤسسة روكفيلر وخصوصا في مجال الطاقة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Sunday, October 19, 2014

لمحة تاريخية عن إنشاء بنك الإحتياطي الفيدرالي

إنشاء بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي سنة ١٩١٣ كان أحد الأمور التي لها تأثير على المضاربة على أسعار صرف العملات حيث كان الزلزال الذي وقع في مدينة سان فرانسيسكو بتاريخ ١٨ أبريل سنة ١٩٠٦ أثر كبير على حركة الأسواق ورأس المال التي تسبب بالأزمة المالية التي حصلت سنة ١٩٠٧ والتي تعد الجذور التي نبتت منها فكرة تأسيس بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
الزلزال الذي كان بقوة ٧.٩ تقريبا بمقياس ريختر نتائج كثيرة من ناحية الخسائر في الأرواح والتي بلغت تقريبا ٣٠٠٠ قتيل  وخسائر مادية كبيرة حيث تحولت أجزاء من المدينة إلى مجرد أطلال وأكوام من بقايا المباني. أحد النتائج الكارثية كان التأثير على الأسواق المالية حيث جعلها مضطربة وغير مستقرة وبمجرد محاولة أحد أكبر الصناديق الإئتمانية (Knickerbockers) بطريقة إحتيالية الإستحواذ على أسواق تجارة النحاس سنة ١٩٠٧ بمشاركة من بنوك أخرى كان لها دور ثانوي, حتى إنفجرت أزمة مالية وأزمة في سوق الأسهم وخصوصا أن (Knickerbockers) كان أحد أكبر البنوك في أمريكا.
الأزمة المالية إنتهت بعد تدخل جي بي مورجان(J.P. Morgan) وإستدعائة لمدراء البنوك والمؤسسات المالية الكبرى وعدم السماح لهم بالخروج من منزله حتى التوصل إلى إتفاق لتهدئة السوق المالي وضخ كميات كبيرة من النقد لإعادة الإستقرار.
الأزمة المالية سنة ١٩٠٧ أثارت المخاوف من حصول أزمات مماثلة تؤدي إلى نتائج ذات أثار دائمة وكارثية حيث برزت الحاجة إلى وجود بنك مركزي في امريكا يؤدي مهمة تنظيمية بالإضافة إلى إقراض البنوك الخاصة المال اللازم للخروج من أزماتها المالية.
قد أدرك أصحاب الفكرة أنها لحاجة إلى تمهيد ودعاية وأنه لا يصلح فرضها بشكل مفاجئ وإلا سوف تفشل كما فشلت فكرتان سابقتان حيث كان هناك مايمثل بنكان مركزيان في أمريكا في سنة ١٧٩١ بمرسوم ينتهي العمل به سنة ١٨١١ ولم يتم التجديد من قبل الكونجرس والأخر سنة ١٨١٦ مع مرسوم صلاحية لعشرين سنة حتى ألغاها الرئيس الأمريكي أندرو جاكسون سنة ١٨٣٦ بعد   إنتهاء فترة  المرسوم المحددة بعشرين عاما.
التجربتان السابقتان أثبتتا الحاجة إلى بنك مركزي ذو صلاحية واسعة وقدرة مالية ولا يرتبط سوى إسميا بالهيئات الحكومية بينما هو مملوك لهيئات وبنوك خاصة فبدأت الفكرة بالهيئة المالية الوطنية(National Monetary Commision) حيث تم عمل ندوات وحوارات وورش عمل للترويج للفكرة وتم دعوة ملاك البنوك وأصحاب المال والأعمال لتلك الندوات والحوارات التي كانت تناقش فيها تلك الفكرة. سنة ١٩٠٩ نضجت فكرة البنك المركزي الأمريكي وفي سنة ١٩١٠ تم دعوة نخبة من رجال المال والأعمال وأصحاب البنوك إلى جزيرة تابعة لولاية جورجيا تدعى (Jekyll) وذالك من قبل السيناتور نيلسون أندريتش (Nelson W. Aldrich) وتم إعلامهم بضرورة التكتم والسرية وتجنب وسائل الإعلام بكل وسيلة ممكنة حيث تم إتباع طرق السفر بالقطار والحافلات بداية من ولاية نيوجرسي ثم إنتهاء في جزيرة (Jekyll).
كانت نتيجة ذالك الإجتماع هو ما أصبح يعرف بقانون أو ورقة عمل(Aldrich) والتي أصبحت نواة بنك الإحتياط الفيدرالي حيث تم إعطائها قوة تشريعية بتحويلها إلى قانون نافذ وخرجت إلى النور بتاريخ ٢٣\ديسمبر\١٩١٣ حيث تم إقرارها من قبل الكونجرس بأغلبية كبيرة وأصبحت واقعا على الأرض في نوفمبر ١٩١٤.
كانت ورقة عمل Aldrich تحتوي على الكثير من النقاط التي حاول فيها تجنب الأعتراضات على تأسيس وطريقة عمل البنوك المركزية فمثلا تمت تسمية المؤسسة الوليدة ببنك الإحتياطي الفيدرالي وليس البنك المركزي الأمريكي. كما أن البنك لم يتكون من مؤسسة مالية مركزية واحدة بل هو مكون من مجموعة بنوك إحتياطي في مختلف الولايات الأمريكية ويدار من قبل مجلس الإحتياطي الفيدرالي الذي يتم تعيين أعضائه من قبل الرئيس الأمريكي ويكونون خاضعين لسلطات مجلس الشيوخ وليس النواب. نظريا تبدو هيكلية البنك لا مركزية وديمقراطية ولكن في الحقيقة فإن بنك الإحتياطي الفيدرالي في نيويورك هو من يتحكم بسياسة بنك الإحتياطي الفيدرالي ويدار بنك الإحتياطي الفيدرالي في نيويورك من قبل مجلس المديرين يرأسهم شخص يطلق عليه حاكم البنك ويتم إنتخابهم من قبل حملة الأسهم وليس من قبل السياسيين حيث أن حملة الأسهم هم من المساهمين في أكبر بنوك نيويورك.
وفي سنة ٢٠٠٨ تحقق أحد الأهداف التي أنشئ من أجلها بنك الإحتياطي الفيدرالي  حيث تم القيام بأكبر عملية إنقاذ مالي من الإفلاس في التاريخ لبنك (City-Bank) حيث كان ملاك (City-Bank)والذي في الأصل كان مؤلفا من البنك الوطني الأول(First National Bank) لصاحبه فرانك فانديرليب وبنك المدينة الوطني(National City-Bank) لصاحبه تشارليز نورتون, هم من المؤسسين  لبنك الإحتياطي الفيدرالي ومن المشاركين في إجتماع جزيرة (Jekyll) والتي أنتجت قانون أو ورقة عمل (Aldrich).
في الختام أحب أن أقوم بالتنويه إلى نقطتين لم تتح لي الفرصة شرحهما بإستفاضة مخافة التأثير على الفكرة الأساسية للموضوع وهي الخلفية التاريخية لإنشاء بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي. النقطة الأولى هي أن الأزمة المالية التي حصلت سنة ١٩٠٧ إثر زلزال مدينة سان فرانسيسكو كما ذكرت في الموضوع, تعد واحدة من أكبر وأمهر عمليات الإحتيال المالي التي حصلت حتى تاريخه, فهي أزمة مفتلعة لم يكن لها أي علاقة بالزلزال وإنما حرب مصالح تجارية ومالية تم إستغلال الزلزال وحالة الفزع والإرتباك للتغطية والتعمية والتضليل على الرأي العام في أمريكا والعالم.
النقطة الثانية هي تفاصيل ماجرى وراء الكواليس والمتعلقة بإنشاء مايمثل بنكين مركزيين في الولايات المتحدة والإجتماع الذي عقد في جزيرة جيكل(Jekyll) والذي مهد لإنشاء بنك الإحتياطي الفيدرالي وعلاقة ذالك بحادثة غرق سفينة التيتانيك.
إن النقطتين الذي ذكرتهما سابقا هما من الأهمية بالنسبة لي لشرحهما وتوضيح غموضهما للقارئ العربي, أنني سوف أقوم إن شاء الله بكتابتهما في موضوع منفصل أو أكثر لو إقتضى الأمر ذالك.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية