Flag Counter

Flag Counter

Thursday, July 30, 2015

كيف تم تفكيك وتدمير يوغسلافيا بإسم الحرية والإنسانية وحقوق الإنسان؟

لم تكد تمضي شهور قليلة على التصعيد غير المسبوق ضد العراق في ديسمير 1998, حتى قامت الولايات المتحدة وبريطانيا ببدء حملة جوية ضد يوغسلافيا في مارس 1999 فيما نظر إليه البعض على أنه حملة غربية ضد حلفاء سابقين لما يسمى الإتحاد السوفياتي. السبب الرئيسي للحرب كما ذكر رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير هي منع حدوث كارثة إنسانية والحد من قدرة الرئيس اليوغسلافي على شن الحروب ضد السكان المدنيين الأبرياء. الحرب التي قامت على شعار طنان وهو الإنسانية حيث تلقت تأييدا من الصحافة البريطانية الليبرالية كالجارديان والإنديبيندنت حيث تم إستغلال ذالك الشعار في حملة إعلامية في الفترة التي سبقت الحرب. إن المزاعم أن القصف الجوي سوف يمنع الكارثة الإنسانية كانت عبارة عن أكاذيب ومحض خيال حيث تناقضت التصريحات بين المسؤولين البريطانيين أنفسهم وحتى الأمريكيين  الذين زعموا 100 ألف ضحية ممن في عمر مناسب لحمل السلاح بينما زعم البريطانيون 10 ألاف ضحية. سكرتير وزارة الخارجية البريطانية(روبن كوك-Robin Cook) زعم سقوط 2000 شخص ضحية التطهير العرقي قبل بدء الحملة الجوية مما يعني أنه سقط 8000 ضحية جديدة إثر تلك الحملة, أربعة أضعاف عدد الضحايا. عدد المهجرين داخليا كان 200 ألف شخص و70 ألف لاجئ بينما قام النظام الصربي بعد بدء القصف بحملة أدت إلى طرد 850 شخص من مواطني كوسوفو إلى مقدونيا وألبانيا. الحملة بدأت في 20 مارس 1999 وذالك إثر بداية القصف ومغادرة مراقبي منظمة الأمن والتعاون حيث قامت قوات الجيش الصربي وميليشيات شبه عسكرية بتهديد وطرد السكان الكوسوفيين في كل قرية كانوا يمرون بها ومن منزل إلى منزل.
تقرير ألماني بتاريخ فبراير 1999 بخصوص الأوضاع في كوسوفو ذكر أن أغلب الضحايا سقطوا نتيجة صراع بين الجيش اليوغسلافي ومايسمى جيش تحرير كوسوفو(KLA) وليس نتيجة عمليات تطهير عرقي وطائفي, كما ذكر أن الحياة في المدن الرئيسية عادت إلى طبيعتها.
تصريحات مسؤولين أخرين في الأمم المتحدة أيدت التقرير الألماني. المبعوث الأمريكي الخاص جيري داينستبير(Jiri Dienstbier) ومساعدة مسؤول بعثة المراقبة في كوسوفو الدبلوماسية الأمريكية نورما براون(Norma Brown) ذكروا أن الضحايا هم نتيجة قتال بين الجيش والمتمردين وأن هناك كارثة إنسانية سوف تحدث في حال بدأ الناتو حملة القصف. الحملة الجوية نجحت في إجبار الرئيس الصربي ميلودان ميلوسيفيتش على سحب قواته من كوسوفو ولكنها لم تنجح في منع حصول كارثة إنسانية.
الأجهزة الأمنية الألمانية قامت بالترويج لمزاعم عملية تطهير عرقي أطلق عليها إسم(Horseshoe - حدوة الحصان) كان الرئيس اليوغسلافي ينوي القيام بها وتبين فيما بعد أنها وهمية وتم إستنساخها من ملفات الأجهزة الأمنية البلغارية وبدون أي دليل إثبات. العملية Horseshoe تم الكشف عنها بعد أسبوعين من بدء القصف وتم الترويج لها إعلاميا وإستخدامها كذريعة بأن القصف كان واقعا لا محالة.
السؤال هو هل كانت حملة القصف الجوي التي كان الناتو ينوي القيام بها من المتوقع أنها سوف توقف عمليات الإبادة المزعومة التي يقوم بها نظام الرئيس اليوغسلافي؟ ألا يذكركم ذالك بالمزاعم إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والمزاعم بإستخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي في معاركه ضد تنظيم القاعدة في سوريا؟
الحملة كانت لأهداف سياسية لها علاقة بتوسع الناتو في دول كانت تدور ضمن فلك الإتحاد السوفياتي وصفقات أسلحة مستقبلية بعشرات المليارات من الدولارات وإستفادة الشركات الغربية من الفرص التي توفرها سياسات النيو-ليبرالية التي سوف يتم إجبار بعض الدول على إتباعها ولكنها لن توقف الصرب والكوسوفيين من الإقتتال ولن توقف عمليات التطهير العرقي المتبادلة. ذالك كان رأي مجموعة واسعة من المسؤولين في وزارة الدفاع البريطانية والأمريكية الذين حذروا الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وقائد قوات الناتو ويسلي كلارك كما كان ذالك رأي مدير المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينيت. ويسلي كلارك ذكر أن الحملة الجوية لم تكن مصممة من الأساس لوقف عمليات التطهير العرقي التي كان النظام اليوغسلافي يقوم بها.
الحرب على يوغسلافيا كانت أشبه بعملية قرصنة تصرف فيها البعض كزعماء مافيا حيث أنها تم تنفيذها بدون موافقة الأمم المتحدة وبالمخالفة من المادة خمسة من معاهدة تأسيس الناتو التي ذكرت إستخدام القوة في مجال الدفاع عن النفس. حتى محكمة العدل الدولية فشلت في تحقيق العدالة في القضية التي رفعتها إليها يوغسلافيا ضد مجموعة من دول الناتو بإعتبار الحرب غير قانونية حيث أن تطبيق العدالة في تلك المحكمة إنتقائي كما في حالة السودان.
الهجمات الجوية تسببت بمقتل 500 مدني صربي حيث تم قصف أهداف مدنية مثل محطة التلفزيون والراديو الصربية وجسور تقع في طرق مواصلات مزدحمة ومحطات طاقة ومنشئات خدمية وبنية تحتية. بعض تلك الهجمات تم إعتباره كجرائم حرب خصوصا الهجوم على محطة التلفاز والإذاعة الصربية حيث تم إعتباره هجوما مقصودا على هدف مدني بحت سقط ضحيته 16 مدنيا قتلى. وكالعادة لم يكلف الناتو نفسه أو أي من الدول المنضوية تحت لوائه بالقيام بأي تحقيق في تلك الجرائم والتي أدانتها مؤسسات مثل هيومان رايتس واتش.
المحكمة الجنائية الدولية المختصة بيوغسلافيا وجهت إتهامات للقائد الصربي ميلان ماتريك(Milan Martic) بإستخدام أسلحة محرمة دوليا مثل القنابل العنقودية ضد أهداف في مدينة زغرب بينما تم تجاهل إستخدام الناتو لقنابل عنقودية ضد مطار مدينة نيس(NIS) الصربية حيث أنه وبسبب خطأ في حساب سرعة الرياح فقد أخطأت القنابل أهدافها وسقطت في وسط المدينة حيث تقع مجموعة مباني عامة وسوق تجاري مزدحم. الولايات المتحدة وهولندا توقفت عن إستخدام القنابل العنقودية بعد تلك الحادثة. مامجموعه 90-150 من الضحايا سقطوا بسبب القنابل العنقودية والتي شكلت بالنسبة لبريطانيا 50% من القنابل التي ألقتها طائراتها في يوغسلافيا كما أنه هناك الألاف القنابل العنقودية التي لم تنفجر ولم تتم إزالتها.
المشكلة أنه في المفاوضات التي سبقت الحرب والتي جرت في (Rambouillet) وهي منطقة تقع خارج العاصمة الفرنسية حيث كانت من شروط الناتو قبول يوغسلافيا بإحتلال عسكري من قبل الناتو لكوسوفو وحق غير مشروط لمرور أليات وقوات الناتو في طول يوغسلافيا وعرضها مما أمن للناتو رفضا يوغسلافيا وذريعة أخرى لشن الحرب. كما أن الولايات المتحدة وبريطانيا رفضتا كل المبادرات لوقف العمليات العسكرية منها مبادرة ألمانية من بنودها إنسحاب القوات اليوغسلافية من كوسوفو ومبادرة يوغسلافية بالقبول تواجد قوات من الأمم المتحدة في كوسوفو.
القمة الهزلية للأخطاء أنه بينما يزعم الناتو أنهم قاموا بمنع كارثة إنسانية وإبادة جماعية من قبل نظام ميلودان ميلوسيفيتش بحق سكان كوسوفو فإن حملتهم الجوية تسببت في نزوح أكثر من 200 ألف مواطن صربي بنهاية سنة 2000 وأغلب النازحين كانوا في الأسابيع الأولى من الحملة الجوية. جيش تحرير كوسوفو قام بإعدام ألف مواطن من الصرب ومن الغجر ممن كانوا يعيشون في يوغسلافيا. كل تلك الإنتهاكات جرت تحت أنظار قوات الناتو حيث جرى قتل الصرب والغجر والأقليات العرقية الأخرى وحرق بيوتهم ونهبها حيث لم نسمع أصواتا من الناتو تطالب بمنع كارثة إنسانية أو الدفاع عن المدنيين العزل من قبل جيش تحرير كوسوفو حتى مرور سنة فتم إعتبار تلك الهجمات من قبل بعض المسؤولين البريطانيين ممنهجة.
الجيش الصربي والميليشيات المؤيدة له لم يكونوا مثاليين وملائكيين والضحية الوحيدة في الحرب هي الحقيقة ولكنهم في المحصلة كانوا يدافعون عن بلدهم ووحدتها في مواجهة عصابات(KLM) والتي ليس إلا عبارة عن أصحاب سوابق ومهربين وتجار مخدرات والذين بدورهم إرتكبوا جرائم تم التهليل والتكبير لها في الإعلام العربي المتأخون بإعتبارها جهادا حيث تم إرسال الألاف من الشباب المسلم للمحرقة في البوسنة والهرسك وكوسوفو وألبانيا وتم تقديم الدعم اللوجيستي من قبل قوات الناتو حيث كانت طائراتهم تنقل الرجال والإمدادات للعصابات المتأخونة والقاعدية التي تقاتل بالنيابة عن الناتو في يوغسلافيا.
وإذا كانت كوسوفو والتي قال أنها إستعادت دورها القديم كملجأ ومركز تدريب لمن يطلقون على أنفسهم إسم مجاهدين بالنيابة عن الناتو, قد تحولت لجنة الله على الأراض بفضل حملة القصف الجوي سنة 1999 فلماذا يلجأ الألاف من أهلها هربا من الجنة الكوسوفية إلى جحيم أوروبا؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Tuesday, July 28, 2015

أيبولا داعش وإيدز النصرة وسفلس الجيش الحر وإزدواجية الخطاب الإعلامي

هناك الكثير من المشكلات على مستوى الوطن العربي وعلى المستوى العالمي لم تأخذ حقها من التغطية الإعلامية وهناك إزدواجية في النظرة الإعلامية والخطاب الإعلامي. العالم قد يثور لأجل حيوان أسيئت معاملته ومنظمات حقوق الإنسان التي تثير المشكلات لأهداف سياسية بينما لا نسمع صوتها في إنتقاد الشركات الكبرى والتي يعمل لصالحها الألاف في ظروف عمل غير إنسانية. في الدول الغربية هناك مشكلة عمالة المراهقين وخصوصا في مطاعم الوجبات السريعة في ظروف عمل أشبه بالعبودية الحديثة حيث قتلت سنة 2006 في مقاطعة كويبك الكندية مراهقة كندية تدعى (Brigitte Serre) بعمر 17 عاما أثناء فترة دوام ليلي في محطة بترول من قبل عصابة مكونة من ثلاثة أشخاص مما أثار عاصفة في المجتمع الكندي بخصوص عمل المراهقين أو من هم تحت السن القانوني.
تنظيم داعش يستفيد من مواقع التواصل الإجتماعي كفسيبوك وتويترواليوتيوب لجمع التبرعات وتجنيد المقاتلين ونسبة كبيرة منهم تحت سن 18 عاما ويتبع سياسة إعلامية ويستفيد من دروس الحرب النفسية ويطبق أفراده المهارات الإعلامية التي يتعلمونها بحرفية وبعضهم يتم تجنيده في التنظيم ويمتلك خبرة في التعامل مع الإعلام. الدعاية الإعلامية التي يقوم بها تنظيم داعش والمواد التي يقدمها قد تعتمد على مبدأ من مبادئ التنويم المغناطيسي وغسيل الدماغ ويتم تنفيذها بحرفية عالية.
الحرب على تنظيم داعش هي إعلامية بالدرجة الأولى ويلي ذالك الناحية العسكرية والخطاب الإعلامي الذي يتم به مواجهة داعش قديم ومهلهل. المحطات الفضائية كالجزيرة والعربية تتهم جهات سورية حكومية بأنها تقدم كافة أنواع الدعم لتنظيم داعش بينما الحقيقة هي أن معسكرات داعش تقع في تركيا والعراق حيث سقطت الموصل بسهولة بأيدي التنظيم. إن تلك النوعية من السياسات الإعلامية تؤدي في النهاية إلى خدمة تنظيم داعش وتمييع الخطاب الإعلامي الذي يجب أن يكون موحدا حتى لو في مبادئه الأساسية.
هناك بعض تلك المبادئ التي يجب إعتمادها كأساسيات في مواجهة ذالك التنظيم لعل أهمها أنه ليس سوى نسخة من تنظيم القاعدة تماما كجبهة النصرة وتنظيم خراسان الذي زعمت الحكومة الأمريكية أنها قضت عليه بمجرد القضاء على قائدة المزعوم. السياسة الإعلامية يجب أن تعتمد ذالك الخطاب ويكفي إضاعة الوقت في كونه تنظيم منفصل عن القاعدة من الناحية التمويلية والإدارية واللوجستية. تنظيم داعش هو نفسه تنظيم النصرة والجيش الحر ولكن تم تغيير الإسم لغايات إعلامية وتوسيع رقعة المواجهة من قبل القوى الغربية التي ترغب في إستمرارها إلى مالا نهاية وإستنزاف ميزانيات الدول العربية. جون كيري صرح بأن القضاء على التنظيم سوف يستغرق مابين ثلاثة إلى خمس سنوات ليخرج الرئيس الأمريكي ويجعلها 20 سنة. المشكلة في كون الولايات المتحدة بحاجة إلى العدو رقم (1) حيث أنها بعد أن قتلت أسامة إبن لادن, أعلنت أن أيمن الظاهري الذي تولى زعامة التنظيم هو عدوها رقم (1) وعندما تحين ساعته في دوائر صنع القرار فسوف يتم تلميع عضوا أخر من التنظيم ثم القبض على الظواهري أو إغتياله لتبدأ دورة العدو رقم(1) من جديد.
الطائرات الأمريكية بدون طيار والتي تعمل بلا كلل أو ملل في أفغانستان لدرجة أنها تصور مجاهدي طالبان وهم ينكحون الماعز وتعجز في العراق وسوريا عن تصوير مواكب داعش والتي تعد بعشرات بل مئات السيارات والمصفحات وعربات النقل والشاحنات.  الحدود التركية مفتوحة لإمداد داعش وعناصرها يتجولون بالمدن التركية بلباسهم وشعارهم من دون أن يستوقفهم الأمن التركي والمسرحيات التي قام بها أوردوغان مؤخرا بعد التفجيرات الأخيرة في تركيا والتي تستهدف بالدرجة الأولى الأكراد الذين يحققون بالتعاون مع الجيش السوري الإنتصارات على تنظيم داعش وطردوه من مناطق على الحدود التركية مما يزعج أوردوغان القلق من النزعات الإنفصالية لديهم.
الإعلام العربي مصاب بالشلل بعد أن قبض حتى أصيب بالتخمة وهي عادة ليست جديدة بل وأصبحت من مسلمات الأمور. إعلاميون يعملون في قنوات ويحلفون أغلظ الأيمان أنهم حياديون يصفون مايسمى الجيش الحر بأنه قوات معارضة مسلحة معتدلة وأن التشدد من نصيب جبهة النصرة وداعش وهم أنفسهم من كانوا يدافعون عن جبهة النصرة ويمدحونها ومنهم أعضاء في ما يسمى المجلس الوطني الإنتقالي وذالك حين تم تصنيفها كجبهة إرهابية. الجيش الحر الداعشي قام بتفكيك مصانع حلب وبيعها لعصابات أوردوغان كما قاموا ببيع مانهبوه من صوامع الحبوب في الرقة ودير الزور وبيعه لتركيا وفي حالات أخرى كانوا يلقون بالقمح من الشاحنات حتى لا يستفيد منه السكان والحجة أنه قمح ملوث مرسل من قبل الحكومة لتسميم الأهالي. كما أنهم قاموا بإلقاء موظفي هيئة البريد في مدينة الباب والزعم بأنهم قناصة على الرغم من أنني لم أرى حتى ربع بندقية قنص موضوعة بين الجثث ولن اطالبهم ببندقية كاملة فذالك قد يكون من الطمع والله أعلم.
إعلام المعارضة والقنوات المؤيدة والمساندة له والتي غرقت في بحر الطائفية والأموال التي تقبضها بذات اليمين وذات الشمال تقوم بوصف الشيشان والأفغان واليمنيين وقادمون من زوايا الأرض الأربعة بأنهم مجاهدون قادمون لمساعدة الشعب السوري وعند إنتهاء المعارك سوف يرحلون هكذا بكل بساطة كما فعلوا في أفغانستان وحولوها إلى بلد منكوبة بكل ماتحمله الكلمة من معنى. نفس الإعلام يلوم إيران لأنها ترسل مقاتلين إلى سوريا ويكيل لها التهم. أنا لا أدعم طرفا ضد أخر فذالك لا يعنيني ولكنني اتكلم عن إزدواجية الخطاب الإعلامي العربي وهي نفس الحالة التي تنطبق على كفريا والفوعة من قرى ريف إدلب ونبل والزهراء في ريف إدلب حيث تحاصر قوات المعارضة السورية المعتدلة تلك البلدات وتتوعد سكانها بالذبح لأسباب طائفية ومذهبية. المبعوث الأممي دي مستورا يتكلم عن حلب المحاصرة, الغوطة المحاصرة والزبداني بينما لايسمع صوته في حصار بلدات ريف حلب وريف إدلب. حالة أخرى حيث أن وسائل الإعلام المصابة بفيروس الدعشنة تصاب بحالة من السعار الإعلامي حين تعرض فيديو عن إلقاء البراميل المتفجرة وتزعم عدم دقة إصابتها وعدد الضحايا المدنيين المتزايد بينما لا يسمع أحد صوتا حيث يتعلق الموضوع بما يطلقون عليه ((مدفع جهنم)) الدقيق الإصابة الذي يتم تعديل زاوية إطلاقه عن طريق الليزر والأقمار الإصطناعية.
تنظيم داعش مشكلة إعلامية أكثر منه عسكرية أو تواجده على الأرض فهو موجود في بيئة تمتلئ بالأعداء وخصوصا القبائل في سوريا والعراق والخطوة الأولى للقضاء عليه تتطلب قرارات حازمة منها حظر كامل لجميع وسائل التواصل الإجتماعي التي تصر على التساهل بنشر دعايات داعش وفيديوهاتها والتي يستخدمها التنظيم للتجنيد وجمع الأموال. تويتر وفيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي تقوم على حذف فيديو يفهم منه العداء للسامية وذالك خلال دقائق وعندما قرر اليوتيوب التشدد في الفيديوهات المتعلقة بتنظيم القاعدة فتم حذف 99.999999% من الفيديوهات وأي فيديو جديد يتم تنزيله يحذف بسرعة قياسية. ليس هناك حجة لم يزعمون أن المسؤولين عن تلك المواقع يقفون عاجزين بل ويقال أن أغلب مواقع داعش تجدها تعمل من سيرفرات أمريكية وأوروبية وتلك عليها علامة إستفهام كبيرة في حال ثبوتها.
تغيير لهجة الخطاب الإعلامي العربي الذي يمتاز بالضعف والخوف من الحقيقة فلماذا لايذكرون صراحة الهوية الحقيقية لداعش والنصرة وغيرها من التنظيمات ومن يزودها بالسلاح ومن يعالج جرحاها ومن يسمح لها بعبور حدوده؟ من يلقي لداعش بالمؤن في صحراء الرمادي وغيرها من المدن العراقية؟ طائرات مجهولة تقوم بذالك ولكن هل بقي في عصر التكنولوجيا والتطور الرقمي شيئ إسمه طائرات مجهولة تلقي وسائل قتالية لتنظيم إرهابي في أجواء لايطير فيها عصفور بدون أن يكون مرصودا على الرادار مكان مغادرته ومكان وصوله؟
السماح للمرأة بالعمل يعادل إجبارها على البغاء. إذا تمكنت المرأة من قيادة السيارة فإنها قد تذهب إلى عشيقها ولكن ماذا عن الخلوة مع السائق الأجنبي مما قد يعرضها للتحرش والإبتزاز.
إزدواجية مقرفة وبنفس الطريق لايتم تسليط الضوء الإعلامي على الكتب التي تصدر منها الفتاوي المؤيدة لداعش مثل كتب إبن تيمية التي تم أخيرا مصادرتها في بعض البلدان كما أن يقال أن الأزهر رفض تكفير المنتسبين لتنظيم داعش وإن كان ذالك لم يثبت بتصريح رسمي ووثائق ويكليكس ليست عندي بمرجع مؤكد. كتب الأحاديث نفسها تحتاج إلى إعادة نظر لأن داعش تزعم الإستناد في أفعالها على أحاديث صحيحة أو تفسير لأيات قرأنية فكيف تسمى كتب بالصحاح وكيف يجب إستتابة من ينكر حديثا في البخاري ومسلم؟ هل هما كان ياتيها الوحي فيكتبان مايملى عليهما؟ الحقيقة أن كتب الحديث والتي تسمى صحاح هي نتاج مجهود بشري وبالتالي فإن فرضية صحتها 100% بالزعم من أن مؤلفيها قاموا بتحري الدقة تعد جريمة كبيرة مسكوت عنها منذ مئات السنين وإزدواجية وتصحيحها أحد الخطوات لمكافحة فكر داعش وغيرها ممن يستند على مجهود بشري يقوم بمنحه صفة الوحي الذي لا يخطئ.
المناهج التعليمية التي تستند إلى أساليب تقليدية وتلقينية أكل عليها الدهر وشرب وأصبحت سببا رئيسيا لتسرب الطلاب من المدارس وفشل طلاب الجامعات في دراستهم حيث لايتمكنوا من بناء مستقبل لهم فيسهل إستقطابهم لتلك التنظيمات فمن سوف يكون لديه الشجاعة ليكون سببا في بداية تصحيح لمراحل التعليم المختلفة؟
هناك أمراض مثل أيبولا والإيدز والسفلس يتم التحري عنها وإجراء الأبحاث لإكتشاف اللقاحات اللازمة ويتم تسليط الضوء عليها إعلاميا ولكن لماذا لايتم تسليط الضوء إعلاميا على الأصول والمنابع التي نبت منها تنظيم داعش؟ من له مصلحة في إستمرار الإرهاب إلى مالا نهاية؟ من يمتلك الشجاعة للتكلم بصراحة وتقديم الحقيقة للجماهير العربية والمواطنين العرب ممن يتسائلون عن سبب دمار وخراب مصر, العراق, ليبيا, تونس, سوريا؟
مع بالغ تحياتي وتقديري

النهاية

Saturday, July 25, 2015

ماهي العلاقة بين عولمة الحرب على الإرهاب والإسلاموفوبيا؟

مراكز الأبحاث الغربية(Think Tanks) في مرحلة مابعد أحداث سيبتمبر تقوم بالترويج لمفهوم الإسلاموفوبيا وأسلمة أوروبا(أوروبيا-Eurobia) وذالك عن طريق المؤتمرات والندوات والمنشورات التي تقوم بإرسالها لمشتركين داخل أمريكا أو خارجها. تلك المراكز تتواجد في الولايات المتحدة وبريطانيا والعديد من الدول ولكن مركز ثقلها إنتقل إلى الولايات المتحدة وبريطانيا بحكم العلاقة الوثيقة بين الدولتين والتنسيق بينهما فيما يطلق عليه الحرب على الإرهاب. أحد تلك المراكز يدعى مؤسسة التراث(The Heritage Foundation) وهم يعرفون عن أنفسهم كمؤسسة أبحاث تنتمي للإتجاه المحافظ وليس لعملهم أي علاقة بالتراث والتسمية خادعة.
من أهم ماتقوم مراكز الأبحاث بالترويج له هو عولمة الإسلام أو عولمة الجهاد وفق مفهوم شامل يؤدي في محصلته إلى حرب لا نهائية ضد الإسلام بإعتباره خطرا عابرا للقارات يهدد الحضارة وطريقة العيش الغربية. ويتصدر مايسمى الحركة الوهابية الترويج والحملات الإعلامية الغربية بإعتبار السعودية تعد مصدرة رئيسية للنفط وتقوم بدعم المؤسسات الدينية المحلية وتقوم بالترويج للمذهب الوهابي خارج المملكة العربية السعودية عن طريق شبكة من المؤسسات الدينية والمدارس الإسلامية والتي ينفق عليها بسخاء. إن بعض تلك المؤسسات قد تم إغلاقها أو إستجواب المسؤولين عنها بتهم تمويل ودعم الإرهاب, وحتى بعض تلك المدارس ثار حولها لغط إعلامي بسبب نوعية التعاليم التي يتم تدريسها في مناهجها.
إن مؤسسات ومراكز الأبحاث الغربية خصوصا التي تنتمي لليمين المحافظ تقوم بالترويج للحرب ضد الإرهاب وهي في حقيقتها حرب ضد الإسلام وتعتبرها أولوية ولكن ماهي الأسباب التي تدفعهم إلى ذالك؟
قبل أن أدخل في الأسباب الموجبة لذالك أحب أن أقوم بتوضيح نقطة مهمة وهي أن الإسلام والمسيحية واليهودية وغيرها من الديانات ليست عنفية أو تحرض على العنف ولكن هي تتأثر بأخلاق أتباعها وطباعهم سواء كانت سلمية أو تحرض على العنف أو إنطوائية فإي شخص معتنق لدين من الأديان تكون تصرفاته إنعكاس لشخصيته ولا علاقة للدين بها ولا يجوز التعميم, والأمثلة على ذالك كثيرة. فمن يتخيل أن دينا نبيه قال لأهل مكة إذهبوا فأنتم الطلقاء رغم التقتيل والأذى الذي لحق به وبأتباعه من قبلهم, ينتج لنا القاعدة وداعش وجبهة النصرة. تخيلوا دينا كانت معاملة نبيه مع وفد نصارى نجران بتلك الدرجة من الإنسانية والرقي يقتل على الهوية أتباع الأديان الأخرى ويهدم دور عبادتهم ويبيع نسائهم في أسواق الرقيق. تخيلوا دينا ذكر رسوله أحبوا أعدائكم وباركوا لاعنيكم يقوم أتباعه بملئ شوارع القدس حتى الركب ليس فقط بدماء المسلمين بل بدماء المسيحيين من أتباع الكنيسة الشرقية. هل قرأتم تعليمات بوذا حيث يحرم البوذيون قتل الذبابة فكيف من الممكن تفسير مايحصل في بورما(ميانمار)؟ المشكلة أن الدعاية اليمينية المحافظة تنظر للمشكلة بعين واحدة وتقوم بالترويج أن الإسلام ليس عبارة إلا عن ثقافة عصابات قتل وإغتصاب وتنكيل وتجتذب بسبب ذالك نوعية معينة من الأشخاص الذين يرغبون بتغليف جرائمهم بغلاف ديني.
بعد الإنتهاء من ألمانيا النازية, وتدمير العقيدة العسكرية اليابانية, وإحكام السيطرة الإقتصادية على أوروبا المنهكة بالحروب عن طريق مايسمى خطة مارشال وإنتهاء عصر الحرب الباردة بإنهيار الإتحاد السوفياتي, برزت الحاجة إلى عدو يكون له صفة الديمومة والإستمرارية فكان الإسلام. السبب لكل ذالك بسيط وواضح فكيف سوف يتم تبرير تزايد الإنفاق العسكري والأمني من تجهيزات وتسليح وتجنيد المزيد من الأفراد؟ كيف سوف يتم تبرير التنصت على هواتف وإيميلات المواطنين؟ كيف سوف يتم تبرير الإعتقال التعسفي في أماكن كمعتقل جوانتانامو وأبو غريب؟ كيف سوف يتم تبرير مصادرة الحريات وتكميم الأفواه؟
الحرب على الإسلام ليست محصورة بكونه دينا عالميا أتباعه أكثر من مليار شخص ولكن وكما تنظر إليه مراكز الأبحاث التي تنتمي للإتجاه اليميني المحافظ فتعتبره حركة سياسية, بل وإستعمارية, منافسة للرأسمالية كما كانت الشيوعية منافسة في فترة زمنية سابقة. الإسلام يحرم الربا والفوائد الربوية تحريما لا لبس فيه وإن حاول البعض التحايل على ذالك ولكن لايمكن فصل الفائدة الربوية عن النظام الرأسمالي الغربي فهو يشكل بلا مبالغة أساس النظام الغربي الإقتصادي وأهم مبدئ من مبادئه.
الحرب على الإرهاب هي حرب على الإسلام والذي يعتبر حركة دينية\سياسية منافسة للرأسمالية الغربية وعابرة للقارات وهنا يبرز مصطلح العولمة أو عولمة الإس*لام حيث أن الإسلام دين بلا حدود عابر للقارات وكذالك الحرب على الإرهاب يجب أن تكون بلا حدود. وكما قال جورج بوش الإبن في بداية حملته العالمية على الإرهاب: من ليس معنا فهو علينا.
المشكلة في النظرة المزدوجة فهم لايرون المسيحية كحركة دينية\سياسية على الرغم من كونها على أرض الواقع تتصف بتلك الصفة حيث أن الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول لم يعتنق المسيحية إلا على فراش الموت حيث تم تعميده ولكنه رأى في عقد مجمع نيقية محاولة لرأب الصدع بين الفرقاء من المذاهب المسيحية المختلفة وذالك لأهداف سياسية متعلقة بإستقرار حكمه. المسيحية مرت بفترات مد وجزر وبشكل عام إنتشرت محمولة على أسنة رماح الجيوش الرومانية وغرف التعذيب ومحاكم التفتيش وصكوك الحرمان التي كانت كافية في حال صدورها من بابا الكنيسة الكاثوليكية بحق ملك أن تعزله من عرشه. محاكم التفتيش قتلت مليون إمرأة تقريبا بتهم الهرطقة وممارسة السحر الأسود وكان كافيا إمتلاك إمرأة لقطة سوداء لحرقها بتهمة ممارسة السحر وكان يتم تنفيذ أحكام بالإعدام بعد جولات تعذيب بحق كل من يمتلك الكتاب المقدس والذي كان إمتلاكه وقرائته محصورا برجال الكنيسة والكهنوت.
عبد الرحمن العامودي المتهم بغسيل الأموال لصالح منظمات إرهابية والقيام بإتصالات مع أشخاص تم وصفهم بأنهم إرهابيون عالميون. العامودي كان سنة 1998 كان يتولى منصب الإمامة في الجيش الأمريكي ويتولى شؤون النصح والإرشاد للجنود الأمريكيين المسلمين وإمامة الصلوات داخل القواعد العسكرية الأمريكية حيث يخدم فيها جنود أمريكيون مسلمون بتكليف من (American Muslim Armed Forces and Veterans Affairs Council) والتي كانت تتلقى تمويلا من المملكة العربية السعودية وتم وصفها فيما بعد كونها جمعية أو منظمة متطرفة.
محكمة الدائرة التاسعة التي أقرت قبل ذالك بعدم قانونية قسم الولاء لأنه يحوي عبارة(Under God) رفضت إلتماسا تم تقديمه إليها بخصوص برنامج لطلبة الصف السابع في أحد المدارس الأمريكية حيث يقوم الطلبة بتقمص شخصية المسلم لفترة ثلاثة أسابيع(Islamic Awareness Course) حيث يستبدلون أسمائهم بأخرى إسلامية, يمتنعون عن مشاهدة التلفاز والأكل قبل غروب الشمس في رمضان ويحاولون حفظ سور من القرأن.
ريتشارد ريد(Richard Reid) والذي حاول تفجير طائرة عبر متفجرات قام بإخفائها بحذائه تحول للإسلام في أحد السجون البريطانية بواسطة إمام قدم لبريطانيا عبر برنامج للهجرة السريعة(Fast track Immigration) أقرته الحكومة البريطانية. السجون هي تعتبر منجم ذهب للتجنيد والدعاية المتطرفة حيث يكون الشخص في وضع الغريق الذي يحاول التعلق بقشة. إن ذالك ليس محصورا بالسجون في بريطانيا بل في كل بلدان العالم.
شابينا بيجوم(Shabina Begum) والتي قام برفع قضية بخصوص حرمانها من إرتدائها الحجاب بإعتباره يخالف الزي المدرسي المعتمد في أحد مدارس بلدة لوتون(Luton) حيث ربحت قضيتها في المحكمة الإبتدائية ولكن محكمة الإستئناف قامت بتأييد ال/مدرسة وذكرت في حيثيات الحكم المجهودات التي بذلتها الإدارة لتوضيح قوانين الزي المدرسة للطالبة وأهلها. المشكلة المتعلقة بالطالبة تحولت لقضية رأي عام وتلقت تأييدا من زوجة توني بلير(Cherie Booth) وحزب التحرير الإسلامي والمتهم بالإرهاب. بلدة لوتون هي نفسها التي ثار حولها لغط في وسائل الإعلام البريطانية بعد حلقة تلفزيونية للإعلامية اليسارية البريطانية ستايسي دولي(Stacey Dooley) والتي تصف فيها وبأسى كيف إستولى المتطرفون على بلدتها التي ولدت فيها وترعرعت وقاموا بتغييرات جذرية شملت مظاهر الحياة وملامح البلدة.
قضية ندى فاروق أثارت الرأي العام الكندي حيث قامت بتبني معتقدات متطرفة على الرغم من كون المنزل ليس مرتعا لتلك المعتقدات مما أدى إلى مخاوف من تطوير الأجيال الشابة لأفكار تميل نحو التطرف والتزمت ورفض الأخر مصدرها ليس المنزل بل قد تكون من الشبكة العنكبوتية أو من زملاء الدراسة. ندى قامت بإنشاء موقع على الإنترنت ذكرت فيه أنها تكره كندا وقامت وصديقاتها بالتعليق بحماسة عل فيديو يصور قطع رأس رهينة أمريكي في العراق. إن تلك النوعية من القضايا تثير الجدل في وقتنا الحالي خصوصا مع إستقطاب تنظيم داعش لمئات الأوروبيين والأوروبيات عبر وسائل التواصل الإجتماعي, أغلبهم قد يكون من المتحولين حديثا للإسلام ممن ولدوا لأسر أوروبية مسيحية وعاشوا كرعايا للكنيسة حتى إنتهى بهم الأمر في أحضان داعش.
بالنسبة إلى المفكرين اليمينيين المحافظين فإن تكرار تلك الحوادث وإعطائها مساحة إعلامية في القنوات الفضائية والصحف والإذاعة تمنحهم الدافع لمهاجمة الإسلام بإعتباره خطرا عابرا للقارات وتمنحهم المبررات أمام الرأي العام وكذالك مموليهم. بالنسبة إليهم كون إسم محمد هو الأكثر إنتشارا في العالم الإسلامي ولذالك فإن الكثير من الجرائم والحوادث يرتكبها أشخاص يحملون ذالك الإسم فيتم تجريم الإسم نفسه وبالتالي تجرم الديانة بالمجمل.
بريطانيا تعد أحد الأمثلة الواضحة على إنتشار التطرف والأفكار التي تستند على رفض الأخر وعدم تفاعل المهاجرين المسلمين مع المجتمعات المحلية وعدم إندماجهم فيها. الحكومة البريطانية مسؤولة عن ذالك حيث سمحت لأمثال هؤلا بالتمدد داخل المجتمع البريطاني بطريقة تجعلني أتسائل هل وضع المشرعون البريطانيون المصلحة العامة أمام ناظريهم حين سمحوا بمحاكم شرعية وقاموا بمنحها صلاحية مماثلة للمحاكم المدنية البريطانية بقوة القانون؟ تلك المحاكم حاليا عملها الرئيسي يتركز على قضايا الزواج والطلاق ولكن هل سوف نشهد في يوم ما حفلة قطع رؤوس وأيدي وجلد المخالفين في الساحات العامة البريطانية؟
الشرطة البريطانية قامت بإعتقال خمسة شبان مسلمين قاموا بنشر فيديوهات على قناتهم على موقع اليوتيوب وهم يقومون بدوريات في منطقة تحيط بمسجد شرق لندن حيث طردوا شخصا من المنطقة بعد القيام بتعنيفه لأنه مثلي كما قاموا بالتشاجر مع بريطانيين يشربون الكحول وأخبروهم أن هذه منطقة إسلامية وأخبروا أحد الفتيات التي تمر بالمنطقة أن لبسها غير ملائم وعليها عدم العودة للمرور بالمنطقة إن أصرت على إرتدائه. وفي مناطق أخرى يقوم أمثال هؤلاء بتمزيق دعايات في مواقف محطات الباصات يصفونها بأنها غير إسلامية. قناتهم على اليوتيوب تحمل شعار(الشريعة مستقبل بريطانيا). إدارة مسجد شمال لندن وبينما أدانت تصرفاتهم أمام الصحافة والإعلام والمسؤولين البريطانيين ولكنها في الواقع وراء الأبواب المغلقة تؤيد مثل تلك التصرفات ولولا موافقتهم على التصرفات البهلوانية لأولئك المهرجين لما تجرئوا على القيام بها.
الإعلام الغربي بدأ يصف المؤيدين لتلك التصرفات بالطابور الخامس حيث ذكرت إحصائيات أنه في العاصمة البريطانية هناك 70 ألف شخص يؤيدون تفجيرات مترو أنفاق لندن سنة 2007 وأن 60% من مسلمي بريطانيا مؤيدين لتطبيق الشريعة في عموم الأراضي البريطانية. إن ذالك يخلق مشكلة للمسلم الذي يريد أن يعيش حياته في سلام ويمارس كافة حقوقه التي كفلها له دستور البلاد التي إختار الهجرة إليها. تلك البهلوانيات ليست عبارة إلا عن سلوكيات سلبية تؤدي في المحصلة إلى صعود اليمين المتطرف البريطاني وحتى في دول مثل فرنسا وبولندا هناك حركات قومية متطرفة بدأت بالإنتشار وتعتبر نفسها في حالة عداء مع الإسلام والمسلمين.
لست أعلم على وجه التحديد الأسباب التي يثير فيها بعض المسلمين تلك الضجة في البلدان التي يهاجرون إليها وفق مبدأ خالف تعرف فيعضون اليد التي إمتدت إليهم بإحسان وأكرمتهم ويصفون تلك المجتمعات بالفسق والفجور وكأن مجتمعاتهم التي قدموا منها قمة الفضيلة والعفة. لماذا لايعودون من حيث قدموا ويطبقون شريعتهم المزعومة في بلدانهم ويتوقفون عن إثارة الفرقعات الإعلامية وحب الظهور في وسائل الإعلام المختلفة؟
كما أنني لست أعلم سبب القلق وإنفاق الأموال من قبل معاهد الأبحاث الغربية والمؤسسات التي تقوم بالترويج للإرهاب الإسلامي وأن الإسلام دين عنف وقتل ودماء حيث تقوم تنظيمات مثل داعش والنصرة والقاعدة بالمهمة خير قيام وتشويه صورة الإسلام المحمدي وإستبداله بالإسلام التلمودي الدموي؟
الصورة المرفقة تعبر عن أحد تلك السلوكيات البهلوانية والتي يقوم بعض بعض المغرمين بالظهور الإعلامي والشهرة عبر وسائل الإعلام وكأن الصلاة للإستعراض والمفاخرة. متى نتعلم أن ممارسة العبادة والشعائر الإسلامية والحفاظ على الهوية الإسلامية ليس معناه مضايقة الأخرين والتسبب بإزعاجهم وتعطيل مصالحهم.
مع بالغ تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية







Friday, July 24, 2015

“What’s good for General Motors is good for the country.”


كانت سيطرة الولايات المتحدة على منابع النفط في الحرب العالمية الثانية سببا رئيسيا لإنتصارها وقد إكتشف المخططون الإستراتيجيون الأمريكييون تلك الحقيقة التي شكلت تحولا هاما في العقيدة العسكرية والتخطيطية للولايات المتحدة.  الحرب العالمية الثانية كانت السبب بإبراز النفط كطاقة المستقبل وكما قال المؤرخ البلجيكي الشهير مايكل كولون(Michael Collon) أن من يسيطر على النفط يتمكن من التحكم في العالم.
كانت شركات الأخوات السبعة التابعة لأسرة روكفلر تسيطر على إنتاج النفط في الولايات المتحدة(63%) من إنتاج النفط العالمي وإنتاج النفط في الخليج العربي وفنزويلا حيث قامت بتحقيق ذالك عن طريق عقد تحالفات سياسية والتخطيط لتنفيذ ودعم إنقلابات عسكرية إن إقتضت الضرورة كالإنقلاب الفاشل ضد الرئيس الفنزويلي الراحل هيوجو شافيز. كما قامت بها تلك الشركات النفطية العملاقة بنقل مركز إنتاج النفط من الولايات المتحدة إلى خارجها مما أدى إلى تحويل الولايات المتحدة من منتج للنفط إلى مستهلك رئيسي له حيث تشن الحروب وتحبك المؤامرات والدسائس السياسية وكل ذالك في سبيل السيطرة على منابع النفط الأسود. كانت تلك الشركات عازمة على إحداث إنقلاب إقتصادي في الولايات المتحدة فقامت بالتحالف مع شركات صناعة السيارات في ديترويت حيث تم تدريجيا تنحية القطارات والعربات الكهربائية والتي كانت وسيلة نقل رئيسية لصالح السيارات وتم بناء مجمعات سكنية في ضواحي المدن بعيدا عن القطارات وبعيدا عن مركز المدينة حيث تقع مقرات أغلب الشركات والمؤسسات.
التحالف بين شركة جينرال موتورز(GM) ومجموعة شركات روكفلر النفطية(الأخوات السبعة) وشركة فيرزستون(Firesston) للإطارات قد أدى إلى سحب البساط بالتدريج من وسائل النقل التقليدية كالعربات الكهربائية والقطارات لصالح السيارات والباصات التي تستهلك الوقود.
إحالة خطوط النقل التي تعمل على الكهرباء(Electrical trolley) والتي كانت متواجدة في كل مدينة أمريكية رئيسية كانت الخطوة الأولى حيث قام رئيس شركة جنرال موتورز ألفريد بي سلون(Alfred P. Sloan) بشراء أكبر شركة تقوم بتشغيل خطوط الترامات(Electrical trolley) في الولايات المتحدة وأكبر شركة مصنعة لها. كما قام بعد ذالك بنقل المقر الرئيسي للشركة إلى نيويورك مانهاتن وقام بشراء حصص رئيسية في شركات الترام حيث فام بالتدريج بإحالتها إلى التقاعد لإفساح المجال لباصات شركته التي تعمل بواسطة الوقود السائل.
في خلال فترة الكساد العظيم ومع إقتراب نشوب الحرب العالمية الثانية, فقد قام ألفريد بي سلون(Alfred P. Sloan) بتأسيس شركة الخطوط الوطنية(National City lines) والتي هي في ظاهرها شركة مستقلة بدون روابط مع شركة جينرال موتورز بينما الحقيقة هي أن شركة الخطوط الوطنية تم تأسيسها وتمويلها من قبل شركة باصات(Greyhound) والتي تعتبر مملوكة من قبل شركة جينرال موتورز. الشركة كانت مملوكة من قبل Greyhound كمساهم رئيسي بالنيابة عن شركة جينرال موتورز, شركة فايرزستون(Firestone) للإطارات, شركة فيليبس النفطية(Phillips Petroleum) وشركة نفط كاليفورنيا بالنيابة عن مجموعة الأخوات السبعة.
قامت شركة الخطوط الوطنية بشراء حوالي 100 خط عربات الترام في أكثر من 45 مدينة رئيسية في الولايات المتحدة وأحالتها بهدوء إلى التقاعد لصالح باصات وسيارات شركة GM. النتيجة أنه بحلول سنة 1950 فإن أكثر من 90% من خطوط الترام في الولايات المتحدة قد تم تفكيكها وبيعها خردة أو إحالتها إلى التقاعد أو المتاحف.
المحكمة العليا الأمريكية برأت شركة جينرال موتورز وشركائها من تهمة التأمر من الدرجة الأولى وأدانتهم بتهمة التأمر من الدرجة الثانية بمخالفة قانون الإحتكار الأمريكي والملكية الحصرية لوسائل النقل العامة والمنافسة الغير عادلة في مجال تجارة النفط, السيارات ومنتجات المطاط حيث تم تغريمها 5000 دولار أمريكي وهو مايوضح مدى تغلغل المصالح والشركات واللوبيات في النظام القضائي الأمريكي.
الخطوة التالية كانت تدمير خطوط السكة الحديد والتي كانت تقوم بمهمة مزدوجة بنقل البضائع والركاب حيث كانت تتمتع بكفائة تشغيلية عالية ودرجة أمان وأقل نسبة حوادث وإستبدالها بشبكة الطرق السريعة والسيارات والباصات التي تسير على الوقود السائل بما تحمله من نسبة المخاطرة والحوادث المرتفعة.
قامت الحكومة الأمريكية بتقديم الدعم لإنشاء المطارات وشبكة الطرق السريعة في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية بينما لم يتم تقديم أي دعم حكومي لشركات القطارات والسكك الحديد بل وبالعكس فقد تم فرض ضريبة 15% على مبيعات التذاكر على ركاب القطارات والهدف رفع أسعار التذاكر أكثر من المعقول والتسبب بإحجام الركاب عن إستعمال القطارات.
بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية فقد أصبحت الأسر الأمريكية التي شارك عائلها أو أحد أفرادها في الحرب مؤهلة لتلقي قروض سكنية حكومية أو بيوت في مشاريع سكنية ولكنها في الضواحي بعيدة عن المدن وعن مكان توفر فرص العمل ووسائل المواصلات العالمة ممايعني أن إمتلاك السيارة قد أصبح ضرورة ملحة وليس رفاهية.
في سنة 1956 فقد نجح تحالف شركات روكفيلر النفطية وشركات السيارات مثل جي إم(GM) بالضغط على الرئيس الأمريكي أيزنهاور للموافقة على أكبر مشروع للبنية التحتية في الولايات المتحدة(The National Interstate and Defense Highways Act of 1956) ويعد الأضخم حتى تاريخه وربما حتى وقتنا الحالي. تمويل المشروع بنسبة 90% كان من الحكومة الفيدرالية مما يعد أكبر تدخل حكومي واضح وصريح لمصلحة شركات النفط والسيارات.
الحكومة الأمريكية قامت بفرض كافة أنواع الضرائب على شركات القطارات والسكك الحديد بينما قامت بإعفائات ضريبية لصالح شركات النفط والسيارات بل وقامت بدق المسمار الأخير في نعش شركات القطارات والسكة الحديد حيث حظرت عليهم نقل البريد بين المدن بواسطة عرباتهم وهو ماحرم تلك الشركات من مصدر كبير للدخل حيث إنخفض إستخدام قطارات السكك الحديد لنقل البريد والبضائع بنسبة 84% بين سنتي 1945-1964. وبحلول سنة 1966 فقد كان أقل من 2% من المسافرين بين المدن يستخدمون قطارات السكك الحديد حيث أن كل فرد من أولئك المسافرين كان قادرا على شراء سيارة خاصة به.
المشكلة أن شركات النفط والسيارات والتي كانت من أكثر الضاغطين بإتجاه مشروع The National Interstate and Defense Highways Act of 1956 ومشاريع مماثلة له لم تتحمل إلإ أقل القليل من التكاليف حيث إنتهى الأمر بدافع الضرائب الأمريكي لتحمل نسبة كبيرة منها حيث قفزت تكلفة المشروع من 25 مليار دولار إلى 114 مليار دولار وإستغرق إكماله 12 سنة.
الإقتصاد الأمريكي أصبح معتمدا إعتمادا كليا على النفط حيث كان سعر البرميل بين 2.5 دولار و 3 دولار من سنة 1948 حتى نهاية سنة 1960 وأصبح المواطن الأمريكي يستطيع ملئ خزان سيارته بسعر 25 سنت أمريكي للجالون بينما أصبح السيارات في متناول المزيد والمزيد من الأمريكيين بفضل قروض بنكية طويلة الأمد وبفوائد منخفضة.
شركات النفط الأمريكية وخصوصا الأخوات السبعة شربت نخب إنتصارها وجنت أرباحا طائلة بالإشتراك مع شركات السيارات وخصوصا جي إم(GM) وشركات الإطارات(Firestone)  وتغلغلت الشركات والصناعات المرتبطة بالنفط مثل البلاستيك في كل ناحية من نواحي الحياة في الولايات المتحدة وأصبحت الولايات المتحدة تحتوي أكبر نسبة ملكية السيارات مقارنة إلى عدد السكان وذالك على المستوى العالمي.
بعض الإحصائيات والأراقم والتي أختم بها الموضوع:
- سنة 1925 كان النفط يشكل نسبة 20% من إستهلاك الولايات المتحدة للطاقة بينما قفزت تلك النسبة في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية مباشرة إلى 33% تقريبا.
- في سنة 1968 شكل إستهلاك الغاز والنفط مانسبته 68% من الطاقة المستهلكة في الولايات المتحدة بينما إنخفض إستهلاك الفحم من 50% في الربع قرن السابق إلى 26%.
- تضاعف إستهلاك الطاقة في الولايات المتحدة بين سنة 1948 وسنة 1964.
- نمو كبير في راغبي السفر والتخييم وحتى مستخدمي الدراجات النارية
- بين سنة 1940 و 1965 فقد تضاعف عدد الأميال المقطوعة من قبل مركبات القيادة الشخصية بدون حساب الشاحنات من 302.000 ألف مليون ميل إلى 888.000 ألف مليون ميل.
- إنتاج السيارات في مدينة ديترويت تضاعف من 4.5 مليون سيارة سنة 1940 إلى 11.5 مليون سيارة سنة 1965.
- إرتفاع نسبة مبيعات البنزين 300% بين سنة 1940 و1965.
شركات النفط الأمريكية العملاقة وشركات السيارات تحولت بفضل مايعرف (The American way of life) وإدمان الولايات المتحدة وإقتصادها على النفط إلى واحدة من أضخم الشركات والمؤسسات في التاريخ وأصبحت تلك الشركات تسعى لإبقاء سيطرتها ومكانتها.
“What’s good for General Motors is good for the country.”
رئيس شركة جنرال موتورز(Charles Erwin Wilson) في جلسة إستماع لمجلس الشيوخ الأمريكي سنة 1953
رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة
الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة
مع بالغ تمنياتي بدوام الصحة والعافية
النهاية

Wednesday, July 22, 2015

كيف تتلاعب معاهد الأبحاث الغربية بالمصطلحات في سبيل تعزيز المخاوف من العامل الديمغرافي والأسلاموفوبيا؟

سوف أعترف بالتقصير مسبقا خصوصا في هاذا الجزء من سلسلة نهاية العالم كما نعرفه لأنه حتى تكون الصورة متضحة تماما فيجب أن يكون هناك حتى حلقة منفصلة بخصوص الحياة السياسية في الولايات المتحدة, الأحزاب, الفروق بينها وأجنداتها السياسية. إن ذالك يتطلب وقتا ليس في حوزتي الأن ولكن قد تكون فكرة مشروع مستقبلي إن شاء الله. ولأنني أتحدث الأن عن معاهد التفكير والأبحاث والمفكرين ممن يمثلون الإتجاه اليميني المحافظ في الولايات المتحدة فهم من المشهور عنهم معارضتهم للإجهاض, تقديسهم للقيم العائلية, معارضتهم للمثلية الجنسية, السيطرة الحكومية على قطاع الخدمات العامة كما أنهم من أكبر المؤيدين لحرية حمل وإقتناء السلاح وسهولة الحصول على رخص حمل السلاح. معاهد التفكير والأبحاث التي تمثل اليمينيين المحافظين والشركات الإحتكارية المتعددة الجنسيات خصوصا في الولايات المتحدة تحاول تمرير أجندات معينة منتعلقة بتلك المبادئ وذالك  للسيطرة على الشعوب وسلبها حرياتها وإمتيازاتها حيث يقومون بالترويج لمبدأ عدم فاعلية الحكومة المتضخمة إداريا وأن المواطنين في الغرب قد أصابهم مرض الإسترخاء وأن ذالك سوف يؤدي إلى عدم لفت إنتباهم إلى الأخطار المحدقة بهم وعلى رأسها الأسلمة.
سوف أتفق من ناحية المبدأ مع المزاعم بعدم فاعلية الحكومة المتضخمة إداريا والتي تحوي عددا كبيرا من الموظفين الحكوميين ولكن الأسباب التي تقف وراء تبريرات المحافظين لتلك المبادئ ليس لها علاقة برغبتهم الخير لتلك الشعوب وكما أن الحلول التي يتم تقديمها ليست إلا وسائل أخرى متعلقة بتضخم حساباتهم البنكية.
تحدثت في أجزاء سابقة عن تفكك الإتحاد الأوروبي من الناحية الديموغرافية وتأثير ذالك على الأمن القومي للولايات المتحدة من وجهة نظر اليمينيين المحافظين حيث أن عددا كبيرا من بلدان الإتحاد الأوروبي يعد من ضمن منظومة تحالف الدول المشكلة للناتو. اليونان تعد من أوضح الأمثلة التي يمكن دراستها حيث أنها عضو في الإتحاد الأوروبي في الناتو(NATO).
تخيلوا الحضارة اليونانية التي سادت العالم كله في فترة من الفترات من الناحية العسكرية والإقتصادية والثقافية تختار الإنتحار ذاتيا بسبب تناقص عدد سكانها. الحضارة التي قدمت لنا سقراط والإسكندر المقدوني والقادة العسكريين الذين قاموا بالتصدي للإمبراطورية الفارسية في قمة مجدها وقوتها العسكرية حين حاولت غزو الأراضي اليونانية تختفي وتندثر بدون أي تدخل خارجي. هناك من يقول أن اليونان سوف تكون حصان طروادة الذي سوف يتسبب بإنهيار الإتحاد الأوروبي أو في أفضل الحالات إضعافه وإلغاء دوره لصالح الولايات المتحدة كقوة عسكرية وإقتصادية وثقافية.
ولكن من الملاحظ أن اليونان كمثال للمشكلة الديموغرافية التي تعاني منها كدولة أوروبية هي أكبر دليل على تلاعب معاهد الأبحاث اليمينية إعلاميا بمصطلحات مثل أسلمة أوروبا والإسلاموفوبيا حيث يستخدمون التعميم على الهجرة الإسلامية وخطر الإسلام كعدو في قلب القارة الأوروبية. اليونان لاتعاني من مشكلة الهجرة الإسلامية إليها حيث أنها كمجتمع في بنيته الأساسية مبني على الروابط العائلية ويعتبر بشكل عام غير مرحب بالمهاجرين حيث يتم إستخدام اليونان حاليا كنقطة عبور للمهاجرين غير الشرعيين بإتجاه بلدان أوروبية أخرى وليس كبلد إقامة دائمة. كما أنه هناك مشكلة اللغة اليونانية وهي صعبة التعلم وتعد أساسية حيث لايتم إستخدام لغات أخرى من قبل الشعب اليوناني في حياتهم اليومية وأعطي هنا مثال بسيط هو أنه حتى يحصل كهربائي ألماني على رخصة لمزاولة المهنة في اليونان فعليه أن يكون يتحدث ويكتب اللغة اليونانية ويجتاز إختبارا في اللغة, وذالك على الرغم من إلغاء الإتحاد الأوروبي لتلك النوعية من الحواجز وتوحيد المعايير المهنية إلا أن الحكومة اليونانية لم تبدأ جهودا جدية في تعديل تلك القوانين إلا مؤخرا وتواجه معارضة شرسة من قبل النقابات العمالية.
من وجهة نظر معاهد الأبحاث التي تتبع اليمينيين المحافظين فإن إعتماد أي بلد على نوع محدد من الهجرة يشكل خطرا على أمنها القومي وخصوصا إذا كان المهاجرون الجدد غير قابلين للإندماج في المجتمع المحلي وتبني قيم وثقافة مجتمعهم الجديد. اليونان تم قبولها في الإتحاد الأوروبي على الرغم من كون اليونانيين ليسوا على إستعداد للتخلي عن قيمهم ومبائدهم الثقافية ونمط حياتهم وتبني قيم ونمط حياة أوروبي. وكما قرأت فإن الإتحاد الأوروبي يبحث تبني قوانين تسمح للدول بتقديم طلب للإنسحاب من الوحدة الأوروبية وذالك في محاولة لمنع إنهيارها.
اليمينيين المحافظين يتهمون الحكومات الأوروبية بأنها أهملت بديهيات رئيسية لصالح أخرى ثانوية حيث تم إهمال مبادئ مثل الأمن القومي, الإعتماد على الذات, المشكلة الديمغرافية وهي تحتل سلم الأولوية في أجنداتهم وذالك لصالح أمور ثانوية مثل نظام الرعاية الصحية الشامل, الدعم الحكومي المتعلق برعاية الأطفال أثناء عمل الوالدين في حال كون الأم موظفة, إجازة الوضع للأمهات.
في سنة 2040 فإن الأعباء المترتبة بخصوص المعاشات التقاعدية في الولايات المتحدة سوف ترتفع بمقدار 6.8% أما في اليونان فسوف تكون النسبة 25% وذالك يعني أن الإنهيار الكامل سواء في اليونان أو الولايات المتحدة هو مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.
وكما يتستر المحافظون بمصطلحات مثل الأسلمة وأوروبيا فإنهم يقومون بتقديم بدائل غير منطقية وحلول مضحكة ويستعينون بأمثلة غير صحيحة على أرض الواقع. فهم مثلا يقومون بالترويج أن المعدلات العالية لحمل الأسلحة في الولايات المتحدة تعد سببا لإنخفاض معدل الجريمة وتعد درعا واقيا من محاولات فرض أجندات إسلامية بالقوة على الولايات المتحدة حيث لن يجرء أحدهم مثلا على إلصاق أوراق على أعمدة الإنارة تعلن منطقة سكنك منطقة تطبيق للشريعة الإسلامية أو قرع شباك سيارتك او باب منزلك ليسألك أن تشترك في مسيرة مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية كما حصل في بريطانيا. المضحك المبكي أن دولا مثل فنلندا وسويسرا بمعدلات حمل سلاح 55 قطعة و46 قطعة لكل مائة مواطن حيث تحتل سويسرا المرتبة الثالثة أو الرابعة حسب بعض الإحصائيات بعد الولايات المتحدة واليمن ومع ذالك تنخفض فيها الجرائم المرتبطة بالأسلحة النارية بنسبة كبيرة مقارنة بعدد السكان مع بلد مثل الولايات المتحدة يبلغ معدل حمل السلاح 90 قطعة لكل مائة مواطن.
هناك مقولة شائعة وأذكرها هناك بالإنجليزية تقول(A government big enough to give you everything you want is big enough to take away everything you have) والمقصود بها البيروقراطية الحكومية والجهاز الإداري الحكومي المتضخم فبلد مثل اليونان جهازها الحكومي يدفع رواتب لأكثر من 750 ألف موظف بينما الحاجة الفعلية هي لنسبة 2% من ذالك العدد وهو مايعد كارثة بكل المعايير. ولو أجرينا تعديلا لتلك العبارة لوصف حال أوروبا في الوقت الحالي بحسب وجهة نظر المعارضين لمبدأ الجهاز الحكومي المتضخم وتدخل الحكومة في توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها لأصبحت (A government big enough to give you everything you want isn't big enough to take away anything back from you) حيث تواجه أي محاولة من قبل الحكومات في الدول الأوروبية لإجراء تعديلات على معاشات التقاعد والإمتيازات الإجتماعية الأخرى مثل إجازة الأمومة ونظام الإجازات مدفوعة الأجر بمعارضة قوية من قبل النقابات العمالية ومنتسبيها والمواطنين العاديين حتى الغير منتسبين إلى الأحزاب أو لا يتعاطون السياسة. التأمين الصحي هي ورقة تزايد عليها الأحزاب اليمينة وأنصارها حيث يدعون إلى تحرير قطاع التأمين الصحي بالكامل وتحويله إلى الشركات الخاصة لتقدم خدماتها للمواطنين مع تحويل الحكومة إلى دور مشرف أو مراقب. مبدأهم بالمجمل بسيط ويقوم أنه على المواطن أن يقوم بدفع الضرائب كاملة للحكومة بدون أن تقوم الحكومة مقابلها بتقديم أي خدمات له فلا رعاية طبية ولا مستشفيات حكومية ولا أي نوع من البرامج الإجتماعية ولا أي تدخل حكومي في أي شأن من شؤون الحياة اليومية للمواطنين. في كندا هناك مشكلة قوائم الإنتظار حتى للعمليات الجراحية البسيطة ولمايسمى (MRI Scan - Magnetic resonance imaging) حيث ينتظر الكنديون بما معدله ستة أشهر إلى ثمانية عشرة شهرا لإجراء فحص (MRI). من إيجابيات تحرير قطاع الصحة في الولايات المتحدة من وجهة نظرهم هو أن مدينة مثل فيلاديلفيا تحتوي على أجهزة (MRI) أكثر من الموجود في جميع المستشفيات والمنشئات الصحية في كندا. مثال أخر هو توفر أسرة الولادة في المستشفيات حيث انه في كثير من حالات الولادة في كندا قد تضطر الأمهات إلى السفر بالطائرة أو قيادة السيارة من قبل الزوج أو أحد الأقارب إلى مدينة مجاورة لعدم توفر سرير للولادة في المستشفى المحلي أو في العيادة المحلية. في الولايات المتحدة لا يوجد بها تلك النوعية من المشاكل مثل توفر أسرة للولادة أو أجهزة الفحص(MRI) وسوف أتفق نظريا مع كل ماسبق ولكن ذالك لا يعني أنني موافق عليه من الناحية العملية والتطبيقية حيث أن الخدمة المجانية قد يكون عليها ملاحظات من ناحية الجودة ونوعية الخدمة ولكن ذالك أيضا ينطبق على الخدمات الصحية المدفوعة الأجر, فكونك تدفع مقابلها لا يعني بالضرورة أنها تمتاز بالجودة. في الولايات المتحدة يتم رمي المرضى ممن لا يملكون تأمينا طبيا أو ثمن العلاج خارج المستشفيات إلى الشارع ومن لا تملك تكاليف الولادة فهل سوف تضطر للولادة في المنزل أو في الشارع وتعريض نفسها ووليدها لمختلف المضاعفات في حال تعسر الولادة أو كونها تحتاج لعملية قيصرية؟ لماذا يلومون هتلر على نظريات النقاء العرقي للشعب الأري ومبدأ القائم على التخلص من أعضاء المجتمع الغير منتجين كالمعاقين عقليا وكبار السن؟ هم يستمدون نفس تلك المبادئ من نفس المصدر وعبارة البقاء للأصلح لداروين يتم ترديدها بإستمرار من قبلهم. هناك فئات مهمشة كالتي لا تملك عملا أو دخلا ثابتا أو الأمهات العازبات أو المشردين في الشوارع سوف تكون معرضة للإبادة بفضل سياسات التحرير الكامل لقطاع الخدمات العامة وخصوصا الصحية. تخيلوا ماذا سوف تفعل الأمهات العازبات أو القاصرات ممن يتعرضن لتجربة الحمل والولادة ورعاية طفل وكيف سوف يكون بإستطاعتهن تحمل المسؤولية وخصوصا من الناحية المالية؟ من أين سوف تقوم فتاة قاصر بدفع تكاليف ولادة طفلها في ظل سياسة تحرير قطاع الخدمات الصحية حيث لن يكون بمقدرتها توفير سرير في مستشفى خاص أو أن أسرة الولادة في المستشفيات الحكومية قد تكون قليلة أو حتى غير متوفرة؟ على فكرة يقال أن إبنة الرئيس الأمريكي وهي قاصر لم يتعدى عمرها 16 عاما حامل من صديقها فهل سوف تلد في مستشفى خاص أم على سرير في البيت الأبيض بواسطة قابلة توليد؟ من سوف يدفع تكاليف ولادتها؟ هل يملك الرئيس الأمريكي تأمينا شاملا له ولأسرته؟ هل من حق أي إمرأة أمريكية في حال حملها وولادتها أن يكون متوفرا لها نفس الرعاية المتوفرة لإبنة الرئيس الأمريكي؟
الولايات المتحدة ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية فقد كانت مسؤولة بشكل شبه كامل عن أمن حلفائها وخصوصا الدول الأوروبية التي تعد على خطوط المواجهة مع العدو رقم واحد لأمريكا وهو الشيوعية ولذالك فإن أغلب الدول الأوروبية كانت متحررة من أغلب بنود الإنفاق العسكري والإنفاق على الأمن حيث كان ذالك في حده الأدنى بينما تقع أغلب المسؤولية على دافع الضرائب الأمريكي. وبفضل ذالك وخصوصا خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا فقد تمكنت الدول الأوروبية من الإنفاق ببذخ على برامج الرعاية الإجتماعية مثل معاشات التقاعد والتأمين الطبي والإجازات مدفوعة الأجر. ولكن هل كان ذالك أجندة أمريكية أم أوروبية؟ ألم يكن ذالك برغبة أمريكية تحت ستار الحرب الباردة ومكافحة الشيوعية مخافة أن تمتد إلى أوروبا؟ أليس بفضل تلك النوعية من الإتفاقيات مثل إتفاقية مارشال أصبحت الولايات المتحدة القوة العسكرية والإقتصادية رقم واحد في العالم يليها في المكانة الإتحاد السوفياتي؟ كيف تحول الدولار إلى العملة الإحتياطية رقم واحد في العالم؟ أليس بفضل الهيمنة الإقتصادية والعسكرية والسياسية للولايات المتحدة على القارة الأوروبية؟
ولكن ماذا عن البلدان التي تتبع نهج النظام الإقتصادي الحر؟ هل هناك علاقة بين الإقتصاد ومعدلات الخصوبة؟
أربعة من خمسة دول أوروبية تتبع النهج الإقتصادي الحر تمتلك أفضل معدلات الخصوبة وهي أيرلندا, الدنمرك, فنلندا وهولندا بينما فرنسا تحتل المرتبة الخامسة من ناحية إتباع النهج الإقتصادي الحر بمعدل خصوبة 1.89 مولود لكل أسرة ولكن المكون السكاني في فرنسا يحتوي نسبة مسلمين تعد مؤثرة ولا يمكن تجاهلها حيث أن ثلث عدد المواليد يولدون لأسر مسلمة. ولكن في الوقت نفسه هناك دول مثل هونج كونج وسنغافورة تعاني من المشكلة الديمغرافية على الرغم من كونها تتبع النهج الإقتصادي الحر وتعتبر قوى إقتصادية مزدهرة. كما أن أعلى خمسة دول أوروبية في عدد السكان المسلمين هي تعد في الوقت نفسه أعلى خمسة دول في معدل الخصوبة وهي ألبانيا, مقدونيا, فرنسا, هولندا والدنمرك. أقل خمسة دول في عدد المواليد هي لاتفيا, بلغاريا, سلوفينيا, روسيا وأوكرانيا. إن 19 دولة من أصل عشرين دولة تمتلك أقل نسبة خصوبة ومعدل مواليد جدد هي تعد من بين دول الإتحاد الأوروبي.
هناك من يتحدث عن معدلات الزواج وإرتباطها بنسبة الخصوبة وعدد المواليد الجدد ولكن علينا أن لا ننسى أن تعميم ذالك خطأ كبير حيث أن هناك العديد من الأزواج قد يبقون بدون إنجاب أو حتى يكتفون بإنجاب مولود واحد أو إثنين كحد أقصى. اليابان مثلا تمتلك واحدة من أعلى نسبة الزواج عالميا ولكن هل كان ذالك حلا لمشكلتها الديمغرافية؟ الجواب هو (لا) حيث تواجه اليابان خطر المشكلة الديمغرافية بأسوأ نماذجها فلا معدل الخصوبة فيها بوضعه الحالي يكفل إستمرارها كما انه هناك حواجز أمام فتح باب الهجرة كما أوضحت في السابق منها حاجز اللغة وعدم تقبل المجتمع الياباني لفكرة الهجرة وإستحالة إستيعاب المهاجرين في المجتمع الياباني.
في سنة 2000 فإن كبار السن سوف يشكلون 16.3% من إجمالي عدد السكان في الولايات المتحدة و17% في كندا. في سنة 2040 فإن النسبة هي 26% في الولايات المتحدة و 33% في كندا. في المستقبل سوف يكون في أوروبا, كندا عدد أقل من دافعي الضرائب الذين سوف يكون عليهم عبئ المساهمة في دفع تخفيض نسبة الدين الحكومي, معاشات التقاعد والتأمينات الصحية.
هل سوف تتمكن أوروبا من النجاة من دوامة المشكلة الديمغرافية؟ وكيف سوف تتمكن الولايات المتحدة من المحافظة على مكانتها العالمية في ظل تنوع عرقي هائل ولوبيات ضغط تحاول تمرير مصالحها وأجنداتها والتأثير على السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة؟ هل النهج القائم على النظام الإقتصادي الحر وتحرير التجارة والحد الأدنى من التدخل الحكومي يقدم الحلول الناجحة للمشكلة الديمغرافية؟ أم أن الحل هو في دولة الرفاه الإجتماعي والرعاية الإجتماعية؟
لماذا المسلمون هم دائما الشماعة التي يعلق عليها الإعلام الغربي كل خطاياه وفشله في حل المشكلة الديمغرافية التي يعاني منها وتهدد كيانه ووجوده؟
تلك أسئلة أجبت على بعضها في الموضوع وبعضها الأخر سوف تتكفل الأيام بالإجابة عنه.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Monday, July 20, 2015

ماهو تأثير التطور في تكنولوجيا الإتصالات على حياتنا اليومية كحكومات ومجتمعات وأفراد؟

إن الإنترنت تعد من أهم الإختراعات البشرية التي يستعصي على البشر أنفسهم فهمها. هي عبارة عن أكبر مشروع فوضوي كما يرى بعض المحللين والباحثين حيث يستهلك مئات الملايين من الأشخاص كمية غير محددة من المعلومات الإلكترونية. ذالك المشروع الذي تحول من إرسال بيانات ومعلومات إلكترونية من جهاز كمبيوتر بحجم غرفة كاملة إلى جهاز كمبيوتر أخر بحجم غرفة كاملة إلى تبادل بيانات بين أجهزة بحجم جهاز خليوي في وقتنا الحالي وربما أصغر في المستقبل. مشروع غير مرتبط بأي قوانين تحد من قدرته على الإنتشار وتدفق المعلومات مهما حاولت الدول ترويضه وإخضاعه, فإنها نجحت وبدرجات متفاوتة ولكن فشلت في المجمل في إخضاعه كليا. إنها بإختصار حكومة اللاحكومة.
ولكي نعرف أهمية ذالك الإختراع فيمكن النظر لبعض الإحصائيات حيث أنه في العقد الأول من القرن الواحد وعشرين قفز عدد مستخدمي الإنترنت من 350 مليون إلى أكثر من 2.5 مليار كما أن عدد مستخدمي الهواتف النقالة(الخليوي) قد قفز من 750 مليون إلى أكثر من 6 مليارات مشترك في نفس الفترة الزمنية. مستقبل الإنترنت لن يكون بأجهزة لوحية أو كمبيوترات محمولة أو مكتبية بل للشركات التي سوف تكون قادرة على تصنيع أجهزة هواتف خليوية تستطيع العمل أقرب إلى كونها جهاز كمبيوتر لوحي أو محمول منها إلى هاتف خليوي مع إحتفاظها بمرونة الحجم الذي تتميز بها الهواتف الخليوية.
ولعل أحد أكبر الأدلة على أهمية الإنترنت وسرعة إنتشارها هي وصولها لمناطق لا تتوفر على خدمات تلفون أرضي ولكنها تتوفر على خدمة إنترنت عبر الهواتف الخليوية حيث يمكن إستخدام برامج إتصال مجانية مثل سكايبي وواتساب وفايبر للتواصل بين المشتركين عن طريق الكمبيوترات اللوحية أو الهاتف الخليوي نفسه بدون الحاجة لوجود إشتراك بشريحة إتصالات لشركة من الشركات وذالك عن طريق مايعرف الهوت سبوت(Hotspot) أو الواي فاي(Wi-Fi).
في سنة 2025 سوف يتمكن أغلب سكان العالم من الوصول لشبكة إنترنت خالية من الرقابة مقارنة بإستحالة ذالك في الجيل الذي قبله, يعني 25 سنة السابقة.
إن تطور التقنية المرتبطة بالإنترنت تسير بوتيرة متسارعة كإنتشار الإنترنت نفسها حيث أن شريحة المعالج(Processor Chip) تتضاعف سرعتها كل 18-24 شهر. معلومة أخرى متعلقة بالكابلات البصرية وهي الوسيلة الأسرع للإتصال بالإنترنت تذكر أن سرعتها تتضاعف كل 9 أشهر.
تكنولوجيا الإتصالات كما ذكرت هي المستفيد الأكبر من السرعة الصاروخية لتطور وسائل الإتصال بالإنترنت وزيادة سرعتها حيث سوف يصبح من الصعوبة الحياة وومارسة الأعمال الروتينية اليومية من دون وجود جهاز تلفون خليوي أو كمبيوتر لوحي متصل بالإنترنت.
إن كل ذالك يفتح أبوابا كاملة من الحياة الرقمية والتي تكاد أو توشك أن تتحول إلى حقيقة واقعة بكل ماتحمله الكلمة من معنى. ففي سنة 1960, الحديث عن سيارات تسير في الطرقات بلا سائق يبدو ضربا من ضروب الخيال العلمي. اليوم نقرأ عن إطلاق جوجل سيارات ذاتية القيادة في كالفورنيا وأن عددا من الولايات الأمريكية قامت بتعديل قوانين السير لتسمح بسيارات القيادة الذاتية وكل ذالك بتأثير من شركة جوجل والتي كما يقول المثل(تعرف من أين يؤكل الكتف). الطريف أن أول حادث سير تتورط فيه سيارة جوجل الذاتية القيادة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية تم إلقاء اللوم فيه على العامل البشري حيث إصطدم سائق سيارة بسيارة جوجل من الخلف مما أدى إلى إصابات طفيفة لثلاثة من الركاب موظفين من شركة جوجل كانوا يشرفون على التجربة. شركة مرسيدس دخلت سباق السيارات ذاتية القيادة حيث أطلقت سيارة(Benz F 015) والتي تتميز عن سيارة جوجل بالفخامة وقدرة ركابها على الإتصال بالعالم الخارجي من خلال ستة شاشات تعمل باللمس. شركة جوجل ومرسيدس لن تكون أولى الشركات ولن تكون أخرها التي تدخل ذالك السوق الواعد.
لعل أغلب من قرأ الموضوع قد شاهد حلقات أو مقاطع من (ستارتريك) فهل تظنون أنه سوف يبقى خيالا علميا؟ السفر إلى الفضاء والإقامة على القمر أو المريخ أو حتى باطن الأرض, هل سوف يبقى كل ذالك خيالا علميا؟
إن إنتشار الأجهزة اللوحية والخليوية والكمبيوترات وأجهزة الحاسوب المنزلية وسماحها لمالكيها بتخزين ذاكرة مؤقته عبارة عن مقاطع موسيقى أو فيديو أو مقالات ومواضيع ومواقع على الشبكة العنكبوتية سوف يساهم بتغيير طريقة حياتهم وتفكيرهم مما سوف تجعلهم ينسون طرائقهم الحياتية القديمة وسوف تصبح الشبكة العنكبوتية هي البيئة التي يكون التخلي عنها ضربا من ضروب المستحيل. إن ذالك سوف يكون له تأثير إيجابي كما هو سلبي فنحن نقرأ يوميا عن إدمان الإنترنت وإدمان ألعاب الشبكة العنكبوتية التفاعلية ولعل أحد أشهر تلك الألعاب ورلد كراف(World Craft) ولعبة كونتر سترايك(Counter Strike) ونقرأ عن وفاة أشخاص في بلدان مختلفة على أجهزة الكمبيوتر في منازلهم أو في مقاهي الإنترنت. فهناك مؤسسات وأشخاص يحاولون التمسك بطرائقهم التقليدية في الحياة ولكن مع مرور الوقت سوف يجدون أنفسهم معزولين وسوف يعانون صعوبات يومية حياتية وعملية في حل مشاكلهم المختلفة.
إن أكبر تأثير لإنتشار تكنولوجيا الإتصالات وخصوصا الإنترنت عبر الهواتف المحمولة هو إنتقال السلطة إلى الأفراد بدلا من الحكومات والمؤسسات حيث أنه عبر التاريخ إرتبط التقدم التكنولوجي في تقنيات الإتصال بخسارة مراكز القوى التقليدية لمواقعها لصالح أفراد عاديين يمتلك أحدهم هاتفا ذكيا ويحسن إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي. مثال على ذالك الهيئات والمؤسسات الدينية والتي هي تقليديا تقاوم كل تغيُّر يحد من سلطتها ونفوذها وتعتبره هرطقة.
الأفراد الذين يمتلكون تكنولوجيا الوصول إلى الإنترنت عبر الهواتف المحمولة هم على وجه الخصوص من أكبر المستفيدين من التقدم في تكنولوجيا الإتصالات حيث أنهم قادرون الأن على جعل أصواتهم مسموعة ومن الصعب على صانعي القرار تجاهلهم. هاذا من ناحية أما من ناحية أخرى فإن الحكومات تجد السيطرة والتحكم والتأثير بذالك الجيل يزداد صعوبة مع مرور الوقت.
الحكومات وجدت نفسها مضطرة على أن تدير سياسية داخلية وخارجية في العالم الواقعي والعالم الإفتراضي وقد تشن حربا إفتراضية في الوقت نفسه الذي تحاول فيه الحفاظ على السلم في العالم الواقعي. العلاقة بين الولايات المتحدة والصين من أوضح الأمثلة على ذالك حيث تشن البلدان حروبا إفتراضية على بعضها البعض حيث حققت محاولات الصين لإختراق الأنظمة المعلوماتية الأمريكية بعض النجاحات منها سرقة أسرار عسكرية أمريكية وبيانات شركات ومشاريع وأسرار صفقات تجارية. في الوقت نفسه فإن الصحف والوسائل الإعلامية الأمريكية تشن حربا كلامية على الصين متهمة إياها تقوم بإعمال عدوانية تجاه الولايات المتحدة.
إن تطور وتقدم التكنولوجيا بتلك الوتيرة المتسارعة ووجود عالم إفتراضي بالإضافة إلى عالم واقعي إلى إنتشار مصطلحات مثل أمن الشبكات والأمن المعلوماتي وأصبحت تلك التخصصات مرغوبة في سوق العمل وأصبح من يكون بارعا في تلك المجالات حتى لو يكن يحمل شهادات جامعية متخصصة يستطيع أن يضمن لتفسه وظيفة بشروط مريحة حيث تتسارع الحكومات لتوظيف هؤلاء والتعاون معهم إتقاء لشرهم في الكثير من الحالات أو للحاجة إلى خبراتهم في مجال الأمن المعلوماتي.
سوف تفتح تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات مجالات جديدة أمام الأفراد الذين سوف يكون بإمكانهم خلق عالم إفتراضي خاص بهم وإمتلاك هوية إفتراضية بالإضافة إلى هوية واقعية حقيقية. أسباب ذالك قد تكون الخوف من عواقب إجتماعية أو عادات وتقاليد أو حتى مضايقة السلطات التي تحاول معرفة الهوية الحقيقية لمنتقديها.
الشركات والمنظمات هي أيضا سوف تتوفر على مجالات جديدة للعمل بالإضافة إلى التحديات التي سوف تجد نفسها تواجهها بسبب المنافسة ودرجة الوصول إلى المستهلك التي توفرها التكنولوجيا الجديدة. وجود الشركات والمؤسسات عبر وسائل التواصل الإجتماعي أصبح ضرورة وليس ترفا أو رفاهية حيث أنه في الأضخم منها هناك قسم كامل متخصص بالدعاية والإعلان والإشراف على حسابات الشركة على مواقع التواصل الإجتماعي مثل فيسبوك وتويتر حيث يمكن إرسال الأخبار وإستلامها من قبل المشتركين بطريقة مباشرة وفورية.
المجتمعات سوف تكون أيضا مستفيدة من الثورة في مجال تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات حيث يتوقع الكثيرون حتى في البلدان التي دمرتها الحروب وهدمت بنيتها التحتية أن تحسن ظروف حياتهم حيث يعدون البنية التحتية المتطورة التي تدعم قطاع الإتصالات والتكنولوجيا الخاصة بها أولوية توازي توفر مياه شرب نظيفة وطاقة كهربائية بدون إنقطاع.
وهناك مجموعة أسئلة يفرضها الأمر الواقع الذي وجدت الحكومات نفسها فيه كما الأفراد والمجتمعات والمؤسسات وهي متعلقة بالأثار الإيجابية أو السلبية لتقدم تكنولوجيا قطاع المعلومات والإتصالات. أسئلة مثل إنتقال مراكز القوى من الحكومات للأفراد فمن سوف تتركز السلطة بيده في المستقبل؟ شباب في أوائل العشرينييات من أعمارهم يمتلكون هاتفا محمولا موصولا بالإنترنت أم مسؤولا حكوميا يعمل بطريقة تقليدية بواسطة أوراق ومراسلات وقد يأخذ خبر معين أياما حتى يصله ويتفاعل معه ليتخذ القرار المناسب؟
هل سوف تكون التكنولوجيا سببا في إنتشار الإرهاب أم عاملا مساعدا في مكافحته؟ وتلك النقطة تطرح نفسها بقوة في أيامنا الحالية حيث ثبت زيادة نشاطات التنظيمات الأصولية مثل داعش على مواقع التواصل الإجتماعي حيث تقوم بالتجنيد وجمع الأموال ونشر بياناتها وأفكارها مقابل عجز حكومي غربي وعربي شبه كامل عن التكيف مع ذالك الواقع وإيجاد الحلول المناسبة.
هل سوف نفقد الخصوصية والأمن في عالم تتقدم فيه التكنولوجيا بسرعة صاروخية وخصوصا تكنولوجيا المعلومات والإتصالات؟ لعل الكثيرين سمعوا عن الإختراقات التي حصلت مؤخرا لشركة أبل بخصوص مايدعى(Apple iCloud) وشركة سوني وإختراقات الحسابات البنكية ونشر بيانات المستخدمين من صور وفيديوهات وأرقام بطاقات الإئتمان.
كيف سوف يكون مستقبل الحرب والسياسة والثورات في ظل تقدم تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات؟ كيف يمكن بناء المجتمعات المدمرة في ظل التقدم التكنولوجي؟ وكيف سوف يكون الشكل الذي تتخذه تلك المجتمعات بمساعدة التكنولوجيا؟
هل يمكن القيام بعمل جماعي إنطلاق من منصات إفتراضية حيث أصبح الجميع مشاركا في وضع قواعد اللعبة وتغييرها؟
فيديو لسيارة مرسيدس بنز (Benz F015) الذاتية القيادة
https://www.youtube.com/watch?t=107&v=DYTV4d-Gn0s
مع بالغ تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية











Sunday, July 19, 2015

المستقبل بنكهة الماضي, هل سوف يتكرر سيناريو إفلاس الأرجنتين سنة 2000 مع اليونان؟

السؤال الذي يسأله الجميع لماذا لا يتعلم المسؤولون من دروس وعبر الماضي؟ ألم تكفي عشرة سنين فصلت بين إعلان الأرجنتين إفلاسها وعجزها عن سداد ديونها سنة 2000 وسنة 2014 حين أوشكت على ذالك مرة أخرى وبين أزمة اليونان سنة 2010 والتي تم حلها مؤقتا بحزمة إنقاذ من 750 مليار يورو؟
في وقتنا الحالي يطل شبح الأزمة اليونانية من جديد حيث تم إنتخاب أليكسس تسيبراس والذي يمثل الإتجاه اليساري رئيسا للوزراء وتسارعت الأحداث حيث تم رفض خطة الدائنين الدولية مقابل قرض جديد يتم تقديمه لليونان لإنقاذها من الإفلاس. البنوك في اليونان أغلقت أبوابها وتم تحديد مبلغ 60 يورو يوميا كحد أقصى للسحب من ماكينات الصراف الألي وكادت الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ حتى تم الموافقة على قرض عاجل بقيمة 7 مليارات دولار مما سوف يسمح للبنوك بفتح أبوابها مرة أخرى ولكن إلى متى؟
في سنة 1991 بالنسبة للأرجنتين وسنة 2001 بالنسبة لليونان فقد إنضمت الدولتان ضمن برنامج مايعرف ببرنامج إستقرار أسعار الصرف(exchange rate stabilisation) في محاولة لإنقاذ مايمكن إنقاذه من إقتصاديتهما المنهارة.
إن وجه المقاربة بين الأرجنتين واليونان في برنامج إستقرار أسعار الصرف يتمثل في النقاط التالية:
- إرتفاع حقيقي في سعر صرف العملة
- طفرة إقتصادية وإستهلاكية
- إختلال في الموازين التجارية الخارجية
الأرجنتين سنة 2000 تعرضت لما يعرف بالتضخم المفرط(Hyperinflation) حيث كان ملامح ذالك التضخم المفرط قد ظهرت سنة 1998 بوصول مؤشر أسعار المستهلك إلى 5000 نقطة وشكل ذالك صدمة للكثيرين حيث كانت الأرجنتين تعد من أغنى دول أمريكا اللاتينية وصاحبة أحد أقوى الإقتصاديات فيها.
عندما فاز كارلوس منعم بمنصب الرئاسة سنة 1989, قام بإتخاذ عدة إجرائات لكبح التضخم المفرط منها مصادرة الحسابات الإستثمارية قصيرة المدى وإستبدالها بسندات حكومية طويلة المدى ولمن ذالك كان حلا مؤقتا حيث أنه في أواخر عام 1990 عاد شبح التضخم يطل من جديد في الأرجنتين وبدأ المواطنون الأرجنتينيون من أصول إيطالية على سبيل المثال العودة لبلدهم الأم بهدف البحث عن عمل.
الأرجنتين كما اليونان لديهما مطار متقدم وأسواق سلع إستهلاكية وكل مايدل على إقتصاد متقدم وينمو بسرعة ولكن المشكلة إفتقارهما للمشاريع المتوسطة-الكبيرة والتكتلات الإقتصادية كتلك الموجودة في الولايات المتحدة والتي هي تعتبر العمود الفقري لأي إقتصاد حقيقي مما أدى إلى خلق هوة إقتصادية إتضحت أثارها في وقت لاحق.
في أوائل سنة 1991 قام الرئيس الأرجنتيني بتغيير المبادئ التي يقوم عليها إقتصاد الأرجنتين فقام بالبدء ببرنامج خصخصة طموح, إلغاء ضرائب الحماية على المنتجات المحلية(Tariffs), سياسات مالية لمكافحة التضخم. وفي نهاية شهر يناير 1991 تم تعيين دومينغو كافالو(Domingo Cavallo) كوزير للإقتصاد والذي إتخذ عدة إجرائات إضافية محققا بعض النجاح منها محاولة العودة لنوع من قاعدة المعيار الذهبي الكلاسيكي والدولار الأمريكي كعملة إحتياطية مما يتطلب وجود كمية من الذهب أو الدولارات الأمريكية مساوية لكمية العملة الأرجنتينية(البيزوس) المطبوعة.
أحد العوامل أو لنقل المشاكل المشتركة بين الأرجنتين واليونان والتي أدت لزيادة الوضع سوأً بالنسبة لكلا البلدين هي مشكلة المسحوبية(Clintallism) أو مايطلق عليه(الواسطة) والتي أدت بدورها إلى ظهور مايسمى بالطبقة الأوليغارشية(oligarchs) والتي تعني حكم الأقلية وتحكم عدد محدود من رجال المال والأعمال بالتعاون مع موظفين حكوميين بارزين بالتجارة والإقتصاد وتكوينهم طبقة خاصة بهم فيما يشبه نادي للنخبة المسيطرة.
حاول الرئيس الأرجنتيني جوان بيرون حين فاز بالإنتخابات الرئاسية سنة 1946 القيام بتحقيق الوعود التي إستند عليها برنامجه الإنتخابي القائم على سياسة الحماية الإقتصادية, تعزيز الشعور الوطني, حماية الفقراء ومحدودي الدخل. كانت تلك محاولة لإتباع سياسة تقوم على الموازنة بين المبادئ الشيوعية والرأسمالية وذالك في بداية الحرب الباردة. وفي سبيل تطبيق تلك السياسة قام بمحاولة لخلق بيئة صناعية وتعزيز دور الصناعة حيث تم إنشاء مصنع للطائرات ومصنع للسيارات وذالك عبر مبادرات حكومية وطنية ولكن تلك المحاولات بائت بالفشل لأن الدولة حاولت القيام بدور طبقة إجتماعية كاملة من الصناعيين والممولين والذين يلعبون تلك الأدوار في المجتمعات الصناعية المتقدمة.
تلك المحاولات التي قام بها جوان بيرون كانت البداية لإستفحال ظاهرة المحسوبية حيث أن سيطرة الدولة على مفاصل إقتصادية أو تأميمها يعارض مبادئ مايدعى الإقتصاد الحر حيث كانت النتيجة الحاجة إلى البيروقراطية الحكومية عند كل منعطف وبطريقة أدت إلى تعطيل الإستثمار وتدفق رأس المال الأجنبي إلى الأرجنتين. التنازلات التي قام بها الرئيس الأرجنتيني لصالح النقابات العمالية جعلت من الصعوية طرد أي عامل مما أدى لخلق سوق عمل غير مرنة وطاردة للإستثمارات.
في الإقتصاديات المتقدمة, يتم خلق الثروة من قبل تكتلات إقتصادية في مجالات متخصصة والتي تقوم بدورها بإستخدام تلك الثروة في محاولة لحماية مصالحها عن طريق خلق كيانات سياسية أو تمويل كيانات سياسية موجودة في ساحة العمل السياسي عن طريق التبرعات وذالك في محاولة للتاثير على صانع القرار لصالح تلك التكتلات.الولايات المتحدة وبريطانيا كنماذج لتلك النوعية من الإقتصاديات. في الأرجنتين واليونان كان الوضع معكوسا حيث كان لدى السياسيين الصلاحيات لخلق الثروة عن طريق السيطرة على السيطرة على مشاريع ومصالح إقتصادية حكومية بقرار سياسي ومد نفوذهم إليها أو عن طريق الإستدانة من الأسواق المالية والممولين الدوليين(اليونان نموذجا) وتقديم العائدات والأموال لجماعات المصالح واللوبيات لشراء الأصوات والتأثير على سير العملية الإنتخابية.
المؤسسات والمصالح المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي ينطبق عليها المثل القائل (حسابات الحقل لم توافق حصاد البيدر) حيث تم إرتكاب أخطاء تاريخية وخصوصا في حالة اليونان وذالك بالنظر إلى أرقام وحسابات وإحصائيات وبينات جداول إقتصادية كان من السهل على المسؤولين الفاسدين تزييف الحقائق ولم تتم دراسة الديناميكية الإقتصادية لليونان وطريقة عملها التي تعاني من مجموعة مشاكل مزمنة تعد المحسوبية أحدها. كل ذالك أدى إلى خلق بيئة غير ملائمة لنمو القطاع الخاص حيث كانت المؤسسات الديمقراطية والإقتصادية في الأرجنتين تعد ظاهرة غريبة إستعصت على فهم المؤسسات الغربية ومعاهد البحث حيث تشكيلة الحكم تتألف من شيوعيين وفاشيين وديمقراطيين, أشخاص من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
النتيجة كانت الإطاحة بحكم بيرون سنة 1955 بإنقلاب عسكري نتيجة سياسات إقتصادية فاشلة يضاف إليها هبوط مستوى شعبيته بين الطبقة العليا من المجتمع وشكوك الكنيسة حول توجهاته الشيوعية.
أحد رجال الأعمال في الأرجنتين (Gerardo Saporosi) والذي قام وبصعوبة بالغة بالمحافظ على مصالحه التجارية كل فترة الإضطرابات التي مرت بها الأرجنتين لخص المشكلة في الأرجنتين مرجعا إياها إلى الفترة(البيرونية) وفترة الحكم العسكري التي تلت إنقلاب سنة 1955. في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت الأرجنتين وخصوصا من الناحية الإقتصادية مكافئة لدول مثل أستراليا وكندا بل وكان في طريقها لتصبح أفضل من دول مثل الصين أو روسيا أو الهند والتي هي حاليا تعد من تحالف دول البريكس. الفترة التي تلت سنة 1950 وحتى 1990 شهدت هروب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية ومعاناة المصالح الصناعية والتجارية في إعادة توظيف رأس المال المتوفر بطريقة تضمن إستمرار تحقيق الأرباح على المدى البعيد حيث قامت بتصفية أعمالها بهدوء. الإجرائات التي قام بها الرئيس كارلوس منعم سنة 1990 تكفلت بالقضاء على ماتبقى من تلك المصالح التجارية والإقتصادية ومغادرتها الأرجنتين مما كان له نتائج كارثية مازالت تعاني منها إلى وقتنا الحالي.
في الفترة التي تلت العودة إلى الديمقراطية سنة 1983, فقد قام أول رئيس أرجنتيني منتخب راؤول ألفونسن(Raul Alfonsin) بإتباع سياسات بيرونية على الرغم من معارضته لها وذالك بسبب شعوره بالحاجة إلى مجاملة القاعدة الإنتخابية التي أوصلته للسلطة بعد سنوات مايعرف بحكم(Junta)-العصبة العسكرية والتي عانت بشدة من سنة 1950 إلى سنة 1983.
منذ سنة 1984 وحتى سنة 1989, كان هناك 13 إضرابا عماليا عاما حيث قامت النقابات بالدعوة لتحسين مستوى الأجور وظروف العمل. رجال المال والأعمال والمزارعون قاموا أيضا بالطلب معاملتهم تفضيليا كالفئات الأخرى. إن كل ذالك أدى إلى ضغوطات كبيرة على الميزانية العامة, زيادة كميات العملة المطبوعة لتلبية طلبات النقابات والفئات الأخرى, زيادة مستوى العجز والذى أدى بدوره إلى تضخم مفرط. بين سنة 1975 و سنة 1989, إرتفع مستوى الدين السيادي الأرجنتيني من 14% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 66% حيث نسبة كبيرة من ذالك الدين كانت السياسات التي إتبعها  راؤول ألفونسون هي السبب الرئيسي لذالك الإرتفاع المسبوق في الدين السيادي الحكومي.
مثال بسيط على الفساد في الأرجنتين حيث ذكر أحد أبناء رجال الأعمال في الأرجنتين أن عضوا في القوات المسلحة الأرجنتينية حاول إقناع والده بشراء لوحات إعلانية ضخمة على أحد الطرق والتي تكون في الإتجاه المعاكس للسير على الطريق مع ضمان العسكري الأرجنتيني بعكس إتجاه سير الطريق وإقتسام العائدات مع رجل الأعمال. كما كان هناك برنامج الخصخصة في الأرجنتين والذي حامت حوله شبهات فساد حيث تلقى رجال أعمال مقربين من نظام كارلوس منعم معاملة تفضيلية لشراء شركات حكومية بأسعار تقل عن قيمتها الحقيقية.
في اليونان كانت هناك محاولات مماثلة لشراء السلام الإجتماعي بواسطة المحسوبية ومنح الإمتيازات والبطالة المقنعة حيث شهدت فترة الثمانينيات ظهور قطاع عام فاسد في اليونان تعاني من أثاره حتى الأن حيث لم يتم أي إصلاحات جذرية وحقيقية.
مشكلة أخرى تعاني منها اليونان كما الأرجنتين وهي النظام القضائي الذي تنعدم فيه الشفافية وتطبيق القوانين حيث يتأخر جلب المسؤولين الفاسدين ومحاسبتهم أمام القضاء وقد لا يتم ذالك وفي أفضل الأحوال تصدر أحكام مخففة أو مع وقف التنفيذ.
إن إقتصاديات الأرجنتين واليونان تفتقر إلى أربعة عوامل أساسية حتى تساهم في الدخل القومي بفعالية وتساهم في تطور ونمو صحي لقطاع المال والأعمال:
- شروط العمل وظروفه من توفر عمالة ماهرة ومواد أولية وبنية تحتية لا غنى عنها لتأسيس إقتصاد تنافسي.
- ظروف عرض وطلب مواتية وملائمة
- صناعات تتمتع بقدرة على التنافسية الدولية
- تخطيط إستراتيجي وسياسات مالية وقانونية حازمة
مع بالغ تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية