Flag Counter

Flag Counter

Saturday, August 29, 2015

لماذا فشلت لنظرية النقدية الحديثة(Monetarism theory) في حل معضلة الركود الإقتصادي الأمريكي؟

في عام 1969 تم إخراج جائزة نوبل في العلوم الإقتصادية لحيز الوجود حيث جاء ذالك تتويجا لجهود بدات عام 1940 لفصل المجال الإقتصادي عن إرتباطاته القديمة بمجالات مثل العلوم الفلسفية والقانونية وجعله مرتبطا بمجالات مثل الرياضيات التطبيقية والفيزياء. الإقتصاديون إحتلوا مكانة رفيعة في المجتمعات فقد أصبحوا مسؤولين عن جزء كبير من النشاط الإنساني المتعلق بخلق الثروة, التوفير والإستثمار ومستعينيين لإنجاز ذالك بأجهزة كمبيوتر, معادلات رياضية ونماذج إقتصادية.
لقد وعد علماء الإقتصاد الذين يشبههم البعض بالقياصرة بمستقبل إقتصادي أفضل معتمدين على العلوم الحديثة لتوجيه الإقتصاد بعيدا عن الأزمات والمطبات التي يتعرض لها بشكل دوري ومستمر. الأزمة الإقتصادية 2007-2008 تسببت بتعرية الفياصرة من أرديتهم حيث عجزوا عن توقع الأزمة على الرغم من علاماتها التي كانت أكثر من واضحة ولم يتم إنقاذ الإقتصاد من الإنهيار الشامل غلا بفض تدخل حكومي واسع وبطرق مختلفة.
لتوضيح سبب ذالك علينا أن نعود إلى سنة 1947 حيث قام بول ساميولسن بتأليف كتاب (قواعد الإقتصاد التحليلي) والذي يعد خطا فاصلا بين تصنيف الإقتصاد كعلم من العلوم الإجتماعية قبل تأليف الكتاب وتصنيفه كعلم من العلوم الطبيعية بعده. إنهيار مؤسسة إدارة التمويل الطويل الأجل سنة 1998 يماثل ماحصل سنة 1907 من إنهيار مؤسسة الضمان نيكربوكر وموجة الذعر التي تبعت ذالك. كما أن ماحصل بتاريخ أوكتوبر 19 1987 عندما إنهار مؤشر داو جونز بمقدار 22.61% في يوم واحد بما يماثل له ماحصل في 28-29 أكتوبر 1929.
على الرغم من تكرار الأزمات المالية والإنهيارات الإقتصادية رغم تشابه ملامحها والعوامل التي تسببت بها ورغم إمتلاك المختصين في العلوم الإقتصادية كل الأدوات التي من المفترض إستخدامها بحكمة, إلا أنهم فشلوا فهناك أكثر من 40 مليون أمريكي يعيشون على بطاقات الطعام. لايوجد هناك مايثبت الفوائد الإيجابية في مجال العلوم الإقتصادية في مرحلة مابعد سنة 1947 والعكس صحيح فقد زادت الأمر سوءا.
يعد ميلتون فريدمان(Milton Friedman) الحائز على جائزة نوبل في مجال الإقتصاد سنة 1976 الأب الروحي للنظرية النقدية الحديثة(Monetarism theory). تتمحور تلك النظرية على مبدأ أساسي قائم على العلاقة بين الناتج المحلي الإجمالي والسيولة النقدية حيث أن توفر السيولة يعد من اهم العوامل التي تؤثر على الناتج المحلي الإجمالي بالزيادة أو بالنقصان. تلك التغيرات في الناتج المحلي الإجمالي عند تقييمها بالدولار الأمريكي يمكن تقسيمها إلى جزئين: الأول هو حقيقي والذي ينتج عنه نمو حقيقي, والثاني هو تضخمي وينتج نمو وهمي. النمو الحقيقي زائد النمو الوهي يساوي الزيادة الإسمية. الهدف من تطبيق نظرية فريدمان هو ان زيادة السيولة النقدية بهدف زيادة الإنتاج يمكن أن تكون فعالة إلى حد معين فإذا تخطت ذالك فتصبح تلك الزيادة تضخمية وليست حقيقية. ومن الممكن تطبيق نظرية فريدمان على سياسة التيسير الكمي والتي قد تنتج نموا حقيقيا لفترة قصيرة ولكن المشكلة أن ذالك النمو سوف يكون بدون فائدة لأنه سوف يتحول لتضخم في وقت لاحق.
فريدمان قام بوضع النظرية الكمية النقدية والتي من الممكن توضيحها كالتالي:
م(M) = سيولة نقدية, س(V) = سرعة دوران السيولة النقدية, ب(P) = مستوى الأسعار, و(Y) = الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
المعادلة تكون على الشكل التالي:
م*س = ب*و(M*V = P*Y)
بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي يتحكم بالعامل (M) وذالك بشراء سندات وزارة الخزينة الأمريكية بالدولارات المطبوعة لزيادة السيولة ويقوم ببيع السندات لتقليصها. العامل(V) هو عبارة عن سرعة دوران رأس المال في الأسواق أو بصورة أكثر وضوحا سرعة إنفاقه.
السؤال المهيمن لعقود طويلة كان عن قدرة الإقتصاد على النمو الحقيقي قبل بروز مشكلة التضخم؟
النمو السكاني في الولايات المتحدة يقدر بنسبة 1.5% سنويا بينما الزيادة في الإنتاجية السنوية تقدر بنسبة 2%-2.5%. إذا قمنا بجمع نسبة النمو السكاني إلى نسبة الإنتاجية فإن ذالك يعني أن الإقتصاد الأمريكي من الممكن أن ينمو بين 3.5% - 4% كنمو حقيقي. هاذا يعبر عن المكون (Y) من المعادلة.
تلك المعادلة تحقق نموا من دون تضخم تقريبا بشرط ثبات عامل(V) وهو سرعة تداول النقود حيث أن ذالك ظاهرة سلوكية وعامل قوي في النمو الإقتصادي.
في الفترة بين يناير 2008 - يناير 2011 فإن القاعدة المالية(الأموال المطبوعة) بموجب التسير الكمي قد زادت بنسبة 242% ولكنها تشكل 20% من مجمل السيولة النقدية حيث تكون البنوك مسؤولة عن 80% من تلك السيولة عبر إصدار القروض والإعتمادات المالية والإستثمار في قطاعات تجارية مختلفة. البنوك في تلك الفترة كانت مترددة في الإقراض والمستهلكون مترددون في إنفاق السيولة المالية التي بحوزتهم خوفا من الإقتصاد المضطرب. كما أن المستهلكين كانوا مترددين في طلب أي سيولة إضافية من البنوك لشكهم في قدرتهم على سدادها.
في تلك الحالة ماهي الوسائل التي يلجأ إليها البنك الفيدرالي لزيادة سرعة تداول النقود وتشجيع المواطنين على الإنفاق؟
يستطيع الفيدرالي التأثير على سلوك الإنفاق لدى المستهلكين عبر التلاعب بما يسمى الإحساس بنشوة أو تأثير الثروة. الطريقة المفضلة لذالك هي محاولة التأثير على أسعار الأصول بالإرتفاع حيث يفضل البنك من جهته أسعار الأسهم والمنازل. الطريقة الأخرى هي محاولة التأثير على المستهلكين لإنفاق الأموال المدخرة تحت تأثير الخوف من التضخم.
الطريقة الأولى فشلت بسبب التذبذب الكبير في أسعار المنازل كما أن المستثمرين والأفراد العاديين إبتعدوا عن أسواق الأسهم بسبب فقدان الثقة على إثر أزمة 2007-2008. ليتمكن بنك الإحتياطي الفيدرالي من تفعيل الطريقة الثانية فعليه أن يتلاعب بثلاثة عوامل وهي: أسعار الفائدة الإسمية, أسعار الفائدة الحقيقية, توقعات التضخم. الهدف هو إبقاء أسعار الفائدة الإسمية منخفضة وتوقعات التضخم مرتفعة بهدف إيجاد أسعار فائدة حقيقية سلبية(سعر الفائدة الإسمي - التضخم= سعر فائدة حقيقي سلبي).
إن تحقيق تلك الغاية يزيد من جاذبية الإقتراض وبالتالي توقعات الإنفاق والإستثمار فيزداد الناتج المحلي الإجمالي. إذا أردت التعبير عن ذالك بجملة مختصرة تكون أكثر بساطة فمن الممكن أن ألخص ماسبق(بإثارة الذعر لدى أصحاب المدخرات والمستثمرين من تناقص قيمة مدخراتهم ورؤوس أموالهم بسبب التضخم إذا لم يقوموا بإنفاقها والعائد المرتفع في حال قاموا بذالك).
النظرية النقدية الحديثة ليس كافية كاداة مالية لمعالجة الأزمات الإقتصادية ليس لأان العناصر المؤلفة منها المعادلة التي تعبر عن تلك النظرية خاطئة بل لأن السيطرة عليها يعتبر مهمة مستحيلة. العلاقة بين المقترضين والبنوك أيضا متقلبة بسبب عامل الثقة بينهم وبين أنفسهم وكذالك عامل الثقة بالحالة الإقتصادية بشكل عام.
الأمر الذي يشكل خطرا أن بنك الإحتياطي الفيدرالي مازال غير مقتنع بصعوبة السيطرة على عناصر المعادلة وخصوصا العامل(V) حيث مازال وعبر سياسات مختلفة كان لبعضها نتائج كارثية, مازال مصرا على ذالك. إستمرار تلك الممارسات سوف يؤدي إلى إضعاف ثقة المواطنين بالنظام المالي والإقتصادي للولايات المتحدة وذالك ينطبق على أي يبلد في العالم. عامل الثقة هو حائط الصد الأخير الذي يحمي أي نظام مالي وإقتصادي من الإنهيار فإن إنهار ذالك العامل فذالك يعني أن الإقتصاد سوف ينهار. والسؤال هو هل الولايات المتحدة قريبة من أن يفقد مواطنوها ثقتهم بعملتهم وبقدرة المسؤولين الحكوميين على حمايتهم وحماية مدخراتهم واعمالهم؟

النهاية

Friday, August 28, 2015

ماهي الأهداف الحقيقية لإنشاء بنك الإحتياط الفيدرالي الأمريكي؟

يعتبر بنك الإحتياطي الفيدرالي أقوى بنك مركزي على الإطلاق منذ تأسيسه سنة 1913 ويشكل قوة مالية متحكمة بالإقتصاد في الولايات المتحدة. مهمته الأساسية كانت الحفاظ على القوة الشرائية للدولار الأمريكي. ولكن على أرض الواقع فقد فشل في مهمته لأن القوة الشرائية للدولار قد إنخفضت 95% منذ تأسيس البنك. لدى البنك مجموعة مهمات أخرى غير مهمته الأساسية كالحفاظ على ثبات الأسعار وتقليص نسبة البطالة. كما أنه من المتوقع أن تكون أحد مهماته كلملجأ أخير للإقتراض بالنسبة للبنوك التي تعد أنها أكبر من أن يسمح بفشلها. ويقوم بتمثيل الولايات المتحدة كبنك مركزي في الإجتماعات المالية الدولية كقمة الدول الصناعية السبعة ومجموعة الدول العشرين ويقوم بإجراء المعاملات المالية بإستخدام الإحتياطي الذهبي الذي يملكه.
الذين يدافعون عن البنك وسياسته المالية يزعمون أن الأجور إرتفعت أكثر من عشرين ضعفا مقارنة بإنخفاض القوة الشرائية للدولار وفق مفهوم (Money Neutrality). المشكلة في ذالك أنه يساوي بين المتقاعدين ومن تتأكل مداخراتهم ودخولهم الثابته بفعل التضخم ومن يعمل ضمن الحد الأدنى للأجور ويرتفع فيها أجره بمقدار ربع أو نصف دولار للساعة وبين من يعمل في القطاع المصرفي أو وول ستريت.
لنأخذ فكرة مبسطة المدى الذي فشل فيه بنلك الإحتياطي الفيدرالي في مهمته الأساسية فما علينا إلا النظر لتاريخ العملة الفضية للجمهورية الرومانية (الدينار الفضي) والذي حافظ على 100% من قوته الشرائية لمدة مائتي سنة تقريبا والعملة الذهبية للإمبراطورية الرومانية البيزنطية(السوليدوس) والتي حافظت على 100% من قوتها الشرائية لمدة 500 سنة. حتى أن البنك فشل في مهمته خلال الكساد العظيم الذي أعقب إنهيار أسواق المال في الولايات المتحدة سنة 1933 أو مايعرف بإسم الإثنين الأسود حين أعلن إفلاس أكثر من 10000 بنك ولم يتم التدخل لإنقاذ ولو نسبة بسيطة منها. تخيلوا أنه في تلك الفترة وحيث أن السيولة كانت شحيحة فإن الأمريكيين إضطروا للجوء لمبدأ المقايضة كما إنتشر محليا عملة تدعي النيكل الخشبي(Wooden Nickel) تقوم مكان النقود.
كما فشل البنك في إدارة أزمة 2007-2008 بالطريقة المناسبة حيث تعامل معها على انها أزمة سيولة بينما كانت في الحقيقة عبارة عن أزمة إئتمانية وأزمة فقدان ثقة بالبنوك مما سوف يؤدي بالمواطنين إلى سرعة سحب ودائعهم وإلى الذعر نتيجة موجة بيع محمومة للأصول والإستثمارات. أزمة السيولة يتم حلها بالإقراض قصير الأجل حيث يمكن أن تعمل تلك القروض كجسور مالية حتى تستعيد البنوك عافيتها بينما يتم حل أزمة الإئتمان والثقة يكون حلها بطريقة مختلفة تماما. الحل يكون بإغلاق البنوك المتعثرة أو حتى تأميمها بموجب قانون الطوارئ, نقل الأصول المسمومة لملكية الحكومة وإعادة خصخصة تلك البنوك عبر طرح أسهمها للإكتتاب العام من قبل مساهمين أخرين. عند تلك المرحلة فإن البنك يمكنه من التقدم بطلب قرض جديد. فائدة وضع الأصول المسمومة تحت سيطرة الحكومة هي أنه يمكن تمويلها بفائدة منخفضة وبدون رأس مال وكذالك بدون حسابات الربح والخسارة. المساهمون السابقون وهيئة ضمان الودائع(FDIC) سوف تتحمل الخسائر في الأصول المسمومة بينما يتحمل دافع الضرائب أي خسائر أخرى وهي سوف تكون في حدها الأدنى.
بنك الإحتياطي الفيدرالي أخطأ في حساب الموقف لأنه بتوفيره المزيد من السيولة من خلال مايعرف (صندوق تارب-TARP- Troubled Asset Relief Program) لبنوك لاتعاني تلك المشكلة فقد ساهم في إبقاء الأصول المسمومة ضمن النظام المالي بدلا من إخراجها منه بأقل الخسائر وذالك حتى يتمكن المالكين لسندات وأسهم البنك والإدارة من الإستمرار في جني الأرباح والحوافز على حساب دافع الضرائب الأمريكي.
في سنة 1978 أثناء فترة رئاسة جيمي كارتر فقد صدر قانون(Humphrey-Hawkins Full Employment Act) أضاف لمهمات بنك الإحتياطي الفيدرالي مهمة إبقاء معدل البطالة على مستوى 3% سنة 1983 وتحقيق النمو الإقتصادي, إستقرار أسعار السلع والخدمات وميزانية متوازنة بالتعاون مع الفرع التنفيذي للحكومة. في الحقيقة فإن نسبة البطالة قد بلغت سنة 1983 نسبة 10.4%, 7.8% سنة 1992,  6.3% سنة 2003 ونسبة 10.1% سنة 2009. تقرير اللجنة التي أنشأها سنة 2009 الكونجرس للتحقيق في أسباب الأزمة الإقتصادية والمالية التي تمر بها الولايات المتحدة وتألف من أكثر من 500 صفحة ألقى باللوم على بنك الإحتياطي الفيدرالي لأنه فشل في منع تدفق القروض المسمومة حين كان ينبغي عليه فعل ذالك بإقرار القوانين المناسبة. كما رفض التقرير إدعائات المسؤولين بالبنك من وجود عجز قانوني لديهم عن إصدار القوانين لتفادي الأزمة والتي أقر التقرير أنه كان يمكن تجنبها.
بحلول سنة 2011, كان بحوزة بنك الإحتياطي الفيدرالي ماقيمته 3 تريليون دولار من الأصول و60 مليار دولار صافي السيولة النقدية. لو إنخفضت قيمة تلك الأصول بمقدار 2% وهي نسبة بسيطة في سوق متقلب  فسوف يكون ذالك كافيا لإلتهام كامل السيولة النقدية التي بحوزة البنك مما يعني ببساطة إفلاسه. لوكن هل حصل ذالك على أرض الواقع؟
الجواب هو نعم ومنذ وقت طويل ولكن علينا أن نفهم طريقة عمل البنك فهو مؤسسة خاصة حتى أن وزير الخزانة الأمريكي لايستطيع دخول أحد فروعه بدون موعد مسبق ولذالك فإن دفاتر البنك لاتتعرض للتدقيق كما البنوك الحكومية. بالإضافة إلى ذالك فإن بنك الإحتياطي ليس ملزما بتقييم أصوله وفق أسعار السوق بل هناك أليته الخاصة للتسعير. المشكلة سوف تنفجر عندما يتوقف البنك عن العمل ببرنامج التيسير الكمي ويكون الحل لتوفير السيولة هو بيع السندات والأصول التي يمتلكها, عندئذ سوف تتضح قيمتها الحقيقية. ولتجاوز تلك الإشكالية وإخفاء القيمة الحقيقية لتلك الأصول فقد إقترح مسؤولون من بنك الإحتياطي الفيدرالي سنة 2008 إصدار سندات مماثلة لوزارة الخزانة الأمريكية وفي سنة 2009 تم التقدم بطلب للكونجرس الأمريكي بذالك الخصوص. قيام بنك الإحتياطي الفيدرالي بإصدار سنداتته الخاصة وعرضها للبيع سوف يكون بديلا عن بيع سندات وزارة الخزانة التي بحوزته لإمتصاص السيولة النقدية من الأسواق وكبح جماح التضخم. الكونجرس الأمريكي رفض طلب البنك فكان الحل هو صفقة في اللحظة الأخيرة بين وزارة الخزانة والبنك ولا تحتاج لموافقة الكونجرس. تتلخص الصفقة في أن البنك كان عليه بشكل تقليدي إعادة أرباح الفوائد الضخمة على السندات التي يمتلكها إلى وزارة الخزانة. الوزارة من ناحيتها وافقت على تعليق عمليات إعادة دفع الأرباح الناتجة من الفوائد على السندات حيث يحتفظ البنك بالأرباح والأموال التي يتوجب على البنك دفعها لوزارة الخزينة يتم تصنيفها على أنها سندات دين(Liability Account -IOU ). ومع زيادة الخسائر بسبب إنخفاض قيمة السندات التي بحوزة البنك فإن البنك يصدر المزيد من سندات الدين لوزارة الخزانة ويستخدم المال لتغطية خسائره على حساب دافعي الضرائب لأن البنك مؤسسة خاصة بينما وزارة الخزانة مؤسسة عمومية وذالك مثال سيئ أخر على حرمان دافع الضرائب من الأموال لمصلحة البنوك الخاصة.
النظام المالي في الولايات المتحدة يسير بشكل غريب حيث تصدر وزارة الخزانة سندات لتغطي على عجز الموازنة. بنك الإحتياطي الفيدرالي يقوم بشراء تلك السندات بالنقود المطبوعة ليتحمل خسائر بسبب ذالك لتقوم وزارة الخزانة بقبول سندات دين من البنك مقابل إحتفاظه بأموال الفوائد حتى لايتعرض لمشكلة سيولة.
ولعل النجاح البارز الوحيد الذي حققه البنك هو زيادة قيمة الذهب الذي يتم الإحتفاظ به من قبل وزارة الخزانة من 11 مليار سنة 1971 إلى 400 مليار في وقتنا الحالي. ولكن تلك الزيادة تعد من الأثار الجانبية لجهود بنك الإحتياطي الفيدرالي لخفض سعر صرف الدولار الأمريكي وإضعافه.
في المحصلة فقد فشل بنك الإحتياطي الفيدرالي في القيام بمهامه الأساسية وهي الحفاظ على قوة الدولار الأمريكي, خفض نسبة البطالة,الحفاظ على ثبات الأسعار وتجنب الأزمات المالية أو على الأقل التخفيف من أثارها.
والأسئلة المطروحة  في نهاية الموضوع, عن نوع المشاكل الإقتصادية التي كان يعاني منها الإقتصاد العالمي قبل خروج بنك الإحتياطي الفيدرالي إلى حيز الوجود؟ وهل ساهم البنك في حل أي من تلك المشاكل إن وجدت أم قام بخلق مشكلات جديدة بسبب سياساته المالية الغير مسؤولة ومغامرته بأموال دافعي الضرائب بالتعاون مع وزارة الخزانة الأمريكية؟
النهاية

Thursday, August 27, 2015

ماهي العلاقة بين مفهوم العولمة والحروب الإقتصادية في عصرنا الحالي؟

إن الحروب الإقتصادية هي نوع من الحروب غير المحدودة وهي الوسيلة المفضلة لمن هم يمتلكون أنظمة أسلحة أقل فاعلية وتطورا ولكنهم في الوقت نفسه يملكون الكثير من الدهاء. القيمة المعنوية لأي عملة بالنسبة لبلد ما هي ككعب أخيل ولذالك فإن تدمير تلك العملة هو الهدف النهائي في عمليات المضاربة على أسعار العملات. وحيث أن الأسواق المالية تتداخل مع بعضها البعض بواسطة إستراتيجيات نجارية يبقى بعضها عصيا على الفهم حتى بالنسبة للخبراء فإنه هناك دائما من ينتظرون في الظل بسكون إستعدادا للإنقضاض على عملة بلد ما وجني الأرباح.
إن عملية المضاربة على أي عملة قد لايكون حصريا لأغراض تجارية وجني الأرباح بل لإلحاق أضرار إقتصادية بشكل متعمد ويتورط في ذالك النوع من العمليات مؤسسات تجارية وإقتصادية على إختلاف مسمياتها إبتداء من صناديق الثروة السيادية, صناديق التحوط, شركات إستثمارية كما يتورط فيها عصابات إجرامية ولاعبون سيئون كما قد تأخذ شكل عمليات قرصنة إلكترونية وعمليات غير قانونية.
ولكن لماذا إستهداف عملة بلد معين بتلك الطريقة؟
والجواب هو أنه لايوجد سبب يبرر شن حرب على بلد معين بطريقة تقليدية مادامت الفرصة متوفرة لتحطيمه من الداخل عن طريق تدمير قيمة عملته مما يعني تدمير الثقة بذالك البلد وإقتصاده.
ولتوضيح تلك النقطة بطريقة أفضل من الممكن تقديم شرح مبسط كالتالي؛ قد يهوي سوق الأسهم لأدنى المستويات ولكن بالمقابل سوف ينتعش سوف السندات. وإذا إنهار سوف السندات فقد تكون هناك إمكانية تحقيق إنتعاش من خلال أسواق المواد الأولية وخصوصا المعادن الثمينة والنفط. هناك دائما فرصة لتحقيق الأرباح والإنتعاش الإقتصادي من خلال إنتعاش سوق معين مقابل إنهيار سوق أخر. ولكن جميع السندات والأسهم والمشتقات والمواد الأولية والإستثمارات تكون مسعر بعملة بلد معين, فإذا أردت إنهيارا شاملا لجميع النواحي الإقتصادية لذالك البلد فما عليك إلا أن تقوم على تحطيم قيمة عملته. إن أهمية عملة بلد معين بالنسبة لتجارته وإقتصاده وحتى علاقاته الخارجية تعني كلمة واحد, الثقة. فإذا إنهارت الثقة بعملة بلد معين فإن الضرر الحاصل لن يكون محصورا بالمجالات الإقتصادية بل سوف يعني الإنهيار الشامل.
إن موضوع الحروب الإقتصادية وخصوصا التي تستهدف عملة بلد معين هي منطقة يفضل الكثيرون عدم الإقتراب منها نظرا لحساسيتها حيث لم يبدأ الإهتمام بها إلا منذ فترة قصيرة وخصوصا في الولايات المتحدة التي كان تركيز دوائرها الأمنية والعسكرية على نظرية هجوم عسكري أو عمليات عسكرية قد تضر بمصالح الولايات المتحدة حيث لم يخطر ببال المخططين هجوم قد تشنه صنادي تحوط وصناديق ثروة سيادية ومؤسسات إستثمارية مستهدفة تحطيم الدولار الأمريكي أو بشكل أصح تحطيم الثقة به.
إن الحروب الإقتصادية يمكن أن يتم دراستها حصريا من خلال محتوى المفاهيم الإقتصادية في عصرنا الحالي. إن الإقتصاد العالمي في وقتنا الحالي يتمحور حول مفاهيم مثل سيادة العولمة, رأسمالية الدولة. الإقتصاد العالمي قد بدأ يتكيف مع تلك المفاهيم.


وقد كان مفهوم العولمة متواجدا بشكل أو بأخر منذ سنة 1960 ولكنه لم يبرز بشكل لافت للنظر حتى إنهيار الإتحاد السوفياتي وإنهيار سور برلين. كانت هناك شركات متعددة الجنسيات ولكنها لم تكن تعمل وفق مفهوم العولمة. كانت تحاول إبراز هويتها الوطنية وتعمل في الخارج بطريقة غير مباشرة من خلال مكاتب فرعية وعملاء تجاريين. الشركات العالمية في عصرنا الحالي تعمل وفق مفهوم العولمة بكل ماتحمله الكلمة من معنى فهي تحاول إبراز هوية جديدة متجردة من أي إشارة إلى كونها شركات وطنية تتبع بلدا ما. كما أنها تعمل بشكل مباشر في أكثر من بلد من خلال المقر الرئيسي ويتم إتخاذ القرارات المتعلقة بأماكن إقامة المصانع ومراكز التوزيع, إصدار الأسهم والسندات وبعملات مختلفة وذالك بناء على حسابات الربح والخسارة وبناء على إعتبارات لوجستية وليس عاطفية بخصوص الدولة الأم حيث يقع مقر الشركة الرئيسي.
إن العولمة لم تبرز من خلال قوانين وتشريعات جديدة بقدر مابرزت من خلال إزالة العديد من التشريعات التي كانت تعيق حركة رأس المال بين الدول المختلفة وتفرض ضرائب مرتفعة على أرباح الشركات التي لها عمليات خارجية بالإضافة إلى مايدعى تعريفة الحماية على الواردات لحماية الصناعة المحلية كنسبة 10% التي تم فرضها سنة 1971 من قبل الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون. أسواق الأسهم كانت حصرية على المستثمرين المحليين والمكاتب المحلية كما أن الأجانب كانوا ممنوعين من تملك حصص في البنوك المحلية. السياسيون والنظام القضائي كان يميل لصالح المستثمر المحلي في أي نزاع مع شركة أجنبية. تطبيق حقوق الملكية الفكرية كان ضبابيا في أفضل الأحوال مما أدى إلى نزيف مالي للشركات الأجنبية حد من رغبتها في الإستثمار خارج بلد المنشأ.
الإقتصاد العالمي في عصرنا الحالي بلا حدود ولا قيود كالتي كانت في الفترة السابقة لسنة 1990. لقد تبخر مفهوم السيادة الوطنية وأصبح شيئا من الماضي ولكن ذالك لايكون بدون عوارض جانبية. خطورة بلا حدود هي أحد أهم تلك العوارض حيث يتداخل الإقتصاد ويتشابك بما يشبه المتاهة حيث السير فيها للخروج بأمان يكون محفوفا بالمخاطر. الأزمات المالية والفقاعات الإقتصادية هي من أهم المخاطر التي يتميز بها عصر العولمة فمن كان يتخيل أن أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة سوف تجعل بنوكا فرنسية أو ألمانية تكاد أن تكون على حافة الإفلاس.
ولكن ماهي الأسباب التي تدفع الكثيرين إلى الزعم بكون عصر العولمة هو عصر مخاطرة بلا حدود؟
قد يظن الكثيرين أن ماذكرته في السطور السابقة يمكن أن يلخص المشكلة ولكن ذالك لم يكن إلا قشور سطحية ويكمن لب المشكلة بتطور الأدوات المالية مع تطور مفهوم العولمة ولكن ذالك التطور قد ترك الكثير من الثغرات للتلاعب وجني الأرباح بطريقة إحتيالية والتسبب بإنهيارات إقتصادية تكاد كلمة كارثية كافية بالحد الأدنى للتعبير عن حجم الأزمة.
في السابق كان يتم إصدار السندات وبمقدار تحدده قوانين وتشريعات واضحة المعالم وإستخدام عائداتها في المجال الذي أصدرت من أجله كتمويل مشاريع البنية التحتية أما المشتقات المالية كالعقود المستقبلية والأوراق المالية المستندة على قروض الرهن العقاري فهي قد تصدر بكميات غير محدودة بمجرد وجود ضمانات قد تكون وهمية أو في أفضل الأحوال مبالغ فيها كما أنها متحررة من القيود والقوانين التي تحكم الأدوات المالية التقليدية.
إن بيع قروض رهن عقارية متدنية الجودة(Subprime Mortgage) تصدر في ولاية نيفادا لبنك في ألمانيا بعد إعادة تجزيئها وتعلبيها بضمانات وهمية من وكالات التقييم المالية(ٌRating agencies) يعد في عصرنا الحالي معجزة بكل المقاييس.
العولمة مرت بمراحل قبل أن تتخذ شكلها الحالي. أول مرحلة من مراحل العولمة كان معاصرا لما يسمى عصر المعيار الذهبي الكلاسيكي بين سنتي 1880-1914 حيث كانت المملكة المتحدة تسيطر على منطقة عملة موحدة تساوي في حجمها الإتحاد الأوروبي وتدير فيها التجارة بحماية الأسطول البريطاني الذي كان ملك البحار بلا منازع. الصين في سنة 1900 فتحت أبوابها للتجارة الخارجية منا أن روسيا القيصرية قد بدأت في نفض الغبار عن تقاليد القرون الوسطى البالية وتحديث صناعتها وقواتها العسكرية بما يلائم روح العصر الذي تعيش فيه.
إن تلك التطورات خصوصا توحيد ألمانيا وتحولها لقوة صناعية ضخمة بالإضافة إلى تطور وسائل الإتصالات واللاسلكي مما مكن من تلقي المعلومات في مكاتب المضاربات والتعامل بالأسهم في وقت يقترب من لحظة تحقق الحدث قد أدى إلى بروز أسواق الأسهم والسندات بشكل لافت للنظر. فقد أصبح بالإمكان كتابة إصدار سندات في الأرجنتين وبيعها في بورصة لندن لمكتب تجاري يقع في نيويورك. كما أصبح بالإمكان تكرير النفط في مصافي كاليفورنيا وشحنه لليابان بواسطة ضمانات ممنوحة من بنك في الصين.
ورغم أن الأزمات المالية كان تحدث بوتيرة متكررة كالأزمة التي أصابت الأسواق المالية في أمريكا الجنوبية سنة 1890 وإنقاذ أحد البنوك اللندنية الرائدة, بارينغز برثرز(Baring Brothers Bank) من الإفلاس إلا أن تلك الفترة كانت تتميز بالإخترعات, الإكتشافات في شتى حقول المعرفة والإزدهار الإقتصادي.
برأي الشخصي وقد يختلف معي الكثيرون بأن العصر الثاني للعولمة قد بدأ مع بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914 حيث سبق ذالك إنهيار مالي وبداية إضمحلال الدور البريطاني مقابل بروز الدور الأمريكي حيث أدى دخول الولايات المتحدة الحرب إلى ترشيح كفة الولايات المتحدة وحلفائها مقابل ألمانيا وحلفائها. ولنقل أن العولمة مرت بفترة خمول حتى صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا ونشوب الحرب العالمية الثانية والتي وضعت حدا للهيمنة البريطانية وبرزت الولايات المتحدة وروسيا حيث كانت معاهدة بريتون وودز سنة 1944 بداية الهيمنة المالية الأمريكية على النظام الإقتصادي العالمي وبروز الدولار كعملة إحتياط عالمية. وكنت قد ذكرت أن العولمة في الفترة التي سبقت سنة 1944-1945 مرت بفترة خمول وليس حالة وفاة حيث أن الكثير من الشركات الألمانية وبأوامر من هتلر وكبار مساعديه المسؤولين عن الملف الإقتصادي قد قامت بنقل إستثمارات هائلة لخارج ألمانيا تحسبا لخسارة ألمانيا الحرب وذالك عن طريق فتح مكاتب تجارية خارجية بواجهات قانونية وسليمة بينما هي تدار في الحقيقة بأوامر من ألمانيا وبواسطة عملاء ألمان يتقمصون دور رجال أعمال ويتحركون في طول أوروبا وعرضها بتلك الصفة. شركة أي جي تعد من أكبر وأضخم الشركات الألمانية والتي كانت لها إستثمارات خارجية في شركات ومصانع ومكاتب تجارية وكافة أنواع المصالح الإقتصادية وبطريقة يفوق وصفها كل خيال في تلك المرحلة الزمنية.
المرحلة الثالثة من العولمة قد بدأت من سنة 1960-2000 حيث تميزت بالحرب الباردة وحائط برلين والخوف من حرب نووية وأزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا.
المرحلة الرابعة للعولمة قد بدأت من سنة 2000-2011 حيث أصبحت العولمة أمرا واقعا وإن كان الكثيرون يختلفون حول إن كانت وجدت لتبقى أم أنها إلى زوال.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Monday, August 24, 2015

أوطان بلا ثورات وثوار بلا وطن

العالم كله يتحدث عن طوفان اللاجئين السوريين الذي يزيد عن أربعة ملايين لاجئ حيث يوصف بأنه أضخم موجة لجوء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. مخيمات اللجوء أقيمت في تركيا قبل وقت طويل من بداية المظاهرات السلمية المزعومة والتي شاهدتها بعضها على الفيديو حيث يهتف متظاهرون مطالبين بالحرية وهم يحملون في أيديهم أسلحة حادة وفي مظاهرة أخرى كانوا يحملون أسلحة كلاشينكوف وأخرى يطلقون النار على شرطة مكافحة الشغب أو يهجمون على شرطي لايحمل إلا عصا وبدون أي سلاح ناري. كوميديا ساخرة إختصرها الممثل المصري المبدع أحمد السقا بمشهد من فيلم الجزيرة 2 حيث يتظاهرون أمام مديرية الشرطة بالأسلحة ويهتفون للحرية وللثورة السلمية المزعومة.
من كان يقود التظاهرات في المدن السورية؟ ومن هم وقود تلك المظاهرات؟
على هامش الأحداث المؤسفة التي مر بها الوطن العربي ومازال ظهرت على هامشها مهن جديدة مثل متظاهر, متعهد مظاهرات, ناشط سياسي وناشط حقوقي تلك الأخيرة كانت صفة ثائر الناشف الصحفي والإعلامي الثوري والناشط الحقوقي الذي إنتهى به الحال على حدود إحدى دول أوروبا الشرقية يتسول مجرد السماح له بالعبور إلى الجنة الأوروبية التي لست أدري ماهو مصير حورياتها الشقراوات وأين سوف يطلبن اللجوء هربا من تلك القطعان الجائعة التي تريد تطبيق الشريعة التلمودية وشريعة جهاد المناكحة وتقوم بتطليق مفهوم الوطن والمواطنة ما أن تحط رحالها في إحدى الدول الأوروبية وتبدأ الصور مع الشقراوات تظهر على الفيسبوك لأن الغربة صعبة بدون رفيقة شقراء.
مع بداية الدعوات للتظاهر في كل البلدان التي إبتليت بذالك الداء إختفى تقريبا جميع العاطلين عن العمل وعمال اليومية ومن كانوا يتجمعون في ميادين وساحات بعينها يحملون عدة العمل ليأتي مقاول أو صاحب ورشة ليأخذ منهم 10 أو عشرين او حسب حاجته ويوفر بذالك على نفسه تكاليف دفع رواتب شهرية منتظمة. تبين فيما بعد أن هؤلاء هم من كانوا وقود المظاهرات والتي كان يخرج فيها بعض الفيسبوكيين لإعطائها مسحة شبابية. تلك الفيديوهات للمظاهرات المزعومة كانت تدوم 10 أو 15 دقيقة حيث يتم تضخيم أعداد المتظاهرين بإستخدام تقنيات تصوير أصبحت معروفة وشائعة كما كانوا في نهاية المظاهرات يقومون بتوزيع المال حسب أحد الفيديوهات التي شاهدتها لمظاهرة لاتزيد عن عشر دقائق لأن الجو كان حارا والوقت رمضان حسب كلام متعهد المظاهرة.
أبو نظير ربي يسر أحد أشهر رموز تلك المظاهرات التي جرت في مدينة اللاذقية حيث إشتهر بفيديو في أحضان بنات الليل بعد إنتهائه من مهماته المقدسة وهو سكران ويهذي بكلام لامعنى له.
أين الناشط الحقوقي متعدد الأدوار خالد أبو صلاح؟ لماذا إختفى ولم نعد نسمع له صوتا بعد فضائح الفيديوهات المفبركة التي تورط فيها حتى النخاع واحدها مع السي إن إن والمتعلقة بتفجير خطوط أنابيب مصفاة حمص؟
أين القائد الهمام الذي ظهر في الفيديوهات يمثل أكثر من شخصية عسكرية وأعني الجنرال عبد الرزاق طلاس؟ وماذا عن الناشطين الحقوقيين الذين ملئوا الأفاق بأخبارهم الفضائحية؟ أين حارس المرمى عبد الباسط الساروت الذي خرج في مظاهرات يدعو فيها وبكل وقاحة لإرتكاب هولوكوست طائفي في سوريا؟
أين إختفى كل هؤلاء وأمثالهم؟ هل إنضموا إلى داعش؟ هل يحاربون في صفوف مايسمى جبهة النصرة أم في صفوف مايطلق عليه الجيش الحر؟ كل تلك التنظيمات بالطبع هي وجوه لعملة واحدة وبذالك تتحقق المعجزة بان للعملة أكثر من وجه, تلك هي عملة تنظيم القاعدة الذي أعيد تلميعه وتعليبه من قبل خبراء الدعاية والحرب النفسية وتقديمه في صور عديدة منها من يرفع علم الإحتلال الفرنسي لسوريا ومنها من يرفع راية(لا إله إلا الله محمد رسول الله) ومنها حتى من يرفع راية المحتل الإسرائيلي بل ويطبل ويزمر للغارات الإسرائيلية على بلاده ويكبر في الفيديوهات مكذبا المثل الذي يقول(يلي إستحوا ماتوا) لأنهم لم يموتوا بل هم في أوروبا وأمريكا يشترون العقارات ويصرفون ملايين الدولارات من الأموال المنهوبة على إسم الشعب السوري المسكين ومحنة لجوئه. يرفعون علم الإحتلال الفرنسي بل وبعضهم يتمنى أن يمتطي أوردوغان صهوة جواد عربي ليصلي في الجامع الأموي ويرفع عليه العلم التركي الطوراني.
بصراحة شر البلية مايضحك فهذه أول مرة أرى ثوار مغرمون بمن كانوا مسؤولين عن تنجير الخوازيق لهم ولأهلهم بل ويرفعون أعلامهم ويحلفون بأسمائهم أيمانا مغلظة.
وأسأل نفسي دائما هل ألوم اللاجئين وأطفالهم والمرأة الحامل والذي غرق بالبحر وأصبح طعاما لأسماكه أم من ضحك عليهم وأوهمهم بالعيش الرغيد في مخيمات اللجوء وعندما إنكشفت اللعبة دبر لهم السفر للخارج بقوارب الموت وقبض ثمن موتهم مرتين؟ أول مرة عندما أقنعهم بترك بلدهم والذهاب لتلك المخيمات والمرة الثانية عندما تلاعب بمشاعرهم ليصبحوا طعاما لأسماك البحر فيتسلى الغربيون أصحاب القلوب الإنسانية المرهفة وحقوق الإنسان بتصوير فيديو لهم وهم يغرقون بدلا من إنقاذهم.
حين قام قادة الصهيونية العالمية بتحريض اليهود العرب على السفر لأرض الميعاد المزعومة وخصوصا في مصر, قاموا هم بالسفر إلى أوروبا وأمريكا ليتخذوها موطنا ومازالوا, يضحكون على البسطاء والسذج من اليهود الذين وصلوا في البحث عنهم إلى الهند وأفغانستان ليقنعوهم بتلك الفكرة بينما هم وإلى الأن مازالوا يسكنون أفخم الإقامات في أوروبا وأمريكا وأستراليا. نفس القصة تتكرر مع قادة المعارضات العربية ومن يطلق عليهم نشطاء السبوبة ممن أصبحوا بفضل الأموال التي أغدقت عليهم أصحاب مصالح تجارية وشركات وممتلكات في داخل بلدانهم وفي خارجها حيث قاموا بفضل تلك الأموال بشراء جوازات سفر وإقامات دائمة والإستعداد لما هو قادم حين يلاحقهم ضحاياهم من الشعوب المسكينة باللعنات والأحذية.
المهم أن كل هؤلاء أصبحوا بلا وطن ولست أدري أي وطن سوف يبتلى بهم وكيف يتوقع من يهربون من جهنم هم صنعوها بأيديهم إلى الجنة الأوروبية أن تستوعب مئات الألاف من اللاجئين حيث كانت بلدان أوروبية عديدة تعاني من مشكلة اللجوء حتى قبل بداية الأزمة السورية؟ أين سوف يهرب مثلا معاذ الدين الخطيب(الحسيني) وماذ عن جده تاج الدين الحسيني والذي كان وبشهادة صحيفة سوابقه التي كتبها له التاريخ من أهم عملاء فرنسا في سوريا؟
من يريد أن تكون قدوته الثورة الفرنسية التي بشهاد علماء التاريخ والإجتماع ممن عاصروا تلك الفترة أن من قام فيها هم رعاع الشعب والهمج والسوقة وخريجي سجن الباستيل من المجرمين فذالك هو مصيره أن يصبح بلا وطن. من يريد ان يصدق أن تلك الثورة قامت فعلا من أجل قيم الحرية والعدالة الإجتماعية حيث بدأ الثوار المزعومون بقتل بعضهم البعض بالمقصلة والإغتيال وتم تخريب فرنسا حتى وصل نابليون بونابرت بحكم فرنسا فسوف يكون مصيره بيد من يظن أنهم رفقاء السلاح والثورة. من كانوا يعتبرون الثورة الفرنسية المزعومة قدوة لهم, فهل سوف تقبلهم فرنسا بعد فشل ثورتهم الطائفية المزعومة؟
ولكن هل يحتاج الوطن العربي إلى ثورة؟
خرجت البلدان العربية من الثورات خالية الوفاض مع أن العرب هم أصحاب أهم الإكتشافات والإختراعات في كل المجالات والتي مازال الغربيون ينسبون بعضها إلى أنفسهم وعليها بنيت الحضارة الغربية. أقصى ماكانت تحلم به الشعوب الغربية خصوصا في الفترة التي سبقت قدوم العرب إلى الأندلس هي قطعة قماش يلبسونها حول خصورهم لتستر عوارتهم أو قطعة فرو لتقيهم برد الشتاء. ففي الوقت الذي كانت فيه محاكم التفتيش الكنسية تصول وتجول في طول أوروبا وعرضها وتقتل من تمتلك قطة سوداء أو من يمتلك نسخة من الكتاب المقدس من دون الحصول على إذن الكنيسة, كانت البلاد العربية مركزا للتقدم العلمي والإختراعات والإكتشافات خصوصا في مجال الطب والرياضيات ومجالات أخرى عديدة. خرج العرب من الأندلس ولكنهم للأسف لم يأخذوا حضارتهم معهم وإنشغلوا بدلا من ذالك بسفاسف الأمور وقرائة الكتب الصفراء والحروب الدينية بين الطوائف المختلفة.
نحتاج إلى ثورة صناعية تحقق العدالة للعامل بدلا من إستيراد منتوجات الغرب الذي نصفه بالكافر. نحتاج إلى ثورة زراعية ترفع مكانة الفلاح لينتج لنا رغيف خبزنا الذي يتحكم فيه القمح المستورد من الدول الغربية. نحتاج إلى ثورة تعليمية لا تمجد أفعال الرعاع والسوقة في مناهجنا الدراسية وترفعهم إلى مكانة الأنبياء وتعتمد تنمية ملكة الإبداع والتفكير عند الطالب بدلا من أسلوب الحشي والتكرار. نحتاج إلى ثورة صحية في مجال البحث العلمي والوقاية من الأمراض وفتح المجال أمام الأطباء العرب المبدعين بدلا من أن يذهبوا للغرب ولا يعودوا. نحتاج إلى ثورة دينية على الغيبيات والأساطير اليهودية التي يتم الترويج لها بإسم الدين ويتم وضعها في كتب يتم فرضها علينا منذ مئات السنين على أنها كتب صحاح وأصح كتب بعد القرأن. نحتاج إلى ثورات على عادات وقيم إجتماعية بالية وتافهة.
عندما يصبح عدد المكتبات والمستشفيات والمدارس والجامعات والمصانع أكبر من عدد تلك الأماكن التي يطلقون عليها دور عبادة وبيوتا للرب, عندها تكون ثورتنا قد تحققت بدون أن ننتظر عشرات السنين لننتظر مجهولا على فيسبوك أو تويتر ليشرح لنا كيف أننا نعيش في ظل أنظمة ديكتاتورية ثم يعود ليعتذر لنا أنه مخطئ ولكن بعد ماذا؟ بعد خراب مالطا كما يقول المثل.
النهاية

Sunday, August 23, 2015

حركة إصلاح إسلامية برئاسة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورعاية بريطانيا - الجزء 2

بحلول سنة 1880 كانت الفكرة المتمحورة حول العودة إلى أساليب الحياة والتفكير في إدارة المجتمعات التي كانت متبعة أيام العهد النبوي والخلفاء الراشدين مازالت حديثة العهد نوعا ما حيث أن المسلمين ولقرون طويلة لم يتعودوا على سماع مثل تلك الدعوات خصوصا ماكان ينشر في مجلة العروة الوثقى حول إستعادة أراضي الخلافة الإسلامية خصوصا في إسبانيا ووسط اوروبا وبالقوة المسلحة إن لزم الأمر. إن تلك الدعوات شكلت تحديا لبريطانيا وخصوصا موظفي المخابرات البريطانية في المكتب العربي في القاهرة ولورنس الذي نسجت حوله العديد من الأساطير والقصص والحكايات بينما هو لم يكن إلا مجرد عميل مخابراتي بريطاني تم زرعه في المنطقة لضمان توجيه مايسمى الثورة العربية الكبرى بالطريقة التي ترغبها بريطانيا ولا تشكل تهديدا لمصالحها. إن تصاعد تلك النزعات والدعوات جاء في توقيت حرج بالنسبة إلى بريطانيا والتي كانت قد بدأت بالإستماع لنصيحة جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده في مسعاها لهدم الخلافة العثمانية وتمويل الأسرة الشريفية في الحجاز للقيام بما سمي لاحقا الثورة العربية الكبرى.
المستشرق البريطاني إيلي خضوري ذكر أنه بناء على تحليله لمجموعة من رسائل محمد عبده التي تحدث فيها الأبعاد الإجتماعية لإستخدام الدين في تشكيل وتكوين المجتمعات, أنه كأستاذه الأفغاني صوفي النزعة حر التفكير. محمد عبده عاد إلى مصر وبشكل علني وتدرج في عدد من الوظائف الحكومية برعاية اللورد كرومر إيفيلين بيرنج والذي ينتمي إلى أحد أشهر الأسر اللندنية التي عملت في مجال المصارف والبنوك.
كرومر والذي كان الحاكم البريطاني المطلق في مصر حتى سنة 1907 تصادق مع محمد عبده وأصبح محل ثقته والراعي لنشاطاته في مصر حيث ترأس محمد عبده وبدعم من كرومر لجنة لإعادة تنظيم الأزهر وأصبح رئيس تحرير للصحيفة الحكومية الرسمية في مصر وعضوا في المجلس التشريعي الذي كان من إختصاصه إصدار القوانين والتشريعات حيث كان رأي محمد عبده حاسما في إصدار أي قانون والموافقة عليه بإعتباره أبرز عضو في المجلس. كما أنه بعد وفاة جمالالدين الأفغاني بسنتين تقريبا تم تعييم محمد عبده مفتيا لمصر مما خوله سلطات دينية واسعة خصوصا بعد الفصل بين منصب شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية.
وبالرجوع لجمال الدين الأفغاني فإن وثائق المخابرات البريطانية التي تعود لسنة 1888 ذكرت أن الأفغاني بعد إفتراقه عن تلميذه محمد عبده فقد أمضى وقتا في روسيا القيصرية عارضا خدماته على حكومتها في إثارة ثورة في الهند لو رغبت حكومة القيصر بذالك ولكنه فشل في مساعيه وإنتهى به الأمر عائدا إلى لندن.
أحد أهم الأشخاص الذين إتصل بهم الأفغاني في لندن هو مستشرق بريطاني يدعى إدوارد براوني(Edward Browne) كان يعمل كأستاذ جامعي في جامعة كامبريدج ويعد مؤسس مايعرف بالإستشراق في القرن العشرين خصوصا في مجال الدراسات الفارسية والدينية وكان له تأثير على صانعي السياسة البريطانية خصوصا فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط. إدوارد براوني كان أستاذا لأحد أهم عميلين لبريطانيا في الشرق الأوسط خلال فترة الحرب العالمية الأولى وهما ثوماس لورانس الملقب بلورنس العربي(Lawrence of Arabia) و هاري فيليبي(Harry St. Johns Philpy).
خلال الفترة الممتدة بين 1880 و 1890 قام إدوارد براوني بالسفر والترحال في الشرق الأوسط, تركيا وإيران وكان متخصصا في الحركات الصوفية والحركات الدينية الغامضة التي بدأت بالترعرع في الشرق الأوسط. أستاذ إدوارد براوني في إيران يدعى ميرزا محمد صادق وهو رجل إيراني رحال تجول في الكثير من بلدان العالم وكان يتكلم بطلاقة ستة لغات وإختبر العديد من المذاهب والديانات منها الشيعية المحمدية, المسيحية, الصوفية, الإلحاد, اليهودية وإنتهى تفكيره إلى تأسيس مذهب خاص به يجمع مابين المسيحية والإسلام.
كما أن براوني قام بما يشبه عمل مندوب الدعاية في أوروبا لما عرف بالمذهب البهائي الذي أسسه حسين علي النوري الذي عرف بلقب بهاء الله ويقع المقر الرئيسي للبهائية في حيفا وله أتباع في العديد من البلدان حول العالم. كان ينظر للبهائية بنظرة شك في العالم العربي خصوصا إرتباطهم مع بريطانيا حيث تم تكريم أحد مؤسسي البهائية عبدالبهاء وترسيمه بلقب فارس من قبل الحكومة البريطانية.
جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده كانوا على إتصال في أكثر من مناسبة ببراوني, ميرزا محمد صادق وحسين علي النوري(بهاء الله) كما أن محمد عبده وميرزا محمد صادق قد تناقشوا في أكثر من مناسبة حول مسائل دينية وقرأنية وذالك أثناء إقامة الأفغاني وعبده في باريس وإصدارهم لصحيفة العروة الوثقى. كما أن جمال الدين الأفغاني قام بإرسال نسخ من صحيفة العروة الوثقى لقادة البهائية في مقرهم الرئيسي في حيفا.
مالكم خان لعب دورا مهما في تعزيز إهتمام الأفغاني بالشؤون الإيرانية فقد كان سفيرا لإيران في بريطانيا وإبن مؤسس الحركة الماسونية في إيران وكان مؤمنا بأن ديانة عالمية إنسانية هي الشرط الأساسي لحل سياسي في منطقة الشرق الأوسط. تحت تأثير من مالكم خان فقد قام الأفغاني بتأسيس الجمعية الماسونية العربية.
وبدعم من مالكم خان فقد أمضى الأفغاني السنين الأخيرة من حياته في إيران كوزير للحرب ورئيس للوزراء ولكن حياته المهنية إنتهت إلى الفشل بعد أن فشل في الترويج لأفكاره خصوصا بين الطبقة المخملية والحاكمة في إيران حيث تم طرده من قبل الشاه بعد أن إتهم بالإتصال برجال الدين الملالي والتحريض على الحكم. بعد طرده من إيران فقد امضى بقية حياته متنقلا بين إيران والتي عاد إليها في مناسبات عديدة, أفغانستان وتركيا مما لفت إنتباه أجهزة مخابرات عديدة في المنطقة إلى أنشطته حتى توفي في تركيا سنة 1897 والتي كان قد عاد إليها بحماية بريطانية بعد طرده على يد السلطان عبد الحميد.
الحاكم العام البريطاني لمصر اللورد كرومير كان له رأي في فشل تجربة الأفغاني وعبده الإحيائية وهي أنهما كانا يواجهان إتهامات بأنهما مبتدعة مما جعل أفكارهما لا تلقى رواجا في الأوساط المحافظة كما أنهما لم يكونا أوربيين بما فيه الكفاية لتبني نمط الحياة الأوروبية. اللورد كرومير قرر أن أفكار الوحدة الإسلامية والإحياء الإسلامي التي حاول الأفغاني وعبده جعلها موضع التنفيذ تحتاج إلى مراجعة وتنقيح.
أفكار الأفغاني وعبده لقيت رواجا لدى الصحفي محمد رشيد رضا الذي قام بنشرها والترويج لها في مجلة المنار وهي البذرة التي تحولت فيما بعد إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تفرعت عنها ما أصبح يعرف بالحركة السلفية في مصر.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Saturday, August 22, 2015

حركة إصلاح إسلامية برئاسة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورعاية بريطانيا - الجزء 1

تم عقد إجتماع سنة 1885 في لندن بين جمال الدين الأفغاني ومسؤولين من وزارة الخارجية البريطانية, مكتب المخابرات البريطانية والغاية منه بحث الإقتراح المثير للجدل الذي تقدم به الأفغاني وهو; هل بريطانيا مهتمة بتحالف بين مصر, إيران, باكستان وأفغانستان ضد روسيا القيصرية, يتبنى الخطاب الإسلامي وتقوده بريطانيا؟ البريطانيون وهم خبراء في إثارة النعرات القومية والطائفية والدينية بين الأقليات المختلفة ودفعهم لقتال بعضهم البعض كانوا مهتمين بتلك النوعية من الإقتراحات, حركة إصلاح وتجديد إسلامية. فرنسا وروسيا القيصرية كانتا مهتمتين أيضا بنفس الفكرة ولكن بريطانيا كان لها الأفضلية كون إمبراطوريتها الواسعة تضم عشرات الملايين من المسلمين.
بين 1870-1890 فقد كانت تحركات الأفغاني تحظى بدعم بريطاني رسمي بل أن سجلات جهاز المخابرات في حكومة الهند-البريطانية تشير إلى أن الأفغاني تلقى عرضا رسميا بالذهاب إلى مصر كعميل للمخابرات البريطانية.
جمال الدين الأفغاني مؤسس مدرسة الإحياء والتجديد الإسلامي يعد الأب الروحي لأسامة إبن لادن حيث أننا لو وضعنا تراتيبية الأسماء بالطريقة التالية لوجدنا مايلي: جمال الدين الأفغاني(1838-1897) تلميذه محمد عبده(1849-1905) تلميذه محمد رشيد رضا(1865-1935) تلميذه حسن البنا(1906-1949).
حسن البنا له عدة تلاميذ منهم سعيد رمضان وهو صهره وكان مشرفا على تنظيم الشؤون الدولية لجماعة الإخوان المسلمين من سويسرا وأبو العلا المودودي الذي أسس أول حزب إسلامي في باكستان(الجماعة الإسلامية). ولعل الكثيرين يجهلون ولكن أحد معتنقي أفكار حسن البنا هو السعودي أسامة إبن لادن.
في الفترة 1875-1925 فقد قامت بريطانيا بتعزيز وتثبيت فكرة ومفهوم اليمين الإسلامي(المتطرف) حيث قام الأفغاني وتحت رعاية بريطانيا وبدعم من المستشرق إدوارد جرينفال براوني(E.G Browne) بإنشاء الكوادر الأساس الفكري لمفهوم مدرسة الإحياء والتجديد الإسلامي. محمد عبده وهو أحد تلاميذ الأفغاني المقربين والذي تكفل من بعده بفكرة الإحياء والتجديد قام بإنشاء الحركة السلفية في مصر وذالك برعاية الحاكم البريطاني لمصر لورد كرومير أو المعروف بإسم إيفيلين بيرينج(Evelyn Baring). وهنا أريد أن أعرج على نقطة مهمة امر عليها سريعا وهي أنه يشاع على نطاق واسع أن محمد عبده تولى مشيخة الأزهر في فترة من الفترات ولكنني بعد التحري وجدت أن ذالك ينافي الواقع وأنه تولى منصب مفتي الديار المصرية بقرار صادر من الخديوي عباس حلمي الثاني سنة 1899 وأنه كان عضوا في لجنة لإصلاح الأزهر مع ملاحظة أنه معين من قبل الحكومة ولا يمكن فصله أو إحلال أحد في مكانه. قرار تعيين محمد عبده مفتيا للديار المصرية بشكل مستقل عن الأزهر كان يحصل لاول مرة في مصر حيث كان العادة على الجمع بين المنصبين حيث أن شيخ الأزهر هو نفسه مفتي الديار المصرية.
الأفغاني وهو حليف مثالي من ناحية إتفاق أهدافه مع أهداف بريطانيا ولكنه غامض وقد حاول عرض خدماته على دول أخرى مثل روسيا وفرنسا ولكن حركته الصوفية والتي تعد نسخة أكثر عصرية من الإسلام المتطرف قد فشلت في النهاية بإجتذاب عدد كبير من الأتباع. تلميذه المقرب محمد عبد عمل بشكل مقرب وحصري مع البريطانيين وقام بإنشاء حجر الزاوية لما أصبح يعرف لاحقا بالإخوان المسلمين وهي الحركة التي هيمنت على اليمين الإسلامي ومازالت.
هناك الكثير من المعلومات المتناقضة بخصوص مكان ميلاد جمال الدين الأفغاني ونشأته. فهناك من يزعم أن مكان ميلاده هو أفغانستان وأنه سني المذهب أو صوفي أو أنه شيعي أو حتى ملحد ومكان ميلاده إيران وأنه مارس الكذب لإخفاء هويته الحقيقية. الأموات لا يتكلمون ومن الصعب في تلك المواقف الحكم على مسألة متعلقة بشخص أثير حوله الكثير من الجدل. كما أن هناك معلومة أخرى مثيرة للجدل حول إنتساب الأفغاني للماسونية ورئاسته لمحفل كوكب الشرق في القاهرة حيث يحاول البعض إستغلال الجدل حول الأصل المذهبي للأفغاني لصالح هاذا الطرف أو ذالك كعادة الموتورين والطائفيين.
مما يعزز الجدل حول شخصية الأفغاني وإنتمائه المذهبي وخطابه هو التناقض في مواقفه حيث كان يعتبر الدين كاداة ويخطاب الفئة المختارة من مريديه وأتباعه بخطاب تطغى عليه النزعة الفلسفية والإلحادية بعكس خطابه الموجه لعموم الجماهير والذي كانت تطغى عليه النزعة المتشددة.
أستاذ مقارنات الأديان الكندي ويلفريد سميث في كتابه الإسلام في التاريخ المعاصر وصف الأفغاني بأنه; مثال للمسلم الملتزم وبأنه سني صوفي سعى للتقارب مع الشيعة.
ويعد الأفغاني بنزعته الأحيائية(الإصلاحية) أول من تكلم عن العلاقة بين الإسلام والغرب بوصفها كحالة من العدائية وهو بذالك يعد المؤسس لمفهوم صراع الحضارات الذي تبناه بعدها بقرن تقريبا برنارد لويس وصاموئيل هينتينجتون.
لم يكن معروفا عن الأفغاني الكثير حتى سنة 1869 وهي التي بدأ فيها إسمه يصبح معروفا للعامة حيث غادر أفغانستان إلى الهند حيث يزعم أنه كان مشتغلا بالسياسة في أفغانستان ولكن كعميل لروسيا القيصرية حسب مزاعم أحد العلماء في تلك الفترة. بدأ الأفغاني سنة 1869 رحلة إستمرت 25 عاما تقريبا بدأها من الهند حيث تم الترحيب به من قبل الحاكم البريطاني للهند وتم ترتيب سفره لمصر عبر قناة السويس على متن سفينة إنجليزية حكومية وتمت معاملته كضيف رسمي. وبعد الإنتهاء من زيارة القاهرة إنتقل إلى تركيا غير أن أفكاره الغير تقليدية والغير مألوفة لم تلقى الترحيب هناك لطرده فرجع للقاهرة حيث حظي برعاية رئيس الوزراء رياض باشا والذي أصدر أمرا بمنحه مرتبا شهريا ومكانا لإقامته في الجامع الأزهر حيث سمح له بإعطاء الدروس والمحاضرات. ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي أشرعة الأفغاني حيث ان تصاعد النزعة القومية في مصر أدى إلى إضعاف نفوذ الأفغاني حتى أنه سنة 1879 تم طرده في مصر وأقام بشكل مؤقت في كل من الهند, لندن, باريس حيث سكنها ثلاثة سنين, روسيا والتي سكن فيها أربعة سنين, ميونخ وإيران.
في إيران إستضاف الشاه الأفغاني ومنحه منصب وزير الحرب ثم رئيس الوزراء ولكن الأفغاني تمرد ضد الشاه وقام بالتحريض ضده وإتخذ أحد المساجد مقرا له وإعتصم فيه حتى تم القبض عليه وترحيله لتركيا. سنة 1896, قام أحد أتباع جمال الدين الأفغاني بإغتيال الشاه منهيا خمسين عاما هي فترة حكمه. الأفغاني نفسه توفي سنة 1897.
كان الأفغاني أثناء إقامته في مصر سنة 1870 يلعب دورا مزدوجا حيث يمثل دور المسلم التقي بينما يتردد على المحافل الماسونية الفرنسية والبريطانية في مصر. في تقرير لمكتب المخابرات البريطانية في مصر أن الأفغاني تم طرده من المحفل الماسوني في القاهرة لأن أظهر ميولا إلحادية مشككا بالخالق الأعظم. المستشرق البريطاني إيلي خضوري ذكر أن الأفغاني كان عضوا في المحفل الإسكتلندي العام والذي كانت لهم معتقدات غامضة تتمحور حول الأهرامات ومهندس الكون الأعظم.
محمد عبده تلميذ الأفغاني كان أثناء تواجده في مصر معارضا للمقاومة المسلحة ضد الإحتلال الإنجليزي وكارها لقادة تلك المقاومة خصوصا قائدها أحمد عرابي الذي كان يحتل منصب ناظر الجهادية(وزير الدفاع) في تلك الفترة.
إن معارضة محمد عبده للقوميين في مصر ولثورة عرابي بقي نموذجا يربط بين حركات اليمين الإسلامي ومخططي الإمبريالية الغربية الإستراتيجيين لفترة طويلة خصوصا معارضة الإخوان المسلمين في مصر لجمال عبد الناصر, معارضة الإخوان المسلمين(حماس) في فلسطين لمنظمة التحرير الفلسطينية ذات التوجه القومي والعديد من الأمثلة الأخرى خصوصا خلال فترة الحرب الباردة وهي صراعات يتم التخطيط لها في مراكز ومعاهد الأبحاث الغربية وتكون حركات اليمين الإسلامي عبارة عن أداة تنفيذية في يد الغرب.
حين تم طرد جمال الدين الأفغاني من مصر فقد تم إتهامه ومحمد عبده بتشكيل تنظيم سري مؤلف من عدد من البلطجية من ذوي الرؤوس الحامية الأعضاء في المحفل الماسوني الذي يرئسه الأفغاني في القاهرة. بعد طرد جمال الدين الأفغاني من مصر إلى باريس حيث لحق به محمد عبده إلى العاصمة الفرنسية بعد فترة منفى قصيرة في قريته في مصر قبل أن يعود إلى العاصمة المصرية بطريقة إحتفالية وبرعاية وحماية الحكومة البريطانية. محمد عبده حل مكان الأفغاني في مصر وبتكليف منه.
في باريس سنة 1884 بدأ الأفغاني وعبده طباعة مجلة العروة الوثقى والتي لم يقدر لها أن تستمر سوى 18 عددا وتوقفت لسبب غامض تماما كمصدر تمويلها الغير معروف حيث يقترح إيليا خضوري أن المجلة كانت تطبع بتمويل سري من الحكومة الفرنسية بعد أن رفضت حكومة الهند البريطانية عرض الأفغاني بأن يعمل كعميل لمصلحتها.
الأكاديمي الأمريكي تشارليز ادامز ذكر في كتابه عن محمد عبده الذي ألفه سنة 1933 أن العروة الوثقى لم تكن إلا غطاء لجمعية سرية تحمل نفس الإسم تم تأسيسها من قبل الأفغاني وتضم مسلمين من الهند ومصر وأفريقيا الشمالية وسوريا وهدفها توحيد المسلمين وإيقاظهم من سباتهم وتنبيههم إلى الأخطار المحدقة بهم. كما أن الأفغاني قام بتأسيس جمعية تهتم بالوحدة الإسلامية في مكة وتأسيس خلافة إسلامية يرئسها خليفة واحد يحكم كافة أقطار العالم الإسلامي. الخطوات التي إتخذها الأفغاني وعبده نظريا تحمل طابعا إسلاميا وعمليا عليها علامات إستفهام منها مصادر تمويل المجلة والجمعية وعضوية الأفغاني في المحافل الماسونية بل ورئاسته لأحدها وعضوية تلميذه ونائبه محمد عبده وكل إنضم إلى تلك المحافل ومصير الخلافة الإسلامية والتي كانت نظريا قائمة ولو أنها تعاني من التفكك. لمصلحة من كان الأفغاني يسعى لإقامة خلافة فوق أنقاض الخلافة العثمانية؟
في الفترة التي تلت توقف العروة الوثقى عن الصدور, سافر الأفغاني ومحمد عبده إلى لندن للتباحث مع الحكومة البريطانية بخصوص ثورة المهدي في السودان وإقتراح الأفغاني بخصوص نوع من الإتحاد الإسلامي أو الوحدة الإسلامية. في العلن ومن أجل تعزيز حركته السرية الداعية لوحدة المسلمين فقد دعم ثورة المهدي كلاميا ولكن أمام البريطانيين كان معارضا لها حيث عبر لهم عن قلقه من ان تمتد ثورة المهدي إلى مصر حيث انها تجتذب البسطاء من المواطنين معرضة المصالح الإنجليزية فيها للخطر. الأفغاني إقترح على بريطانيا مواجهة حركة المهدي الإسلامية بحركة مضادة جوهرها الإسلام وأن مسلما فقط هو من يستطيع مواجهة ذالك المدعي(المهدي) وإعادته إلى حجمه الطبيعي.
الأفغاني اغضبه رفض بريطانيا لعرضه وأما عبده فبقي مخلصا لها وإفترق الأستاذ وتلميذه حيث غادر الأفغاني بريطانيا إلى روسيا بينما تركها عبده إلى تونس ومنها سافر متخفيا إلى عدد من البلدان للإشراف على شؤون الجمعية السرية التي أسسها مع أستاذه الأفغاني في باريس.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

يتبع في الجزء الثاني

Friday, August 21, 2015

النزعات السياسية ودورها في عولمة الأزمات الإقتصادية حول العالم

لم تكن العولمة هي النزعة السياسية الطبيعية الوحيدة التي برزت في القرن العشرين بل كان هناك نزعات أخرى مثل رأسمالية الدولة والتي تعتبر إسما يستخدم للكناية عن نوع أخر من أنواع النزعات التجارية والتي كانت سائدة خلال القرن السابع عشر إلى التاسع عشر. تلك النزعة كانت تسمى الإقطاعية أو نظام اللوردات وخصوصا في إنجلترا حيث كان الملك الإنجليزي يمنح أحد الأشخاص لقبا وأراضي واسعة لإستثمارها مقابل ضرائب سنوية وإرسال عدد معين من رجاله ليخدموا في جيش الملك خلال الغزو والحروب. الإقطاعية(النزعة التجارية) هي نظام متعارض مع النظام الرأسمالي القائم على المنافسة الحرة وعدم تقييد حركة رأس المال وعدم تدخل الدولة في القطاعات التجارية والخدمية إلا في الحد الأدنى.
النظام الإقطاعي قائم على مجموعة مبادئ بسيطة منها أن مصدر الثروة هو شيئ ملموس كالأرض والمواد الأولية والذهب. زيادة الثروة في بلد معين يؤدي إلى تناقصها في بلد أخر وهو مايعرف بمبدأ (المحصلة صفر). التجارة الخارجية وفق ذالك المبدأ تقوم على حماية التجارة الداخلية وفرض تعريفات حماية على البضائع المستوردة. التبادل التجاري يتم حصريا بين أطراف ترتبط بعلاقات سياسية ودية. تقديم الدعم المالي للصناعات المحلية وإستبعاد الأجنبية هي ممارسات تعد مقبولة في ذالك النظام. إن نجاح تلك النزعة التجارية كان يقاس بكمية الذهب المكتسبة من ممارسة التجارة.
وصلت ممارسة النزعات التجارية إلى ذروتها في القرن السادس عشر سنة 1600 حيث تأسست شركة الهند الشرقية الإنجليزية وشركة الهند الشرقية الهولندية سنة 1602. وعلى الرغم من أن تلك الشركات تعمل على أنها شركات خاصة إلا أنه تم منحهم إحتكارات واسعة لإنشاء قوات خاصة بهم, التفاوض على المعاهدات, سك النقود, إنشاء المستعمرات والتصرف بالنيابة عن الحكومات في أسيا وأفريقيا وأمريكا. كأنت تلك الشركات أشبه ببنك الإحتياطي الفيدرالي في وقتنا الحالي والذي يعتبر شركة خاصة ولكنه عمليا ذراع للحكومة الأمريكية في المسائل الإقتصادية.
لم تبدأ تلك الظاهرة بالإنتشار على شكل واسع حتى القرن الثامن عشر والثورة الصناعية وطباعة كتاب ثروة الأمم لمؤلفة أدم سميث. كما أنه من الملاحظ أنها إنتشرت في البلدان التي يقوم نظام حكمها على المبادئ المعارضة للديمقراطية كالفاشية والنازية والشيوعية.
في عصرنا الحالي هناك شركات تبدو أنها خاصة ولكنها في الواقع تتلقى دعما غير محدودا من قبل الحكومة وتتمكن بفضل ذالك من المنافسة على شراء الموارد الطبيعية وشركات منافسة أخرى بالإضافة إلى الإستثمار في الألات والمعدات من دون حساب عوامل الخسارة على المدى القصير. كما أنها تكسب حصة في الأسواق بالبيع دون سعر التكلفة وليس عليها القلق من مشكلة في توفر رأس المال في حالة الأزمات الإقتصادية.  لعل أشهر تلك الشركات هي شركة الصناعات الكيميائية الألمانية أي جي في عهد النازية والتي كانت إمبراطورية إقتصادية بكل ماتحمله الكلمة من معنى لم يقتصر عملها على تصنيع المواد الكيميائية ولها مكاتب في عدد كبير من البلدان. الشركة الصينية للصناعات البترولية والكيميائية هي مثال أخر على شركات خاصة في الظاهر ولكنها في الباطن تعمل بالنيابة عن الحكومة وتتلقى دعمها الكامل وشركة الغاز الروسية غازبورن.
الولايات المتحدة تعتبر ذالك نوعا من المنافسة غير العادلة وأنه يتعارض مع مبادى الرأسمالية وقيم الأسواق الحرة ولكنها في الوقت نفسه قامت بإنقاذ مؤسسات مالية خاصة من الإنهيار خلال أزمة 2007-2008 مثل جولدمان ساشا, سيتي بنك وجينرال إليكتريك.
لم يعد خوض المعارك الإقتصادية أمرا محليا كما كان في السابق أثناء فترة العصور الوسطى كما أن التداخل بين الإقتصاد والسياسة وصل لدرجة يستحيل معها الفصل بينهما. الدولار الأمريكي هو العملة الإحتياطية العالمية حتى وقتنا الحالي على الأقل ولذالك فهو أحد المحاور الرئيسية للحروب الإقتصادية والتي تتداخل فيها السياسة والإقتصاد فيما يعرف بإسم الجيوبوليتكس. بل يكاد يكون الدولار الأمريكي هو محورها الرئيسي. محور أخر من محاور الحرب الإقتصادية هو حرب مصادر طبيعية. وإذا رغبت أن أكون أكثر تحديدا فهي حروب متعلقة بثلاثة عناصر هي المياه والنفط والغاز.
عانت الصين خلال تاريخها الممتد لألاف السنين فترات من الإضطرابات وعدم الإستقرار حتى بعد توحيد الصين وبناء سور الصين العظيم في عهد أسرة تشين حيث بنيت أغلب أجزائه في تلك الفترة. ولعل أشهر تلك الإضطرابات في عصرنا الحالي هي سنة 1989 في ميدان تايمين في العاصمة الصينية بكين. القيادة الصينية تعمل على تجنب حصول إضطرابات مماثلة وتتفهم العوامل الدافعة لذالك فالصين بلد متعدد العرقيات والإثنيات وخصوصا أقلية مسلمة ولكنها تشكل أغلبية في إقليم (شينجيانغ) حيث يشاع على نطاق واسع أن مسؤولين أمريكيين توعدوا الحكومة الصينية بتصدير ثورة إسلامية إليها عبر تلك المقاطعة حيث الأغلبية المسلمة وذالك بسبب الإختلاف حول مجموعة من المواقف السياسية حول سوريا والعلاقة مع روسيا وخلافات حول مسائل إقتصادية. الإضطرابات الإجتماعية الداخلية تعد مقلقة للقيادة السياسية في الصين أكثر من تهديدات عسكرية محتملة من قبل الجيش الأمريكي في النزاع حول تايوان والنزاع مع اليابان حول الجزر في بحر الصين الشرقي. تضخم أسعار المواد الغذائية وإرتفاع نسبة البطالة هي أكثر العوامل التي تقلق المسؤولين الصينيين. كما هناك عامل أخر يلعب دورا حاسما وهو سياسة الطفل الواحد والتي إتبعتها الصين في سبيل الحد من الإنفجار السكاني. فقد أدى تفضيل الأسر الصينية للذكور على الإناث لإعتبارات متعلقة بإستمرارية الأسرة إلى وجود زيادة هائلة في أعداد الذكور علىى الإناث وتلك مشكلة ليس من السهل حلها.
الحروب الإقتصادية تعد أمرا مقلقا في الصين وجيش الشعب الصيني ليس مؤسسة نشاطها محصور بالأمور العسكرية بل هي مهتمة بدراسة كل المخاطر المحتملة التي تهدد إستقرار الصين منها المخاطر المتعلقة بالإقتصاد. الصين تتمتع بفوائض تجارية إيجابية خصوصا مع الولايات المتحدة حيث تقوم بتصريف تلك الفوائض عبر شراء سندات وزارة الخزانة الأمريكية وسندات أخرى باليورو وعملات مختلفة حيث هناك دور متوقع للصين في الحزمة الإقتصادية التي من المتوقع تقديمها لليونان لمنع نظامها المالي والمصرفي من الإنهيار وخروجها من الإتحاد الأوروبي.
هناك سندات خزينة بعملات مختلفة بقيمة 3 تريليون أكثر من نصفها بالدولار الأمريكي صادرة من وزارة الخزانة الأمريكية. ولكن هناك من يسأل عن سبب شراء الصين لكل تلك الكمية من السندات؟ وهل هو أمر عشوائي؟
الصينيون يدعمون كل خطوة يقومون بها خصوصا في المجال الإقتصادي بتقارير معاهد أبحاث وخبراء إقتصاديين وأمنيين يقدمون تقاريرهم لحكومتهم عن كل التغيرات السياسية والإقتصادية في العالم مهما كانت ضئيلة. تصريف نسبة كبيرة من الفوائض التجارية خارج الصين  والتحكم الصارم بسعر صرف اليوان مقابل الدولار وغيره من العملات هي سياسات تم تصميمها لمنع التضخم داخل الصين والإبقاء على سعر تصريف منخفض لليوان للحفاظ على جاذبية مرتفعة للصادرات الصينية. الإقتصاد الصيني ليس بكفائة نظيره الأمريكي في إمتصاص الفوائض التجارية والسوق الصينية الداخلية لا تتمتع بديناميكية نظيرتها الأمريكية حيث سوف يؤدي تسرب فوائض تجارية ضخمة للأسواق الداخلية بدون أن تكون مستعدة لها إلى موجة تضخم قد تتحول إلى تضخم مفرط.
إن سندات وزارة الخزينة الأمريكية هي الصلة الرئيسية بين الصين والإقتصاد العالمي حيث ينظر إليها في وول ستريت كأفضل زبون في العالم. فعندما تحتاج الصين لبيع أو شراء السندات التي تمتلكها, تقوم بذالك عبر شبكة من المتعاملين الأوليين وهي تفضل ذالك لأن الصلة بين هؤلاء المتعاملين وبنك الإحتياطي الفيدرالي تعطيهم أسبقية على غيرهم في معرفة أحوال الأسواق الإقتصادية. المكالمة بين المسؤولين في بنك الشعب الصيني وصناديق الإستثمار السيادية تذهب بواسطة خطوط مباشرة إلى حلبات التداول في بنوك رئيسية مثل جولدمان ساشاس(Goldman Sachs), جي بي مورجان(J.P.Morgan) ويو بي إس(UBS) حيث يعرف مسؤول المبيعات بوجود نظيره الصيني على خط الهاتف حتى قبل أن يرفع السماعة. ويقوم المسؤولون الصينييون بالإتصال مع أكثر من متعامل وتجعلهم يتنافسون على الصفقات الضخمة وبالتالي تحصل الصين على أفضل الأسعار الممكنة.
إن حجم الأعمال التي تقوم بها الصين في مجال بيع وشراء السندات يبقى صعبا على التقدير حيث لاتصرح السلطات الصينية بها وتبقى لتخمين وتقدير الخبراء الماليين والإقتصاديين العالميين الذي يقدرون ثلاثة تريليونات من السندات أكثر من نصفها بالدولار والباقي بعملا مختلفة لعل أهمها اليورو.
هناك بعض التوقعات بأن تقوم الصين بالرد على سياسة التسهيل الكمي التي تمارسها الولايات المتحدة عن طريق طرح جميع السندات التي تملكها بالدولار الأمريكي للبيع وبأسعار منخفضة مما سوف يؤدي لإنهيار قيمة الدولار في أسواق الصرف الدولية ورفع أسعار الفائدة بطريقة جنونية. لست من المؤيدين لتلك التوقعات فالصين لاتقوم بخطوات من ذالك العيار عشوائية أو في لحظة غضب عابرة لأن ذالك معناه الإنهيار فإنخفاض قيمة الدولار الأمريكي يعني بالمقابل إرتفاع قيمة الين الصيني مقابله في أسواق صرف العملات وهو ما لن يكون المسؤولون الصينييون مسرورين بحصوله. قد تلجأ الصين برأي إلى الإنسحاب بشكل تدريجي وبطيئ من مزادات سندات وزارة الخزينة وتنويع إستثماراتها بأدوات لاتكون مقومة بالدولار الأمريكي وقد يكون اليورو أو الروبل الروسي أحد خياراتها المفضلة. كما أنه من الممكن شراء حصص في شركات التنقيب عن الذهب والشركات الزراعية وشركات التعدين المختلفة والنفط.
هناك أمر أخر من الممكن أن تقوم به الصين ولايضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة حيث هناك خيارات متنوعة لشراء السندات بأجال تبدأ من 30 يوم إلى 30 سنة حيث تقوم بشراء سندات قصيرة الأجل وأقل تعرضا للمخاطرة مقابل كل سند طويل الأجل يحل موعد إستحقاقه وبذالك لاتضطر لتقليص مجموع إستثماراتها ولا القيام بخطوات قد تعتبر عدائية بشكل علني.
في الوقت الحالي يبدو أن شراء الصين للسبائك الذهبية هو الخيار المفضل الذي تفضله الصين على غيره حيث أن تكديس الذهب يعد حماية للعملة الصينية والإستثمارات الصينية من الهبوط في أسعار صرف العملات والأزمات الإقتصادية. بين سنتي 2004-2009 فقد قامت الصين بمضاعفة إحتياطيها من الذهب عبر الشراء بواسطة صناديق الإستثمار السيادية وبشكل غير معلن حيث يتم بعد ذالك نقل تلك السبائك الذهبية إلى حوزة بنك الشعب الصيني. في سنة 2009 تم نقل 500 طن متري من حيازة أحد صناديق الثروة السيادية (Administration Of Foreign Exchange - SAFE) إلى حوزة بنك الشعب الصيني. وفي سنة 2014 إرتفع سعر الذهب وسط توقعات بقيام الصين بشراء كميات كبيرة من السبائك الذهبية.
هناك العديد من الخيارات المتوقعة للإنهيار الإقتصادي القادم وقد يكون أحدها أن روسيا قد تقوم بتقليص أو الإمتناع عن تصدير الغاز والنفط لأوروبا. الصين بدورها سوف ترى أنه من الحكمة تنزيع مجال إستثماراتها بعيدا عن الأوراق النقدية والإتجاه نحو الموارد الطبيعية. وقد تقوم الصين بإتخاذ خطوة الإعلان عن عملة إحتياطي جديدة بضمان الموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها فتقوم روسيا بعد التنسيق مع الصين بالإعلان أنها لن تقبل الدفع بالدولار لشراء مواردها الطبيعية خصوصا النفط والغاز إلا مقابل سعر صرف مخفض مقارنة بالعملة الجديدة التي اعلنت عنها الصين مما سوف يدعم موقف الصين ويساهم في رفع قيمة عملتها الإحتياطية الجديدة.
قد تكون الخطوات التي يتم إتخاذها من قبل بعض البلدان منفردة أو منسقة كما ذكرت سابقا. وقد تقوم الصين وروسيا بشن حرب إقتصادية على الولايات المتحدة بإستخدام أدوات الدين والعقود الإشتقاقية أو مايعرف بالمشتقات وقد يعلنان وقف التعامل بالدولار. دول أخرى كالهند قامت بإتخاذ خطوات منفردة كشراء كميات من السبائك الذهبية من صندوق النقد الدولي 6.7 مليار دولار. مجموعة دول البريكس قامت بإنشاء بنك تنمية وإستثمار خاص بها وهناك دعوات علنية للتخلي عن الدولار كعملة إحتياطية عالمية حتى من قبل الأمم المتحدة نفسها التي تدعم تلك المطالبات.
الجميع يسعى للقفز من السفينة قبل غرقها فالمسألة هي ليس هل سوف تغرق فتلك مسألة محسومة ولكن السؤال هو عن التوقيت.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية