Flag Counter

Flag Counter

Friday, November 27, 2015

من هو المسؤول عن تفاقم مشكلة البدانة في الولايات المتحدة والعالم؟

إن كبريات شركات تصنيع الأغذية إعترفت بمسؤوليتها عن مشاكل البدانة وزيادة نسبة الإصابة ببعض الأمراض وحاولت تقديم أصناف جديدة من المنتجات للمساعدة في تجاوز تلك المشكلة ولكن المنافسة الشرسة لم تكن تترك فرصة لأي منها حيث أن أي مساحة فارغة على أرفف البيع تتخلى عنها شركة معينة فسوف تجد أكثر من منافس مستعد لملئها. كما أنه كان من الصعب تحميل منتج معين كامل المسؤولية عن زيادة نسبة البدانة والأمراض كالسكري لأن ذالك كان مستحيلا وحتى مع نسبة إحتمالية بسيطة فإنه يتطلب سنين من الأبحاث والتجارب.
ولكن ماذا كانت تلك الشركات تخفي عن عيون العامة بتحملها المسؤولية العلنية عن مشكلة السمنة مثلا؟
وسوف نأخذ مثالا على السرية التي تحيط بها شركات تصنيع الأغذية عملياتها حيث أنه في سنة 2008 تسبب إنتشار بكتيريا الليستريا في منتجات شركة اللحوم الكندية مابل ليف(Maple Leaf) حيث توفي 22 شخصا وكذالك في الولايات المتحدة سنة 2011 حيث توفي عدد من الأشخاص. في سنة 2009 تسبب إنتشار بكتيريا السالمونيلا في مصنع لزبدة الفول السوداني يقع في جنوب غرب ولاية جورجيا الأمريكية بوفاة 8 أشخاص وإصابة الألاف في 42 ولاية أمريكية. المشكلة في ان الكثير من الشركات تلتف على قوانين الرقابة الصحية بفضل النفوذ الذي تتمتع به على أعلى المستويات حيث يسمح لها بإختيار مفتش صحى خاص وليس فرض رقابة حكومية على عمليات التصنيع فيها. تقرير المفتش الصحي الذي زار المصنع قبل فترة قصيرة من الكارثة لم يدون أي ملاحظات لها علاقة بما حصل لاحقا كإنتشار الفئران وتشققات في سقف المصنع مما يؤدي لتسرب المياه. في نفس السنة تسبب تلوث ببكتيريا الإيكولاي(E-Coli) في أحد مصانع اللحوم التي تقوم بإستيرادها لتصنيع الهمبرغر لإصابة مدربة رقص(Stephanie Smith) بالشلل وتسمم عدد كبير من الأمريكيين. إنتشار عدوى التسمم ليس بشيئ جديد ففي سنة 1994 تسبب تلوث بكتيري لمنتجات أحد مطاعم الوجبات السريعة يدعى(Jack In The Box) بوفاة أربعة أطفال وعدد كبير من الإصابات. كل من يحاول تتبع مصدر التلوث سوف يصطدم بروتين حكومي قاتل وبيروقراطية مصممة لحماية تلك الشركات على حساب صحة المواطن العادي. ولكن في حالة التسمم التي أصابت مدرسة الرقص فقد كانت من شطائر همبرغر من إنتاج شركة كارغيل(Cargill) والتي تم إستخدام أجزاء مختلفة من جسم البقرة ومن مزودين إثنين أحدهما يقع في الأوراغواي. التسمم البكتيري قد يكون حدث نتيجة تلوث بفضلات الأبقار خلال عملية سلخ جلد البقرة بعد ذبحها. العامل الذي يزيد من صعوبة تتبع مصدر العدوى أن الكثير من موردي اللحوم لا يبيعون منتجاتهم للشركات المصنعة إلا تحت شرط عدم فحصها من التلوث البكتيري حتى خلطها بمنتجات لحوم من مزودين أخرين.
في حالة المشروبات الغازية فالأمر يختلف وله علاقة بالتحكم بكمية السكر التي تدخل ضمن تركيبة التصنيع لخلق الحالة التي تعرف بإسم قمة النشوة (Bliss point) وهي النقطة التي يصل معها المستهلك إلى حالة الرضا الكامل وربما الرغبة في شراء المنتج مرة بعد أخرى.
عدد من الأبحاث العلمية تجريها شركات صناعة الأغذية والوجبات السريعة لها علاقة على سبيل المثال بطريقة التحكم بجزيئيات الدهون من حيث شكلها وألية التوزيع التي تتخذها في حال دخلت الجسم وذالك في سبيل زيادة معدل إمتصاصها فيما يعرف في صناعة الأغذية بمصطلح (MouthFeel).
شركة كارغيل وهي تعد رائدة في مجال صناعة أنواع مختلفة من الملح وتزويد شركات صناعة الأغذية بتلك المادة لإستخداماتها المختلفة تقوم بأبحاث متعلقة بتحويل حبيبات الملح لمسحوق ناعم حيث يكون تأثيرها أسرع وأقوى وإستغلال مايعرف بمصطلح (Flavor Burst) وهو على فكرة ليس إسم أحد منتجات الأيس كريم الشهيرة بل مجرد تشابه أسماء وتعني اللحظة التي يصل فيها إستمتاعك بنكهة المنتج إلى قمته. ولكن على الرغم من الجهود التي تبذلها شركات تصنيع الأغذية خصوصا في الولايات المتحدة لتقديم أصناف منخفضة السعرات الحرارية أو تقليل كمية الملح في أصناف أخرى فإن ذالك لايمكن أن يؤدي بأي شكل من الأشكال إلى فقدان المنتج لجاذبيته لدى المستهلكين, تقليل نسبة الدهون قد تقابلها زيادة في نسبة السكر المضاف للمنتج. ماتقوم به الشركات هو سلاح ذو حدين فالمهم الإبقاء على صورة المنتج لدى الزبائن كماهي بدون تغيير.
الدعاية والتسويق لا تقل أهمية عن مدى جاذبية المنتج نفسه وليست مبالغة أن نسبة كبيرة من المبيعات تعود للسياسة التسويقية الناجحة حيث يعتبر قسم الدعاية والإعلان في أي شركة تصنيع مواد غذائية من أهم أقسام الشركة فكم من منتج تم سحبه من الأسواق بسبب قلة الإقبال على الرغم من التاريخ الناجح للشركة المنتجة؟ مثال بسيط مايعرف بإسم(Lunchables) وهي عبارة عن وجبة جاهزة في علبة بلاستيكية بألوان جذابة تحتوي على لحم, جبن, بسكويت وقطعة حلوى. في الدعاية المتعلقة بذالك المنتج يتم إستغلال معضلة عدم توفر الوقت لدى الأمهات حيث الكثير هم أمهات عازبات أو أن كلا من الأب والأم يعملون لساعات طويلة وليس هناك وقت لطهو وجبة منزلية. التركيز على الأطفال هو محور الدعاية لذالك المنتج وأنه مخصص لهم ليستمتعوا به. إن ذالك هو نوع من الدعاية الموجه للأطفال حيث بدأت بعض الدول وضع قيود على تلك الأنواع من الدعاية.
ولكن كيف تمكنت شركات صناعة الأغذية الأمريكية من الإبحار وسط تلك العواصف حيث يتم إستهدافها من قبل ناشطين ومؤسسات غير حكومية والأهم حتى من قبل بعض المؤسسات الحكومية؟ الجواب قد يكون غريبا كالسؤال وهو أن تلك الشركات تتمتع بميزة محاباة الحكومة حيث يتم حماية سجلاتها أو لأكون أكثر وضوحا التكتم على النتائج السلبية للتحقيقات الحكومية فيما يتعلق بأخطاء وعثرات تلك الشركات. إن كبريات المؤسسات الحكومية تقف عاجزة أمام شركات تصنيع الأغذية وأساليب الدعاية التي تتبعها والتي تكون مضللة في كثير من الأحيان وتستخدم الإذاعة والتلفاز ووسائل التواصل الإجتماعي في الترويج لأطعمة تسبب البدانة وأمراض القلب والسكري. وحتى عندما قام المستهلكون بالتحول نحو الحليب قليل الدسم(الحليب المقشود-Skim Milk) فإن الكونجرس تحرك بضغط من لوبيات شركات إنتاج الألبان وتم تقديم الدعم لتلك الشركات من أموال دافع الضرائب كما أن الإنتاج الزائد من الجبنة دخل مكونات الطعام كعامل محفز لزيادة جاذبيته حتى وإن كان ذالك غير ضروري. إن متوسط معدل إستهلاك المواطن الأمريكي من الجبنة كل سنة هو 33 رطل أغلبها ليست أجبان يتم تناولها بطريقة مباشرة إنما تدخل في مكونات الأطعمة المختلفة كعامل محفز لزيادة جاذبية المنتج.
بعض الشركات التي تستخدم أدوات أبحاث متطورة كماسحات(MRI) والتي تكون قادرة على مسح الدماغ ورصد التغيرات عند التعرض لمنتجات يدخل السكر في تركيبها حيث إكتشفت أن دماغ الإنسان يتفاعل مع السكر بشكل مماثل لتفاعله مع الكوكايين. شركات صناعة الأغذية إستغلت ذالك في الترويج لمنتجاتها بطريقة مختلفة. إحدى شركات الأيس كريم(Unilever) والتي تنتج في الوقت نفسه أشهر ماركات الصابون في العالم مثل لوكس(Lux) ودوف(Dove) ولايف بوي(LifeBuoy) قد قامت بإستخدام تلك النقطة بذكاء ولصالحها بالدعاية لإنتاجها من الأيس كريم بأنه يجعلك بالتأكيد تشعر بأنك بحال أفضل.
الأساليب الدعائية التي تتبعها شركات صناعة الأغذية إتخذت منحى مختلف تماما بداية من سنة 1985 حيث إستفادت من عمليات إستحواذ قامت بها شركات التبغ كشركة أر جي رينولد(R.J. Reynolds) والتي تنتج أشهر ماركات السجائر مثل سجائر الجمل(Camel) والتي إستحوذت على شركة نابيسكو(Nabisco) وشركة مالبورو التي إستحوذت على شركة كرافت(Kraft) وشركة الإغذية العامة(General Foods) حيث أضافت إلى سيرة الشركة الذاتية لقب أكبر شركة إنتاج للأغذية في العالم بالإضافة إلى أكبر شركة إنتاج سجائر في العالم. الوثائق التي أفرج عنها بموجب تسوية قضائية والمتعلقة بطريقة عمل شركات إنتاج التبغ بلغت 81 مليون صفحة حيث من الإطلاع على الوثائق يتبين كيف قامت شركات إنتاج السجائر بتوجيه عمليات التسويق والدعاية المتعلقة بأقسام إنتاج الأغذية خلال أصعب الأوقات.
هناك حقيقتان تواجهمها شركات صناعة الأغذية في الولايات المتحدة والعالم وذالك عند محاولة الإلتفاف على المخاوف التي يبديها المهتمون من موضوع البدانة. الحقيقة الأولى أن تلك الصناعة تعتمد على جعل المنتج أكثر جاذبية عن طريق إضافة النكهات والمواد الحافظة أو السكر أو الدهون. في صناعة الكاتشب فإن السكر وهو رخيص الثمن يمكنه من تعويض غياب الطماطم أو التقليل منها حيث تعتبر مرتفعة السعر. الملح يلعب دورا مهما في صناعة الأغذية ولمعرفة أهمية ذالك الدور ماعليكم إلا تخيل منتجات مثل (cheez its) من شركة كيلوج(Kellogg) بدون إضافة الملح إليها.
الحقيقة الثانية هي أن المنافسة على مساحة أرفف البيع في المتاجر ومجمعات التسوق شرسة ولاتترك أي فرصة للقيام بالتعديلات المطلوبة لإرضاء لوبيات الضغط والجمعيات المهتمة بالصحة العامة والعاملين في المجال الصحي. إن ذالك كان واضحا حين قامت شركة بيبسيكو(Pepsico) بالدعاية لخط منتجات جديد يدعى(Better for you) حيث من المفترض أنه خط منتجات صحي منخفض السعرات الحرارية فكانت النتيجة إنخفاض في المبيعات حيث ثارت ثائرة الممولين في وول ستريت وطالبوا الشركة بالتخلي عن الترويج لتلك النوعية من المنتجات. شركة الكوكاكولا من ناحيتها إستغلت الفرصة وإستولت على المزيد من المساحة في رفوف العرض في المتاجر والأسواق وقامت بحملة دعلئية شرسة مما أصاب شركة بيبسيكو بالذعر نتيجة إنخفاض نسبة مبيعاتها.
عالم شركات صناعة الأغذية والوجبات السريعة تتبدل فيه التحالفات بشكل مستمر وسريع حيث قد تستحوذ شركة معينة على شركة أخرى وتضمها إليها وبلا مبالغة هناك عشرة شركات تسيطر على مجمل إنتاج المواد الغذائية حول العالم قد يزيد الرقم أو ينقص مع مرور الوقت ولكن في ذالك العالم لا مكان فيه للضعفاء. هاذا الموضوع مجرد تمهيد لسلسة مواضيع لها علاقة بذالك العالم وسوف تليه مواضيع أخرى إن شاء الله.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Monday, November 23, 2015

نظرية التعقيد - هل من الممكن إعتبار الولايات المتحدة روما العصر الحديث؟

إن أي نظام معقد(Complex System) لا يملك القدرات للمرور بمرحلة إنتقالية بدون أن يصبح في حالة حرجة حيث تصطف مجموعة العوامل التي يتكون منها ذالك النظام بطريقة تجعل كل واحد منها يطلق الأخر الذي يليه مما يؤدي إلى تغير المنظومة بأكملها بشكل جذري. في هذه الحالة فإن الإنهيارات الثلجية قد تمثل مثالا جيدا على الإنتقال المرحلي في نظام معقد يمر بحالة حرجة. أكبر كمية من الثلج قد على منطقة مسطحة قد لا تشكل أي خطر ولكن كمية بسيطة من الثلج قد تشكل خطرا إذا تساقطت على منحدر حيث أن ندفة ثلج واحد قد تؤدي إلى تدحرج نطفة أخرى وهكذا دواليك حتى يتشكل إنهيار ثلجي كامل.
في عالم الإقتصاد والتجارة فإن إنهيار البورصة يشبه الإنهيار الثلجي حيث قد تبدأ العملية بأمر بيع صغير يطلقه مستثمر مذعور فينتشر الخبر بالبورصة ويصل لمستثمرين أخرين فتنهار البورصة كما حصل سنة 2007\2008. وقد يوقف تدخل ما من خارج المنظومة ذالك الإنهيار كتدخل بنك الإحتياطي الفيدرالي أو إيقاف مؤقت للبورصة حتى يتوقف ذالك الإنهيار ويستعيد النظام توازنه.
هناك مفهومان أخران من الضروري التعريف بهما في سبيل فهم أكبر لنظرية التعقيد, المفهوم الأول هو درجة التوزيع والتي تعني بعدد المرات التي تحصل فيها الأحداث القصوى مقارنة بالأحداث الأقل منها درجة أو العادية. المفهوم الثاني هو درجة الحجم.
من الممكن أن يفيدنا منحنى جرس درجة التوزيع في الإقتصاد المالي أن الأحداث العادية تحصل بشكل متكرر بينما الأحداث القصوى لا تحصل أبدا ولكن منحنى الجرس ليس إلا نوعا واحدا من درجة التوزيع ويوجد غيره الكثير. إن منحنى درجة التوزيع الذي تصف الأحداث في الأنظمة المعقدة يوصف بمنحنى القدرة.
إن الأنظمة كلما إزدادت تعقيدا تزداد درجة المخاطرة وحاليا فإن الأسواق المالية تشكل أنظمة معقدة لا مثيل لها بسبب وجود ألاف من المستثمرين والمضاربين والمتداولين الذين يقومون بدور العوامل المستقلة التي تتنوع من حيث مواردها ورغبتها في المجازفة.
التكافل يعد أحد الميزات التي تتمتع بها الأسواق المالية. خلال أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة سنة 2007\2008 فقد إحتار المستثمرون اليابانيون في سبب تأثير تلك الأزمة على وضعية الأسهم اليابانية. السبب هو أن الأسهم اليابانية كان من الممكن تسييلها لتغطية وضعيات خاسرة في أزمة الرهون العقارية الأمريكية.
هناك دلائل أخرى تشير الى كون أسواق المال تعتبر أنظمة معقدة. أنماط السعر المتكررة من الممكن أن تعبر عن الخصائق المنبثقة حيث تثير حماسة المستثمرين والمتداولين. كما أن الصعود(Peak) والهبوط(Valleys) والإرتفاعان المتتاليان(Double Tops) ونمط الرسم البياني المعكوس(Head and Shoulders) أمثلة تقنية على الإنبثاق من نظام التعقيد بشكل عام. فقاعات السوق وإنهياراته من الممكن أن تعبر عن التحولات الطورية\التغيرات السريعة القصوى.
كنت قد ذكرت من قبل عدة مرات أن أساس نجاح أي نظام مالي أو عملة هو ثقة المواطنين بذالك النظام أو تلك العملة. الخسائر المبدئية في أزمة 2007\2008 الإقتصادية هي 300 مليار دولار وذالك مبدئيا بسبب الرهون العقارية ولكن الذعر الذي رافق عمليات البيع المبدئية أدى إلى إنتشار الأزمة وإستفحالها وتحولها من مجرد أزمة مالية إلى إنهيار إقتصادي شامل بسبب عمليات مكثفة من قبل الكثير من المستثمرين للتخلص من كافة الأسهم التي لديهم خوفا من إنهيار أسعارها.
إذا فقد المواطنون الأمريكيون ثقتهم بعملتهم(الدولار) فإن المستثمرين بالتالي سوف يفقدون ثقتهم وسوف يبدأ الإنهيار تدريجيا ثم بشكل فجائي. برنامج التيسير الكمي في الولايات المتحدة سوف يجبر البلدان الأخرى على إعادة تقويم عملاتها وينتج بالتالي يساهم بإضعاف الدولار وذالك ماسوف يعتبر إنتصارا مرحليا ولكن الحقيقة هي بداية الإنهيار حتى تقرر الدول التي تضررت من تلك السياسة أن تستبدل الدولار بعملة إحتياطية أخرى أو حتى التخلص منه في إجتماع سري. هناك بالفعل دعوات علنية من قبل عدة دول تتصدرها الصين وهي الأكثر تضررا من سياسة التيسير الكمي لإستبدال الدولار بعملة أخرى تكون مدعومة من قبل عدة دول وتشكل العملة الإحتياطية العالمية.
ولكن هل وصل المواطنون الأمريكيون إلى مرحلة فقدان الثقة والتي يطلق البعض من الإقتصاديين على تلك المرحلة, النقطة الحرجة؟
النقطة الحرجة على الأقل من مفهوم إقتصادي هي اللحظة التي ينحدر فيها المؤشر الإقتصادي ويصبح من الصعب بل من المستحيل وفق بعض وجهات النظر إصلاحه إلا أن يبدأ من نقطة الصفر وذالك هو الإنهيار الشامل.
هل وصلت الولايات المتحدة الأمريكية لتلك النقطة أو إقتربت منها؟
المشكلة أن المصالح هي وراء جميع القرارت المتعلقة بالإقتصاد في الولايات المتحدة, وأعني مصلحة النخبة الإقتصادية وول ستريت حيث تمتلك لوبيات ضغط تمكنها من حماية مصالحها. تلك اللوبيات كانت وراء إلغاء قانون(Glass-Steagall) في عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون حيث صدر القانون سنة 1933 إثر الأزمة الإقتصادية ونص على الفصل بين المصارف التجارية والمصارف الإستثمارية. إلغاء القانون أدى إلى نتائج كارثية قادت إلى أزمة 2007\2008 بسبب الدمج بين البنوك التجارية والإستثمارية التي ضاربت بأموال المودعين في أدوات إستثمارية إحتيالية وإمتلكت بالتالي كمية كبيرة من الأصولة المسمومة(المعدومة القيمة) حيث أدى ذالك الدمج إلى ظهور أنواع من البنوك والتي تعد أكبر من أن يسمح لها بأن تخفق بسبب تداعيات إخفاقها على مجمل الإقتصاد في الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة قطعت شوطا طويلا في الوصول إلى تلك النقطة الحرجة حيث يقفد مواطنوها ثقتهم بالنظام المالي والإقتصادي بشكل عام وذالك بسبب أن المجهود الأكبر الذي يبذله الكثير من الناس لايعود عليها إلا بأقل القليل بينما تستولي تلك النخب على أغلب الأرباح والعائدات. إن ذالك يماثل الذي حصل للإمبراطورية الرومانية وإجتياحها على أيدي القبائل البربرية حيث أرهقت مجموعة عوامل المواطنين الرومانيين ونسبة كبيرة منهم كانت من الفلاحين وجعلتهم يرحبون بتلك القبائل كمخلصين. تلك العوامل بدأت بإنهيار إقتصادي سببه إتساع رقعة الدولة الرومانية بطريقة جعلت حكمها مركزيا مهمة مستحيلة حيث تضخمت النفقات بسبب تضخم البيروقراطية الإدارية مما أدى إلى إعادة تقييم العملة الرومانية والذي أدى بالتالي إلى تضخم وفرض المزيد من الضرائب وصولا إلى إنهيار إقتصادي شامل. فالمهم هنا ليس تعرض الدولة الرومانية لغزوات البرابرة أو لكوارث طبيعية فهناك أمم ردت الغزوات من على حدودها عدة مرات كما أن دولا وحضارات اعادت بناء نفسها بعد الكوارث الطبيعية, بل المهم هو ردة الفعل, الفرق بين الإرادة والإستسلام.
الدولة الرومانية إنهارت كوحدة إدارية وكحضارة لأنه لم يوجد البديل بينما في أوروبا لم تنهر الحضارة الأوروبية لأنه كان هناك دائما بدائل دول تملأ الفراغ, فإنهيار إسبانيا أو البندقية قابله نهوض إنجلترا أو هولندا وهكذا دواليك. ولذالك فعلينا أن نفرق بين إنهيار حضارة(فنون,ثقافة,علوم,أداب) وبين إنهيار دولة(وحدة إدارية).
تسهيل المفهوم الريعي للدولة على حساب المفهوم الإنتاجي هو خطأ قاتل يتم إرتكابه في حالة إتساع المجتمع بطريقة تتطلب المزيد من المبالغ المالية لدعمه وإبقائه في حالة مقبولة مما يستحيل معه في تلك الحالة جمعها من خلال الضرائب والإنتاج. الحل في تلك الحالة هو تشجيع كافة أنواع المال الزائف(الإقتصاد الوهمي) عن طريق المضاربات والرفع المالي وتخفيض قيمة العملة والذي هو في الحقيقة نوع أخر من انواع الغزو الناعم ولكن النهاية المحتومة هي الإنهيار الإقتصادي بسبب إتساع التفاوت في المداخيل مما يؤدي إلى زيادة الشرخ الإجتماعي والفروق الطبقية.
فهل الولايات المتحدة هي روما الجديدة؟
النهاية

Friday, November 20, 2015

نظرية التعقيد - ماهي الخصائق والميزات التي تتمتع بها الأنظمة المعقدة؟

إن النظرية الكينزية والنظرية النقدية في طريقة تعاملهما مع الواقع الإقتصادي وطريقة جعلهما موضع التطبيق فإن ذالك يعني بلا شك مايشيه إعلان حرب, ولكن حرب من نوع أخر, حرب إقتصادية تهدف لسرقة النمو من دولة أو مجموعة دول أخرى. وعلى الرغم من عدم فاعلية النظريتين والكوارث التي نتجت عن تطبيقهما وخصوصا أنهما تؤديان إلى زيادة الدين الحكومي السيادي, فإنهما تتمتعان بمؤيدين ولاتزالان موضع التطبيق من قبل أغلب دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة. نظرة بسيطة إلى حزمة التحفيز التي أقرها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إثر أزمة 2007\2008 الإقتصادية حتى نجد كلتا النظرييتين حاضرتين بقوة.
عندما يصبح الخيار الوحيد في حال تعثر الإقتصاد وتباطئ النمو الإقتصادي هو سرقة النمو من دولة أخرى عن طريق إجراء تخفيض على قيمة العملة, حيث يصبح ذالك أمرا ضروريا, عندها تبرز الحاجة للبحث عن حلول أخرى أكثر واقعية.
وقد برز مؤخرا من بين مجموعة نظريات مايعرف بإسم نظرية التعقيد(The complexity Theory) حيث أنه رغم صعوبة النظرية ظاهريا فإنها تستند إلى مجموعة مبادئ بسيطة, الأول هو أن الأنظمة المعقدة لا يكون تصميمها من الأعلى إلى الأسفل بل عبر تفاعل وتطور عدد لا يمكن إحصائه من الأجزاء التي تكون مستقلة عن بعضها البعض. الثاني هو أن تلك الأنظمة المعقدة تتمتع بخصائق تكون منبثقة مما يعني أن مجموع الكل أكبر من مجموع الأجزاء وأنه لفهم النظام فيجب النظر إليه ككل وليس إلى أجزائه المتعددة. الثالث هو أن تلك الأنظمة المعقدة تستهلك كميات متزايدة من الطاقة كلما زادت نسبة التعقيد. الرابع هو أن تلك الأنظمة معقدة للإنهيار بطريقة كارثية وذالك مرتبط بالمبدئ الثالث حيث يؤدي تناقص كميات الطاقة المتوفرة وصولا لنفاذها إلى تلك الإنهيارات الكارثية.
إن نظرية التعقيد تمتلك تطبيقات واسعة في مجموعة من العلوم منها الإنترنت وعلم الزلازل والمناخ وتحقق تقدما من جهة تطبيقها على أسواق المال والنقد ولكنها تواجه صعوبات متعلقة بالتفاعل بين الطبيعة الإنسانية وديناميكية الأسواق المالية.
إن الطبيعة الإنسانية والأسواق المالية والحضارة تعد أنظمة معقدة في ذاتها تشبه مايسمى دمى ماتريوشكا الروسية حيث ليس من الممكن فهم نظرية التعقيد بدون شرح مبسط لما يطلق عليه علم الإقتصاد السلوكي.
يعد علم الإقتصاد السلوكي المعاصر ذو جذور متعلقة بعلم الإجتماع في منتصف القرن العشرين. علماء الإجتماع المتميزون من أمثال ستانلي ميلغرام(Stanley Milgram) وروبرت ك ميرتون(Robert K Merton) قاموا بإجراء تجارب واسعة وتحليل معطيات متعددة لإكتشاف تصورات جديدة لفهم السلوك البشري.
إن المساهمة الأبرز لروبرت ك ميرتون مايطلق عليه النبوئة ذاتية التحقيق والتي تتلخص في أنه يمكن لبيان ما يعلن بوصف حقيقة حتى لو كان خاطئا أن يتحول لحقيقة فعلا إذا تغيرت معطيات ذالك البيان بطريقة تثبت المعلومات الخاطئة التي يحتويها. إن أحد أوضح الأمثلة على صحة نظرية ميرتون هو موجه التدافع لسحب الودائع من البنوك حيث لايوجد بنك يحتفظ بما قيمته 100% من قيمة الإيداعات والتي قد تكون بسبب شائعة تتحول إلى حالة ذعر وسحب المودعين لأموالهم مما يؤدي لإغلاق البنك لأبوابه وربما إعلان إفلاسه في مرحلة لاحقة. مثال أخر هو البنك الإستثماري بير ستيرنز(Bear Stearns)  والذي صرح بتاريخ 12\مارس\2008 رئيسه ألان شوارتز(Alan Schwartz) قبل 48 ساعة من إعلان إفلاس البنك بأنهم لايواجهون مشكلة في السيولة المتوفرة لديهم مما أدى إلى حالة ذعر بين المستثمرين ومكاتب المضاربة في وول ستريت التي قامت بسحب أموالها من البنك.
في الفترة الممتدة بين سنتي 1950-1960 والتي تم فيها إجراء تجارب مزجت بين علم النفس الإجتماعي وعلم الإقتصاد حيث تم إعتبار نتائج التجارب في تلك الفترة ثورة وبمثابة إنقلاب إقتصادي على المفاهيم السائدة. أحد تلك التجارب يتعلق بالإجابة على سؤال حول هل يختار شخص ما إستثمارا بقيمة لنفترض أنها 100 ألف دولار بعائد 20% وضمان 100% أم إستثمار لنفس المبلغ ولكن مع عائد 40% وضمان 80%؟ إن تلك القيم هي إفتراضية ولكن المفاجئة أن إختيار أغلب المشاركين كان الإستثمار المضمون 100% ولو بعائد أقل.
تلك التجارب التي قام بإجرائها دانيال كهنمان ومجموعة من زملائه أن الإختيارات التي يقوم بها البعض تكون متعلقة بطريقة طرحها حتى لو كان هناك خيارات أخرى مطروحة تؤدي للنتيجة نفسها حيث ظهرت مجموعة مصطلحات لأول مرة منها اليقين(Certainty), الإرساء(Anchoring), العزل(Isolation), التأطير(Framing) والإستدلال(Heuristics).
تم إستخدام علم الإقتصاد السلوكي من قبل البعض ليس من أجل التنوير والمزيد من المعرفة في ذالك المجال بل من أجل التلاعب وهناك أمثلة عديدة تثبت ذالك منها حملة بن برناركي حين كان رئيسا لبنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي من أجل زيادة التوقعات بزيادة نسبة التضخم حيث قام بطباعة الدولار لتخفيض قيمته مع الإبقاء على سعر الفائدة منخفضا كما أن هناك حملات دعاية تضليلية كان يتم التخطيط لها في إجتماعات غير معلنة بين مستثمرين ورجال أعمال ومدراء لشركات كبرى مع مراسلين إقتصاديين مثل حملة البراعم الخضر(Green Shoots) سنة 2009 وصيف الإنتعاش(Recovery Summer) سنة 2010 والتي كانت تهدف لإقتاع الرأي العام بإنخفاض معدل البطالة وتحقيق النمو الإقتصادي بينما كان هناك حوالي 40 مليون مواطن أمريكي يستعملون قسائم الطعام الحكومية.
إن علم الإقتصاد السلوكي يمكن إستخدامه بكفائة للإجابة على الكثير من الأسئلة حول سلوكيات تؤدي إلى نتائج إقتصادية معينة ولكنه ليس ملائما لجعل نظرياته قيد التطبيق في المسائل الإقتصادية.
إن المؤيدين للنظرية الكينزية في مناسابات مختلفة يصرحون بأنه في ظروف الأزمات الإقتصادية فإن المواطنين يميلون للإدخار مما يزيد من عمق الأزمة لأنه يؤدي إلى تناقص في الإنفاق ويؤثر ذالك على أصحاب الأعمال بما قد يؤدي إلى تزايد نسبة البطالة. التوقعات كانت أن زيادة الإنفاق الحكومي سوف تؤدي إلى تقليص الفجوة التي تسبب بها ضعف الإنفاق الخاص وتلك نظرية أثبتت فشلها في مناسبات عديدة حيث أن زيادة الإنفاق الحكومي يؤدي إلى زيادة الدين السيادي بما يفقد الناس الثقة بالمستقبل وينتج عنه زيادة نسبة المدخرات الخاصة.
إن أفضل وسيلة لفهم الأنظمة المعقدة هي مقابلتها بما هو أقل منها تعقيدا كالساعات السويسرية حيث أن أنظمتها متشابكة ولكنها ليست معقدة, تتلامس ولا تتفاعل.
تتكون الأنظمة المعقدة بداية من مجموعة عوامل فردية يمكن تسميتها بالعوامل المستقلة التي تتخذ القرارات ضمن المنظومة وكلما تنوعت تلك العوامل كانت المنظومة أكثر تعقيدا بسبب زيادة تنوع القرارات التي تتخذها تلك العوامل. مثال على العوامل في المنظومة هي مجموعة كائنات بحرية أو مستثمرين في أسواق الأسهم والسندات.
الترابط بين تلك العوامل يشكل العنصر الثاني في المنظومة المعقدة بشرط أن تكون تلك العوامل تمتلك وسيلة للترابط مع بعضها البعض. شبكة الكهرباء أو مواقع التواصل الإجتماعي مثل تويتر تكون مثال تطبيقي مناسب لتلك الحالة.
العنصر الثالث هو التكافل بين تلك العوامل حيث تؤثر ببعضها البعض فلو أن شخصا غير متأكد من الطقس في الخارج حيث ينظر من النافذة ويرى الناس يرتدون معاطف والإحتمال الأكبر أن يقوم بتقليدهم. وفي المجمل فإن القرار الذي يتخذه يتأثر ذالك الشخص سوف يكون متأثرا بشكل كبير بأفعال الأخرين.
العنصر الرابع والأخير هو التكيف حيث لايعني تحديدا التغيير بل التعلم من أفعال وتجارب الأخرين حيث يتشارك مجموعة من الناس تجربة معينة بدون أن يمروا بها شخصيا, إذ يكفي أن يمر بها أحدهم.
لفهم الكيفية التي تعمل بها الأنظمة المعقدة يجب علينا النظر في قوة ترابط العوامل الأربعة السابقة الذكر بمنحها درجات من 1 إلى 10. عند الدرجة 1 فأن التنوع منخفض والترابط والتكافل ضعيفا المستوى ولكن عند الدرجة العاشرة تصبح الأمور فوضوية ويعوق تدفق الإشارات المتناقضة عملية إتخاذ القرار بينما يكون النظام المعقد مثيرا للإهتمام بين درجة 3 ودرجة 7 ويطلق عليه المتوسط المثير للإهتمام حيث إنسيابية المعلومات والتفاعل والتعلم بين مختلف العوامل ولكن بدون الوصول لدرجة الفوضوية. إن تلك الحالة المتوسطة للمنظومة المعقدة هي التي تنتج أفضل النتائج بدون أن تنهار المنظومة وهي تمثل لب التعقيد لتلك المنظومة.
هناك ميزتان إضافيتان تتمتع بهما الأنظمة المعقدة ويعدان من الأهمية في حال تطبيقهما في مجال أسواق العملات والدولار, تلك الميزتان هما الخصائص الناشئة والمراحل الإنتقالية.
من الممكن أن نستعين بحالة الطقس كمثال لتوضيح الأنظمة المعقدة حيث أنه من الممكن توقع الطقس خلال فترة زمنية لا تتجاوز أربعة أيام. الأعاصير تعد من الخصائص الناشئة في حالات الطقس حيث أن جميع عناصر الإعصار من إنخفاض ضغط الهواء, المياه الدافئة وظاهرة الحمل الحراري يسهل مراقبتها ولكن الإعصار من الممكن ملاحظته حين حدوثه ولا يمكن التنبؤ بتوقيت وقوعه.
الوعي(الضمير) الإنساني يعد أحد أفضل الأمثلة على ميزة الخصائص الناشئة التي تميز الأنظمة المعقدة حيث ان جسم الإنسان يتألف من الأكسجين, الكربون, الهيدروجين وبعض النحاس والزنك ولكننا لن ننتج شيئا مفيدا في حال وضعنا تلك المكونات في قارورة وعرضناها لتيار كهربائي. ولكن من خلال إمتزاج تلك المكونات في الحمض الوراثي بترتيب معين تنتج الكائن الإنساني. إن قوة التعقيد هي التي تنتج تلك القدرات بإستخدام تلك المكونات بالذات. إن الفكر يتكون في عقل الإنسان بنفس الديناميكية المعقدة التي يتكون بها الطقس. ثورة البراكين بعد فترة سكون وإنخفاض قيمة الدولار نتيجة إرتفاع سعر الذهب هي أمثلة على المراحل الإنتقالية التي تتميز بها الأنظمة المعقدة.

النهاية

Saturday, November 14, 2015

ماهو تأثير مستويات السكر المضافة في الأطعمة على العادات الغذائية وخصوصا الأطفال؟

يعد السكر أحد أهم مصادر الطاقة للجسم كما أن خارطة اللسان والتي تضع مواضع تذوق السكر في مقدمته تعد ترجمة خاطئة لأعمال طالب ألماني متخرج سنة 1901 حيث ذكر أنه من الممكن تذوق المزيد الحلاوة في مقدمة اللسان. الأبحاث اللاحقة أثبتت أنه في كل مناطق اللسان هناك مستقبلات للحلاوة وليس فقط في مقدمته. شركات صناعة المواد الغذائية تعرف كل ذالك وأكثر منه عن الأسباب التي تدفعنا للشعور بالرغبة في تناول المواد السكرية, فتلك الشركات تمتلك أقساما بحثية متخصصة يعمل بها خبراء متخصصون ويقبضون رواتب خيالية مقابل أبحاثهم.
إن متوسط إستهلاكنا السنوي من السكريات يعادل 72 رطل سعرة حرارية بما يعادل 22 ملعقة صغيرة من السكر يوميا. تلك الكمية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام من حيث المصدر: قصب السكر, البنجر(Beets) ومجموعة من المحليات منشأها نبات الذرة تتضمن مركبات تحتوي على نسبة عالية من سكر الفواكه(Fructose) مع قليل من العسل.
كريستوفر كولومبوس بحسب بعض المراجع التاريخية كان أول من أتى بنبات قصب السكر إلى العالم الجديد في رحلته الثانية حيث قام بتأسيس مزارع لتلك النبتة في عاصمة جمهورية الدوميتيكان(Santo Domingo) بالإعتماد على العبيد للعمل في تلك المزارع وإنتاج السكر الخام لشحنه إلى أوروبا بدايات سنة 1516.
أثناء الحصار البحري البريطاني لفرنسا سنة 1807 والذي كان السبب في إنقطاع تلك المادة والتي كانت تصدر من المستعمرات الفرنسية خصوصا في أفريقيا وجزر الكاريبي, فقد أدى سعي الشركات الفرنسية للبحث عن بديل لتلك المادة إلى إكتشاف إمكانية إستخراجها من نبات البنجر والذي يمكن زراعته بسهولة في الأجواء المناخية الأوروبية.
سنة 1970 ومع إرتفاع أسعار قصب السكر والبنجر فقد أدى بحث الشركات لمصدر رخيص وعملي إلى إكتشاف إمكانية إستخراج السكر من نبات الذرة. إن سكر الفواكه(الفركتوز) والذي يستخرج من الذرة يتمتع بميزتين, أولهما أنه سائل ممايعني إستخدامه مباشرة خصوصا في منتجات المشروبات الغازية والثانية أن إنتاج الذرة مدعوم بموجب برامج حكومية تمنح منتجيه إعفائات ضريبية وتتقاسم معهم بعض تكاليف الإنتاج.
في الفترة بين سنتي 1970-2000 فقد إرتفع إستهلاكنا من المشروبات الغازية إلى 40 غالون سنويا ولكنه إنخفض إلى 32 غالون بحلول سنة 2011. إن ذالك الإنخفاض صاحبه إرتفاع إستهلاك السكر من مصادر أخرى حيث إزداد إستهلاك المشروبات كالشاي, القهوة, مشروبات الطاقة والمياه الغنية بالفيتامينات وغيرها حيث إرتفع إستهلاك السكر عن طريق تلك المصادر إلى 14 رطل سنويا للشخص الواحد.
إن تاريخ زراعة وصناعة السكر معروف ومشهور ولكن الأقل شهرة هو الأبحاث العلمية وخصوصا التي كانت تجريها شركات صناعة الأغذية والمشروبات الغازية على الأسباب التي تدفعنا للرغبة في تناول المواد السكرية من الناحية البيولوجية والنفسية. سبب كون تلك الأبحاث أقل شهرة بين العامة على الأقل أن أغلب ما ينشر منها لايكون إلا في دوريات علمية متخصصة ويتم التكتم على الكثير من الأبحاث والنتائج المتعلقة بها من قبل الشركات والأقسام البحثية التابعة لها بسبب المنافسة التجارية.
كان هناك إحساس بين العلماء والمختصين منذ بداية سنة 1960 بأن المكونات السكرية في الأغذية قد تدفع الأشخاص إلى الإستهلاك زيادة عن حاجتهم ولكن ذالك بقي مجرد إحساس بدون دليل علمي حتى قام أحد الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة بإجراء تجاربه على الفئران. تلك التجارب والنتائج التي توصلت إليها كانت بمحض الصدفة حيث كان يحتفظ بمجموعة من الفئران كحيوانات أليفة ويقوم بإطعامهم حبوب الطعام(Froot Loops) من إنتاج شركة كيلوج(Kellogg) والتي كانت تتميز بإحتوائها على نسبة عالية من المواد السكرية وذالك على سبيل تدليل حيواناته الأليفة. بعد فترة قام بملاحظة زيادة نهم الفئران للأطعمة السكرية بشكل عام والفئران بطبيعتها تركن للأماكن المظلمة حيث كانت تتخذ أظلم بقعة في القفص كمأوى. الطالب الجامعي (Anthony Sclafani) قام بوضع حبوب الطعام السكرية في أكثر الأماكن إضائة في القفص ليكتشف بعد المراقبة أن غريزة الفئران قد تغيرت بشكل جذري متواجدة بشكل دوري في منتصف القفص حيث كان يضع لها طعامها المفضل. في مرحلة  لاحقة حين أصبح نفس الطالب يحمل درجة الدكتوراه في علم النفس ويعمل بدرجة مساعد بروفيسور في كلية بروكلين في نيويورك فقد كان يقوم بتجربة على الفئران تتطلب زيادة وزنها, الطعام المخصص للكلاب لم يكن يفي بالغرض فإستحضر تجربته القديمة حين كان طالبا يرعى الفئران كحيوانات أليفة. قام بإرسال أحد مساعديه لشراء البسكويت وغيرها من الأطعمة التي تتميز بنسبة عالية من السكريات فحقق نتائج رائعة. الفئران كانت تقبل بنهم على الأكل خصوصا الحليب كامل الدسم وقطع الشوكولاتة حتى أنها أصيبت بالتخمة وبفترة قياسية بينما كان إقبالها على الأطعمة المحتوية على الدهون ضعيفا ولم يحقق النتائج المطلوبة.
نتائج تلك التجربة تم نشرها في روقة بحثية سنة 1976 كأول دليل علمي على مايعرف بمصطلح(Food Craving) الرغبة الملحة لتناول الطعام. إن نشر تلك الورقة البحثية أحدث تحولا كبيرا في الأبحاث المتعلقة بكيفية تعامل الجسم مع الأغذية التي تحتوي مواد سكرية حيث تفرغ عدد كبير من العلماء والمعاهد البحثية لإجابة على سؤال واحد متعلق بعلاقة السكر بالإفراط الاإرادي لتناول الطعام.
في ولاية فلوريدا قام علماء بتعريض الفئران لصدمات كهربائية في حال إقترابها من الأطعمة السكرية ولكنها لم ترتدع عن إعادة المحاولة مرة بعد أخرى وفي جامعة برينكتون(Princeton) التي تقع في ولاية نيوجيرسي كانت الفئران التي تعرضت لإجراء جراحي هدفه الحد من قابليتها على الأكل تصدر أصواتا تشبه الصرير كردة فعل على عدم قدرتها على تناول طعامها السكري المفضل.
إن مركز مونيل(Monell Chemical senses) والذي يقع في مدينة فيلاديلفيا يعد رائدا في مجال أبحاث كيمياء الحواس حيث كانت الأبحاث تجري من قبل العديد من شركات صناعة الأغذية والعلماء للإجابة على سؤال واحد عن سبب تمتع المواد السكرية بالجاذبية لدى المستهلك.
في سنة 2001 إكتشف علماء المركز جزيء البروتين(T1R3) والذي يتموضع على حلمات اللسان المسؤولة عن تذوق المواد السكرية بل قاموا بتتبع مستشعرات السكر المنتشرة في الجهاز الهضمي والإستنتاج انها من المحتمل أن تلعب دورا رئيسيا في عملية التمثيل الغذائي. إن ذالك ليس الإنجاز الوحيد الذي تحقق لعلماء المركز بل إنهم سجلوا إنجازا بإكتشافهم لأول مرة مايعرف بحالة(munchies). تلك الحالة ظلت مرتبطة تقليديا بتعاطي نبته الماريجوانا ولكن علماء مركز مونيل إكتشفوا أن مستقبلات الطعم الحلو على اللسان من الممكن أن تتم إثارتها عن طريق بروتينات تدعى (endocannabinoid) تفرز في الدماغ لزيادة القابلية لتناول الطعام. تلك البروتينات تنتمي لنفس مجموعة البروتينات التي تدعى (Tetrahydrocannabinol - THC) حيث تعمل بنفس طريقة التأثير على الدماغ وتعد المكون الرئيسي الفعال لنبات الماريجوانا وهاذا يفسر شعور متعاطيها بالجوع الشديد.
المعضلة التي يعاني منها مركز مونيل بشكل رئيسي هي التمويل. يتلقى المركز حوالي 50% من تمويله الذي يبلغ حوالي 17.5 مليون دولار سنويا من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين على شكل منح حكومية بينما باقي التمويل مصدره الشركات الخاصة خصوصا شركات صناعة المواد الغذائية والسجائر. الشركات الخاصة التي تقوم بتمويل المركز تتلقى إمتيازات مقابل تمويلها حيث بإمكانها الإطلاع على نتائج الأبحاث التي يتوصل إليها علماء المركز بفترة تسبق الإعلان عنها بما لايقل عن ثلاثة سنين كما أنه يمكنها تكليف علماء المركز بأبحاث خاصة ذات توجه معين. وعلى الرغم من كل ذالك فإن المركز يؤكد على مصداقيته حيث أن بعض التمويل الحكومي الذي يتلقاه مصدره أموال القضايا التي تقوم الحومات المحلية برفعها ضد شركات التبغ.
الشد والجذب بين مونيل وشركات صناعة الأغذية يعود إلى أبحاث أجراها المركز في السبعينيات على عينة من 140 شخص بالغ و618 طفل أعمارهم تتراوح بين التاسعة والخامسة عشرة وأعتمدت على تقسيمهم إلى ثلاثة فئات لها علاقة بالسن, الجنس والعرق. إن النتائج التي خرجت بها تلك الأبحاث أكدت الجاذبية التي تتمتع بها الأطعمة المالحة والحلوة بالنسبة للمواطنين الأمريكيين من الأصول العرقية الأفريقية وخصوصا الأطفال منهم. أحد ممولي مركز مونيل وهو شركة فريتو-لي(Frito-Lay) كانت مهتمة بالجانب المتعلق بالأطعمة المالحة والتي هي تعد قسما كبيرا من منتجاتها كالعلامة التجارية (Lays) و (Doritos) حيث تعدان من أشهر منتجاتها. الشركة إقتبست من تقرير مركز مونيل وقامت بتوزيعه في مذكرة داخلية ذكرت فيها التأثيرات العرقية المتعلقة بإستهلاك المنتجات المالحة والحلوة حيث ذكرت أن المسألة ليست محصورة بإنجذاب الأطفال والمراهقين إلى تلك النوعية من المنتجات بل أنهم يستهلكون كميات أكبر مما يستهلكه الأشخاص البالغون. تقرير نشره أحد العلماء (لورنس جرين - Lawrence Greene) أن جاذبية الأطعمة الحلوة بالنسبة للأطفال ليست مسألة فطرية بل متعلقة بكميات السكر المتزايدة التي تضيفها تلك الشركات لمنتجاتها. الأطفال حديثي الولادة يطورون الجاذبية نحو الأطعمة المالحة بداية من 4-5 أشهر من ولادتهم أما بالنسبة للأطعمة الحلوة فهي تكون مصاحبة لهم منذ ولادتهم.
الأبحاث المتعلقة بالعادات الغذائية للأطفال إستمرت في الفترة التي تلت توزيع مذكرة شركة فريتو-لي(Frito-Lay) بل ذهبت إلى ماهو أبعد من ذالك للإجابة على الأسئلة المتعلقة بإنتقال عادات غذائية معينة بالتوريث من الأم لأبنائها سواء أثناء فترة الحمل أو الإرضاع وعدد من الأسئلة الأخرى التي بقيت نتائج الأبحاث التي أجريت عليها والنتائج التي تم التوصل لها غير متاحة للعامة بل لحفنة قليلة من مدراء الشركات والعلماء.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية