Flag Counter

Flag Counter

Sunday, April 30, 2017

كيف هددت النهضة النووية الأوروبية المصالح الإقتصادية لكبريات شركات التنقيب عن النفط؟

إن النهضة النووية التي شهدتها دول أوروبية كألمانيا وإيطاليا وفرنسا وتصدير تكنولوجيا الإستخدام السلمي للمفاعلات النووية تحول لنكسة لكبريات شركات النفط ودوائر صنع القرار ومعاهد التفكير والأبحاث المرتبطة بها فكان لابد من إيجاد حل قبل أن تخرج الأمور عن زمام السيطرة.
في سنة 1973 قام رجل النفط المعروف ديفيد روكفيلر بتأسيس مايسمى اللجنة الثلاثة(Trilateral Commission) وجعل أول مدير لها هو زبغنيو بريجينسكي والذي كان مستشارا للأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر(1977-1981) والذي كان هو نفسه عضوا في تلك اللجنة التي كانت تضم تقريبا 300 شخص من كبار مدراء الشركات والسياسيين ورجال الأعمال من النخبة يتم دعوتهم شخصيا إلى إجتماعاتها ينتمون إلى بلدان أوروبا الغربية, الولايات المتحدة ولأول مرة اليابان والهدف هو تنسيق السياسات. كما انه تم إستثناء الدول النامية من دعوة أشخاص يمثلونها لأن تلك الدول أصلا كانت هي ضحية السياسات التي يتم تنسيقها في إجتماعات اللجنة الثلاثية عن طريق التحكم في أسعار المواد الأولية التي تستوردها والتي كانت مقومة بالدولار الأمريكي.
اللجنة لم تكن تقتصر في عضويتها على الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بل كانت تضم عددا من أعضاء حكومته وعلى رأسهم نائب الرئيس والتر مونديل(Walter Mondale), وزير الخارجية سايرس فانس(Cyrus Vance), مستشار الأمن القومي زبغنيو بريجينسكي والذي كان أول مدير للجنة, المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة أندرو يونغ(Andrew Young), مساعد وزير الخارجية ريتشارد هولبروك(Richard Holbrooke), وزير الخزانة ويرنر بلومينثال(Werner Blumenthal), وزير الدفاع هارولد براون(Harold Brown) وعدد اخر من كبار موظفي الحكومة الأمريكية والطاقم الرئاسي.
اللجنة الثلاثة هي من قررت دعم ترشيح جيمي كارتر لسباق الرئاسة في الولايات المتحدة وتم إتخاذ ذالك القرار بينما كارتر في رحلة عمل لصالح اللجنة سنة 1976 في اليابان وكذالك هي من أوصت بتعيين زبغنيو بريجينسكي كمستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر الذي ذكر اللجنة الثلاثية وعضويته فيها في كتاب سيرته الذاتية ومدحها بأنها كانت فرصة له للتعرف على كبار رجال السياسة والإقتصاد من النخبة على المستوى العالمي.
أول أعمال الرئيس الأمريكي جيمي كارتر كانت إنشاء وزارة للطاقة سنة 1977 حيث كان هدفها الرئيسي المعلن تقليص إعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد من الخارج خصوصا من منطقة الشرق الأوسط ولكن على أرض الواقع فإنها لم تحقق ذالك الهدف.
أول وزير للطاقة كان جيمس رودني شليزنجر(James Rodney Schlesinger) والذي شغل عددا من المناصب الحكومية منها وزيرا للدفاع أثناء حرب 1973 وقبل ذالك عضوا في أحد مراكز الأبحاث والتفكير التي تتبع وزارة الدفاع الأمريكية ويدعى معهد راند(RAND) والذي يتخذ من مدينة سانتا كلارا في ولاية كاليفورنيا مقرا له.
الرئيس الأمريكي جيمي كارتر كان يتصرف بناء على أجندات نادي روما(The Club Of Rome) واللجنة الثلاثية فيما يتعلق بسياسة ترشيد إستهلاك الطاقة حتى أنه قام بتركيب ألوح تخزين الطاقة الشمسية على سطح البيت الأبيض الذي كان يتجول فيه في فصل الشتاء مرتديا ألبسة شتوية ثقيلة بينما أنظمة التدفئة مغلقة ترشيدا لإستهلاك الطاقة.
في خطابه للأمة الأمريكية (The state of the Nation Speech) سنة 1977 فإن جيمي كارتر قام بتشبيه أزمة الطاقة المفترضة التي تمر بها الولايات المتحدة بأنها معادل لحالة الحرب من الناحية الأخلاقية. الخطاب إحتوى عشرة نقاط تستهدف في مجملها تخفيض إعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد 50% بحلول سنة 1985. ولكن على أرض الواقع فإن إعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد قد تضاعف خلال العشرين سنة التي تلت فترة رئاسة جيمي كارتر بالإضافة إلى أنه أثار غضب العديد من الأمريكيين الذي يعشقون السيارات الكبيرة الحجم وذات الدفع الرباعي بأنه يجب عليهم دفع مبالغ مالية أكبر كسبب لإمتلاكهم تلك النوعية من السيارات. ملخص خطابه هو أنه على الأمريكيين أن يقوموا بالموازنة بين إستهلاكهم للطاقة ومصادر الطاقة التي تنضب بشكل متسارع, النفط في طريقه للنضوب.
الإتحاد السوفياتي كان أيضا هدفا للحروب النفطية التي كانت تتم تحت ستار الحرب الباردة حيث نشرت دراسة من قبل وزارة الطاقة التي إستحدثها الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بأن الإتحاد السوفياتي سوف يصل لذروة الإنتاج النفطي سنة 1980 مما يعني إنحدارا حادا في السنة التي تليها لمستويات إنتاجه من النفط مما سوف يجعله منافسا رئيسيا للولايات المتحدة على نفط منطقة الشرق الأوسط وهو أمر لا يجب أن يتم السماح به تحت أي ظرف من الظروف. الإنتاج النفطي قبل وبعد تفكك الإتحاد السوفياتي لم ولن يصل لذروته لأنه ليس هناك ذروة نفطية فذالك المفهوم الذي أخرجه إلى حيز الوجود ماريون هوبرت المعروف بماريون الملك هوبرت هو مفهوم مغلوط ولا يستند إلى أي أساس علمي بإعتراف هوبرت نفسه في أحد مقابلاته الصحفية. كازاخستان التي كانت تشكل جزأ صغيرا من الإتحاد السوفياتي وبحلول سنة 2000 فإن المستويات التي وصل إليها إنتاجها من النفط جعلها في المركز الثاني بعد المملكة العربية السعودية كثاني أكبر منتج لخامة الذهب الأسود.
كل ذالك كان بفضل السياسة التي إتبعها رئيس الإتحاد السوفياتي ستالين حين قرأ الرسالة الغربية المتعلقة بالطاقة وفهمها بشكل واضح خصوصا مع تصاعد الصراع على هامش الحرب الباردة حيث أصدر أوامره للعلماء السوفيات بإجراء الأبحاث وإستخدام كافة الوسائل لإخراج سياسة طاقة مستقلة خاصة بالإتحاد السوفياتي إلى حيز الوجود لضمان إستقلال قراره السياسي وإبتعاده عن تأثيرات عمليات التلاعب بالإمدادات النفطية ومصادر الطاقة.
العلماء السوفيات كانوا يختلفون إختلافا جذريا عن نظرائهم الغربيين الذين كانوا مشغولين قدر الإمكان بمحاولة إخفاء أن العالم يعوم على كميات هائلة ولا متناهية من النفط بينما نظرائهم في الإتحاد السوفياتي بالبحث عن حقول النفط والغاز ومحاولة تطويرها قدر الإمكان.
إن الصراع الروسي\الأمريكي على أوكرانيا وخصوصا منطقة القرم التي ضمتها روسيا مؤخرا إليها بموافقة سكانها بعد إستفتاء شعبي تعود جذوره إلى حقول نفط وغاز ضخمة ومتجددة حيث أن العلماء السوفيات على علم بها منذ أيام ستالين ولذالك تعالت أصوات الإحتجاج حين قام نيكيتا خروتشوف بالتنازل عنها لأوركانيا بموجب مرسوم رئاسي حيث أنه هو نفسه من أصول أوكرانية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Sunday, April 23, 2017

معاهد التفكير والأبحاث وعلاقتها بإستراتيجية الطاقة وتقليص النمو السكاني

في نهاية فترة الستينيات وبداية السبعينيات فقد تم إطلاق مجموعة من معاهد التفكير والأبحاث المرتبطة برجل النفط ديفيد روكفيلر(David Rockefeller) مثل نادي روما(The club of Rome) ونادي(1001: Nature Trust) المرتبط بصندوق الحياة البرية العالمي(World Wildlife Fund), مؤتمر يوم الأرض في ستوكهولم التابع للأمم المتحدة(The Stockholm United Nations Earth Day Conference), دراسة بعنوان حدود النمو(The Limits of Growth) قام بها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا(MIT) واللجنة الثلاثية(The Trilateral Commission).
تلك المعاهد والمراكز البحثية النخبوية التي تتركز في الولايات المتحدة تم الترويج لها من قبل كافة وسائل الدعاية والإعلان على المستوى العالمي حيث تم إستخدام الأزمة النفطية في فترة السبعينيات كحصان طروادة للقيام بتخفيض مستوى المعيشة عالميا بحجة المحافظة على بقاء الجنس البشري.
أوروبا تعافت من دمار الحرب العالمية الثانية وأعادت بناء إقتصادها. اليابان أصبحت تنافس الولايات المتحدة من صناعيا وتجاريا. الإقتصاديات الأسيوية خصوصا كوريا الجنوبية وكذالك أمريكا اللاتينية كانت تنمو بوتيرة متسارعة. كانت تلك الدول تتطلع لبناء علاقات تجارية وإقتصادية ثنائية بعيدا عن الولايات المتحدة وهيمنتها وخصوصا مع إستياء الكثيرين مما إعتبروه طعنة في الظهر بسبب تخلي الولايات المتحدة عن إتفاقية بريتون وودز وترك حلفائها التجاريين بدولارات تتضائل قيمتها يوما بعد يوم. الإقتصاد العالمي بدأ بالخروج عن سيطرة النخب التقليدية التي كانت تمول تلك المراكز البحثية ومعاهد التفكير ولذالك كان لابد من طريقة للسيطرة على الوضع الذي بدأ ينفلت من عقاله.
كانت هناك تخطيط للقيام بأكبر حملة دعاية تستهدف الأجيال الشابة التي نشأت في ظل الثورات الطلابية والراديكالية سنة 1968 وعناوينها التقشف الإقتصادي والحد من النمو السكاني تحت ذريعة أن المصدر الأهم للطاقة وهو النفط قابل للنضوب في المستقبل القريب.
في الفترة التي سبقت الأزمة النفطية المفتعلة وتحديدا سنة 1972 فقد كان يتم الإعداد لحملة دعائية كبيرة لكتاب بعنوان حدود النمو(The Limits to Growth) متعلق بالنمو السكاني وخطره على التنمية والموارد حيث كان سوف يتم ترجمة الكتاب إلى 12 لغة وذالك جزء مهم من الحملة الدعائية لنشر أفكار الكتاب.
كتاب حدود النمو(The Limits to Growth) كان ثمرة عمل (Dennis Meadow) وهو طالب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا(MIT) ويبلغ من العمر 28 عاما وكان يعمل تحت إشراف البروفيسور جاي فوريستر(Jay Forrester). دينيس ميدواي(Dennis Meadow) كان قد حصل على منحة 200 ألف دولار من مؤسسة فولكسفاجن للتنمية بهدف تطوير نموذج كمبيوتري مستقبلي للتنمية على الكرة الأرضية. الكتاب حذر من أن النمو الإقتصادي سوف يبدأ بالإنحدار بشكل حاد في خلال 100 سنة القادمة.
الفكرة وراء الكتاب لم تكن مجرد نموذج كمبيوتري بل ترجع في جذورها إلى كتابات رجل الكنيسة وخبير الإقتصاد السياسي ثوماس مالثوس(Thomas Malthus) الذي حذر سنة 1798 في مقالة بعنوان(The Principle Of Population) من أن الزيادة السكانية وأثرها على التنمية حيث سوف تشهد البشرية في المستقبل أحداث مأساوية على مستوى كارثي مثل المجاعات, أمراض ومستوى مرتفع من الوفيات. نظرية ثوماس ماثوس(Thomas Malthus) تم تبنيها من قبل نادي روما ومرت بمراحل تطور على يد مستشار الشركات النفطية ماريون هوبرت سنة 1956 وصولا إلى سنة 1972 حين تم صياغتها في كتاب مدعومة بنماذج كمبيوترية وجداول وقاعدة بيانات.
نادي روما سنة 1987 أصدر تحذيرا بعد 180 سنة تقريبا على إصدار ثوماس مالثوس لمقالته ملخصه أن الزيادة السكانية سوف تتفوق على مقدرة الكرة الأرضية على توفير الموارد الضرورية اللازمة. وفي سنة 1974 أصدر نادي روما تحذيرا بأن الكرة الأرضية تعاني من سرطان وأن ذالك السرطان تم تشخيصه بالكائن البشري أي الإنسان. وأن العالم يعاني من مجموعات مشاكل وتحديات متداخلة ومتشابكة منها التزايد السكاني, نقص حاد في الغذاء, مصادر الطاقة الغير متجددة كالنفط, إنهيار بيئي وإدارة غير فاعلة.
وفي تقرير أخر تم إصداره من قبل نادي روما سنة 1974 بعنوان نقطة تحول في تاريخ البشرية (Mankind at Turning Point) فقد تم ذكر الحاجة إلى مؤسسة لها سلطة عالمية تختص بإعادة توزيع الموارد بين الدول بما يضمن تحقيق النمو الإقتصادي والحد من النمو المتزايد في عدد السكان.
بإعتماد نموذج كمبيوتري يدعى (World 3) قام علماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا(MIT) بدمج خمسة معطيات بطريقة تفاعلية بالإعتماد على السكان, إنتاج الغذاء, الإنتاج الصناعي, التلوث وإستهلاك الموارد الغير متجددة ليكون المخرج هو نظرية(The limits of Growth).
بناء على الحسابات التي قام بها نادي روما(The Club of Rome) وبإستخدام النموذج الكمبيوتري (World 3) وإدخال بيانات عدد من السيناريوهات المختلفة حيث كانت النتيجة أن الوقود الأحفوري(النفط) سوف يؤول إلى النفاذ في الفترة بين 1992م-2022م.
إن ذالك ليس المحاولة الأولى من قبل نوادي النخبة ومعاهد الأبحاث الدعاية لمحدودية وندرة الموارد الطبيعية وأثر ذالك على التنمية ونوعية الحياة التي يحياها سكان الكرة الأرضية وبالطبع لن تكون المحاولة الأخيرة. النصب الحجري الغامض في ولاية جورجيا والذي يذكر 500 مليون هو العدد المناسب من السكان لتحقيق النمو في كوكب الأرض هو أحد تلك الوسائل. الإستهلاك الغير محدود للموارد غير ممكن الإستمرار به ويجب أن يصبح أمرا من الماضي. المثير لحيرة جميع من إطلعوا وقرئوا تلك التقارير أنها تجاهلت الجانب العسكري الذي يستتنفذ نسبة كبيرة من الموارد خصوصا في الصناعات العسكرية.
ومن أجل إعطاء المصداقية لكتب حدود النمو والنظرية التي يروج لها فقد صدر بإسم أرقى المعاهد العلمية(Smithsonian Institution) في العاصمة الأمريكية واشنطون وتم ترجمته إلى أربعين لغة والدعاية له في مختلف الوسائل الإعلامية حيث بيع منه أكثر من 30 مليون نسخة وهو رقم هائل بمعايير هذه الأيام وحتى تلك الأيام قبل خروج الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي إلى حيز الوجود.
مسؤول الدراسات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا(MIT) جاي فوريستر(Jay Forrester) في كتاب قام بنشره سنة 1971 بعنوان ديناميكية العالم(The World Dynamics) قد صرح علانية في كتابه بما يلي:
(إن زيادة الضغوط سوف تؤدي إلى تسريع اليوم الذي يستقر فيه عدد سكان العالم. الضغوط من الممكن أن تزيد عن طريق تقليص واردات الأغذية, تقليص الرعاية الصحية وتقليص النمو الصناعي).
وكما يقال أن الإعتراف هو سيد الأدلة فالقضية إذا ليست مؤامرة لأن ذالك يستلزم السرية والكتمان لتحقيق عنصر المفاجأة ولكنه مخطط واضح المعالم لايبذل واضعوه أي جهد لإخفائه وساحتهم الرئيسية هي وسائل الإعلام ومعاهد التفكير والأبحاث والمنظمات الغير حكومية حيث يتم إستخدام كل ذالك كستار في سبيل تحقيق أهدافهم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Sunday, April 16, 2017

ماهي التضحيات التي من الممكن أن تبذلها شركات النفط في سعيها للبحث عن الذهب الأسود؟

إلى أي مدى من الممكن أن تذهب شركات النفط في سعيها وراء الذهب الأسود؟سوف نأخذ مثالا بسيطا هو الولايات المتحدة.
تعد الولايات المتحدة مستهلكة ١٩ مليون برميل من النفط يوميا وتعتمد على الإستيراد نسبة ثلثي تلك الكمية مما يجعلها حساسة لأي تقلبات سعرية في أسواق النفط.
في بدايات إكتشاف النفط في الولايات المتحدة وإنتاجه تجاريا, كان أغلب النفط مصدره حقول الإنتاج في تكساس ثم كان الإعتماد على الإستيراد وخصوصا من المملكة العربية السعودية. في وقتنا الحالي أضيف إلى ذالك إنتاج حقول النفط من خليج المكسيك وألاسكا ولكن ذالك لم يردم الفجوة بين الإنتاج والإستهلاك ولم يحقق أمن الطاقة في الولايات المتحدة ويقلل إعتمادها على النفط المنتج في مناطق تعاني إضطرابات سياسية.
شركات التنقيب وفي مسعاها وراء الذهب الأسود لم تمانع من التنقيب في محمية الحياة البرية في القطب الشمالي(ANWR) على الرغم من كونها محمية وطنية مملوكة للحكومة الفيدرالية وتمتد على مساحة ٣٠ ألف ميل مربع من الأراضي التي تعد موطنا لأحد أكبر هجرات حيوان الوعل في العالم. هل علمتم إلى أي مدى من الممكن أن تذهب الشركات النفطية؟
لكن ماذا عن العائدات من وراء تلك المغامرة وتخريب تلك المحمية الطبيعية الساحرة؟
تقديرات هيئة الطاقة في الولايات المتحدة أن الإنتاج الفعلي لن يبدأ قبل سنة ٢٠١٨ وبحد إنتاج أقصى ٨٠٠ ألف برميل لن يتم بلوغه قبل سنة ٢٠٢٨. إن ذالك يعد نقطة في وعاء كبير ولكن ليست تلك هي المشكلة الوحيدة بخصوص إنتاج النفط في منطقة القطب الشمالي.
الولايات المتحدة وكندا لا تملكان شركات نفط وطنية مثل الصين وروسيا وفنزويلا وبالتالي فإنه حتى تلك الكمية الضئيلة والتي تعد ٨٠٠ ألف برميل قد لا تذهب للسوق الأمريكية وقد لا تؤدي لتخفيض السعر في محطات الوقود. إن محاولة فرض قيود على شركات النفط سوف تنتهي بالفشل كما في عهد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. الكنديون قبل الأمريكيين يعلمون تلك الحقيقة وأن النفط يتم تسعيره عالميا وليس مهما أين يتم إستخراجه فهم يدفعون سعرا للوقود عند المضخة أكثر مما يدفعه الأمريكيون على الرغم من أن كندا حققت الأمن الإستراتيجي في مجال الطاقة وليس كما أمريكا تعتمد على الإستيراد بنسبة الثلثين.
ولكن إذا كان إنتاج النفط في ألاسكا وحقول خليج المكسيك أو إستيراده من كندا عاجزا عن تقليص الفجوة بين الإستهلاك والإنتاج فما هي المقترحات والبدائل؟
هل يكون زيادة الإستيراد من المكسيك هو أحد الحلول المقترحة؟ أم قد يكون زيادة الإستيراد من فنزويلا؟
بالنسبة للمكسيك فإن إنتاجها في تناقص وخصوصا حقل(Cantarell) الذي بمعدل متسارع أما بالنسبة لفنزويلا فهذه تحتاج لبعض التفصيل.
حين تولى رئيس فنزويلا السابق هيوجو تشافيز الحكم فقد قام بتأميم صناعة النفط مما أثر على الشركات الأمريكية العاملة في بلاده. وعلى الرغم من العائدات المالية المتأتية من وراء قرار التأميم فإن ذالك قد أثر على الإستثمارات في مجال النفط وخصوصا زيادة الإنتاج الذي بقي ثابتا منذ فترة زمنية طويلة. إن حقول النفط الرملي الفنزويلية في مقاطعة(Orinoco) تحتاج لإستثمارت كبيرة ليكون إنتاجها مجديا من الناحية الإقتصادية وقادرا على تقليص الفجوة بين العرض والطلب بالنسبة للولايات المتحدة. هبوط سعر النفط إثر الأزمة الإقتصادية ٢٠٠٧-٢٠٠٨ قد أثر على إنتاج النفط الرملي في فنزويلا كما في كندا وفي أمكنة أخرى كثيرة بسبب عدم جدواه إقتصاديا.
نيجيريا تحتل المرتبة الخامسة بالنسبة لصادرات الولايات المتحدة النفطية وعلى الرغم من كونها قادرة على إنتاج ٢.٥ مليون برميل من النفط يوميا فإن كمية الإنتاج الفعلي تتراوح بين ٥٠٠ ألف ومليون برميل يوميا بالإضافة إلى كونها غير مستقرة سياسيا ولا أمنيا حيث هناك مطالبات إنفصالية في منطقة دلتا النيجر حيث أغلب إنتاج النفط النيجيري كما أنه هناك عمليات تفجير متكررة لخطوط النفط ومنصات الإستخراج وأيضا عمليات خطف للعاملين في شركات النفط.
المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الثانية بالنسبة للولايات المتحدة من ناحية إستيراد النفط بدلا من المكسيك للسبب أن إحتياطيات النفط فيها مازالت واعدة ولا تتعرض للنفاذ بنفس السرعة كما في المكسيك.
تبقى كندا تحتل المرتبة الأولى بالنسبة لصادرات الولايات المتحدة النفطية ولكن السؤال الأن ليس متعلقا بالإحتياطيات النفطية التقليدية بل بالإحتياطيات الغير تقليدية مثل مشروع النفط الرملي في مقاطعة ألبرتا وهل يمكن تطوير ذالك بالكفائة المطلوبة لتقليص الفجوة بين الإنتاج والإستهلاك في الولايات المتحدة؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية









Sunday, April 9, 2017

كيف يؤثر الإرتفاع في سعر النفط على حركة النقل والإقتصاد على المستوى العالمي؟

سفن الحاويات الضخمة تستخدم مايدعى (Bunker Fuel) وهو مايتبقى في قاع برميل النفط بعد تكريره. ومن باب العلم بالشيئ فإن تعبير برميل النفط ليس إلا تعبيرا مجازيا منذ زمن الإكتشافات الاولية للنفط حيث كان ينقل في براميل خشبية تتخذ شكلا محددا.
إستخدام الحاويات كوسيلة أساسية لنقل البضائع سوف يكون له تأثير على حركة التجارة العالمية حيث ان قطاع النقل قد أصبح أكثر حساسية لإرتفاع أسعار النفط مما كان عليه في السابق.
بشكل عام هناك نوعان من سفن الشحن يستخدمان في شحن البضائع وهما سفن الحاويات(Containers Ships) وسفن الشحن التجارية(Bulk ships). الفترة الحالية تشهد زيادة إستخدام سفن شحن الحاويات على حساب سفن الشحن التجارية حيث يمكن تفريغها أسرع من سفن الشحن التجارية كما أنها تمضي وقتا أطول في البحر منه في المرفأ. ولذالك السبب الأخير فإن سرعتها وإستهلاكها للوقود أكبر من سفن الشحن التجارية.
سفن الشحن التجارية تمضي حاليا 85% من وقت رحلتها في البحر مقارنة بنسبة 55% في السابق وهي نفس الفترة التي بدأت تشهد إرتفاع نسبة إستخدام سفن شحن الحاويات من 35% إلى 75%.
عند سعر 100 دولار للبرميل فإن تكلفة الوقود تشكل تقريبا 50% من تكلفة النقل كما ان هناك مايسمى(Bunker Adjustment Factor) حيث تضاف الزيادة في سعر الوقود مباشرة إلى كلفة النقل. مثال بسيط هو أنه في حال زيادة سعر برميل النفط من 30 دولار إلى 100 دولار فإن متوسط تكلفة بقاء سفينة الشحن في البحر ليوم واحد ترتفع من  دولار9500 إلى 32000 دولار.
الصادرات الصينية للولايات المتحدة تأثرت بشدة في الفترة التي سبقت الأزمة الإقتصادية 2007\2008 حيث إرتفعت تكلفة شحن الحاوية الواحدة التي بلغ طولها 40 قدم من 455 دولار إلى 1100 دولار.
وفي ظل الإرتفاع المتوقع لأسعار النفط فإن شركات التجزئة الكبرى مثل وول مارت والتي تروج لنفسها عبر أسعار بيع التجزئة المنخفضة سوف تضطر لزيادة أسعار بضائعها أو البحث عن مكان أخر لتوريد البضائع منه. مكان سوف يكون أقرب وأقل في كلفة النقل حيث سوف ينكمش عالم وول مارت وسوف تبدو الصين بعيدة جدا.
فلنعد بالذاكرة قليلا إلى سنة 1971 وخطاب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون والمتعلق برفع الغطاء الذهبي عن الدولار الأمريكي بشكل رسمي وفرض رسم حماية يبلغ 10% على كل الواردات للولايات المتحدة.
إرتفاع تكلفة النقل يمكن تشبيهه بتعرفة الحماية فحين كان سعر برميل النفط 20 دولار للبرميل سنة 2000 فإن ذالك مماثل لفرض تعرفة حماية بنسبة 3% تزيد بزيادة سعر البرميل. في حالة إرتفاع سعر البرميل إلى 100 دولار فإن ذالك مماثل لتعرفة حماية تبلغ 8%. وفي حال إرتفع سعر البرميل إلى 150 دولار فإن ذالك مماثل لتعرفة حماية 13%.
نوعية البضاعة التي يتم شحنها تلعب عاملا مهما في مدى زيادة تأثير التكلفة على إجمالي سعرها عند بيعها بالتجزئة. البضاعة التي تشكل قيمة أكبر مقارنة بالوزن لن تتأثر بشكل كبير بينما البضاعة التي تشكل قيمة أقل مقارنة بالوزن سوف تتأثر بشدة. سوف يكون هناك فرق بالطبع بين سفينة حاويات(مستوعبات) تحتوي على ألماس أو سبائك ذهبية وبين سفينة أخرى تحتوي على سماعات هاتف محمول. أغلب صادرات الصين للولايات المتحدة تقع ضمن الفئة الثانية حيث البضاعة تشكل قيمة أقل مقارنة بالوزن.
في سنة 2007 أثناء ذروة الإرتفاع في أسعار النفط فإن صناعة الحديد والفولاذ الصينية قد خسرت الكثير من المنافسة لصالح المنتجين في أمريكا الشمالية حيث تقل تكلفة النقل بنسبة كبيرة. إستيراد خامات الحديد من البرازيل أو من أستراليا ثم تصدير الحديد المصنع إلى الولايات المتحدة قد أضاف مايصل إلى 90 دولار للطن الواحد حيث إرتفع سعر الطن من 600 دولار إلى 660 دولار. هناك أيضا صناعة الأثاث والتي تعد منخفضة القيمة مقارنة بالوزن حيث تأخذ الكثير من المساحة في مستوعبات الشحن. وعلى الرغم من أنها تصنع في الصين فإن الأخشاب مستوردة من أمريكا الشمالية وذالك ادى إلى إغلاق مئات مصانع الأثاث في الولايات المتحدة وكندا.
عند سعر 30 دولار للبرميل فإن الولايات المتحدة تدفع 90% لشحن بضاعتها من الصين مقارنة بالمكسيك. عند سعر 100 دولار للبرميل فإنها سوف تدفع 150% لشحن بضاعتها من الصين مقارنة بالمكسيك. عند سعر 200 دولار للبرميل فإن الولايات المتحدة سوف تدفع 300% لشحن بضاعتها من الصين مقارنة بالمكسيك. عندما ترتفع أسعار النفط بشكل مبالغ فيه وتتجاوز حاجز 100 دولار للبرميل فإن تكلفة النقل سوف تكون ذات تأثير واسع في حركة التجارة العالمية وعندها فإن التنافسية بناء على الأجور الرخيصة لن يكون لها تأثير كبير مقابل إرتفاع هائل في تكلفة النقل. بالنسبة للولايات المتحدة فإن المكسيك قد تبدو أكثر جاذبية من الصين في تلك الحالة وتحقق فائدة مزدوجة في التنمية الإقتصادية للمكسيك وجيرانها بما يساعد على وقف موجات الهجرة غير المشروع. وعلى الرغم من ذالك فإن شحن بطارية لتشغيل معدات التنقيب تحت الأرض وزنها 30 ألف رطل مثلا من المصنع في المكسيك إلى الولايات المتحدة, فإن تكلفة النقل سوف تبقى مرتفعة نوعا ما.
إرتفاع أسعار النقل سوف يؤدي كذالك إلى إرتفاع أسعار البضائع الأمريكية التي يتم تصديرها للصين من الولايات المتحدة ولكن بالنظر لحركة التجارة ونوعية التبادل التجاري فإن الصين قد تكون أكثر تضررا إلا في حالة رفع قدرة السوق الداخلية الصينية وهي سوق كبيرة وواعدة تتنافس أكبر الشركات الأجنبية للفوز بحصة فيها ولكن في ظل إرتفاع أسعار النفط فإن ذالك سوف يصبح أمرا مشكوكا فيه.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Sunday, April 2, 2017

ماهو تأثير المنافسة بين شركات تصنيع الأغذية المختلفة على الجهود العالمية لمحاربة وباء البدانة؟

شركات تصنيع المواد الغذائية في الولايات المتحدة تعد بحجم أعمال يزيد عن 700 ألف موظف وأكثر من 280 مليار دولار وتتنافس فيما بينها للإستحواذ على أكبر حصة من السوق الأمريكية والعالمية ولكنها منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات بدأت تواجه تراجعا في حجم أعمالها نتيجة زيادة الوعي حول مشكلة البدانة. تلك المشكلة تحولت إلى وباء وأصبحت حديث الناس حيث إقترح بعضهم فرض ضريبة سكر(Sugar Tax) على الأطعمة السريعة أو مايسمى(Junk Food) كأحد الحلول للتخفيف من إقبال المستهلكين على تلك النوعية من الأطعمة والكثيرون إقترحوا تشريعات تحد من كمية الدهون أو الملح أو السكر في تلك الأطعمة.
تلك الشركات تختلف وتتنافس فيما بينها حتى أخر رمق في سبيل الإستحواذ على أسواق الشركات المنافسة ولكنها سنة 1999 إجتمع كبار مدراء تلك الشركات أبريل\8\1999 في المقر الرئيسي لشركة(Pillsbury) الذي يقع في مدينة مينيابولس(Minneapolis) من ولاية مينيسوتا(Minnesota) للبحث في الخطر الداهم الذي تواجهه تلك الشركات ويمكن تلخيصة بكلمة واحدة وهي البدانة(Obesity). شركات مثل نستلة(Nestle), مارس(Mars), كوكاكولا(Coca Cola) وجينرال ميلز(General Mills) وكرافت كانت حاضرة وممثلة بكبار أعضاء مجلس الإدارة في تلك الشركات وأرفع الشخصيات فيها. الإجتماع كان من المفترض أنه سري مما جعله أشبه بإجتماع عصابات المافيا ولكن أنباء عنه تسربت هنا وهناك إلى عدد من المهتمين بقطاع التغذية.
شركة جينرال ميلز تجاوزت في تلك السنة شركة كيلوج(Kellogg) في مجال حبوب الطعام(Cereal) كما أن خط إنتاج الألبان ومشتقاتها كان مسيطرا على رفوف العرض في كبريات شركات السوبرماركت. لبن الزبادي يوبلايت(Yoplait) أصبح الأشهر في العالم ويباع في أكثر من 40 دولة ولمن لا يعرف شركة كيلوج فهي صاحبة أحد أشهر أصناف حبوب الطعام وهو الكورن فليكس(Corn Flakes) والذي يتنافس مع أشهر الأصناف من شركة جينرال ميلز وهو تشيريوس(Cheerios).
كانت شركة جينرال ميلز صاحبة الفضل في تحويل لبن الزبادي الخالي من السكر الذي يتم تناوله عادة في وقت الإفطار إلى مايشبه الوجبة الخفيفة التي يمكن تناولها في منتصف النهار في حال الإحساس بالجوع, وجبة خفيفة تماثل في نكهتها قطعة الحلوى وذات ألوان زاهية ولكنها تحتوي على ضعف كمية السكر مما يساهم في مشكلة البدانة المزمنة.
بلغة الأرقام فإن مبيعات الشركة من لبن الزبادي وخصوصا يوبلايت(Yoplait) تجاوزت حاجز 500 مليون دولار سنويا كما أن مبيعات خط إنتاج (Go-Gurt) التابع لماركة (Yoplait) وهو لبن زبادي مخصص للأطفال معبأ فيما يشبه علبة معجون الأسنان بلغ وحده أكثر من 100 مليون دولار سنويا.
عالم شركات تصنيع المواد الغذائية متبدل ومتغير بسرعة شديدة حيث أنه بحلول سنة 2001 فقد قامت شركة جينرال ميلز بالإستحواذ على شركة بيلزبري(Pillsbury) وقبلها بسنتين فقد كان رئيس مجلس إدارة شركة (Pillsbury) يحدق برئيس مجلس إدارة جينرال ميلز(المطاحن العامة-General Mills) بنظرة شك وريبة.
من بين أهم الشركات التي حضرت الإجتماع هي شركة كارغيل(Cargill) وشركة تات و لايل(Tate & Lyle) وهي أضخم شركات تصنيع المواد المضافة والحافظة حيث تقوم بتزويد شركات صناعة المواد الغذائية بأهم مكونات الإنتاج لديها وتعرف بنفسها أنها تقدم الحلول للمشاكل التي تواجه تلك الشركات عن طريق تقديم مكونات عالية الجودة.
من أهم المواضيع التي تم بحثها في ذالك الإجتماع وغيره من الإجتماعات هو كيفية التحكم بقدرة الجسم الهشة على الحد من إفراط الشخص في تناول الطعام وقدرة بعض المكونات التي تدخل تصنيع الأطعمة السريعة على زيادة جاذبية تلك الأطعمة وجعل مقاومة تناول المزيد منها مهمة صعبة. تلك الجاذبية تحولت إلى مايشبه الإدمان حيث أن بعض الباحثين قاموا بإستخدام نفس الأدوية التي يعالج منها المدمنون في تقليل جاذبية تلك الأطعمة لأشخاص تم إجراء الإختبارات عليهم ممن كانوا مدمنين على تناول تلك الأطعمة.
شركة كرافت(Kraft) كانت حاضرة بقوة في الإجتماع حيث أن تحوز على 30 علامة تجارية تتضمن أكثر من 50 منتجا ومؤخرا أعلنت عن إندماج ناجح بينها وبين شركة هينز(Heinz) والتي تختص بإنتاج أحد أشهر أنواع الكاتشب(Ketchup). ومن بين أشهر منتجات شركة كرافت جبنة الدهن الشهيرة(Kraft Natural Cheese) وحلويات الجيلو(Jell-O) وجبنة الدهن فيلاديلفيا(Philadelphia) وعصير كول-إيد(Kool Aid) وبسكويت أوريو(Oreo). كما أن خط منتجاتها من الممكن أن يغطي يومك كاملا إبتداء من الإفطار والغذاء والعشاء وحتى الحلويات والوجبات الخفيفة. شركة فيليب موريس(Philip Morris) والتي تشتهر بإنتاج السجائر إستحوذت على الشركة الغذائية العامة(General Food Corporation) وأحد أشهر منتجاتها وهو عصير تانج(Tang) والذي تبلغ مبيعاته مليار دولار سنويا كما أنها إستحوذت على شركة كرافت(Kraft).
أكثر من نصف الأشخاص البالغين في الولايات المتحدة من الممكن تصنيفهم على أنهم  من ذوي الوزن الزائد كما أن 25% من السكان في الولايات المتحدة يمكن تصنيفهم على أنهم من الناحية الطبية يعانون من السمنة.
سنة 1980 كانت هي السنة التي بدأ فيها خط مؤشر السمنة في الولايات المتحدة بالإرتفاع وبحلول سنة 1999 فقد كان هناك أكثر من 12 مليون طفل يعانون من السمنة وليس مجرد بضعة أرطال وزن زائد هنا او هناك. ومع إرتفاع نسبة الأشخاص الذين يعانون من السمنة في الولايات المتحدة فإن تكاليف معالجة الأثار الإجتماعية والصحية لذالك تجاوزت 100 مليار دولار في السنة. الأثار الصحية تشمل مجموعة واسعة من الأمراض التي من الممكن إرجاع السبب الرئيسي فيها للسمنة والوزن الزائد لعل أهمها أمراض القلب وتصلب الشرايين,السكر, الضغط, أنواع مختلفة من السرطان وأمراض أخرى مثل إلتهاب المفاصل حيث أصبح أكثر من 8 مليون أمريكي مصابين به.
كبار أعضاء مجلس الإدارة في شركات تصنيع الأغذية يتجنبون الطعام الذي تصنعه شركاتهم ويتجنبون إطعامه لأطفالهم كما أنهم يتبعون أسلوب حياة صحي ويمارسون التمارين الرياضية بشكل يومي.
ولكن ماهي الأسباب التي تدفع نحو توجيه أصابع الإتهام لشركات تصنيع المواد الغذائية بالمسؤولية عن مشكلة السمنة التي يعاني منها ملايين الأمريكيين نسبة كبيرة منهم هم من الأطفال والمراهقين؟
رئيس قسم التغذية في جامعة هارفارد والتر ويليت(Walter Willett) أرجع ذالك إلى مجموعة أسباب أهمها هو أن إدخال المواد الغذائية في مراحل التصنيع المختلفة يجردها من قيمتها الغذائية فالحبوب مثلا يتم تحويلها إلى نشويات مركزة, المواد السكرية تكون شديدة التركيز كما أن الدهون يتم تعريضها لعملية هدرجة(Hydrogenated) لتتحول إلى دهون غير مشبعة وهي من أشد المركبات ضررا بالصحة.
شركات صناعة المواد الغذائية والأطعمة السريعة تتعرض لضغوطات من مراكز أبحاث جامعية, المركز الفيدرالي للسيطرة والتحكم بالأمراض وجمعيات كجمعية القلب الأمريكية بل مؤخرا إنضمت جهات حكومية رسمية مثل وزارة الزراعة التي وصفت مشكلة السمنة بالوباء القومي على مستوى الولايات المتحدة.
الهجوم الذي تتعرض له تلك الشركات وصل لمرحلة تشبيه الأضرار الذي تسببه منتجاتها بالاضرار المماثلة لتدخين السجائر حيث تمنع شركات السجائر من توجيه دعايتها للأطفال والقاصرين ومطالبات بمعاملة شركات صناعة الأغذية بالمثل ومنعها من توجيه دعايتها نحو مراحل عمرية معينة بناء على توصيات قد تأخذ شكل القوانين الملزمة في المستقبل.
السؤال الذي يبحث عن إجابته الجميع هو عن الأسباب التي تدفع الأمريكيين لإختيار عاداة غذائية تسبب لهم الوزن الزائد والسمنة؟ شركات صناعة الأغذية من ناحيتها بدأت بإجراء أبحاثها الخاصة حول الأسباب التي تدفع الأمريكيين للرغبة الشديدة في تناول المزيد من الطعام وهي الرغبة التي تغلبت على شعور حتى الأشخاص الذين من المفترض أنهم يتبعون حمية غذائية. للحد من تلك الرغبة كان يجب على تلك الشركات أن تحد من نسبة العناصر الثلاثة في منتجاتها وهي الملح, السكر, الدهون. كما أنه يجب زيادة الإهتمام بالمنتجات المخصصة للذين يتبعون حمية غذائية والمعروضة على أرفف محلات التسوق المختلفة. غير أن تلك العناصر الثلاثة ليست هي الوحيدة التي تمكن شركات الصناعات الغذائية من زيادة جاذبية السلعة بالنسبة للمستهلكين بل هناك الدعاية وهي من أقوى العناصر ويتم تخصيص ميزانيات هائلة للدعاية والإعلان.
المشكلة الحقيقية التي يجب أن تواجهها تلك الشركات هي أنه يجب أن تصبح جزءا من الحل على الأقل أمام الرأي العام بدلا من شيطنتها وإعتبارها جزءا من المشكلة. تلك لم تكن اول أزمة تواجهها ولن تكون الأخيرة حيث واجهت مثلا أزمة الدهون غير المشبعة والمطالبات بمنتجات الحبوب الكاملة(Whole Grain) وذالك بمزيج من الدعاية وخطوط إنتاج تقوم على تقديم أصناف جديدة من المنتجات.
الكثير من الشركات حاولت الإستجابة للضغوط وأن تكون تتعامل مع المشكلة بمرونة فقامت مثلا بتخفيض نسبة السكر في بعض منتجاتها مقابل زيادة الملح أو الدهون أو زيادة الدهون مقابل تخفيض الملح. شركات أخرى إختارت بدلا من ذالك محاولة الإستحواذ على الحصص السوقية والمساحة في أرفف متاجر البيع والتي نتجت عن إنخفاض الإقبال على بعض المنتجات التي حاولت شركاتها المنتجة الإنحناء للضغوط.
المنافسة كانت مستعرة خصوصا بداية سنة 2003 بين شركة كرافت وشركة هيرشي(Hershey) الشهيرة بإنتاج أنواع مختلفة من الشوكولاتة حيث بدأت شركة هيرشي بالإستحواذ على مساحة من أرفف البيع على حساب شركة كرافت. شركة هيرشي قامت بتقديم صنف جديد يعتمد على المزج بين الشوكولاتة والبسكويت المحشو(Wafers) ليتحول إلى بسكويت بالشوكولاتة حيث تزن القطعة أونصتين ولكنها تحتوي على مايعادل خمسة ملاعق من السكر. وحدة نابيسكو(Nabisco) في كرافت وهي التي كانت مسؤولة عن إنتاج بسكويت أوريو(Oreo) الشهير. ردة فعل شركة كرافت على تراجع حصتها في السوق كانت عنيفة حيث بدأت ردة فعلها بالإستحواذ على شركة كادبيري(Cadbury) والتي تعد المنافس التقليدي لهيرشي حيث قامت بإستخدام قسم التسويق فيها للإستحواذ على أسواق جديدة في دول كالهند الذي تفاجأ مواطنوها بإعلانات أوريو بين يوم وليلة في كافة وسائل الدعاية الممكنة. كما قامت بتقديم صنف إنتاج جديد يدعى سمورز(s'mores) حيث أضافت المزيد من الملح والسكر زيادة على ماتحتويه الشوكولاتة التي تدخل في تركيب المنتج لزيادة جاذبيته.
بعد أكثر من عشرة سنين على ذالك الإجتماع فإن نسبة البدانة إستمرت في الإرتفاع وكانت شركات تصنيع الأغذية تحارب على كافة الجبهات الشركات المنافسة لها وجهات حكومية إنضمت للحملة ضد البدانة ومؤسسات غير حكومية ومعاهد أبحاث. جنرالات في الجيش الأمريكي شهدوا أمام لجان متخصصة بخصوص إنخفاض نسبة التجنيد بسبب إرتفاع مستوى البدانة عند المجندين المفترضين من عمر 18 عاما. مدينة فيلاديلفيا قامت بمنع بعض المنتجات(Tastykake) من مدارسها في محاولة للمساعدة في تخفيض نسبة البدانة بين التلاميذ. المسؤولون والأطباء في ولاية لوس أنجيلوس قاموا بدق جرس الإنذار بسبب زيادة نسبة الوفيات بين الأمهات أثناء الولادة وزيادة نسبة عمليات الولادة القيصرية حيث تم تحميل مشكلة البدانة وزيادة الوزن المسؤولية.
إن تلك الشركات تمتلك أذرعا إعلامية ضخمة وأقساما متخصصة بالدعاية والإعلان والتسويق وتنفق مئات الملايين من الدولارات في مجال تسويق منتجاتها في منافسة مع شركات أخرى وكذالك في مجال الدفاع عن نفسها من الإتهامات بأنها مسؤول عن مجموعة واسعة من الأمراض والأوبئة لعل أهمها هو مشكلة البدانة التي تحولت إلى وباء والتي تعد مسؤولة عن مجموعة إمراض منها أمراض القلب وتصلب الشرايين والفشل الكلوي والأمراض المتعلقة بالكبد.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية