Flag Counter

Flag Counter

Friday, June 30, 2017

تعلم مكافحة الإرهاب من الصحفية اللبنانية حنان قهوجي

أعترف أن الكتابة باللغة العربية تحولت بالنسبة لي من هواية إلى إدمان. فعلى الرغم من قدرتي على الكتابة باللغة الإنجليزية إلا أنني مازلت أقاوم ذالك لمجموعة أسباب: هي لغتي الأم التي لن أتخلى عنها أبدا, إتقان أسلوب الكتابة وإستخدام التعابير, قواعد اللغة العربية التي يمكن إستخدامها في الكتابة بسهولة ويسر, وبالإضافة إلى كل ذالك فإن إيضاح طريقة عمل وتفكير الصحفيين, المؤرخين الغربيين ومراكز الأبحاث(Think Tanks) ومعرفة وجهة نظرهم في عدة قضايا منها الإسلاموفوبيا ومكافحة الإرهاب تحتل أولوية بالنسبة لي. في الوطن العربي, معرفتنا بمنهج العمل الذي يسير عليه هؤلاء الأشخاص يعد مجهولا بالنسبة للكثيرين. بالنسبة لي شخصيا فهم ليسوا إلا أشخاص باحثين عن المال والذي هو لا يأتي إلا بالشهرة والتي لا تأتي إلا من خلال تناول قضية جدلية. وفي هذه الأيام, فإن الموضة الرائجة هي الإسلاموفوبيا والإرهاب الإسلامي واللاجئون يحتلون أوروبا فتلك قضايا يتم تناولها في مراكز الأبحاث والندوات والمؤتمرات والبرامج التلفزيونية بشكل مستمر وممنهج. العرب, وذالك رأي شخصي, غارقون أكثر وأكثر بوهم الإعجاب بالغرب وتمجيد الثقافة والحضارة الغربية. وأنا أعترف بأن تلك مسألة جدلية وشائكة وتحتمل وجهات نظر مختلفة ومتناقضة. ومن أجل ذالك ولتوضيح حقيقة المساالة ما أمكن, فإنني مستمر إن شاء الله بالكتابة باللغة العربية.
بداية, فقد كتبت قبل ذالك مجموعة من المواضيع التي تتناول الإسلاموفوبيا والإرهاب والحرب على الإرهاب حيث أنني في تلك المواضيع, فقد حاولت أن أقوم بتوضيح الصورة بشكل عام خصوصا  الإسلاموفوبيا, عولمة الإرهاب, الأسلمة واللاجئين. ولكن الهدف اليوم مختلف قليلا فالموضوع متعلق بشخصية محددة وهي الصحفية الأمريكية بريجيت غابرييل وهي من أصل لبناني-ماروني وولدت تحت إسم حنان قهوجي. بريجيت غابرييل معروفة في الولايات المتحدة بأنها صحفية محافظة ومعادية للإسلام تقوم بكتابة المواضيع في الصحف والمجلات والظهور في البرامج التلفزيونية والندوات والمؤتمرات التي تعقدها مراكز التفكير والأبحاث المحافظة خصوصا مؤسسة التراث "The Heritage Foundation" وعلى فكرة, فإن معهد التراث لا يمت إسمه للواقع بأي صلة فهو ليس إلا عبارة عن أحد أقدم معاهد الأبحاث المحافظة التي تم إنشائها والتي تشكل نوعا من لوبيات الضغط والمصالح التي تهدف لتقدم أجندات العولمة وإتفاقيات التجارة الحرب وبالطبع ديمومة وإنتشار الإسلاموفوبيا من أهم أولوياتهم.
في ندوة عقدت تحت رعاية مؤسسة التراث وخصصت للبحث في تداعيات الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي, قامت بريجيت غابرييل بهجوم غير مبررعلى طالبة جامعية مسلمة قامت بتعليق عبارة عن توضيح بأنه لا يجوز وصم جميع المسلمين بالإرهاب. كما أنها قامت بإستخدام حجة تاريخية بأن الغالبية من الشعب الألماني كانوا مسالمين ولكن أقلية نازية فرضت أجندتها, وأن الغالبية من الشعب الياباني كانوا مسالمين ولكن ذالك لم يمنع من إرتكاب المجازر في أسيا, وأن غالبية الشعب الروسي كانوا مسالمين ولكن ذالك لم يمنع الشيوعية من إبادة عشرات الملايين وأن غالبية الشعب الصيني كانوا مسالمين ولكن ذالك لم يمنع من إبادة 70 مليون شخص. ولو نظرنا إلى ملخص كلامها فهو دعوة للحرب على الإسلام بمعتدليه ومتطرفيه.
وأرد على ذالك تاريخيا بأن غالية الشعب الألماني لم يكونوا مسالمين بل عاطلين عن العمل, بإقتصاد منهار وتضخم منفلت من عقاله(Hyperinflation) فكان الحل الأمثل لدى هتلر تجنيدهم في الجيش والصناعات الحربية فتحولت البطالة إلى نقص في العمال ونما الإقتصاد الألماني وإزدادت شعبية هتلر والحزب النازي. أما بالنسبة للشعب الياباني فهو من المعروف عنه بأنه أمة حرب منذ أيام الساموراي والنينجا وليس من الشعوب المسالمة حيث أنهم في تلك الفترة كانوا يتبعون إمبراطورهم والذي هو بمثابة إله. أما المقاربة التاريخية مع الصين وروسيا فلا يجوز القول ببساطة أنهم شعوب مسالمة ولكن أقلية متطرفة إستولت على الحكم وقتلت عشرات الملايين لأن ذالك من الناحية التاريخية غير مقبول وإلا, فمن قام بتمويل الثورة الشيوعية ومن كان السبب في الحرب الأهلية التي وقعت في الصين وكانت نتيجتها مقتل كل تلك الملايين؟ الجواب بكل بساطة هو التدخلات الغربية ورؤوس الأموال الغربية. حتى حروب اليابان مع روسيا وحروب روسيا مع تركيا قامت رؤوس الأموال الغربية بتمويلها والتي قامت أيضا بتمويل ألمانيا الهتلرية عن طريق مصارف سويسرية. التسطيح التاريخي للمسألة بأن أقلية إستولت على الحكم وجرت البلاد إلى المجازر والقتل أمر غير مقبول وغير صحيح وهو مقدمة لتبرير التدخل في شؤون الأخرين وتدمير بلدانهم والأمثلة التاريخية حاضرة: اليابان تم ضربها بالقنابل النووية وتدمير مدن كاملة لم يوجد فيها هدف عسكري واحد على رؤوس سكانها, روسيا تم إفتعال المشاكل معها تحت مسمى الحرب الباردة والشيوعية, بالإضافة إلى مدن ألمانية كاملة تم ردمها على رؤوس سكانها خصوصا مدينة دردسن.
قد يكون السؤال الذي سألته طالبة الحقوق صبا أحمد في غير محله وبدلا من سؤالها عن إضطهاد المسلمين وتعميم صفة الإرهاب عليهم, فقد كان يجب أن تسأل عن هوية قتلة السفير الأمريكي في ليبيا ومن كان يمولهم للإنقلاب على الشرعية الليبية تحت مسمى الربيع العربي ومن قدم لهم الدعم العسكري واللوجيستي ومن كان يرغب بتسليم حكم البلدان التالية لتنظيم الإخوان المسلمين: سورياو مصر, ليبيا,تونس,المغرب وغيرها من البلدان تحت مسمى الفوضى الخلاقة والربيع العربي. وكان عليها أن تسأل عن صحة الإشاعات بأن قتلة السفير الأمريكي في ليبيا قد قاموا بفعل فاحش معه كما قاموا مع الرئيس الليبي معمر القذافي بعد أن قبضوا عليه. وكما يقول بيت الشعر" إن أكرمت الكريم ملكته وإن أكرمت اللئيم تمردا." واللئيم في بيت الشعر السابق المقصود به التنظيمات المسلحة الليبية المتطرفة والتي بعد أن ساعدتها الإدارة الأمريكية وهيلاري كلينتون على الإستيلاء على الحكم في ليبيا فكان رد الجميل عبارة عن الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي وخطف السفير الأمريكي وباقي الحكاية وفعل الفاحشة به قبل قتله بدم بارد. ربما كان هو ذالك السؤال المناسب ولكن ليس من المتوقع لأمثال صبا أحمد التي ترأس مايسمى إئتلاف المسلمين الجمهوريين وتدعو للتصويت للحزب الجمهوري في الإنتخابات الرئاسية وإنتخابات الكونجرس والهيئات التشريعية المختلفة. صبا أحمد, ورغم إختلافي مع طريقة الرد على سؤالها من قبل بريجيت غابرييل, إلا أنها تحاول التذاكي فهي لا تعلم أو تتجاهل أن بريجيت غابرييل معروف بأنها تنتمي لليمينيين المحافظين والمؤيدين تقليديا للحزب الجمهوري وسياساته التي تدعو صبا أحمد إلى التصويت له. كما أن مؤسسة التراث التي قامت برعاية الندوة تتبع نفس الجهات اليمينية المحافظة والتي تتبنى أجندات متعلقة بسياسات مالية متحررة وأجندات ضد الهجرة والمهاجرين.
في الختام أود أن أقول, أنه إذا نظرنا لأمثال صبا أحمد فسوف نعرف سبب الكوارث التي تنزل على رؤوس العرب والمسلمين في الولايات المتحدة فهناك عشرات المؤسسات التي يقوم العرب والمسلمون في الولايات المتحدة على إنشائها بهدف الإرتزاق وحب الظهور الإعلامي والحديث لوسائل الإعلام, وهاذا من جانب. أما من الجانب الأخر فيقابلهم أشخاص يتفاخرون بعدائهم للعرب والمسلمين والمهاجرين ويدعون لتبني أجندات هم أكثر الناس من يعلم أنها غير قابلة للتنفيذ. وأما عن سبب تبنيهم لتلك الأجندات فهو نفس الدافع الذي يقوم من أجله بعض العرب والمسلمين بإنشاء تلك المنظمات الكرتونية, حب الشهرة وزيادة الرصيد البنكي. بريجيت غابرييل وصبا أحمد هم وجهان لعملة واحدة, وجهان نكبة للعرب والأمريكيين أنفسهم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Sunday, June 25, 2017

إخوان إنكلترا, حسن البنا وأمين الحسيني(2)

وفي سنة 1950 قامت الحكومة المصرية بشن حملة ضد تنظيم الإخوان المسلمين في الفترة التي تلت إغتيال مؤسس التنظيم حسن البنا حيث تبين من التحقيقات مع أعضاء التنظيم المعتقلين كيف ان التنظيم مخترق من قبل الأجهزة الأمنية لعدة دول خصوصا بريطانيا, الولايات المتحدة, الإتحاد السوفياتي بل وألمانيا النازية حيث يشاع على نطاق واسع التعاون بين التنظيم والقوات الألمانية المتقدمة نحو مصر حيث قام عناصر الإخوان المسلمين بتوفير معلومات حول مواقع القوات البريطانية وتمريرها للقيادة الألمانية.
وحين أيقن البريطانيون والأمريكيون أن الملك فاروق سوف يخسر عرشه في القريب العاجل لأن نظامه قد نخره الفساد وتفشت فيه الرشوة وإزدادت نسبة البطالة فقد بدأت رحلة البحث عن بديل فيما أصر البريطانيون على إبقاء الملك فاروق مع تقليص صلاحياته فإن الأمريكيين قد وضعوا نصب أعينهم تنظيم الإخوان المسلمين أو تنظيم الضباط الأحرار الناشئ حديثا أو حتى تحالف بين حزب الوفد والشيوعيين وهو ما أقلق تنظيم الإخوان المسلمين حيث كان حزب الوفد والذي إنقسم وتشظى على نفسه يدعم قسم كبير منه التوجه نحو التحالف مع الحركات الشيوعية. تنظيم الإخوان المسلمين عملوا جاهدين على منع أي تحالف بين حزب الوفد والحركة الشيوعية في مصر حيث تعاونوا في سبيل ذالك مع الجناح اليميني من حزب الوفد والذي كان مؤلفا من كبار ملاك الأراضي والإقطاعيين وأصحاب رؤوس الأموال.
حزب الوفد من ناحيته كان يتمتع بالقوة وله قاعدة شعبية داخل مصر لم يسكت عن الحملة الإعلامية حيث إتهم أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين بأنهم عبارة عن بلطجية وطالبوا بحل الحكومة المصرية المدعومة من قبل تنظيم الإخوان المسلمين خصوصا ميليشيات الإخوان المسلمين التي كانت تتلقى الدعم المالي من قبل الحكومة المصرية.
ساهمت هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948 في إعطاء دفعة قوية لجماعة الإخوان المسلمين على مستوى الوطن العربي للأسباب التالية:
السبب الأول هو أن تنظيم الإخوان المسلمين قد شارك في حرب فلسطين بإرسال كتائب من المتطوعين وبمباركة الدول العربية حيث حقق المتطوعون من الإخوان المسلمين وغيرهم من القوات غير النظامية إنتصارات ضد التنظيمات اليهودية بعكس الجيوش النظامية والتي كانت أغلب قياداتها إما أجنبية أو تدين بالولاء للإنتداب الأجنبي على بلدان الوطن العربي.
السبب الثاني هو أن هزيمة الجيوش العربية قد خلقت حالة من التخبط السياسي والفراغ الذي كان الإخوان المسلمون أكثر من جاهزين لملئه حيث كانوا هم تقريبا القوة الوحيدة المنظمة في تلك الفترة العصيبة.
السبب الثالث هو أن هزيمة 1948 وقيام التنظيمات الصهيونية بإحتلال القدس الشرقية وتهديد المسجد الأقصى بشكل مباشر منح منظمات الإسلام السياسي رصيدا كبيرا لتبني عليه وتقوم بتجنيد الأعضاء وجمع التبرعات المالية وإستخدام كل ذالك كستار لبناء قواتهم الخاصة إستعدادا لما هو قادم.
مفتي القدس الحاج أمين الحسيني الذي يشاع على نطاق واسع أنه كان عميلا مزدوجا لصالح ألمانيا النازية والبريطانيين إلتقى عبد الرحمن البنا, شقيق حسن البنا, سنة 1935 لأول مرة حيث كان عبد الرحمن البنا يتولى مسؤولية التنظيم السري والذي أصبح يعرف لاحقا بالتنظيم الخاص للإخوان المسلمين. العلاقة بين تنظيم الإخوان المسلمين والحاج أمين الحسيني ساهمت في إنتشار فكر الإخوان المسلمين في سوريا, الأردن, لبنان وحتى فلسطين نفسها وبدعم أمين الحسيني بنفسه والذي كان يعتبر بالإضافة إلى حسن البنا أحد أهم الشخصيات التي ساهمت في إرساء دعائم الإسلام السياسي والذي تفرعت منه لاحقا كافة التنظيمات الإسلامية التي إنتهجت العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها.
الحاج أمين الحسيني بدأ حياته بالدراسة في الأزهر الشريف ولكنه لم يكمل دراسته وعمل في وكالة رويترز كمترجم وبدأ نجمه بالظهور في الحياة السياسية الفلسطينية كشخص يميل لإستخدام العنف ومؤمن بصحة نظرية المؤامرة الصهيونية وبروتوكولات حكماء صهيون. وفي سنة 1920 وإثر إعتقال أمين الحسيني لدوره البارز في الإضطرابات التي قامت تلك السنة حيث لم يمضي وقتا طويلا وتم إطلاق سراحه من قبل المندوب السامي البريطاني(اليهودي) هربرت صاموئيل حيث تم تعيينه مفتي للقدس وهو ماوضع علامة إستفهام حول العلاقة بين المفتي و الإنتداب البريطاني على فلسطين من جهة والحركة الصهيونية في فلسطين من جهة أخرى.
وفي سنة 1922 قام هربرت صاموئيل بتأسيس المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين والذي كانت مهمته الإشراف على جميع الأوقاف الإسلامية وتعيين المفتين ورؤساء المحاكم الشرعية وتم تعيين الحاج أمين الحسيني رئيسا للمجلس.
وفي سنة 1931 قام الحاج أمين الحسيني بتأسيس مؤتمر العالم الإسلامي(كونجرس إسلامي) في القدس وسافر إلى الهند, أفغانستان, إيران ودول إسلامية أخرى لجمع التبرعات وحشد الدعم والتأييد متمتعا ببعض الحماية من قبل الحكومة البريطانية حتى أنه عندما تم إعتقال أكثر من 60 فلسطينيا من الثوار المشاركين في ثورة 1936 فلم يتعرض الحسيني للإعتقال بل تمكن من التسلل خارج فلسطين إلى لبنان, العراق, لبنان ثم إستقر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية في ألمانيا حيث تولى مسؤولية شبكة عملاء تعمل ضمن القوات الخاصة الألمانية إس إس(SS) وتتألف في أغلبيتها من مقاتلين مسلمين من البلقان خصوصا البوسنة وكان مسؤولا عن الدعاية النازية الموجهة لمنطقة الشرق الأوسط. المفتى وإثر نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة دول المحور وعلى رأسها ألمانيا فقد توجه إلى فرنسا عبر سويسرا وإستقر هناك حيث رفضت بريطانيا تقديم طلب لإسترداده بإعتباره ليس مجرم حرب كما ذكر مكتب الخارجية البريطاني ورفضت فرنسا مجرد التفكير في الأمر.
وفي سنة 1946 إستقر المفتي في مصر تحت رعاية الملك فاروق والإنتداب البريطاني مقيما في فيلا عايدة في الإسكندرية تحت حراسة مشددة خارج الفيلا وداخله حيث تواجد حرسه الخاص وحيث تحولت الفيلا إلى مايشبه مركزا لنشر الإسلام السياسي.
وفي مصر عمل المفتي في وكالة الأنباء العربية وإذاعة الشرق الأدنى التي أسسها البريطانيون كما قام سنة 1946 بالتعاون مع الإخوان المسلمين بتنظيم قوة متطوعين مؤلفة من عشرة ألاف شخص للقتال في فلسطين تحت مسمى قوات الإنقاذ. المفتي عاد وبشكل مؤقت إلى قطاع غزة سنة 1947 حيث كانت إحدى كتائب قوات الإنقاذ بقيادة سوداني من مساعدي المفتي تتواجد هناك وقام بإعلان جمهورية فلسطينية مستقلة وعين نفسه رئيسا.
وأما بالنسبة لحسن البنا فقد إقتربت نهايته فبتاريخ ديسمبر 1948 فقد قامت الحكومة بحظر تنظيم الإخوان المسلمين. وفي فترة الأسابيع القليلة التي تلت القرار, قام التنظيم الخاص بإغتيال رئيس الوزراء محمد فهمي النقراشي. وخلال شهرين من إغتيال رئيس الوزراء المصري, تم إغتيال حسن البنا بإطلاق النار عليه خلال خروجه من أحد إجتماعات التنظيم.
إغتيال حسن البنا لم يضع حدا لتنظيم الإخوان المسلمين حيث تولى القيادة حسن إسماعيل الهضيبي وإستفاد التنظيم من مرحلة الحرب الباردة ومكافحة المد الشيوعي حيث حافظ التنظيم على إتصال منتظم مع السفارة الأمريكية والبريطانية ليلعب دورا بارزا في تلك المرحلة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
نهاية الجزء الثاني

Sunday, June 18, 2017

إخوان إنكلترا, حسن البنا وأمين الحسيني(1)

في الفترة التي تلت إنتهاء الحرب العالمية الأولى وحتى فشل الحملة العسكرية البريطانية على مصر سنة 1956 والمعروفة بحرب السويس, فقد قامت بريطانيا بتقديم الدعم لشخصييتين إسلامييتين إعتمدت عليهما بشكل رئيسي في إعادة تشكيل الخارطة السياسية في الوطن العربي. الشخصية الأولى هي المصري حسن البنا بينما الشخصية الثانية هي الفلسطيني أمين الحسيني. كلا الطرفين وبدعم بريطاني وسعودي فقد كانا مسؤولين عما ظهور الإسلام السياسي في المنطقة حيث قام كل منهما بتأسيس الصلة بين مايعرف بالحركة الوهابية مع أفكار جمال الدين الأفغاني والذي يعد الأب الروحي للحركات الإسلامية التي تفرعت من تنظيم الإخوان المسلمين في مرحلة لاحقة.
حسن البنا وهو الشخصية الأولى قام بتأسيس نواة حركته في مدينة الإسماعيلية المصرية حيث تم بناء أول مسجد يتبع الجماعة الوليدة بمنحة 500 جنيه مصري من شركة قناة السويس سنة 1928. والد حسن البنا الذي يقال أنه كان عالما ومن تلاميذ محمد عبده وحتى البنا فقد قرأ مجلة المنارة التي أصدرها محمد رشيد رضا تلميذ جمال الدين الأفغاني.
الشخصية الثانية هي الحاج أمين الحسيني والذي يعتبر مثيرا للجدل حيث أمضى حوالي 4 سنوات في ألمانيا تحت رعاية هتلر وكان يوصف بأنه معادي للسامية ولكنها في الوقت نفسه تلقى دعما بريطانيا حيث أقام في مصر التي كانت تحت الإنتداب البريطاني وبرعاية رسمية سنة 1947 على الرغم من كونه مطلوبا لبريطانيا وأمريكا ودولة الكيان الصهيوني الغاصب.
العلاقة بين تنظيم الإخوان المسلمين والإنتداب البريطاني على مصر من جهة والملكية المصرية ممثلة بالملك فاروق من جهة أخرى كانت متقلبة حيث كانت تحركات التنظيم تخدم الأهداف البريطانية بمقاومة التيارات السياسية الشيوعية والقومية التي بدأت تنشر أفكارها في مصر حيث لقيت رواجا. السلطات البريطانية إعتمدت على وجه الخصوص على الجناح المسلح السري للتنظيم في القيام بإغتيال خصوم بريطانيا والملكية المصرية ولكن ذالك لم يمنع أن الجماعة قد إنقلبت على مشغليهاا في وقت لاحق وتلك صفة تتصف بها كل الحركات الإسلامية التي تفرعت عنها.
يعد السوري محمد رشيد رضا الذي درس الفقه في مدينة طرابلس اللبنانية وكان أحد أتباع جمعية العروة الوثقى أحد أهم الشخصيات التي ساهمت بأفكارها في تطوير مقترحات الشيخ محمد عبده وأستاذه جمال الدين الأفغاني حيث قام بتأسيس مجلة المنارة كاداة للدعاية لأفكاره وأفكار أساتذته مع وجود فرق بينه وبينهم هو أن عمله كان في العلن بينما كان عمل الأفغاني وعبده يعتمد العمل السري. محمد رشيد رضا إلتحق بمحمد عبده في مصر حيث كان يشغل في ذالك الوقت منصب مفتي مصر بدعم من اللورد كرومر الحاكم العام البريطاني لمصر.
مجلة المنارة التي أسسها محمد رشيد رضا كانت تنتقد الحركة القومية وتصف أتباعها الكفر والإلحاد بينما كانت في الوقت نفسه كانت تمتدح الحركة الوهابية في المملكة العربية السعودية وتصف إبن سعود بأنه قام بتأسيس أعظم قوة إسلامية بعد إنهيار الدولة العثمانية. ثم كانت خطوة رشيد رضا التالية هي تأسيس مدرسة دار الدعوة والإرشاد والتي كانت تقبل طلابا من جميع البلاد الإسلامية غير أن تلك التجربة لم يكتب لها النجاح إذا أغلقت أبوابها بسبب نقص التمويل خصوصا مع بداية الحرب العالمية الأولى.
وقد قام محمد رشيد رضا وبالإشتراك مع مجموعة من الأشخاص من المؤمنين بفكر مجلة المنارة بتأسيس حزب الشعب كرد على تأسيس الحزب الوطني المصري على يد مصطفى كامل حيث تمتع حزب الشعب بدعم حكم الإنتداب البريطاني على مصر بينما كانت أجندات حزب مصطفى كامل ترتكز على معاداة الإنجليز وإستقلال مصر حيث طاف في أوروبا منددا بالإحتلال الإنجليزي لبلده وكتب في الصحف والمجلات الأوروبية إدانة لحادثة دنشواي.
إن فكرة حسن البنا بخصوص بنية وتركيبة الدولة الإسلامية المنشودة كانت مشوشة وضعيفة خصوصا من ناحية الصيغة التنفيذية ولكنها كانت قائمة على ثلاثة مبادئ (1) القرأن هو الدستور, (2) الشورى, (3) الحكم ملزم بالإلتزام بأحكام الشريعة والإستماع لأراء المواطنين. المشكلة ان حسن البنا وتنظيم الإخوان المسلمين مازالوا حتى وقتنا الحالي يناقضون تلك المبادئ الثلاثة خصوصا مبدأ الشوري فقد أسس تنظيم الإخوان المسلمين احد أسوأ أنواع الديكتاتوريات الدينية إن لم يكن أسوأها وتبين مع تجربتهم الأخيرة في مصر (محمد مرسي) أن تصورهم القائم لطريقة الحكم وإدارة الدولة مازال ضعيفا وهشا.
قام حسن البنا سنة 1932م بالإنتقال للقاهرة وإفتتح فيها الفرع الرئيسي للجماعة ومقرها الدائم حيث بدأ بنشر أفكارها وأصبح تنظيم الإخوان المسلمين أحد ممثلي الجناح اليميني المؤيد للحكم الملكي وحليف مع حزب الوفد المصري. وفي سنة 1933 قام حسن البنا بعقد أول مؤتمر وطني لتنظيمه في العاصمة المصرية حيث أنه خلال ثلاثة سنين من إنعقاده فقد إنتشرت نوادي شبابية وإتحادات الرياضية تتبع التنظيم وقامت بتنظيم المنتمين إليها في تشكيلات شبه عسكرية أصبحت تعرف سنة 1936 بالجوالة(الكشافة) وعرفت لاحقا بالكتائب تلقت إعترافا رسميا بالسماح لها توفير الحماية لمراسم تتويج الملك فاروق سنة 1937.
خلال العشرة سنين القادمة فقد قام حسن البنا بلعب أدوار مزدوجة على أكثر من جهة, فهو من ناحية كان على علاقة وإن كانت متقلبة مع القصر الملكي من خلال طبيب الملك الخاص ومن خلال شخصيات سياسية وعسكرية. كما أن حسن البنا كان على علاقة مع علي ماهر وعزيز علي المصري. الأول كان رئيس الوزراء ومن مؤيدي أفكار جمال الدين الأفغاني والثاني كان وزيرا للدفاع. وقد بلغت علاقة البنا بالملك فاروق أن الأخير كان يستشيره في تعيين رئيس الوزراء كما أنه دعي إلى مأدبة ملكية رسمية مرة واحدة على الأقل. ولكن العلاقة بين الطرفين كانت عبارة عن منفعة متبادلة حيث تم إستخدام كتائب حسن البنا, تطورت لاحقا لما يسمى التنظيم الخاص, ضد خصوم الملك فاروق خصوصا الوفديين والشيوعيين. حسن البنا أيضا أقام علاقة وثيقة مع أقلية يمينية من حزب الوفد كانت تتكون من كبار ملاك الأراضي وأصحاب رؤوس الأموال وإستخدم تلك العلاقة في لعبة توازنات سياسية تصب في مجملها ضمن سياسة فرق تسد ولتمكين نفوذ القصر الملكي.
تطورت كشافة حسن البنا من مجرد كشافة إلى تنظيمات شبه عسكرية إلى تنظيم عسكري سري يعرف بالتنظيم الخاص سنة 1942 والذي كان ينتهج العنف المسلح في محاولة لخلق حالة من الفوضى والإستياء بين صفوف الشعب فيسهل لهم الإستيلاء على الحكم. التنظيم الخاص قام بإغتيال قضاة, ضباط الجيش والشرطة, موظفين حكوميين والهجوم على المصالح اليهودية في مصر ونهبها وحرق بعضها. كما تورط التنظيم الخاص بهجمات دموية ضد النقابات العمالية وشخصيات يسارية وشيوعية معارضة للملك فاروق.
ولكن التحالف بين تنظيم الإخوان المسلمين والملك فاروق أصابه الضعف والوهن حين بدأ الأخير يفقد قبضته الحديدية على الحكم وبدأ حسن البنا وتنظيمه ينئون بأنفسهم بعيدا عنه ولكنهم حافظوا على علاقات وثيقة مع الجيش ومع سفارات أجنبية كانت بطبيعتها معادية للتنظيمات الشيوعية التي إستفادت من حالة الوهن التي أصابت القصر الملكي حيث تمكن تنظيم الإخوان المسلمين من إختراقها بداية من سنة 1944.
العلاقة بين حسن البنا والقصر الملكي من جهة, وبينه وبين الإستعمار البريطاني لمصر من جهة اخرى كانت مستمرة حيث عمل تنظيم حسن البنا متمتعا بالحصانة من الملاحقة والمحاسبة وكذالك توفير كافة انواع الدعم المالي واللوجستي مادام يعمل خدمة لأهداف القصر الملكي والمصالح البريطانية في مصر. في بعض الأحيان فإن التنظيم الخاص كان يتعدى الخطوط الحمر ويعمل خارج دائرة الحماية فتقوم الحكومة وقوات الإستعمار البريطاني لمصر بملاحقة أعضائه وزجهم في السجون. كما أنه كان لحسن البنا علاقة بالنظام السعودي ويتلقى الدعم المالي منها في مسعاها لنشر أفكار ودعوى محمد بن عبد الوهاب إلى مصر.
أعضاء الإخوان المسلمين كانوا ينظمون أنفسهم في خلايا تتألف كل واحدة من خمسة إلى سبعة أعضاء وتتلقى كل خلية تدريبات مكثفة عقائدية وعسكرية حيث ما أن تنتهي كل خلية من تدريباتها حتى يتظاهر أعضائها بتخليهم عن تنظيم الإخوان المسلمين ومن ثم ينتسبون إلى أحزاب وحركات أخرى أو حتى نوادي رياضية أو جمعيات خيرية وتشكيل خلايا نائمة تقوم بجمع المعلومات وإنتظار الأوامر.
السفارة الأمريكية والبريطانية كانتا على إتصال منتظم بتنظيم الإخوان المسلمين كما أن ميليشات تنظيم الإخوان المسلمين كانت في مقدمة المواجهة مع التنظيمات الشيوعية في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية والتي رسمت بداية معالم الحرب الباردة. رئيس الوزراء المصري إسماعيل صدقي قام بتمويل جماعة الإخوان المسلمين علنا كما وفر لهم معسكرات لتدريب ميليشياتهم التي سوف يثبت منفعتها فيما بعد في معارك الحكومة لتحجيم نفوذ الحركة الشيوعية المصرية خصوصا أن التنظيم الخاص قد قام وعبر جهازه الأمني بإختراق كافة الأحزاب والتنظيمات الشيوعية والنقابات العمالية وكان يمرر معلومات مفيدة أولا بأول للحكومة المصرية خصوصا حول المنتسبين للأحزاب الشيوعية والنقابات العمالية التي كان للحركة الشيوعية المصرية نفوذ قوي فيها.
وفي سنة 1952 قامت حركة الضباط الأحرار بالإستيلاء على السلطة والقيام بنفي الملك فاروق خارج مصر. الحركة كانت تتشكل من ضباط الجيش من مختلف الإنتمائات خصوصا الشيوعيين, الوفديين, الوطنيين اليساريين وبالتأكيد الإخوان المسلمين حيث كان أنور السادات عضوا في تنظيم الإخوان المسلمين ومسؤول الإتصال بين تنظيم الإخوان المسلمين والضباط الأحرار وتدور الشكوك أيضا حول عضوية الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر في تنظيم الإخوان المسلمين حيث كان هو من قام على تأسيس الضباط الأحرار سنة 1949 إثر حرب 1948 في فلسطين وفضيحة الأسلحة الفاسدة.
" البحث عن الذات " هو عنوان الكتاب الذي يحكي السيرة الذاتية للرئيس المصري السابق أنور السادات حيث مدح السادات فيه حسن البنا وفهمه العميق للإسلام.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

نهاية الجزء الأول

Sunday, June 11, 2017

كيف ساهمت وسائل التواصل الإجتماعي في ثورة المعلومات والإتصالات؟

هناك مصطلح عضو فاعل(Active User) أو عضو غير فاعل(Inactive User) يتم إستخدامه على شبكات ومواقع التواصل الإجتماعي كالفيسبوك, الإنستجرام, واتساب,تويتر وسناب تشات. موقع الفيسبوك وبإختصار يعرف المستخدم النشط بأنه من يدخل الفيسبوك من خلال حسابه سواء من خلال صفحة الموقع في الشبكة العنكبوتية أو الهاتف المحمول, أو يقوم بنشر مواد أو مشاركة مواد من خلال طرف ثالث(تويتر) مرة في الشهر على الأقل.
في سنة 2012 فقد بلغ عدد المستخدمين الفاعلين شهريا في فيسبوك 845 مليون شخص منهم 483 مليون مستخدم يقومون بالدخول إلى حساباتهم مرة واحدة يوميا على الأقل. بينما في سنة 2016 فقد تجاوز عدد المستخدمين الفاعلين بحسب تعريف فيسبوك 1.59 مليار مستخدم يقومون بالدخول إلى حساباتهم مرة واحدة على الأقل شهريا بينما بلغ عدد مستخدمي تطبيق المحادثة التابع لفيسبوك(Facebook Messenger) فيسبوك ماسينجر900 مليون مستخدم فاعل. فيسبوك قامت بشراء تطبيقي واتساب وأنستجرام حيث بلغ عدد مستخدمي الواتساب سنة 2016 مليار مستخدم فاعل والإنستجرام 400 مليون مستخدم فاعل. لاينقص مارك زكبرغ بلا مبالغة إلا علم ليحتفل بدولته التي ينتمي إليها أكبر عدد من السكان في العالم.
هناك ثورة معلومات خصوصا مع إنتشار مواقع مثل فيسبوك وواتساب وأنستجرام والمملوكة من قبل شركة فيسبوك ومواقع مثل يوتيوب وموقع المدونات بلوجرز وغوغل بلس المملوكة من قبل شركة غوغل والتي يعد متصفحها الخاص غوغل الأكثر إستخداما حول العالم متفوقا على متصفح إنترنت إكسبلورر ومتصفح ياهو الذي يصارع للبقاء. إن أبرز تأثير لثورة المعلومات هو أن المستخدمين يفقدون السيطرة بشكل كبير على الكيفية التي يتم بها تداول معلوماتهم في العالم الرقمي مما سوف ينعكس على عالمهم الحقيقي. بالطبع لن يشمل ذالك التأثير جميع المستخدمين ولكن إذا نظرنا للموضوع بعمق فسوف نجد أن ذالك سوف يحدد ويؤثر على الشكل المستقبلي الذي سوف يتخذه العالم الذي يعيش فيه.
إن إحتمال أن يقوم أحدهم بالنجاح في إختراق, مشاركة, التلاعب بمعلوماتنا في العالم الرقمي تزداد خصوصا مع إستخدام أنظمة التخزين السحابية حيث سجلت مؤخرا عدد من حوادث الإختراق مع شركة سوني حيث تم سرقة بيانات حسابات وأرقام بطاقات الإئتمان وشركة أبل التي تم سرقة معلومات وصور خاصة من حسابات مستخدميها.
إن قطاع التكنولوجيا هو من أصعب القطاعات من ناحية العمل فيه على إكتساب ثقة المستهلكين حيث تعمل الشركات بإستمرار التقليل من المخاطر وحماية قاعدة بياناتها من الإختراق خصوصا بإستخدام خطوتين لإثبات هوية المستخدم وهو أسلوب يستخدمه عدد من مصنعي الهواتف الخليوية والتي لديها مجموعة خيارات منها كلمة السر والبصمة والخيار الأخير متوفر لدى بعض شركات الكمبيوتر المحمول.
إن مفهوم الهوية الإفتراضية سوف يتغير مع الزمن خصوصا مع إتجاه الكثير من الحكومات إلى فرض نوع من الرقابة على الإنترنت وفي المستقبل لن يسمح بالتسجيل في مواقع التواصل الإجتماعي والمواقع التي تشارك الصور والفيديوهات وحتى نيتفليكس(Netflix) بدون أن تكون جميع تلك الحسابات مرتبطة بحساب مركزي يخص الهوية الحقيقة للشخص مالك الحساب حتى أنه سوف يقوم بحفظ سجلات التصفح على الشبكة العنكبوتية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

Sunday, June 4, 2017

ماهي النواحي الإيجابية والسلبية لثورة المعلومات والإتصالات؟

إن ثورة المعلومات سوف تجلب معها العديد من الأمور الإيجابية بعضها بدأ بالظهور في عصرنا الحالي وإيجابيات أخرى مستقبلية. أحد تلك الأمور الإيجابية هي القابلية لقرائة طريقة تفكير المستخدمين خصوصا لمواقع التواصل الإجتماعي ونوعية المواقع التي يتم تسجيل زيارتها من قبل متصفحهم على الإنترنت خصوصا إن بدت بعض تلك التصرفات غير مألوفة. إن ذالك يوفر للحكومات أداة مجانية قيمة تقدم لها معلومات عن التوجهات الفكرية والسياسية لمواطنيها حتى وإن كانوا يستخدمون هويات إفتراضية مما سوف يفيد في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وعلى الجانب الأخر فإن ثورة المعلومات توفر للمواطنين أداة لتعزيز الحريات والشفافية خصوصا الهواتف الذكية المزودة بكاميرات وقابلية للدخول إلى الشبكة العنكبوتية وذالك يجعل عملية تقييم أي مسؤول أو موظف حكومي أو شرطي من الناحية الإيجابية او السلبية أمرا أكثر سهولة. الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية خصوصا بريطانيا تحاول أن تحد من تأثير ثورة المعلومات عبر سن قوانين تعاقب بالسجن أو الغرامة أو بالجمع بين العقوبتين كل من يقوم بنشر معلومات رقمية لمسؤول حكومي أو ذي علاقة بالعمل الحكومي أو حتى مؤسسة أو شركة خاصة بدون إذن رسمي من الجهة ذات العلاقة. الولايات المتحدة على وجه الخصوص تحاول أن تكون رائدة في ذالك المجال خصوصا بعد تفجر فضائح متعلقة بطريقة عمل الشرطة مع عدد من المواطنين من ذوي الأصول الأفريقية حيث تسببت حادثة مقتل مراهق أمريكي أسود عمره 18 عاما في بلدة فيرجيسون-ميسوري سنة 2014 بإضطرابات وأعمال شغب بعد أن فضح فيديو تم إلتقاطه كذب الرواية الرسمية في إعتداء الضحية على ضابط الشرطة وعدم توجيه إتهام لضابط الشرطة من قبل هيئة المحلفين الكبرى.
جانب إيجابي أخر مانلاحظه من قيام بعض البلدان بتركيب كاميرات في سيارات الشرطة لمراقبة أدائهم 24\7 ومدى جودة الخدمة المقدمة للمواطنين. كما أن إستخدام تلك الكاميرات ليس مقصورا على سيارات الشرطة بل وحتى في زيهم الرسمي الذي يرتدونه أثناء قيامهم بأداء مهامهم ممايعزز الشفافية وإمكانية الإستفادة من المعلومات لتحسين الخدمة ومنع التجاوزات.
المنافع التي تجلبها ثورة المعلومات غير محدودة خصوصا للمجتمعات النامية والتي كانت تعاني من العزلة وإستخدام وسائل الإتصالات التقليدية فقد أصبح الأن بالإمكان إرسال إيميل أو إستلام الرد على إيميل في لحظات معدودة بعد أن كان إرسال الرسائل التقليدية قد يستغرق أسابيع. إن ذالك يعزز الربط بين المجتمعات والأفراد ويعزز التواصل وتبادل الأفكار والخبرات والمعلومات خصوصا بعد إنتشار الهواتف الخليوية المزودة بخدمة الإنترنت. أصبح من الصعوبة بمكان لطبيب يمارس عمله بشهادة مزورة أو رجل دين يزعم حصوله على إعترافات من مراجعه العليا أو مهندس يزعم حصوله على خبرات عمل مزيفة أن يستمروا في الخداع لفترة زمنية طويلة حيث يمكن وبلحظات إرسال بريد إلكتروني للجهة ذات العلاقة وإستلام رد منها في فترة زمنية قد لا تتجاوز يوما أو يومين.
الحكومات سوف تواجه صعوبات في إخفاء الوثائق التي تدينها وتدين فسادها وممارساتها السلبية خصوصا مع إنتشار خدمات التخزين المباشر أو السحابية(Cloud Storage) حيث يمكن تسريب الوثائق وتخزينها في أحد خدمات التخزين السحابية ليقوم شخص أخر في بلد قد يبعد ألاف الأميال ويملك نفس معلومات التي تمكنه من الدخول للخدمة بنشر تلك الوثائق بدون تعريض مصادره للخطر.
تدمير طالبان لتماثيل بوذا في وادي باميان وتدمير تنظيم داعش لبعض أثار تدمر في سوريا والموصل في العراق هي أمثلة يمكن من خلالها الإستدلال على الدور الذي تؤديه التكنولوجيا والتي بفضل ثورة المعلومات تجعل من الممكن في المستقبل وبإستخدام التصوير ثلاثي الأبعاد أخذ صور دقيقة 100% وإعادة بناء ماتضرر بنفس التفاصيل ودقائقها وبنفس المواد وتفس تقنيات البناء القديمة المستخدمة.
الهوية الإفتراضية قد تكون حقيقية أو مستعارة وفي كلتا الحالتين فإنها سوف تعد أهم سلعة يحرص عليها المستخدمون في المستقبل. نحن حاليا نشهد مايسمى إغتيال الشخصية وهي أحد الجوانب السلبية لثورة المعلومات, فالعالم الإفتراضي حيث شبكة الإنترنت والصفحات الإلكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي هي الميدان وفي كثير من الأحيان يصعب تتبع الفاعل.
هناك الكثير من السلبيات التي سوف ترافق ثورة المعلومات ولكن أحد أهمها وأخطرها هي تأثيرها على الأطفال والمراهقين فقد يستغل أحدهم الخصوصية والسرية التي يمنحهما العالم الإفتراضي للمستخدم بصورة سيئة للغاية كمحاولة إغواء أحد الأطفال بإستخدام هويته الإفتراضية. في أحد برامج التي تم تصويرها في الولايات المتحدة وتدور الفكرة حول مقدم البرنامج الذي يقوم بإنتحال هوية إفتراضية مزيفة وإغواء القاصرات بالإتفاق معهم على موعد إما في منازلهم او في مكان هو يختاره حيث يكون أبائهم في إنتظارهم والقيام بتوبيخهم بشدة. السبب يمكن توضيحه ببساطة أن شخصيات الأطفال في العالم الإفتراضي تنمو عمريا بأسرع من العالم الطبيعي.
إنعكاس ثورة المعلومات سوف يشمل حتى النظام التعليمي خصوصا بعد تعدد حوادث إستغلال القاصرين وإستدراجهم عبر الشبكة العنكبوتية حيث سوف تلعب المدارس دورا مهما في التوعية عبر دروس متعلقة بشبكات التواصل الإجتماعي وكيفية الحفاظ على الخصوصية. بعض الأباء سوف يفضلون إختيار أسماء لأبنائهم تساعدهم في بناء مستقبل في فضاء الشبكة العنكبوتية خصوصا في ظهور أسمائهم على محركات البحث بينما البعض الأخر سوف يأخذ بالجانب السلبي خصوصا إمكانية تعرضهم للإبتزاز والإستدراج ويقوم بمحاولة إبقاء رأسه منخفضا فيما يتعلق بذالك.
النمو السريع للشبكة العنكبوتية وزيادة عدد مستخدميها أدى بالتالي إلى زيادة المدى الذي من الممكن للشركات والأفراد أن تستفيد منه حيث خرجت تلك الشركات من العبائة التقليدية للإبتكار والتسويق ومندوب المبيعات الذي من الممكن أن يطرق بابك إلى التسويق الإلكتروني والدعاية والإعلان عبر مواقع التواصل الإجتماعي.
أن ذالك النمو في وسائل التوسيق والدعاية والإعلان والإبتكار والمصادر غير المحدودة للحصول على المعلومات بفضل نمو الشبكة العنكبوتية وثورة المعلومات والإتصالات يعني إزدياد المنافسة الشرسة بين الشركات والمؤسسات المختلفة للإستحواذ على حصة من سوق الدعاية والإعلان الهائل على الشبكة العنكبوتية. أعمال شركات مثل (Reputation.com) يتزايد زبائنها حيث تختص بكل مايتعلق مكافحة كافة أنواع الدعاية المسيئة على الشبكة العنكبوتية والتي تستهدف تشويه سمعة شركة أو رجل أعمال وهي أشبه مايكون بمكاتب العلاقات العامة التي تقوم بعمل مماثل ولكن على أرض الواقع.
كما أنه هناك نمو في مجال التأمين ولكن عبر الشبكة العنكبوتية, في العالم الإفتراضي, حيث يستفيد منه الأفراد والشركات ممن يكونون مهتمين بتعويض مناسب عن خسائرهم في حالة قيام أحدهم بمحاولة تشويه السمعة في العالم الإفتراضي. على سبيل المثال قد يقوم مدرس او مدرسة بالتأمين على حساباتهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي ضد محاولة إختراق وسرقة أسرار حياتهم الشخصية من قبل أحد طلابهم حيث قد يتسبب ذالك بخسارة المدرس او المدرسة لعملهم.
لايوجد أحد لم يسمع ببرامج حماية الشهود حيث تأخذ الأجهزة الأمنية على عاتقها حماية أشخاص وافقوا على الإدلاء بشهادتهم في قضايا منظروة أمام القضاء حيث تتعرض حياتهم للخطر بسبب ذالك. البرنامج يشمل نقل الشخص المعني بعد الإدلاء بشهادته إلى مكان إقامة جديد ومنحه هوية مختلفة تماما حيث يشمل ذالك بطاقات مصرفية ورخصة قيادة وهوية شخصية وجواز سفر يحمل إسما مختلفا. وقد يشمل برنامج حماية الشهود عملية تجميل لتغيير المظهر كليا أو جزئيا.
في الواقع الإفتراضي هناك أيضا أمر مماثل سوف يكون القيام به عبر شركات متخصصة في المستقبل أمرا ممكن الحدوث. أشخاص هاربين من العنف في بلادهم أو من أعمال إنتقامية سوف يكونون مهتمين بإخفاء هوياتهم الإفتراضية حتى لايتم تتبعهم وبالتالي الإستدلال عليهم وعلى مكان تواجدهم. ولكن ذالك يعتبر سلاح ذو حدين حيث من الممكن أن تكون تلك الشركات نفسها عبارة عن واجهة لجهات إجرامية تقوم بأنشطة مشبوهة وتبيع المعلومات لمن يدفع أكثر. كما أن القيام بتغيير الهوية الإفتراضية لايكون من دون مخاطر خصوصا أن ذالك يتطلب قطع الصلات الإجتماعية وتجنب الأماكن حيث تتوفر تقنيات التعرف على الوجه. إن كل تلك المخاطر والأنشطة الإجرامية التي يمكن القيام بها على الشبكة العنكبوتية يعززها أنظمة دفع لايمكن تتبعها خصوصا البيتكوين(Bitcoin). نمو أقسام الجرائم الإلكترونية في الأجهزة الأمنية وخروج أقسام متخصصة بالتعامل مع القضايا التي تنتج عن ثورة المعلومات ونمو عدد مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي ومن يملكون هويات إفتراضية يعتبر ردة فعل طبيعية على التطور غير التقليدي للجريمة من الواقع الحقيقي إلى الواقع الإفتراضي.
مواقع مثل ويكليكس سوف تستفيد من تقنية التشفير(Encryption) لإخفاء هوية مصادرها ومنع محاولات تتبع القائمين على الموقع. المشكلة أن هناك سؤالا أخلاقيا يواجه مثل تلك المواقع التي يطلق عليها(Whistleblowing) وهو من يقرر نشر المواد المتوفرة من عدمه؟ يقال أن موقع ويكليكس قبل عدم نشر وثائق متعلقة بدولة معينة مقابل مبالغ مالية ضخمة. مثل تلك المواقع مازالت بحاجة للكثير من الوقت حتى تتحول لتلعب دورا إيجابيا في المجتمعات ويكون هناك نوع من الرقابة حتى لو كانت ذاتية أو داخلية. كما أنه هناك إحتمال ظهور مواقع مشابهة لويكليكس ولكنها تختلف عنه في الغاية حيث من الممكن أن تقوم بتسريب أسرار عسكرية, معلومات بنكية مقرصنة والكثير من الأمور التي لن يكون إنعكاسها إيجابيا على المجتمع وعل المستوى العالمي كتسريبات شركة سوني وخدمة التخزين السحابية الخاصة بشركة أبل.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية