Flag Counter

Flag Counter

Thursday, October 26, 2017

من يحصون الأصوات هم من يقررون كل شيئ

المفكر جاك روسو ذكر في كتابه العقد الإجتماعي خطأ المفهوم الشائع لدى الشعب الإنجليزي حول الحرية وأنهم يخدعون أنفسهم بتوهمهم أنهم أحرار فهم في الحقيقة ليسوا كذالك إلا خلال الفترة التي تستغرقها عملية إنتخاب أعضاء البرلمان حيث يعودون على إثر إنتهائها فاقدي الأهمية ومكبلين بالأغلال.
ولكن ماهي الحرية؟
ينقل عن الكاتب الكبير مكسيم غوركي مقولة "الحرية هي أول خمس دقائق ولدت فيها أبكي عاريا, بلا إسم, بلا خطيئة, بلا توجهات, وبلا حقد بشري". وهناك مقولة أخرى تنقل عن الموسيقار المبدع زياد الرحباني وهي "بعد خمس دقائق من ولادتك سيقررون إسمك, جنسيتك, دينك وطائفتك وستقضي طوال حياتك تقاتل وتدافع بغباء عن أشياء لم تخترها".
إن مناقشة مفهوم الديمقراطية يعد مسألة خلافية لن تنتهي إلى نتيجة حيث لن يتفق شخصان حول ذالك المفهوم. فخلال مقابلة أجراها أحد الصحفيين البريطانيين مع شخصية من المعارضة الفنزويلية خلال فترة حكم الرئيس السابق هيوجو تشافيز, إتهم ذالك المعارض النظام في فنزويلا بأنه شيوعي وبالتالي غير ديمقراطي وأنه يفكر جديا في المغادرة للولايات المتحدة. وحين إستغرب الصحفي ذالك وسأله إن قام نظام هيوجو تشافيز بتأميم الممتلكات والشركات أو أنه صادر منه منزله الفخم أو أمواله في البنوك, فكانت الإجابة بلا. المسألة إذا ليست أكثر من نفوذ سياسي أو شهوة السلطة هي مصطلح أخر يصلح لإستخدامه. سيطرة الحكومة الفنزويلية على النفط أزعج أصحاب المصالح الخاصة لأن النفط يمثل دخلا رئيسيا لفنزويلا وبالتالي فإن من يتحكم فيه يمتلك على نفوذ سياسي هائل.
إنه من عجائب الأمور المتعلقة بالديمقراطية أن الجميع يرغب بها ولكن في الوقت نفسه لا أحد يؤمن بها أو يصدقها. إن مانسبته 91% تقريبا من السكان على مستوى العالم يؤمنون بأن الديمقراطية هي الوسيلة المثالية للحكم. إن ذالك يعد رقما مرتفعا مقارنة بالفترة التي تلت إنتهاء الحرب العالمية الثانية حيث كانت هناك 25 دولة على مستوى العالم تصنف بأنها ديمقراطية. وفي سنة 1972 إرتفع الرقم إلى 44 دولة. وفي سنة 1993 إرتفع الرقم إلى 72 دولة بينما في عصرنا الحالي فإنه هناك 117 دولة تصنف على أنها دول ديمقراطية.
الشعوب بطبيعتها متعلقة بالقشور وتفتقر النظرة العميقة وبعد النظر فهي معجبة بالديمقراطية كفكرة ولكن على أرض الواقع فالأمر مختلف. التجارب التي مرت بها بلدان الربيع العربي كمصر وتونس في إثر أحداث الربيع العربي قد أدت إلى إنكشاف الجانب المظلم للنظام الديمقراطي بطبيعته الحالية. الصورة المثالية التي يرسمها البعض ممن يختبرون العملية الديمقراطية لأول مرة في مخيلتهم سوف تجعلهم يصابون بالصدمة حين يجابهون الحقائق في العالم الواقعي. الديمقراطية تحقق أقصى النتائج الإيجابية حين تتفق جميع الاطراف على الإحتكام لصندوق الإنتخاب وذالك في الوطن العربي وحتى في أوروبا أمر مستحيل.
النظام الديمقراطي سوف يصل لمرحلة من الإنهيار والإفلاس السياسي وفقدان المصداقية بسبب صراع الأحزاب السياسية والمصالح. الشعوب في الغرب وأوروبا منقسمة على نفسها على الرغم من جذور العملية الديمقراطية ترجع إلى ألاف السنين في بعض البلدان ومازال من الممكن حشد دعم شعبي وراء الديمقراطية كفكرة عامة ولكن بالتأكيد فإن المؤسسات التي من المفترض أنها تقوم على تطبيق الفكرة وتحويلها إلى واقع ملموس كمجالس النواب والمجالس البلدية وغيرها قد فقدت ثقة المواطنين.
على سبيل المثال فإن مانسبته 33% من المواطنين في الدول الأوروبية سنة 2012 كانوا مازال يشعرون بالثقة تجاه مؤسسة الإتحاد الأوروبي(EU) بينما كانت النسبة سنة 2004 تبلغ 50% بينما تبلغ الثقة بالبرلمانات الوطنية في الوقت الحالي 28% وبالحكومات 27% وهي أسوأ أرقام تسجلها إستطلاعات الرأي حتى تاريخه. إن ذالك ليس إلا بداية سلسلة من الأرقام الصادمة فالإحصائات والإستطلاعات وإستبيانات الرأي تطشف أن 3.9 من بين كل 10 مواطنين أوروبيين يثقون بالأحزاب السياسية, 4 من بين كل 10 يثقون بحكوماتهم, 4.2 من بين كل 10 يثقون ببرلماناتهم و 4.3 من بين كل 10 يثقون بالإعلام.
في الولايات المتحدة فاز رجل الأعمال وقطب العقارات دونالد ترامب بمنصب الرئيس إثر معركة إنتخابية شرسة توقع الكثيرون فيها خسارته امام منافسته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون حيث أظهر فوزه شرخا في المجتمع الأمريكي الذي إتضج للجميع أنه منقسم على ذاته بإعتراف هيلاري كلينتون بل وترامب نفسه الذي وعد بتوحيد البلاد وأنه سوف يكون رئيسا لجميع الأمريكيين. إن فوز دونالد ترامب بأرفع منصب سياسي في الولايات المتحدة والأحداث التي تلت خصوصا المظاهرات الرافضة لرئاسته في مدن كنيويورك والتي تعد معقلا ديمقراطيا تقليديا. كما أنه كانت هناك عدد من الفيديوهات الصادمة التي عرضتها الوسائل الإعلامية كعدد من حوادث الإعتداء من قبل مؤيدين لهيلاري كلينتون على أنصار دونالد ترامب ورفع أعلام النازية فوق بعض المنازل أو رسم الشعار النازي على أبواب بعض منازل المواطنين الأمريكيين من أصل لاتيني في ولايات تعد معاقل لأنصار دونالد ترامب. ولكن لعل أكثر إثارة للإستهجان كان قيام مواطنة أمريكية من أصول أفريقية مؤيدة لهيلاري كلينتون بالإعتداء على طفلها الذي لم يتجاوز ستة أو سبعة أعوام بالضرب والطرد من المنزل  لأنه أخبرها بتأييده لدونالد ترامب في إستفتاء إفتراضي تم تنظيمه في المدرسة المحلية حيث يتلقى تعليمه.
هيلاري كلينتون فازت بالتصويت الشعبي بفارق مليون صوت عن دونالد ترامب ولكن في الولايات المتحدة فإن من يقرر الفائز الفعلي بكرسي الرئاسة هو مايعرف بالمجمع الإنتخابي-مندوبي الولايات حيث لكل ولاية عدد من المندوبين فيما يعرف بالمجمع الإنتخابي. المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب تمكن من حصد الأصوات في ولايات مؤثرة وأخرى تعرف بأنها ولايات متأرجحة في الولاء بين الحزبين الأمريكيين الرئيسيين بفارق أصوات المندوبين في المجمع الإنتخابي مما يجعل أي محاولة لقلب النتيجة ضده بالغة الصعوبة بل ومستحيلة وليس كما تصور بعض الوسائل الإعلامية العربية أو حتى الأجنبية منها التي مازالت تعاني الصدمة ولم تستفق منها حتى هذه اللحظة.
إذا من الواضح أن هناك عددا من المواطنين والسياسيين الأمريكيين يرفضون بالمطلق ترامب كرئيس للولايات المتحدة بل ووصل الأمر ببعض حكام الولايات إلى إعلان نيتهم عصيان الرئيس في حال أصر على تطبيق قراره بالترحيل الفوري لثلاثة ملايين مهاجر ممن يمتلكون سجلا جنائيا وذالك بشكل مبدئي على أن يتبعه ترحيل جميع المخالفين لقانون الأقامة والجنسية والذي يبلغ عددهم 11 مليون شخص تقريبا.
إن عدد الرافضين لرئاسة ترامب يبلغ أكثر من نصف عدد المواطنين الذين قاموا بالتصويت في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة التي منحت الحزب الجمهوري سيطرة مطلقة على مجلسي الشيوخ والنواب مما زاد في مخاوف الأمريكيين والمتعلقة من إتخاذ قرارات لا تحظى بالشعبية كإلغاء برنامج الرعاية الصحية الذي أقره الرئيس باراك أوباما وتعيين قضاة في المحكمة العليا معارضين لحق الإجهاض وحقوق المثليين وقضايا خلافية أخرى حيث أبدى البعض رأيه إن النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة وصل لمرحلة الشيخوخة وأن حال الولايات المتحدة والعالم بأجمعه سوف يتغير في الفترة التي سوف يجلس فيها دونالد ترامب في كرسي المكتب البيضاوي ولن يكون كما كان في الفترة التي سبقته.

النهاية

Monday, October 23, 2017

النرويج تحتل المرتبة الأولى على مؤشر سعادة الشعوب ولا عزاء للنيوليبرالية

لن يستطيع أنصار المذهب الإقتصادي النيوليبرالي أن يقدموا أي تفسير لظهور أسماء دول كالدانيمرك, فنلندا والسويد في مراتب متقدمة كأسعد شعوب في العالم. في سنة 2017, إحتلت النرويج المركز الأول كأسعد شعب في العالم تلتها الدانيمرك التي خسرت المركز الأول الذي شغلته في السنة السابقة. إن تلك الدول تتعرض لهجوم مستمر من أنصار المذهب الإقتصادي الرأسمالي النيوليبرالي خصوصا مدرسة شيكاغو الإقتصادية ورمزها الأبرز ميلتون فريدمان. إن الذرائع التي يبررون بها إنتقاداتهم هي أنها تمثل نموذجا لما يطلق عليه دول الرفاه الإجتماعي والتي تتعارض مع مفاهيم العولمة وتحرير التجارة والأهم الخصخصة والتي تعد من مبادئ الرأسمالية المقدسة التي لا تقبل المساس بها. إن أنصار المبادئ الإقتصادية النيوليبرالية غير مؤهلين للإجابة على ذالك السؤال أو غيره بل هم يكررون ويرددون ما تعلموه وقرئوا عنه في كتب الإقتصاد التي تدرس لهم والممتلئة بالمعلومات المغلوطة. إن المبادئ الإقتصادية النيوليبرالية تهدف في الحقيقة لإفقار الشعوب والقضاء على الطبقة المتوسطة لصالح طبقة النخبة المؤلفة من تحالف كبار رجال الأعمال والشركات المتعددة الجنسيات ومصارف وول ستريت. كما أن تلك المبادئ تختفي وراء مليارات الدولارات التي تصرف على الدعاية والإعلان وتأليف الكتب المدرسية والجامعية في محاولة بإقناع الشعوب بحقيقة تلك المبادئ المزيفة وأوهام الحلم الأمريكي والثقافة الإستهلاكية التي غزت المنازل من خلال شاشات التلفاز وأفلام السينما والمسرح والصحف وأي وسيلة إعلامية ممكنة للتصريح بتلك المبادئ والدعاية لها.
إن الأزمات المالية الإقتصادية بداية من أزمة زهرة التوليب في القرن السابع عشر في هولندا قد أثبتت أن النظام الرأسمالي قد فشل فشلا ذريعا في تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية للبشرية وأن طبقة المستفيدين قد إنحصرت بفئة قليلة إمتلكت الرأسمال ووسائل الإنتاج وإشترت قوة العمل من الطبقات العاملة مقابل حد الكفاف بما يسد رمقهم. كما أن تلاميذ المذهب النيوليبرالي غير مؤهلين لتقديم أي تفسير يتعارض مع ثالوثهم المقدس: "اليد الخفية, Invisible Hand", "الحرية الإقتصادية-laissez faire" و "العرض والطلب-Supply and Demand". في الحقيقة, فإن اغلب هؤلاء الأشخاص لم يقرئوا كتابات أدم سميث والذي يعتبر الأب الروحي للرأسمالية الغربية خصوصا كتاب "ثروة الأمم" وهو أشهر كتبه على الإطلاق. فقد ذكر المفكر نعومي تشومسكي في إحدى مقابلاته أن أدم سميث يتم تمجيده بدون قرائة كتبه "Worshiped but not read," وأن أدم سميث ذكر فيما يتعلق بتقسيم العمل أنه يخلق عمالا أغبياء حيث يفقد العامل القدرة على التفكير وحل المعضلات التي تواجهه بسبب تخصيص العمل وتقسيمه كما أن أدم سميث ذكر بأن الرأسمالية هي عبارة عن تفاعل ألاف الشركات والمؤسسات والأفراد فيما يعرف بالسوق(Market) ولكن ذالك يتنافى بشكل لا يقبل التفسير مع الشركات العابرة للقارات والإحتكارات العملاقة. حتى أن الحكومات التي تصف نفسها بأنها تتبع النهج الرأسمالي في الظاهر بينما في الوقت نفسه تناقض نفسها بإنقاذ البنوك وشركات الرهون العقارية كما حصل سنة 2008 ليس حصريا في الولايات المتحدة بل في دول متعددة حول العالم.
إن مصطلح "اليد الخفية, Invisible Hand" قد تم إستخدامه من قبل أدم سميث لمرة واحدة في كتابه وليس ثلاثة مرات كما نقرأ في مواقع على الشبكة العنكبوتية كالويكيبيديا. ومن الممكن تلخيص ذالك المصطلح كالتالي: أي قرار يأخذه الفرد حتى لو كان بداقع شخصي واناني فسوف يؤدي في النهاية إلى خير ومصلحة المجتمع ككل. مفهوم "الحرية الإقتصادية-laissez faire" يعني الحد الأدنى من التدخل الحكومي في أعمال القطاع الخاص والتي تتلخص بعدم تشريع القوانين التي تحد ليس فقط من حركة رأس المال بل والعمال, حماية حقوق الملكية وتوفير الحد الأدنى من الخدمات كالإسعاف والإطفاء والأمن وتلك النقطة الأخيرة مهمة حيث أن الرأسمالية تركز على حقوق الملكية الخاصة(Private Property) والتي تزدهر الأعمال من خلالها وترتبط بمستوى الأمن الذي تتمتع به أي بلد. إن كثيرا من الإقتصاديين ومنهم جون مينارد كينز قد إنتقدوا نظرية "العرض والطلب-Supply and Demand" حيث أن العرض لا يمكنه من إيجاد طلب مقابل له بما سوف يؤدي للكساد. كما نذكر أحد أهم النقاط الجدلية والتي أحتار شخصيا في تفسير أسبابها وهي وجهة النظرية الكينزية فيما يتعلق بأن الأجور والأسعار غير مرنة بإتجاه الإنخفاض. ولعل السبب الذي دفعني للحيرة هو أن جون مينارد كينز كان يعارض تخفيض الأجور كحل لمشكلة البطالة لأن ذالك سوف يؤدي إلى إنخفاض الطلب وبالتالي للمزيد من الكساد وأن الحل بتدخل حكومي لتحفيز الطلب الكلي(Aggregated Demand) عبر زيادة الإنفاق الحكومي في مشاريع البنى التحتية والإعتماد على مايسمى العامل المضاعف(Multiplier Factor), فإذا كان يعارض تخفيض الأجور فما هو سبب إهتمام النظرية الكينزية بأن مستوى الأجور غير مرن بإتجاه التخفيض عند بروز الحاجة لذالك.
فشلت النيوليبرالية في كل الدول التي تم تطبيقها بها حتى في الولايات المتحدة وحادت الرأسمالية وإنحرفت عن مبادئ الأب المؤسس أدم سميث بما أدى إلى ظهور إختلالات إقتصادية بنيوية كظاهرة الفقاعات التي تحولت لأزمات إقتصادية كبرى. وهنا وحتى لا يصاب القرائ بالحيرة فإنني اود التنويه أن الرأسمالية موجودة قبل أدم سميث وقبل كتابة "ثروة الأمم" حيث أن أدم سميث قام بوضع المبادئ والنظم التي برأيه تحدد معالم النظام الرأسمالي ولكن ذالك لا يعني أن الرأسمالية لم تكن موجودة في الفترة التي سبقت أدم سميث بل كانت حاضرة وبقوة ولكن في إطار عام لم يتم تحديد ملامحه وهويته. كما أن ظاهرة الفقاعات المالية والإقتصادية والتي هي ملازمة للرأسمالية الغربية أو النيوليبرالية والتي أود التنويه أنها كانت متواجدة قبل ظهور مدرسة شيكاغو الإقتصادية, ولكنها تضخمت وإمتد تأثيرها بعد ان كان محدودا ومحليا إلى مستويات غير مسبوقة أصبحت تهدد الإقتصاد العالمي بالإنهيار الكامل. وبالعودة إلى أزمة زهرة التيولب في هولندا خلال القرن السابع عشر والتي كانت أزمة محلية محصورة في بلد هو هولندا ولكن مع تطور حركة التجارة وظهور أسواق الأسهم والسندات وتطور الأدوات المالية فقد كانت أزمة وول ستريت 1929-1933 أو مايعرف بأزمة الكساد العظيم أول أزمة إقتصادية على مستوى عالمي وأزمة سنة 2007\2008 أمثلة على الأزمات المالية مع إختلاف مستواها وأسبابها حيث أصابت الأولى الإقتصاد العالمي بالشلل وكادت الثانية تقضي عليه. خلال أزمة 1929-1933, فقد تدخل الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بحزمة قوانين حكومية لتهدئة الأوضاع وإعادة الثقة للنظام المالي الأمريكي وبالتالي العالمي. أما بالنسبة لأزمة 2007\2008 فلم ينقذ الإقتصاد الأمريكي والعالمي إلا حزم إنقاذ مالية وتدخلات حكومية منسقة على مستوى العالم حيث بلغت في أمريكا وحدها مايزيد عن 800 مليار دولار.
إن مستوى الخسائر المالية خلال الأزمات الإقتصادية يمثل أرقاما قد تصيب الأشخاص العاديين ليس بالحيرة بل بالفزع ولكنني حتى لا أطيل وأترك مساحة للموضوع القادم فإنني سوف أختم موضوعي بنقطة مهمة وهي ماقد يسأله أي شخص عادي عن ماهية التصرف وكيف يتجنب الأزمة الإقتصادية أو كيف يحمي مدخراته أو يحمي نفسه وأسرته. وجوابي بسيط وهو يتمثل في نشر الوعي وتبادل الأفكار المتعلقة بالإقتصاد على المستوى الشخصي وعلى مستوى الأسرة كبداية جيدة ومن ثم في المحيط الإجتماعي بتعزيز ثقافة التكافل والتعاون والتخلي عن الأنانية والجشع وحب الإمتلاك وثقافة الإستهلاك وزيادة ساعات القرائة والإطلاع خصوصا في المجال الإقتصادي. كما على كل شخص ورب أسرة أن يدرس خياراته في إطار وضعه الإقتصادي وتحديد الخطوة الواجب إتخاذها والتي قد تكون الإدخار بشراء الذهب حتى لو بكميات صغيرة في البداية أو شراء قطعة أرض زراعية او عقار يدر له دخلا جيدا والإبتعاد عن أسواق الأسهم والسندات أو مايعرف بالبورصة خصوصا في مثل هذه الأيام حيث تلوح في الأفق نذر ازمة إقتصادية قادمة سوف تكون على مستوى أكبر من سابقاتها وسوف تشكل حدثا مفصليا على المستوى العالمي.

النهاية

Sunday, October 15, 2017

أنا أكتب إذا أنا حي, تجربتي في الكتابة ولماذا قرر إنشاء مدونتي الخاصة

طوال رحلتي في التدوين والكتابة ومنذ قررت إنشاء مدونة علوم وثقافة ومعرفة فقد كنت أتسائل عن السبب الذي يدفعني للكتابة خصوصا ما يتطلبه ذالك من مجهود وما يتحمله الكاتب أو المدون من نقد. لست متأكدا من الدافع الحقيقي لبدء مشروع مدونتي وهو ليس بمشروعي الأول فقد خضت تجارب تدوينية سابقة من ضمنها مدونة متخصصة بمقارنة الأديان باللغة الإنجليزية وأخرى باللغة العربية ولكن تلك التجارب كانت مرحلة مؤقتة مرهونة بظروف معينة قد إنقضت بإنقضاء تلك الظروف. والسبب أنه مع مرور الوقت فقد إكتشفت حاجتنا في الوطن العربي إلى أن نكون أكثر وعيا بأن مايتعلق بالأديان جرى حكمه منذ ألاف السنين وأن هناك أمورا أخرى أكثر واقعية وأكثر إثارة للإهتمام وأقل إثارة للنزاع والشقاق. فعلى سبيل المثال, بدلا من الكتابة عن نقد الأديان فقد تبين لي أن تاريخ تكوُّن وتشكُّل الوعي الديني هو أهم من البحث في صفحات الكتب الدينية عن التناقضات ومحاولة أثبات خطأ وجهة نظر الطرف الأخر أو صحة وجهة نظرنا وكأننا في حلبة مصارعة او ملاكمة سوف يفوز أحد الأطراف بالضربة القاضية. تجربتي في برامج المحادثة كالبالتوك أثبتت لي بما لا يدع مجالا للشك أن وراء تلك التي يطلقون عليها تجاوزا مناظرات أهدافا ليس لها أي علاقة بالعلم والمعرفة أو بالبحث عن الحقيقة وأنه هناك جهات تقوم على صب الزيت على النار, لايوجد أي نقاش علمي إلا فيما ندر وإلا فهي شتائم وإهانات وسخرية من معتقدات الأخرين. وأنا موقفي أنه لا يحق لأي شخص السخرية من معتقد الشخص الأخر أو ان يدعي أنه يمتلك الحقيقة أو مفاتيح الجنة أو النار فهناك عشرات الألاف من الطوائف والملل والنحل التي كل منها يدعي إمتلاكه الحقيقة حيث تحولت تلك المشاعر إلى إحتكار للحقيقة مما أدى بالعالم إلى الفوضى.
إن إنشاء تلك المدونة كان لسد فجوة في عالم التدوين خصوصا مع نوعية المواضيع المطروحة فيها ولكنني أعترف أنني حُدت قليلا عن المسار الذي المرسوم لها لأنني أمنت خصوصا مع بدء مايسمى بالربيع العربي بانه لا يجب ترك الساحة لطرف دون أخر فيعرض وجهة نظره بطريقة تتحول معها في مرحلة لاحقة إلى صورة نمطية وذالك عن المسار الذي يتوجب على الأحداث إتخاذه خصوصا أن كمية التضليل والمعلومات الكاذبة والتمويل المخصص لغاية الترويج لوجهة نظر متوافقة مع رغبات سياسية معينة كان ضخما للغاية وبطريقة فاقت كل التوقعات . وقد يعترض البعض على تجربتي في مجال كتابة المواضيع في المجال السياسي وقد يصفني البعض بأنني معارض للشعوب وأحلامها وذالك غير صحيح, ولكنني متفهم أن العقلية التي تحكم تفكير القارئ العربي والبيئة التي يتشكل فيها وعيه الفكري هي عقلية سيطرت عليها الأديان فترة زمنية ممتدة منذ ألاف السنين وأحكمت خلال تلك الفترة الزمنية سيطرتها بطريقة تجعل محاولة أعادة نوع من التفكير المنطقي أمرا شديد الصعوبة. وقد لزمت الصمت فترة زمنية طويلة منذ بداية الأحداث لعلمي أإن حالة التفكير والوعي التي تتشكل في ظل سيطرة المعطيات الدينية على العقل هي حالة يغلب عليها التمسك باللاواقع. فالأديان جميعها بلا إستثناء تعمل على الترويج للغيبييات بما يرافق ذالك من إلغاء مُلكة النقد والتفكير الحر. إن العقل المشبع بالأساطير الدينية والخرافة من الممكن أن يتقبل كلام خطيب مفوه يبرع في دمج المصطلح الديني بخطابه السياسي فيعد الناس بجنة الله على الأرض وإقامة الحكم الفاضل في حالة نجاح المسعى المتعلق بإسقاط انظمة الحكم الحالية. إن الشيوعية والإشتراكية وعدت الشعوب بحالة فاضلة مماثلة للحالة الدينية ولكن ليس في ملكوت السماء بل على أرض الواقع والقوى المعارضة المعاصرة في الوطن العربي نقلت تلك المنهجية وأدمجتها في الخطاب الديني بأن وعدت أتباعها بجنة الله على الأرض أو جنة الله في السماء في حالة مقتلهم خلال مساعيهم.
إن إسقاط نظام الحكم بتغيير رأس ذالك النظام وكما أثبتت التجارب التاريخية قد أثمر نجاحا في حالات قليلة وإستثنائية للغاية وقد تكون محددة بفترة زمنية معينة. إن طريقة التفكير بالتغيير من قمة الهرم قد أثبتت فشلها وفي النهاية فإن رأس النظام سوف يأتي من الشعب نفسه ومن نفس البيئة التي أدت بعواملها إلى تكوين وعي وفكر ذالك الشعب أو الأغلبية الساحقة منه. إن تنظيمات الإسلام السياسي التي حاولت القوى الغربية تصعيدها لواجهة الأحداث وتسليمها الحكم في دول عربية عديدة منها تونس ومصر وليبيا قد ولدت تجربتها فاشلة قبل أن تبدأ فهم ورغم كل تلك السنين في التخطيط للوصول إلى الحكم والسلطة مازالوا لا يمتلكون برنامجا إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا للنهوض بالشعوب العربية التي كانت تتطلع لتلك التنظيمات وتنتظر منها الجنة الأرضية التي وعدوا بها في خطاباتهم ومن على منابر المساجد بأنهم سوف يحلون مشاكل المجتمع خصوصا الفساد والبطالة وسوء الأوضاع الخدمية. إن تصعيد المنصف المرزوقي في تونس, محمد مرسي في مصر ومصطفى عبد الجليل في ليبيا قد أثبت وخلال فترة زمنية قصيرة فشل تجربة أحزاب الإسلام السياسي وأن سقوطها قد أصبح مسألة وقت حيث سوف تجد الشعوب نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: الجيش أو الفوضى. إن قوى الإسلام السياسي لم تفهم جوهر الرسالة النبوية وهي البناء على ماسبق وتعزيز الجوانب الإيجابية في البيئة التي نزل فيها الوحي الإلهي في جزيرة العرب بداية, كما قال الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق." أحزاب الإسلام السياسي كانت تسعى لتجاهل جميع التجارب السابقة في سبيل بناء تجربتها الخاصة من الصفر وذالك كان خطأ قاتلا إرتكبته وأطاح بها في تلك الفترة الزمنية القياسية.
إن إستعراض أولويات وأجندات مرحلة مابعد الربيع العربي في بلدان كتونس ومصر وليبيا يكشف لنا ضحالة تفكير من تم تقديمهم للشعوب بصورة المنقذين والمخلصين. فعلى سبيل المثال قام مصطفى عبد الجليل وفي أول خطاب له بعد إنتصاره المزعوم وميليشياته بإعلان إعادة العمل بتعدد الزوجات والذي وضع نظام الحكم السابق له حدودا وشروطا. بينما كانت أولويات محمد مرسي هي التمكين لجماعة الإخوان المسلمين والمنصف المرزوقي كانت قضية ختان البنات تشغل تفكير حكومته التي سيطر عليها منذ البداية راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي. إن الإنشغال بإقامة أماكن العبادة وكأن ذالك سوف يحل المشاكل في الدول العربية دليل أخر على ضحالة تفكير ليس فقط أحزاب الإسلام السياسي بل المؤسسات الدينية التي شكلت حتى في ظل أنظمة الحكم السابقة ديكتاتوريتها الخاصة في ظل تصاعد شعبية التيارات السياسية الناصرية والشيوعية والإشتراكية وفي مواجهة ذالك حيث عملت أنظمة الحكم على تصعيد تلك المؤسسات الدينية ليس عن ورع وتقوى بل خوفا من تصاعد شعبية الأحزاب التي يطلقون عليها إلحادية أو علمانية لا تهم التسمية. إن الميزانيات التي يتم تخصيصها للإنفاق على المؤسسات الدينية في العالم العربي ليست إلا عبارة عن رشى يتم تقديمها لتلك المؤسسات حتى لا تلعب نفس الدور الذي لعبه الأزهر الشريف سابقا في مقاومة الإحتلال الفرنسي والبريطاني لمصر وحاليا مقاومة النفوذ الأجنبي المتزايد في الوطن العربي. مع العلم انه علينا أن نلاحظ أن أحزاب الإسلام السياسي لا تختلف مع تلك المؤسسات الدينية بل يكمل بعضها بعضا في دوره بفرض السيطرة على المجتمعات بإستخدام الغيبييات والأساطير وفن صناعة الأحلام والوعود. إن تنظيمات كداعش وجبهة النصرة وتنظيم القاعدة لم تأتي من فراغ وإنما نمت وترعرعت بين جدران المساجد والمؤسسات الدينية في طول الوطن العربي وعرضه تحت أنظارنا وذالك بفضل كتب إبن تيمية وسيد قطب والسكوت عن جرائم فكرية بإسم الحفاظ على الدين.
إن حالة المؤسسة الدينية في مصر تمثل حالة تستحق الدراسة فمؤسسة الجامع الأزهر وعلى رأسها الشيخ أحمد الطيب رئيس الأزهر ترفض تكفير عناصر داعش وتقول أنه لا يجوز تكفير المسلم مهما بلغت ذنوبه ثم تتولى عقد مؤتمرات للترويج للوسطية في الإسلام. وهي في الوقت نفسه قامت على تأسيس ديكتاتورية دينية خاصة بها بما يشبه مؤسسات أو لوبيات الضغط في الدول الغربية فيتم تكفير الكتاب ومصادرة الكتب بذريعة التعدي على الذات الإلهية والأنبياء, وحتى هذه اللحظة مازال فيلم الرسالة للمخرج العالمي مصطفى العقاد رحمه الله لم يتم السماح بعرضه بشكل رسمي في مصر. رئيس الأزهر لا يجوز عزله من قبل الدولة ولا يتم إنتخابه من قبل كافة أعضاء الأزهر بل يتم تعيينه من قبل هيئة كبار العلماء في الأزهر التي تعد أربعين(40) عضوا. إن مؤسسة الأزهر تقاوم دعوات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإصلاح الخطاب الديني كما أن المناهج الدينية التي تقوم جامعة الأزهر على تدريسها للطلاب تمتلئ بخطاب الكراهية وكره الأخر, فتخيلوا ان كتاب "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" والذي يدرس لطلاب الصف الثالث الثانوي يجيز للمسلم أن يأكل الكافر إن كان مضطرا مع إشتراط أكله نيئا لأن في طبخه تشويه وهتلك عرض. إن ماذكرته عن مؤسسة الأزهر ينطبق بشكل أو بأخر على المؤسسات الدينية في طول العالم وعرضه ففي تونس, قامت المؤسسة الدينية الرسمية والتي يرأسها مفتي تونس بتحليل المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث تأييدا لموقف الرئيس التونسي الذي قام بتمرير مشروع للبرلمان يتعلق بتلك المسألة للمصادقة عليها مما يعني دعاية مجانية لتنظيمات الأصولية الدينية حيث سوف يزيد عدد أعضائها من المجندين خصوصا صغار السن تحت ذريعة أن الإسلام يتعرض للهجوم في عقر الديار الإسلامية.
أما بالنسبة للسؤال الذي بدأت به موضوعي فسوف أجيب عنه في هذه الفقرة الختامية البسيطة بإستعارة مقولة أحد أعظم المؤلفين في مجال الإقتصاد السياسي, "روزا لوكسيمبورغ,"أكتب كي لا تكون وحيدا"" أو بمقولة أخرى وهي "أنا أكتب إذا أنا أتنفس," ولذالك فمن المهم أن نحافظ على التدوين والكتابة ليس بسبب الحاجة بأن لا نشعر بالوحدة بل لنشعر أننا أحياء ونتنفس, فتجربة المدونة تشعر المدون بالإستقلالية والحرية بطرح أفكاره بدون وصاية. وحتى لو لم ننجح في تحويل تلك التجربة لمجال العمل الصحفي المحترف فهي خطوة قد تأتي في مرحلة لاحقة وقد لا تأتي أبدأ لا يهم ولكن المهم هو الحفاظ على تجربة التدوين حتى لا تندثر وتبقى مدرسة للأجيال القادمة.
النهاية

Wednesday, October 11, 2017

ألف مبروك لمنتخبات كرة القدم العربية وهارد لك للمعارضات الإخوانية القاعدية

المعارضة العربية بشكل عام والمعارضة السورية والمصرية بشكل خاص تثبت وبشكل مستمر وبكل جدارة إنحطاطها وعمالتها للأجنبي وقبل كل هاذا وذالك, الغباء العربي المتجذر منذ أن إقتتل جدودهم العرب 40 سنة بسبب جمل و40 سنة أخرى بسبب سباق أحصنة و140 سنة قتال بين الأوس والخزرج بدون سبب واضح وحرب بني أصفهان التي دامت 77 سنة تقريبا بسبب ثأرات قبلية. في كل دول العالم, وفي أي مجال من مجالات الرياضة, فإن المنتخب الوطني يعتبر ممثلا للجميع على إختلاف إنتمائاتهم السياسية وتشجيعه يعتبر واجبا وطنيا خصوصا عند تنافسه في بطولة عالمية ككأس العالم لكرة القدم. إن تلك هي القاعدة في بلدان تتمتع شعوبها بالحد الأدني من الحس والوعي بمفهوم الوطن, فالمنتخب الوطني لكرة القدم على سبيل المثال هو منتخب الوطن وليس منتخبا يمثل النظام أو الحكومة. المعارضة السورية أو المصرية على حد سواء كانت تتمنى خسارة منتخباتها الوطنية بطاقة التأهل لكأس العالم حتى لا يكون ذالك فرصة دعاية مجانية لنظام الحكم.
تخيلوا أمريكيا يتمنى خسارة منخب بلاده لكرة السلة في منافسات دولية لمجرد خلاف سياسي أو أن نسبة كبيرة من لاعبي المنتخب من أصول أفريقية. تخيلوا مواطنا إسبانيا من منطقة الباسك يوزع حلوى فرحا لخسارة منتخب بلاده بطاقة التأهل لبطولة الفيفا. تخيلوا مواطنا فرنسا يتمنى خسارة منتخب بلاده للمبارة النهائية في كأس العالم لمجرد أن عدد من لاعبي المنتخب ينتمي لأصول مهاجرة. تخيلوا كل ذالك ثم إنتقلوا بخيالكم للوطن العربي الذي قام فيه معارضون مصريون وسوريون برفع شعارات معارضة لمنتخبات بلادهم الوطنية وظهر عدد منهم في فيديوهات وهم يقومون بالتعبير بكل وقاحة عن تمنيات بخسارة منتخبات بلادهم حتى لا يستفيد نظام الحكم من الدعاية المجانية. حين ثار جدل في فرنسا سنة 2006 بعد حلولها وصيف بطل كأس العالم إثر خسارتها المباراة النهائية أمام إيطاليا وكان سبب ذالك الجدل هو أصول لاعبي المنتخب الفرنسي حيث ان غالبيتهم من أصول مهاجرة, فأمرت القيادة السياسية الفرنسية بإعداد إستقبال رسمي وشعبي للمنتخب الوطني الفرنسي للرد على صفاقة البعض من الذين يصيدون في الماء العكر.
ولكن على كل حال لا تستغربوا تلك السلوكيات الشاذة من المعارضات العربية فالمعارضة السورية التي تتبع تنظيم القاعدة لا تمانع القتال بجانب الجيش الصهيوني بعدما قبلوا علاج جرحاهم في مستشفياتهم ويصرحون بذالك بكل وقاحة ويرقصون طربا وفرحا مع كل غارة صهيونية على سوريا. كما انه تم تأسيس تنسيقيات في دولة الإحتلال الصهيوني لتقديم الدعم المالي والإعلامي واللوجيستي لما يسمى الثورة السورية وتكلم عدد من الرموز الثورية السورية من خلال الهواتف التي تعمل بالأقمار الصناعية مع مظاهرات قامت تلك التنسيقيات بالترتيب لها. رموز سياسية وعسكرية صهيوني سارعت بتقديم الدعم الإعلامي في العلن والعسكري في السر لتنظيم القاعدة في سوريا الذي صرح عدد من قادته في سوريا بانه لا مشكلة بينهم وبين دولة الكيان الصهيوني بينما يقومون بالدعاية لجهادهم المزعوم بأنهم يقاتلون في الشام وعيونهم على بيت المقدس. وعلى نفس المنهج تسير المعارضة المصرية التي تتبع تنظيم الإخوان المسلمين وتتعاون مع فرعهم الفلسطيني, حماس, في تنفيذ أجندة صهيونية بتقسيم مصر إلى دولة قبطية ودولة مسلمة بينما يتم ضم سيناء لقطاع غزة في خطوة لتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي. تنظيم أنصار بيت المقدس والذي يقاتل عدد كبير من أعضائه في سوريا ويتكون من أعضاء من تنظيم الإخوان المسلمين خصوصا من حركة حسم وهي تعمل كفرع عسكري للإخوان المسلمين بدون أي إرتباطات ظاهرية بالتنظيم وذالك لأهداف سياسية. تنظيم أنصار بيت المقدس يعمل بالتعاون مع حركة حسم في محاولة لجر مصر لحرب اهلية حيث يتولى الأول شن هجمات مسلحة على كمائن ونقاط الجيش المصري في سيناء بينما يقوم التنظيم الثاني بشن هجمات على مراكز الجيش والشرطة والكنائس داخل المدن المصرية.
نفس العقلية وطريقة التفكير التي تحكم التخلف العربي في موقف المعارضة المصرية والسورية من منتخباتها الوطنية في التأهل لكأس العالم, فإنها تحكم الموقف من تأهل المنتخب السعودي وبأن ذالك دعاية لنظام الحكم الملكي في المملكة العربية السعودية. وأنا متأكد ان الكثير من المعارضين السعوديين خصوصا المقيمين في الخارج كانوا يتمنون خسارة منتخب بلادهم للتصفيات المؤهلة لكأس العالم بسبب خلافات سياسية مع نظام الحكم في السعودية. كما ان الكثير من العرب كانوا يتمنون خسارة المنتخب السعودي وعدم تأهله. إنه من حكم المعلوم بالضرورة أن الأنظمة الحاكمة تستفيد من تصعيد منتخباتها في البطولات العالمية والأولمبياد ويعتبر ذالك من الأمور التي تسعى إليها حكومات عربية بل وأجنبية وتبذل في سبيل ذالك موازنات مرتفعة ولكن ذالك لا يعني أن تلك الفرق الرياضية تمثل الحاكم أو الحكومة أو رموزا سياسية بل تمثل الوطن ولكن ذالك المفهوم غير موجود عند المعارضات العربية التي يمكن تلخيصه بالنسبة لها بأنه "حفنة من تراب عفن" كما قال منظر الإخوان الأكبر سيد قطب.
وفي ختام الموضوع فإنني أوجه تحياتي للمنتخب السوري لكرة القدم فقد قاموا بتقديم أداء مشرف في جميع مبارياتهم رغم ضغوطات الإعداد والتجهيز وظروف نفسية عصيبة يمرون بها حيث يتعرض وطنهم لهجمة شرسة من التنظيمات الأصولية تستهدف الحجر قبل البشر. كما أنني أتمنى التوفيق للمنتخب السعودي وأن يثبتوا للعالم انهم لاعبون عنيدون ينتزعون الفوز من بين أسنان خصومهم وللمنتخب المصري احفاد الفراعنة بعد فترة طويلة من الغياب عن التصفيات. وهاردلك للمعارضة المصرية والسورية والسعودية فقد أثبتوا وبما لا يدع مجالا للشك أن الغباء عند البعض حرفة وأن الخيانة وجهة نظر وأن العمالة خلق أصيل.
النهاية

Friday, October 6, 2017

الأزمة الأخلاقية للنظام الإقتصادي العالمي

إن النظام الإقتصادي العالمي الذي تمثله الرأسمالية ومفاهيم كالخصخصة وتحرير التجارة وتركيز رؤوس الأموال في يد فئة قليلة من أصحاب البنوك والنخب الإقتصادية قد أدى بالعالم إلى حافة الإنهيار الإقتصادي والأخلاقي. كما أن الكثيرين قد ناقشوا الشق الأول بأدق التفاصيل إلا أن الشق الثاني يتم تجاهله بإستمرار لأنه في الحقيقة يفضح الجانب المظلم من ذالك النظام ويمكن تلخيصه بكلمة اللامساواة التي تمثل الجانب الأكثر ظلاما وبؤسا. إن الإقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي قد فضح ذالك الجانب المظلم بالأرقام والإحصائيات الأكثر دقة والتي لم تترك مجالا أو ثغرة لمنتقديه من المؤمنين بقدسية العدلة الإجتماعية التي يمثلها النظام المالي الحالي. وليكن معلوما أن ملخص مايمكن أن نفهمه من قرائة ذالك الكتاب, "رأس المال في القرن الواحد والعشرين," هو إنتقال الحديث عن سيطرة 1% على حجم يزيد عن 50% من حجم الإقتصاد العالمي ورأس المال القومي في عدد كبير من الدول خصوصا في الولايات المتحدة إلى سيطرة 0.1% على أكثر من نصف حجم رؤوس الأموال وحركة التجارة حول العالم. توماس بيكيتي قد ذكر في كتابه أنه مع مرور الوقت وإزدياد تركيز رؤوس الأموال والثروات في فئة 10% من السكان فإن 1% أصبحت تمتلك أكثر من نسبة 9% المتبقية ومع مرور المزيد من الوقت فإن نسبة 0.1% أصبحت تمتلك ثروات ورؤوس أموال تزيد عن 9.99% وعن باقي نسبة 90% من السكان وذالك ينطبق على مستوى العالم كما أنه ينطبق على المستوى المحلي في أي بلد حول العالم مع إختلافات طفيفة متعلقة بأسباب يطول ذكرها في هاذا الموضوع حيث يمكن الإطلاع عليها بمراجعة الكتاب المذكور لمن لديه جلد وصبر على قرائة مئات الصفحات المليئة بالإحصائيات والأرقام والجداول الإقتصادية.
ولن أكون عادلا إن لم أنوه إلى إنجازات الرأسمالية  فتاريخا مليئ بالإنجازات خصوصا وأنني هنا أتحدث عن رأسمالية مدرسة شيكاغو الإقتصادية(فتيان شيكاغو) والذي يعد الإقتصادي الأمريكي ميلتون فريدمان أحد أهم رموزها ولا أتحدث عن رأسمالية أدم سميث مؤسس علم الإقتصاد السياسي, حيث قدم أفكاره ورؤيته من خلال كتابه الشهير "ثروة الأمم," الذي تمثلت من خلاله بداية ملامح وقواعد النظام الرأسمالي. إن المؤيدين لمدرسة شيكاغو الإقتصادية والتي تمثل المذهب الإقتصادي الرأسمالي-النيوليبرالي يتسابقون في ظهوراتهم في وسائل الإعلام المتنوعة على تكرار الإسطوانة المعتادة أنه يعود الفضل للنظام لإقتصادي-الرأسمالي النيوليبرالي في أن يشبع الفقراء رغيف الخبز وأن ذالك هو قمة الإنجاز. وبإستخدام لغة أكثر حداثة فإن ذالك مايطلق عليه, "حد الكفاف-Subsistence Level," هو حلم الفقراء في الجنة النيوليبرالية, أن لا يموتوا جوعا, البقاء على قيد الحياة هو إنجاز بحد ذاته. ميلتون فريدمان ظهر في فيديو مشهور له وهو يختصر الإعجاز الرأسمالي في نظام التسعير لقلم الرصاص. إن النقاش حول مسألة نظام التسعير(Pricing System) الذي وصفه فريدمان بالسحري ليس هو مايجب التركيز عليه بل العواقب الأخلاقية لذالك النظام, فالإستماع إلى شخص يكيل المديح لأحد أسوأ أوجه الرأسمالية-النيوليبرالية ليس إلا مضيعة للوقت فتحقيق الإستفادة القصوى من الوقت المبذول بهدف التعمق في فهم مدرسة شيكاغو الإقتصادية ومبادئها يجب أن يتركز على الجانب الأخلاقي المتأكل بإستمرار بفضل نظام إقتصادي يعتمد تحقيق أقصى قدر ممكن من الأرباح. إن القائمين على الترويج لتلك النوعية من السياسات الإقتصادية الخالية من أي إعتبارات أخلاقية يشبهون من يقوم بالترويج لدواء أعراضه الجانبية أسوأ وأشد وطأة من المرض الذي يفترض بذالك الدواء علاجه. في عالم الرأسمالية-النيوليبرالية فذالك يدعى فن الدعاية والإعلان أو التسويق.
إن هناك عدد كبير من العواقب الأخلاقية التي يتم تجاهلها للنظام الإقتصادي النيوليبرالي الذي يركز على الربحية الفاحشة وذالك عند أي نقاش حول إنعدام اللامساوة في ظل ذالك النظام. فعلى سبيل المثال, دولة تشيلي خلال فترة حكم الجينرال أوغيستو بينوشيه أو الأرجنتين خلال فترة حكم اللجنة العسكرية التي ترأسها الجينرال جورجي فيديلا(Jorge Rafael Videla) تعدان من أوائل حقول التجارب لمدرسة فتيان شيكاغو الإقتصادية. إن دولة تشيلي حيث أطاح الإنقلاب العسكري برئيسها المنتخب ديمقراطيا سيلفادور الليندي على هامش الحرب الباردة كانت حقل التجارب الأول الذي تم فيه منح ميلتون فريدمان وتلاميذه صلاحيات مطلقة في رسم السياسات الإقتصادية. والحقيقة ان سلفادور الليندي لم يكن له علاقة بالشيوعية والسياسات الإقتصادية التي قام على تطبيقها وكثير من بلدان أمريكا اللاتينية هي أقرب للمدرسة الكينزية منها للنموذج الإقتصادي الشيوعي. ولكن نجاح سياسات سيلفادور الليندي الإقتصادية والشعبية التي إكتسبها بسبب تلك السياسات  قد هدد موقع الولايات المتحدة في القارة اللاتينية حيث  بدأت قطاعات واسعة من الجماهير تتطلع إلى دولة تشيلي كقدوة إقتصادية. كما أن الأرجنتين إتبعت سياسات إقتصادية مماثلة لدولة تشيلي وحققت نجاحا كبيرا في ردم الهوة الإقتصادية وتخفيض مستوى اللامساواة فتم التعامل معها بطريقة مماثلة, إنقلاب عسكري دموي. إن العناصر المشتركة المتوفرة التي تتبين لأي باحث قام على دراسة دولتي تشيلي والأرجنتين وماجرى إثر الإنقلابات العسكرية فيهما سوف لن تدع مجالا للشك التطابق المذهل في السياسات الإقتصادية مع مبادئ النيوليبرالية ومدرسة شيكاغو الإقتصادية خصوصا ما يتعلق بحل النقابات, تخفيض الأجور, خصخصة مؤسسات القطاع العام, زيادة نسبة البطالة بسبب تسريح عشرات الألاف من الموظفين وحالات الإختفاء القسرية التي بلغت حوالي 3 ألاف حالة في تشيلي وضعفها, أي 6 ألاف حالة في الأرجنتين حيث ترفع بعض التقديرات العدد إلى 30 ألف مواطن أرجنتيني.
إن ما سبق وذكرته عن دراسة الحالة في دولتي تشيلي والأرجنتين ينطبق على عدد كبير من البلدان مع بعض الفروق الثانوية كالكوارث الطبيعية التي من الممكن أن تستبدل الإنقلابات العسكرية وذالك وفق ما يسمى عقيدة الصدمة(The Shock Doctrine). ففي دولة سيريلانكا ودول أخرى تعرضت لكارثة التسونامي, حلت منتجعات وفنادق شاطئية فاخرة مكان قرى الصيادين بذريعة خلق منطقة أمنة بعيدة عن الشاطئ رغم أن تلك المنشئات السياحية تقع على الشاطئ مباشرة. بل وتم إستخدام أموال القروض والمساعدات في إنشاء البنية التحتية لتلك المنشئات السياحية الفاخرة بينما يدفع الفقراء فاتورة الديون وفوائدها عبر زيادة الضرائب التي يتم إعفاء الأثرياء منها بذريعة تشجيع الإستثمار والقطاع الخاص. تخيلوا أنه حتى في جزر المالديف, تم إخلاء سكان بعض الجزر بالقوة وإنتزاعهم من بيئتهم الطبيعية بذريعة الخطر الذي يشكله إرتفاع منسوب المياه على سلامتهم بفعل التغير المناخي وفي الوقت نفسه منح عقود تأجير طويلة المدى لتلك الجزر لشركات سياحية من أجل بناء فنادق ومنتجعات فاخرة. إن كل تلك الممارسات يتم تبريرها أخلاقيا بفعل نفس الدعاية المضللة التي تستطيع أن تقنع الكثيرين أن إستخدام الفاكهة والخضار في صناعة الشامبويات ومواد التنظيف عمل أخلاقي بدلا من إطعام الجائعين. ونفس تلك الدعاية المضللة يتم بواسطتها تبرير إتلاف كميات هائلة من المواد الغذائية خصوصا القمح عبر رميها في المحيطات بدلا من تقديمها لبلدان تعاني من المجاعة خصوصا في أفريقيا. سكان الشواطئ في سيريلانكا تم حرمانهم من مصدر رزقهم الوحيد فإنضم كثير منهم لمتمردي التاميل فالموت برصاص الجيش أو الموت جوعا سيان بالنسبة لهم. أما سكان جزر المالديف الذين تم إنتزاعهم من اماكن سكنوها وأجدادهم من قبلهم, فقد تم نقلهم لمناطق أخرى بدون بنية تحتية وتفتقر لأبسط مقومات الحياة.
إن الرأسمالية بشكل عام والنيوليبرالية بشكل خاص ليست من الطبيعة البشرية وتعريض مفهوم العلاقات الإنسانية لمبدأ الربح والخسارة تصرف غير مقبول ولايمكن تبريره من الناحية الأخلاقية. إن إنتشار الأمراض والمجاعة والفقر وإنعدام اللامساواة في العالم أمر لا يمكن القبول به بعد إنكشاف الدعاية المضللة بأنه مبدأ "دعه يعمل, دعه يمر" أو "laissez faire" لأدم سميث سوف يقوم على خلق حالة إقتصادية يتم فيها توزيع فوائض الأرباح على قطاعات واسعة من السكان بدلا من إحتكارها من قبل الأقلية منهم. فكيف نقوم على تبرير المجاعة في دول أفريقية عديدة وكميات مهولة من الحبوب تكفي لإصابة سكان أفريقيا بالتخمة يلقى بها في البحر أو كميات بألاف الأطنان من الخضار والفواكه يتم إتلافها بدلا التبرع بها للفقراء وذالك بذريعة المحافظة على مستويات سعرية معينة. أو كيف يمكن تبرير الإستمرار بالدعاية والترويج لخرافة الوقود الحيوي أو (الإيثانول-85) على الرغم من إستهلاك زراعة المحاصيل المستخدمة في إنتاج ذالك الوقود لمساحات شاسعة من الأراضي التي كانت يمكن إستخدام تلك المحاصيل لإطعام الجائعين حول العالم. إن المشكلة التي يعاني منها النظام الرأسمالي ليست متعلقة بالتوزيع أو الإنتاج بل هي مشكلة أخلاقية أولا وأخيرا. إن الأزمات الإقتصادية التي يعاني منها ذالك النظام المهترئ تبطل عمل مبدأ "laissez faire" فهي لا تعمل ومع ذالك يتم السماح لها بالمرور لتخلق أزمات إقتصادية اكبر من سابقاتها وذالك ليس بمسؤولية أدم سميث حيث تمت إسائة إستخدام كتاباته كحائط صد في وجة مزاعم بأن النيوليبرالية تتألف من مجموعة مبادئ قادرة على خلق حالة إقتصادية أقرب للمثالية. تخيلوا أن جواهر لا نهرو ذكر في كتابه, "لمحات من تاريخ العالم", أنه في الفترة بين يونيو\1931 و فبراير\1933 أحرق 14 مليون كيس من البن بما يعادل 132 رطلا للكيس الواحد, مليار وثمانمائة مليون رطل من القهوة بما يزيد عن حاجة كافة سكان العالم لو منحنا كل واحد منهم رطلا من القهوة. وذكر أيضا أن الأزمة الإقتصادية سنة 1929-1933 أدت إلى تضرر القطاع الزراعي وإفلاس المزارعين الذين أصبحوا جياعا وبلا مأوى بعد أن تمت مصادرة أراضيهم ومنازلهم بسبب عدم قدرتهم على سداد قروضهم نتيجة إنخفاض أسعار المحاصيل الزراعية بما لا يكفي حتى لسداد إيجار الأراضي التي يزرعونها. إن كل ما سبق وذكرته هو نتيجة حتمية لإقتصاد بدون أخلاق حيث يتم تقديم التبريرات لمبادئ إقتصادية لا إنسانية تعمل وفق مبدأ الربح الفاحش ونظرية الصدمة بينما في الوقت نفسه تستخدم مبادئ "laissez faire", "دعه يعمل, دعه يمر" وتقسيم العمل في محاولة لخلق صورة إنسانية لنظام إقتصادي جوهره لا إنساني.

النهاية