Flag Counter

Flag Counter

Friday, December 28, 2018

ماهو تأثير وسائل الإعلام على العقل العام وطريقة تفكيره وطبيعة القرارات التي يتخذها

هناك نقاش يدور بشكل مستمر بين المتخصصين في مجال الدعاية والإعلان وخبراء التسويق محوره طبيعة النفس البشرية, وهل يمكن أن تتغير وتتبدل؟ هل سوف تكونة مرنة تستجيب للتغيرات أم تتصف بالعناد وغير قابلة للتكيف مع الظروف والمستجدات الطارئة؟ إن الرأي العام قابل للتحول والتأثر بعاملين اثنين: الأول هو عامل داخلي يتمثل في تأييد الرأي العام لقضايا معينة بسبب توافقها مع أهواء ورغبات النفس البشرية. الثاني هو عامل خارجي يتمثل بتأثير الأسرة, المدرسة أو وسائل الإعلام المختلفة.  عالم الأحياء الأحياء الشهير د.بروس ليبتون(Bruce Lipton) شرح في إحدى المقابلات الأهمية التي تمثلها وسائل الإعلام خصوصا البرامج التلفزيونية التي تؤثر على طريقة حياتنا خصوصا في أول سبعة سنين من عمر الطفل بنسبة 95% حيث يستمر ذلك التأثير لفترة زمنية غير محدودة حتى بعد بلوغه سن الرشد.
هناك ثلاثة أراء فيما يتعلق بتأثير وسائل الإعلام المختلفة على العقل العام(Public Mind). الرأي الأول يقول بأنه لا يمكن لوسائل الإعلام أن تؤثر في العقل العام وفي القرارات التي يمكن أن يتخذها أو ردات الفعل التي يبديها تجاه قضايا معينة. وإن كان برأي الشخصي, فذلك يجانب الصواب ولكن لكل قاعدة إستثناء. ويمكن أن نتخذ من الإنتخابات الرئاسية الأمريكية التي فاز بها رجل الأعمال دونالد ترامب مثالا على صواب وجهة النظر تلك. فقد كانت أغلب الصحف الأمريكية والمحطات الإذاعية وعدد كبير من المشاهير والشخصيات العامة يعارضون دونالد ترامب ولكن الرأي العام لم يتأثر وفاز على منافسته هيلاري كلينتون التي كانت تتمتع بتأييد كبير من وسائل الإعلام المختلفة. هناك الكثير من الأمثلة الأخرى والتي يمكن أن نجدها في أي دولة حول العالم حيث يفوز بالإنتخابات أشخاص لا يتمتعون بأي تأييد من وسائل الإعلام وقد يخسر أشخاص الإنتخابات على الرغم من تلقيهم الدعم من عدد كبير من وسائل الإعلام المؤثرة. الصحفي والناقد الإجتماعي الأمريكي هنري لويس منكن(H. L. Mencken) قد صرح في إحدى مقالاته التي نشرها سنة 1914 بأن الرجل المثقف والمتعلم لا يأبه بما ينشر في الجرائد والصحف. الرأي الثاني هو أن الصحف ووسائل الإعلام المختلفة ليست إلا مرآة تعكس وجهات النظر التي يمثلها العقل العام وردات فعله تجاه قضية ما و ذلك برأي تحليل غير منطقي ويجانب الصواب خصوصا حيث أنه قد يساوي بين طريقة تفكير الفرد والجميع, بين الرأي العام الفردي والرأي العام الجمعي(رأي الجماهير). ولكن هناك رأي ثالث يرى أن وسائل الإعلام تترك تأثيرا على العقل العام وطريقة تفكيره وإتخاذه للقرارات وأن تلك أمور يمكن قياسها وتقديرها بشكل مسبق وبنسبة كبيرة من الدقة.
وبالنسبة إلى مستشار العلاقات العامة, الأمر لا يتعلق بمجرد رواية الحقائق حول قضية ما لجذب إنتباه المتابعين أو سلعة ما لجذب مشترين محتملين, بل بالكيفية التي سوف يتم عرض تلك الحقائق بحيث تلقى قبولا لدى الجماهير. وفي سبيل تحقيق ذلك, على مستشار العلاقات العامة القيام بدراسة شاملة لوسائل الإعلام المختلفة وكيفية الإستفادة منها والطريقة التي يمكن من خلالها طرح قضية ما أو الترويج لسلعة ما وأي من وسائل الإعلام يمكن إستخدامها لتحقيق أفضل عائد مقابل الجهد والوقت المبذول في سبيلها. مثال بسيط هو الإعلانات المتعلقة بالحد من النسل أو موانع الحمل حيث لا يمكن أن تلقى تلك الأراء أي شعبية أو ردة فعل إيجابي حتى لو قبلت بالدعاية لها مقابل المال وسائل إعلام محافظة سوف تخاطر في تلك الحالة بخسارة جمهورها المحلي ودخلها من عائدات الدعاية والإعلان من الشركات التي تتبع التوجه المحافظ. إن القدرة على تحقيق أقصى استفادة من الطريقة التي يعتمد عليها العقل العام في إتخاذ القرار تتطلب من مستشار العلاقات العامة المهارة في قياس ردة الفعل وتوقع النتائج المترتبة عليها وتلك عملية تراكمية حيث تزداد خبرات من يعمل في ذلك المجال مع مرور الوقت وازدياد عدد القضايا التي يعمل عليها كما ونوعا.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية


النهاية

Wednesday, December 26, 2018

لمحات من تاريخ التدخل الغربي في الوطن العربي والعالم

تاريخ التدخل الغربي في الوطن العربي, أسيا, أفريقيا هو تاريخ حافل بالمخازي والتناقضات التي لا يمكن إنكارها لأي عاقل يقرأ التاريخ بنزاهة وحيادية. ذلك الأسلوب الذي يعتمد على القوة والعنف كأفضل وسيلة للقيام بالمهمة المقدسة في تحضير وتمدين شعوب دول العالم الثالث هو أسلوب خاطئ وغير منطقي ولا يمكن القبول به من الناحية الأخلاقية. المشكلة أن ذلك هو الأسلوب الذي يجد رواجا لدى السياسيين, معاهد الأبحاث والمفكرين في دول الغرب. غزو العراق, معتقل بوكا وسجن أبو غريب, تقنيات الاستجواب المفرطة في القسوة والغير قانونية هي أمثلة واضحة على منطق القوة وأسلوب العنف المستخدم والذي يجد رواجا لدى النخب السياسية الغربية خصوصا الأمريكية عند أي نقاش حول كيفية التعامل مع الأزمات في الوطن العربي. تلك الأزمات ناتجة أو يتم تعريفها لدى تلك النخب بانها رفض إطاعة الأوامر و الإملاءات الأمريكية والغربية, فعندها يتم تصنيف هذا البلد أو ذاك بأنه دولة عاصية ويتم التدخل فيه بذرائع مختلفة منها حقوق الإنسان, إمتلاك أسلحة الدمار الشامل أو مكافحة الإرهاب والقائمة تطول.
إن تاريخ الولايات المتحدة حافل بالتدخل في شؤون الدول الأخرى منذ إعلان الاستقلال عن بريطانيا وذلك بطريقة مباشرة مثل العمل العسكري أو بطريقة غير مباشرة عبر دعم جماعات سياسية أو مسلحة معارضة. الولايات المتحدة تدخلت في فيتنام وتم إرتكاب جرائم حرب خصوصا قصف المدنيين بالنابالم وتدمير قرى كاملة وتهجير أهلها وتعريضهم لكافة أنواع المعاملة السيئة منها إغتصاب النساء. كما أن الولايات المتحدة قد استخدمت أسلحة الدمار الشامل في فيتنام خصوصا ما يعرف بالعامل الأرجواني(Orange Agent) وتسميم مصادر المياه. ومن سخرية الأقدار أن القوات الأمريكية التي إستخدمت أسلحة الدمار الشامل في فيتنام وقبل ذلك ضد اليابان خلال الحرب العالمية الثانية, قد قامت بغزو العراق بذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل واستخدمت خلال الغزو أسلحة يتم إدخال اليورانيوم المنضب في تصنيعها وهو ما ثبت أضراره القصيرة والطويلة المدى ضد المدنيين, ألاف الولادات المشوهة في العراق بسبب تأثير اليورانيوم المنضب. كما أنه تم إستخدام سلاح الإغتصاب ضد النساء والرجال على السواء وذلك على نطاق واسع ومنهجي مما يجعل تبرير حدوث ذلك على أنه أعمال فردية غير منطقي وغير مقبول.
الإدارة الأمريكية التي استخدمت الأسلحة المحرمة دوليا منذ الحرب العالمية الثانية وفي العراق قامت بتوجيه الإتهام للجيش السوري باستخدام تلك الأسلحة ضد السكان المدنيين ورسمت خطوطا حمراء مرفقة بالتهديد باستخدام القوة في حال حدوث ذلك. المعضلة التي تواجهها الإدارة الأمريكية في سوريا هو أن الحكومة السورية قد قامت طواعية بتسليم مخزونها من الأسلحة الكيميائية وتم التخلص منها بمعرفة جهات دولية. كما ان الجيش العربي السوري لم يثبت بالدليل القاطع إستخدامه تلك الأسلحة ضد المدنيين أو ضد الجماعات المسلحة المعارضة والتي تنتمي للمنهج التكفيري وتوالي تنظيم القاعدة حين كانت تسيطر على مساحات من الأراضي السورية وتهاجم القوات الحكومية.
إن تاريخ فرنسا الذي تختصره المناهج الدراسية بالثورة الفرنسية التي يزعمون أنها غيرت التاريخ بفكرة فصل الدين عن الدولة. إن تلك الثورة بشعاراتها عن الحرية والإخاء والمساواة لم تكن إلا صراع من أجل السلطة وكرسي الحكم قتل فيه الثوار بعضهم بعضا قبل أن يستولي نابليون بونابرت على الحكم. فرنسا بدأت تاريخها الاستعماري بعد الثورة الفرنسية مباشرة حيث حاول نابليون غزو مصر. حتى أن الفرنسيين كانوا في فيتنام وخرجوا منها مدحورين مذمومين بفضل مقاومة الشعب الفيتنامي البطل. فماذا كان يفعل الفرنسيون هناك في أدغال فيتنام؟ هل كان هناك معسكرات لتنظيم القاعدة؟ الفرنسيين استعمروا سوريا, لبنان, الجزائر, المغرب وتونس ودول أخرى في أفريقيا ولم يرحموا شعوب تلك الدول ولم يساهموا في نهضتها ولم يحدثوا تغييرا إيجابيا واحدا لمصلحة شعوبها. وعندما غادروها, بذروا فيها الشقاق والطائفية والتفرقة على يد صنائعهم من أذناب الإستعمار و أيتامه. ثم جاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي حاول تبييض صفحة السياسة الخارجية الفرنسية بمعارضته لغزو العراق فهاج وماج الإعلام الأمريكي المتصهين وطالبوا بتغيير إسم البطاطس المقلية(French Fries) وعقاب فرنسا على محاولتها التمرد وذلك ماكان. فقد تم محاصرة جاك شيراك بالفضائح ونبش ملفاته ومحاولة جرجرته أمام المحاكم كالمجرمين. إن أشخاصا حكموا فرنسا مثل نيكولاي ساركوزي وفرانسوا هولاند والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي لم يسمع به أحد قبل أن يصبح رئيسا لفرنسا, جميعهم قاموا بالإستمرار في السياسة الاستعمارية والتوسعية في أفريقيا خصوصا جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وفي ليبيا وسوريا.
حتى بريطانيا توصف بأنها دولة ديمقراطية على الرغم من أنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وعلى الرغم من أن ربع سكان العالم كانوا تحت حكم التاج البريطاني وبالقوة المسلحة نهبت البلدان التي احتلتها. تلك الدولة الأوروبية أقرت قانونا لتحرير العبيد ولكنها في الوقت نفسه قامت باستعباد 400 مليون إنسان وكانت تتصرف بعقلية إستعمارية ومازالت. بريطانيا هي المسؤول الأول عن كارثة فلسطين وساهمت في غزو العراق بعد حصار وتجويع سكانه وتدمير بنيته التحتية. توني بلير الذي كان رئيسا لوزراء بريطانيا  اعتذر بوقاحة وصفاقة عن قتل أكثر من مليون طفل عراقي وإعترف بأنه تم تضليله رغم أن ذلك الاعتراف هو تحصيل حاصل. رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لم يتحمل بضعة متظاهرين قام بعضهم بالتخريب وتوعد من يهدد الأمن القومي لبريطانيا ويثير الشغب في شوارع المدن البريطانية. كما أن الحكومة البريطانية تصادر حريات المواطنين وتتجسس عليهم بواسطة كاميرات الشوارع وتتنصت على اتصالاتهم الهاتفية ومراسلاتهم عبر البريد الإلكتروني وبدون أذون قضائية وهو الأمر الذي قامت به دول مثل الولايات المتحدة ومازالت.
إن تاريخ الدول الغربية الإستعماري في العالم وفي الوطن العربي حافل بالتناقضات ومن يظن أن العقلية الإستعمارية لتلك الدول قد ذهبت بغير رجعة فهو مخطئ. وحتى ضد شعوبهم في دول تقدم النصائح للأخرين حول الديمقراطية والحرية هم متناقضون والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى. ففي فرنسا, قتل مؤخرا تسعة متظاهرين وجرح عدد كبير من الفرنسيين خلال مظاهرات للاحتجاج على قانون رفع أسعار الوقود بذريعة المحافظة على البيئة ومكافحة الاحتباس الحراري. كما تم إعتقال المئات من المتظاهرين السلميين وإهانتهم وضربهم وسجن عدد منهم بذريعة إحداث شغب ومقاومة السلطات. وسائل الإعلام الفرنسية والبريطانية والأمريكية كانت تنقل إحتجاجات ومظاهرات سوريا وتقدم النصائح حول الديمقراطية للرئيس السوري وتصف من يقتحمون المؤسسات والمنشآت الحكومية والخاصة ويحرقونها بالمتظاهرين السلميين وتم توجيه الاتهام للحكومة السورية بإستخدام العنف والقمع. كما كانت حكومات تلك الدول تتدخل في الشأن الداخلي السوري وتطالب الرئيس السوري بمغادرة السلطة وتمهله أياما معدودة لتلبية تلك المطالب السخيفة. فهل سوف يرحل الرئيس الفرنسي لأن شرطته قتلت 9 متظاهرين سلميين؟ وهل غادر رئيس وزراء بريطانيا منصبه بسبب القمع ضد مواطنيه الذين تظاهروا ضد سياسات حكومته وتم قمعهم بقسوة؟ وهل سوف يترك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرسيه بعد تظاهر قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي ضده وضد سياساته؟ الإجابة هي لا فإنهم لن يغادروا.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Tuesday, December 18, 2018

كيف تخدم التنظيمات الإرهابية مصالح الدول الغربية في المنطقة والعالم؟

تنظيم داعش ليس إلا مجرد عصابة من اللصوص وقطاع الطرق الذي قاموا بإستخدام الإسلام وتفسيرات خاطئة للنصوص الدينية لتبرير مستوى غير مسبوق من العنف والأعمال الوحشية والإجرامية بحق السكان المسالمين خصوصا الأقليات الدينية مثل اليزيديين والمسيحيين في كل من العراق وسوريا. كما أنهم في كلا البلدين, قاموا بتنصيب أنفسهم حماة للسنة ضد حكومات وأنظمة يصفونها بأنها طائفية ومستبدة. إن تنظيم داعش يقوم بتمويل أنشطته الإجرامية عبر مبيعات النفط, الخطف من أجل الفدية, ومصادرة الأملاك والأموال للمعارضين له ومن يصفهم بالكفار خصوصا المسيحيين. كما أن التنظيم قام بإستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بفاعلية من أجل تجنيد الأعضاء خصوصا من دول أوروبا وجمع التبرعات. لقد نجح التنظيم والذي يعتبر وارثا لتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين في تأسيس حكمه على أساس من التوحش والرعب ونجح في التسلل إلى دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وذلك عبر موجات اللاجئين التي عبرت إلى القارة الأوروبية وتم تنفيذ هجمات دموية راح ضحيتها المئات من الأبرياء. كما أن التنظيم بتحريضة على هجمات الذئاب المنفردة للمتعاطفين معه في الدول الغربية قد جعل مهمة الأجهزة الأمنية في تعقب أتباعه ومحاولة الحد من فاعليتهم أكثر صعوبة.
إن الأفعال التي يقوم تنظيم داعش وتنظيمات أخرى مثل القاعدة, جبهة النصرة والجيش الحر بارتكابها لا تخدم إلا أهداف ومصالح الدول الغربية وليس لها أي علاقة بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد. كما أن تلك الأعمال التي تشمل تجارة الأعضاء البشرية, التهريب, بيع وشراء السبايا, تجارة الأثار والسلاح من بين أعمال أخرى ليس لها علاقة بالإسلام وتسيئ لصورة المسلمين حول العالم على أنهم إرهابيون, مجرمون و منحلين أخلاقيا. في سوريا على سبيل المثال, تقوم تنظيمات توصف من قبل دول وحكومات غربية من أنها معتدلة بقطع رؤوس المدنيين والعسكريين على حد سواء وكذلك بعمليات إعدام وقتل بشعة تستخدم فيها الأطفال وتحتجز المدنيين كدروع بشرية. في ضاحية دوما, إحدى مناطق الغوطة الشرقية حيث كان جيش الإسلام يمارس حكم التوحش, تم احتجاز مدنيين مختطفين خصوصا من منطقة عدرا العمالية في أقفاص لمنع تقدم قوات الجيش العربي السوري وتحرير المنطقة. وفي منطقة مخيم اليرموك والتي كانت تحت سيطرة فصائل من عصابات الجيش الحر قبل أن تتنازع تنظيمات جبهة النصرة وداعش السيطرة على المنطقة, تم تنفيذ عمليات إعدام بقطع الرأس, الطعن حتى الموت, إطلاق الرصاص وحرق مدنيين أحياء. أما في العراق, فقد تفوق أعضاء تنظيم داعش على نظرائهم في سوريا حيث تم تنفيذ عمليات إعدام لمئات الأشخاص دفعة واحدة وعمليات خطف من أجل الفدية وعمليات إعدام بشعة خصوصا قطع الرؤوس, والحرق أحياء والإغراق وتجنيد الأطفال للقيام بأعمال قتالية.
إن السياسة الإعلامية الغربية والبروباغندا التي تمارسها وسائل الإعلام في الدول الغربية من محطات تلفزيونية وإذاعية وصحف ومواقع على الشبكة العنكبوتية لا تخرج عن نطاق دفاعها عن إرهاب التنظيمات الأصولية بإسم المعارضة المعتدلة خدمة لأهداف وتوجهات الدول الغربية وسياستها في المنطقة. ولعل الجميع تابع إعلاميا كيف تتصرف دول غربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مع أعمال العنف والشغب والتخريب التي ترافق المظاهرات التي يقوم بها المواطنون في تلك الدول. ففي الولايات المتحدة, قد تصل الأحكام بسجن من يشاركون في المظاهرات المرخصة أو الغير مرخصة على حد سواء إلى السجن المؤبد خصوصا إذا رافقتها أعمال تخريب الممتلكات العامة والخاصة أو مقاومة الإعتقال والإعتداء على رجال الشرطة. أما في بريطانيا, فقد تعاملت السلطات بحزم مع كل عمل تخريبي يترافق مع المظاهرات قد تكون أسبابها إقتصادية أو لها علاقة بالبيئة أو ضد العولمة. وكذلك في فرنسا والتي شهدت مظاهرات أصحاب القمصان الصفر احتجاجا على قرارات إقتصادية لحكومة الرئيس ماكرون لعل أهمها زيادة أسعار الوقود. أما إذا إنتقلت تلك الوسائل الإعلامية إلى دول مثل سوريا أو العراق, فسوف تنقلب الصورة إعلاميا ١٨٠ درجة وتتحول التنظيمات الإرهابية إلى معتدلة والمتظاهرين الذي يحملون الأسلحة إلى سلميين ولهم مطالب عادلة. الترويج لتنظيم الخوذ البيضاء الإرهابي هو مثال على تلك النوعية من السياسات الإعلامية المتحيزة حيث أنه ليس عبارة إلا عن  تنظيم مسلح يتبع جبهة النصرة يحمل أعضائه السلاح ويشاركون في تنفيذ عمليات قتالية في الليل بينما في النهار يعملون بدوام كامل لتصوير عمليات إنقاذ أو هجمات مفبركة بالأسلحة الكيميائية.
إن أهداف الدول الغربية من الدعم اللوجستي والإعلامي الذي يتم تقديمه للتنظيمات الإرهابية هو تلميعها وتقديمها للرأي العام العربي على أنها معتدلة وصالحة لتسلم الحكم وفق ديمقراطية يتم تفصيلها على مقاس الدول الغربية وخدمة لمصالحها في المنطقة. تلك المصالح ليس لها أي علاقة بالإنسانية وحقوق الإنسان بل تستخدمها كذريعة للتدخل في شؤون دول المنطقة وخلق خطوط صراع وتقسيم دول المنطقة على أسس مذهبية وعرقية. تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي في مصر تلقى دعما إعلاميا وماليا من دول غربية ودول عربية تدور في فلك الولايات المتحدة رغم أن له تاريخا حافلا بالعنف. المرشحة الرئاسية السابقة ووزيرة الخارجية الأمريكية خلال فترة حكم الرئيس باراك أوباما عملت عرابة للانتقال الديمقراطي والسلمي المزعوم للحكم في المنطقة والذي كان يهدف على وجه الخصوص إلى تسليم تنظيم الإخوان المسلمين في دول مثل تونس, مصر, ليبيا وأخيرا سوريا كرسي الحكم حيث سوف تصدر الفتاوي الدينية التي كانت سوف تفصل على مقاس المصالح الأمريكية والغربية. إن الحملة الممنهجة والمعتمدة في وسائل الإعلام الغربية لتشويه صورة الإسلام وتعميم كلمة الإرهاب الإسلامي في المنطقة يخدم كل ما سبق ذكره لتقديم تلك التنظيمات الإرهابية على أنها ممثلة للإسلام والمسلمين وأن أفعالها تعبر عن الإسلام وبالتالي تبرير الحرب على الإرهاب وتقديم الذرائع لاستمرار تلك الحرب وديمومتها. كما أن الأعمال الإرهابية التي تقوم بها تلك التنظيمات في دول أوروبية لا تخدم الإسلام بل تخدم سياسات تلك الدول في مصادرة حريات المواطنين والتجسس على اتصالاتهم الهاتفية ومراسلاتهم عبر الشبكة العنكبوتية بذريعة مكافحة الإرهاب.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Thursday, December 13, 2018

صناعة الكراهية وصراع الأديان

الأشخاص المرضى بالإسلاموفوبيا ورهاب الأجانب يرفضون الإعتراف بأن وجهة نظرهم حول تعميم صفة الإرهاب على المسلمين هي بكل بساطة فاشلة. إن الحرب على الإرهاب هي إنعكاس لخوف الغربيين على حضارتهم التي تعيش المراحل النهائية من التدمير الذاتي. إن الكثير من أولئك المصابين برهاب من كل ماهو إسلامي يرفضون الاعتراف بأن اختراعات و إنجازات العلماء المسلمين قد ساهمت في النهضة في دول الغرب التي كانت تعيش في الظلام في نفس الوقت الذي تزدهر فيه الحياة في مدن المسلمين في دمشق, بغداد وفي قرطبة التي كانت تتمتع بأرقى معايير الحياة العصرية من حيث الخدمات مثل الحمامات العامة, أنظمة الصرف الصحي وإنارة الشوارع ليلا. كما أنهم يناقشون المشكلة الديمغرافية في أوروبا بكل التحيز الذي يمكنهم وكأنه على المسلمين أن يقلقوا من إمتناع نساء الدانمرك أو السويد أو كندا أو إسبانيا عن إنجاب العدد الكافي من الأطفال من أجل ضمان إمداد سوق العمل بالأيدي العاملة الكافية لاستمرار نظام التقاعد الذي يصفه مارك بالرفاهية والتساهل في منح الإمتيازات.
إن التحيز الذي تمارسه وسائل الإعلام الغربية في نقدها للإسلام ليس بمستغرب فهم يقبضون مقابله المال كرواتب شهرية وأجور الدعاية والإعلان من الشركات المختلفة. كما أن معاهد الأبحاث التي تتبع اليمين المحافظ تجمع التبرعات والرسوم وهي بالتأكيد لن تعرض وجهة نظر محايدة. إن الإسلاموفوبيا بفضل الرأسمالية التي يمكن تلخيص مبادئها بأنه لكل شيئ ثمن قد تحولت إلى صناعة تدر على العاملين بها دخولا تتراوح بين مئات الألاف إلى مئات الملايين من مبيعات الكتب, المواضيع التي تنشرها الصحف واللقاءات على وسائل الإعلام المختلفة. وحتى أكون منصفا فإن التعصب الإسلامي يجني أيضا الكثير من المال من صناعة الكراهية الخاصة به, فهناك عدد كبير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة التي تعزف على وتر الكراهية لأتباع الديانات الأخرى وحتى أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى. ولنكن واضحين, كلا الطرفان يحتاج كل منهما للأخر, صناعة الكراهية عند المتطرفين من كلا الطرفين تغذي بعضها بعضا.
إن الدعاية السلبية ضد المسلمين والتي تعززها تصرفات بعض المسلمين أنفسهم وتصريحاتهم لا تعني بالضرورة تعميم تلك الدعاية على جميع المسلمين. كما أن أحداثا تاريخية مثل الحروب الصليبية أو محاكم التفتيش الكنسية ليست سببا لتفجير محطات قطار في لندن أو مهاجمة مطار في بلجيكا أو حوادث الطعن التي تجتاح أوروبا حيث تحولت السكين إلى الأداة المفضلة للذبح وبإسم الدين والله. ولكن طرفي الصراع الإسلامي-المسيحي يمارسون إزدواجية المعايير. الإسلام لم يكن له دور في الحروب الدينية الأوروبية ولم يكن طرفا في الحرب العالمية الأولى والثانية والتي أفنت سكان أوروبا وقضت على نسبة كبيرة منهم. العراق تم حصاره لسنوات بذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل حيث قتل أكثر من مليون طفل عراقي بسبب نقص الغذاء والدواء ومن ثم تم غزوه عسكريا وتدمير بنيته التحتية وتشريد سكانه وقتلهم وفتح معسكرات إعتقال تتم فيها ممارسات يندى لها جبين البشرية والإنسانية. ولم يتم إكتشاف أسلحة الدمار الشامل في العراق وتم تدمير ذلك البلد في حرب أعلنها جورج بوش الإبن صراحة أنها حرب صليبية. وماذا كانت نتيجة الحرب على العراق؟ كانت ظهور تنظيمات إرهابية أكثر دموية من سابقاتها حيث ظهر تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين الذي تفوق على تنظيم القاعدة في الإجرام والدموية ومن بعده ظهر تنظيم داعش والذي تفوق على جميع من سبقوه والأن يروج الإعلام الغربي لتنظيم خراسان المتطرف.
إن الإسلام أو المسيحية هي مجرد أديان لا تروج للسلام او للعنف بل ذالك يعتمد على معتنق الدين وعلى تصرفاته. فإذا كان الشخص بطبيعته محبا للسلام فسوف تنعكس طباعه وتصرفاته في ممارساته الدينية والعكس صحيح. كما أن هناك الكثير من النصوص في الديانة المسيحية واليهودية التي تحرض على العنف ضد أتباع الديانات الأخرى والتي يؤمن بها أتباع كل من الديانتين ويعملون على تطبيقها. ومن السخافة تبسيط الأمور أن مرتكبي أعمال العنف من أتباع الديانة المسيحية أو اليهودية لا يقتبسون نصوصا من الإنجيل أو يصورون فيديوهات يقتبسون فيها تلك النصوص قبل ارتكاب أعمالهم الإجرامية. إنهم يقرأون تلك النصوص ويؤمنون بها أو بصحتها, أليس كذالك؟ وعلى من يلقي باللائمة على الأديان وليس الأشخاص في إرتكاب الأعمال العنفية والإجرامية أن يفسر معدلات الجريمة المرتفعة خصوصا حالات الإغتصاب والسرقة والمخدرات في دول ومجتمعات تصف نفسها بالعلمانية وتتفاخر بفصل الدين عن الدولة, الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا ودول أخرى في الغرب. كيف يتم تفسير حادثة القتل الجماعي في لاس فيجاس سنة ٢٠١٧ حيث فتح مسلح النار من نافذة غرفته في أحد الفنادق على حفل موسيقي بالقرب من الفندق؟ وماهو التبرير لتعدد حوادث إطلاق النار المدارس والجامعات الأمريكية؟ وماذا عن حادثة القتل الجماعي في النرويج سنة ٢٠١١ حيث فتح يميني متطرف يدعى أندريس برينج النار على معسكر لمن وصفهم بأنهم من الشبيبة اليسارية المؤيدة للمسلمين وقضاياهم؟ كيف سوف يتم تبرير كل تلك الحوادث؟ وكيف سوف يتم تبرير انحياز وسائل الإعلام الغربية في وصفها للجرائم التي يرتكبها الأشخاص ذوي الخلفية البيضاء بأنها جرائم جنائية بينما يتم توصيفها نفس الجرائم الإرهابية إذا إرتكبها العرب أو المسلمون؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Tuesday, December 11, 2018

الحضارة الغربية, متلازمة الإرهاب والإسلاموفوبيا

قامت مجلة النيوزويك(The NewsWeek) الأمريكية في مايو\٢٠٠٥ بنشر تقرير صحفي من معتقل غوانتانامو في كوبا يزعم أن حراس السجن قاموا بتدنيس القرآن الكريم بإلقاء نسخة منه في أحد مراحيض السجن أثناء التحقيق مع أحد المعتقلين. النتيجة كانت مظاهرات عارمة في عدد من البلدان العربية والإسلامية ومحاولة الهجوم على السفارات, القنصليات والمصالح الأجنبية وحرق بعضها. كما أسفرت تلك المظاهرات عن مقتل ١٥ شخصا وجرح عدد من الأشخاص. مجلة النيوزويك نشرت توضيحا اعتذرت فيه عن التقرير الذي تبين أنه خطأ وأنه يخالف الإجرائات المعمول بها في المعتقل عند التعامل مع القرأن الكريم حيث يطلب من الحراس عدم لمسه باليد وارتداء قفازات عن القيام بذلك. اعتذرت النيوزويك عن التقرير ولكن هل يكفي الإعتذار؟ المجلة أوضحت أن مصدر التقرير هو مصدر موثوق من داخل الحكومة الأمريكية إعترف عن مراجعته من قبل مسؤولي المجلة أنه سرب إليهم المعلومات على الرغم من عدم موثوقيتها. أنا بالطبع لست مؤيدا لردات الفعل الهمجية التي قامت بها الغوغاء والرعاع ولست مؤيدا لإستخدام العنف للرد على مثل تلك المزاعم حتى قبل تثبت مصداقيتها من عدمه. كما أنني لست أفهم العلاقة بين مهاجمة مطعم كنتاكي أو حتى سفارة دولة غربية كردة فعل على إهانة القرآن الكريم في معتقل غوانتانامو أو بسبب الرسوم الكاريكاتورية المسيئة التي نشرتها مجلة دنماركية وبين الإصطفاف خلف أبواب تلك السفارات في طابور انتظار طويل من أجل تقديم طلب للهجرة أو لشراء وجبة من مطعم كنتاكي أو أحد مطاعم التوكيلات الأجنبية.
إن محاولات وسائل الإعلام الغربية, المؤلفين ومن يزعمون أنهم خبراء في الإسلام والإرهاب الإسلامي لتوجيه النقد السلبي للإسلام ومحاولة التشكيك بالدين الإسلامي وإلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين لن تتوقف. والسبب في ذلك أنها صناعة تدر دخلا ماليا كبيرا على العاملين بها وتخدم أهداف واضعي السياسات الغربية في أنها توفر لهم شماعة لتعليق أخطائهم عليها وتلميع صورتهم أمام الناخبين. إن تقرير النيوزويك يمكن أن يعتبر محاولة متعمدة لإهانة الإسلام يعقبها ردة فعل من المسلمين ثم يبدأ الإعلام الغربي بالعزف على وتر الإسلاموفوبيا والإرهاب الإسلامي وإثارة الفزع عند الرأي العام الغربي وخلق حالة من الصورة النمطية السلبية عن المسلمين. إن وسائل الإعلام في الوطن العربية مصابة بالشلل النصفي عند تعاملها إعلاميا مع مثل تلك التصرفات التي تصدر من أشخاص ليسوا معنيين بمكافحة الإرهاب او بسلامة المواطنين الغربيين بل بجمع التبرعات ومبيعات الكتب وحسابات بنكية متضخمة بإستمرار. بل وهي في أفضل الأحوال تنشر مواضيع خجولة وردود سطحية خوفا من غضب سفارات الدول الغربية التي قد تعتذر للرأي العام العربي نفاقا و تملقا وتصدر تصريحات مستنكرة زاعمة أن الحكومات الغربية لا تملك التأثير على الإعلام الذي يعتبر مستقلا وأن حرية الرأي والتعبير في الغرب من الأمور التي لا تستطيع الحكومات المساس بها.
إن ما يثير إهتمام وسائل الإعلام الغربية بكل ما يتعلق بالإسلام وليس بالديانات الأخرى كالديانة البوذية والهندوسية وحتى المسيحية هو أن الإسلام دين عالمي قابل للتوسع والانتشار بدون التقيد بحدود جغرافية معينة. كما أن الإسلام يعتبر أسرع الأديان إنتشارا في الغرب ويضم عددا متزايدا من الأتباع في وقت تعاني فيه المسيحية في الدول الغربية من الاندثار حيث الكنائس فارغة في أغلب الأوقات بل ويتم بيع بعضها لهيئات إسلامية تقوم بتحويلها إلى مساجد ومراكز إسلامية. إن تبني وسائل الإعلام الغربية, مراكز الأبحاث والناشطين الغربيين وجهات النظر التي تعادي الإسلام وتصف المسلمين بالإرهابيين يخدم مجموعة أهداف لعل أهمها: أولا, إن أي حضارة بدون مواجهة أي تحديات لفترة زمنية طويلة سوف تشيخ وتهرم وتتوقف عن التجديد والابتكار والأمثلة من التاريخ على صحة ذلك متعددة. الكنيسة الكاثوليكية كانت هي الممثل الوحيد للحضارة الغربية حتى تاريخ الانشقاق الكنسي في القرن السادس عشر وحتى قبل ذلك التاريخ عقدت المجامع المسكونية حيث إنقسمت المسيحية على نفسها وتم ارتكاب المذابح بحق المخالفين وحرق كتبهم. والسؤال هو عن الهيئة التي سوف تكون عليها الديانة المسيحية والحضارة الغربية لو بقيت الكنيسة الكاثوليكية في روما هي المهيمنة على المشهد الديني في الغرب؟ ثانيا, إن الحضارة الغربية لن تجد أفضل من الإسلام تتخذه عدوا فهو دين يتميز بأنه مقاوم لعوامل التآكل الزمنية ويتجدد باستمرار مع عدد كبير من الأتباع المخلصين بما يضمن حالة لا نهائية من الصراع. الحضارة الغربية والتي برزت الرأسمالية كرمز لها  بعد تحييد الدين عن الدولة خلال الفترة التي أعقبت الثورة الفرنسية وجدت عدوها في الشيوعية حيث بدأت الحرب الباردة مباشرة بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وانتهى ذلك الصراع سنة ١٩٨٩\١٩٩١بسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي. وقد تم إستخدام الإيديولوجيا الإسلامية لمواجهة الشيوعية وهي من المذاهب الإلحادية خلال مرحلة الحرب الأفغانية وصولا لمرحلة خروج القوات السوفياتية من أفغانستان ثم بدأت مرحلة الاصطدام مع تلك الأيدولوجيا نفسها بذريعة الحرب على الإرهاب.
إن الذي يوجهون إنتقاداتهم للدين الإسلامي بأنه إنتشر بالسيف وأن المسلمين أشخاص لديهم استعداد لارتكاب العنف بحق المخالفين يتجاهلون الحقائق التاريخية وحتى وقائع معاصرة تنفي تلك الإنتقادات التي تحولت لوصم المسلمين بالإرهاب وتعميم تلك التهمة عليهم. إن جميع الحضارات والأمم والامبراطوريات السابقة قد شنت الحروب ضد جيرانها وتوسعت جغرافيا على حسابهم رغم أن بدايتها متواضعة: الإمبراطورية الرومانية بدأت بقرية صغيرة وكذالك إمبراطورية الإسكندر الأكبر وإسبرطة وغيرها الكثير. الصراع بين الحضارة الإسلامية والمسيحية ليس بحالة استثنائية والمسيحية لم تنتشر إلا على حد سيوف جنود الإمبراطور الروماني قسطنطين الذي ذبح المخالفين بدون رحمة أو شفقة حيث إستمر مسلسل المجازر مع من خلفوه في الحكم وكان يتم إقامة مهرجانات دموية حيث يتم إلقاء المعارضين للوحوش المفترسة أو صلبهم. إن الإسلام الذي بدأ بعدد قليل من الأشخاص ويتم الإشارة لأتباع الإسلام الأوائل بالحفاة قد أسقطوا إمبراطوريات وقاموا بغزو دول وإرسال حملات عسكرية على جيرانهم من القبائل المعارضة ولكن ذلك لم يخرج عن السياق التاريخي للأحداث. فالمسلمون كانوا أكثر رحمة بأعدائهم من غيرهم من الأمم السابقة حيث كانوا يمنحونهم الخيار بين قبول الإسلام, دفع ضريبة تسمى الجزية أو القتال. وحتى في قتالهم, كانوا يتبعون أوامر عسكرية وأخلاقية صارمة بعدم الاعتداء على السكان المسالمين والمتعبدين في صوامعهم ومن يزرعون حقولهم وعدم قطع الشجر بينما كان جنود الإمبراطورية الرومانية يحرقون الأخضر واليابس ولا يرحمون الشعوب المهزومة, يستعبدون رجالها ويسترقون النساء ويستغلون الأطفال كعبيد أو يجبرونهم على التدريب العسكري والخدمة في الجيوش الرومانية. هناك دول لم ينتشر فيها الإسلام بواسطة السيف, أندونيسيا على سبيل المثال وهي أكبر دولة إسلامية من حيث تعداد السكان المسلمين فيها.
إن الجرائم التي يتم ارتكابها من قبل تنظيمات ترتدي عباءة الإسلام لا تبرر إتهام المسلمين بالعنف أو وصمهم بتهمة الإرهاب. الأعمال الإجرامية التي تقوم بها تلك التنظيمات تخدم أهدافها ومصالحها الضيقة سواء الإقتصادية أو السياسية وتخدم بالتأكيد أهداف السياسيين الغربيين الذين يشبهون الغريق الذي يتعلق بقشة ويبحث عن مخرج لتبرير قوانين من المفترض أنها تخدم مكافحة الإرهاب ولكنها على أرض الواقع مصممة لسلب المواطنين الغربيين حرياتهم والتضييق عليهم. إن وجهة النظر تلك تماثل وجهة النظر التي يتبناها مفكرون غربيون في سعيهم للتعمية على التاريخ الدموي للمسيحية خصوصا الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش التي لها دوافع دينية ومذهبية وليس لها أي علاقة برد فعل على غزوات المسلمين كما يزعمون. لا يوجد أي منطق عقلي يدعم العلاقة بين الهجمات الإرهابية في أوروبا وإستخدام طائرات بدون طيار لقصف أعراس المدنيين في أفغانستان أو خيام الرعاة في اليمن بذريعة الحرب على الإرهاب. العراق هي أحد الأمثلة التي مازالت حية في الذاكرة على التدخل الغربي في بلدان عربية تتحول إلى مفرخة للإرهابيين ووكر للإرهاب حيث لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق وفشلت محاولات لربط العراق بالإرهاب بذريعة العلاقة مع تنظيمات إسلامية متطرفة. الصومال هو مثال أخر على وقاحة التدخل الغربي في شؤون الأخرين في محاولة لفرض نظام سياسي أو إقتصادي معين عليهم. الصومال, ذلك البلد في أفريقيا ذي الموقع الحيوي على طرق الملاحة البحرية تم التدخل فيه من قبل القوى الغربية بدلا من أن يترك أهله وشأنهم في اختيار النظام السياسي الذي يناسبهم فتم استبدال تنظيم المحاكم الإسلامية والذي كان ذو طبيعة قبلية بتنظيم الشباب المتطرف الذي يعتبر نفسه مواليا لتنظيم القاعدة مما يسمح للدول الغربية بالتواجد فيه عسكريا بدعوى مكافحة التطرف والإرهاب. إن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة لا تمثل الإسلام ولا المسلمين كما أن تنظيم كو كلوكس كلان أو جيش الرب لا يمثلون المسيحية ولا المسيحيين. الإرهاب أمر بشع ومدان وكذالك إزهاق الروح البشرية دون أن يكون الشخص قد ارتكب جريمة تستحق عقوبة القتل هو أيضا أمر بشع ومدان. الإسلام لا يحرض على العنف وإخراج النصوص الدينية من سياقها التاريخي سوف يؤدي إلى فهم مغلوط ليس للإسلام فقط بل للمسيحية او اليهودية والديانات الأخرى كذلك.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Thursday, November 29, 2018

كأس العالم 2022: هدايا, فضائح ورشاوي

فشلت أستراليا في محاولتها لإستضافة كأس العالم 2018 أو 2022 وذلك لمجموعة أسباب: أولها هو طول المسافة التي يتوجب على المنتخبات وكذلك المشجعين أن يقطعوها مما يرفع تكلفة النقل الجوي وقد يعني اختصار الفترة التي ينوي المشجعين والمهتمين بمتابعة كأس العالم قضائها في استراليا. ثانيها له علاقة بإنخفاض العائدات الإعلانية وعائدات بيع التذاكر حيث ان ميزانية الفيفا للأربع سنوات القادمة حتى كأس العالم التالي تعتمد على العائدات خصوصا من إعلانات الشركات والتسويق و عائدات البث التلفزيوني. ثالثها هو إنخفاض عدد الفنادق من فئة الخمس نجوم الموجودة في أستراليا عن العدد الذي تشترطه الفيفا في ملف الاستضافة. رابع تلك الأسباب هو رفض الفنادق في أستراليا تثبيت أسعار الحجوزات خلال كأس العالم 2018 و 2022. إن تلك الأسباب هي بعضٌ مما ذكرته مسؤولة رياضية في أستراليا كانت عضوا في الفريق المسؤول عن الملف الأسترالي لإستضافة كأس العالم 2018 أو 2022. بونيتا مرسيدس(Bonita Mersiades) هي مسؤولة رياضية استرالية من أصول يونانية الَّفت كتابا بعنوان:"مهما كلف الأمر – Whatever it Takes," حيث قامت بتعريف القراء على الصورة الحقيقية للفيفا ومايدور في أروقتها الخلفية: رشاوي, شراء أصوات, صفقات وراء الأبواب المقفلة والكثير من الفضائح.
لم تقم مؤلفة كتاب "Whatever it Takes" بالتركيز على قرعة كأس العالم 2018 والتي فازت بها روسيا ربما لأن رئيس الفيفا جوزيف بلاتر أعلنها بصراحة أن كأس العالم 2018 يتوجب أن تفوز به دولة أوروبية. ولكن المرارة ظهرت واضحة فيما ذكرته المؤلفة عن الدور الذي لعبه محمد بن همام قرعة 2022  حيث كان خلال تلك الفترة يرأس الاتحاد الأسيوي لكرة القدم ويتعرض للمنافسة على منصبه في رئاسة الإتحاد الآسيوي وعضوية اللجنة التنفيذية للفيفا من قبل الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة من دولة البحرين.
ولعل من أهم ماذكرته بونيتا في كتابها هو ما ورد في الفصل الثالث والعشرين وملخصه كما يلي: محمد بن همام قام بدعوة رئيس إتحاد كرة القدم في تاهيتي وعضو اللجنة التنفيذية للفيفا رينالد تيماري(Reynald Temarii) للقائه في العاصمة الماليزية كوالالمبور حيث كان تيماري يواجه دعاوى قانونية على خلفية فضيحة رشاوى وخرق الخصوصية تتعلق بالتصويت على الدولة المستضيفة لكأس العالم 2018 و2022 وتم إيقافه لمدة سنة واحدة من قبل لجنة الأخلاقيات في الفيفا. الفضيحة تفجرت بعد أن قام صحفيان بريطانيان يعملان لصالح صحيفة الصنداي تايمز بتقديم أنفسهم كمستشارين يعملان لصالح اللجنة الرياضية الأمريكية التي كانت تنافس على قرعة إستضافة كأس العالم 2018 و2022 وقاموا بالالتقاء مع عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا منهم رينالد تيماري من تاهيتي و أموس أدامو(Amos Adamu) من نيجيريا حيث طلب طلب أدامو 500 ألف دولار بينما طلب تيماري 2.5 مليون دولار بذريعة تنفيذ عدد من المشاريع ذات العلاقة بالرياضة, بل وربط كل منهما تصويته لصالح الدول المستضيفة بتحويل تلك الأموال إلى حساباتهم الشخصية. تيماري كانت من الداعمين لترشيح استراليا وحرمانه لمدة سنة كان سوف يضر بملف ترشيح أستراليا للفوز بتنظيم كأس العالم في 2018 أو 2022 حيث تبقى بضعة أسابيع على التصويت. ما دار في كواليس الفيفا حول إقتراح بعدم قيام تيماري بإستئناف القرار مقابل السماح لنائبه بشغل مقعده في اللجنة التنفيذية في الفيفا والتصويت خلال قرعة اختيار الدولة المستضيفة لكأس العالم 2018 و 2022. تيماري والذي رفض الاتهامات على الرغم من قيام الصحفيين البريطانيين بتسجيلها اللقاء, كان ينوي إستئناف القرار ولكن تردده كان بسبب التكاليف القانونية والتي كان دور إبن همام العمل لصالح الملف القطري وتكفل بتكاليف دعوى الاستئناف لصالح تماري.
جيروم فالكي(Jerome Valcke) والذي كان يشغل منصب السكرتير العام للفيفا صرح بعد وقت قصير من التصويت الذي جرى في ديسمبر 2010 خلال حديث خاص مع عدة أشخاص من العاملين في مجال الرياضة أن قطر قامت بشراء التصويت لصالح تنظيم كأس العالم 2022 في قطر وأن قطر عرضت تعويض أي خسائر متوقعة في عائدات الدعاية والإعلان بمقدار الضعفين من خلال أحد المؤسسات المالية التابعة لها. ولكن هناك إشاعات كانت تدور في أروقة الصحافة الرياضية أن جيروم نفسه كان متورطا حتى أذنيه في التصويت لصالح الملف القطري إذا كانت عمولته من المفاوضات حول عائدات الدعاية المتوقعة ما مقداره 5%. ولكن فضائح الفساد والرشوة لم ولن تنتهي أخبارها الواردة من مكاتب الفيفا وكواليس إجتماعات مسؤوليها التنفيذيين حيث فجرت قناة البي بي سي البريطانية من خلال برنامج بانوراما والذي تم إذاعته في الأيام القليلة التي سبقت تصويت الفيفا فضيحة تعود إلى التسعينيات ومتعلقة برشاوي بلغت 100 مليون دولار تم دفعها من بداية التسعينيات وحتى سنة 2001 لصالح أعضاء اللجنة التنفيذية في الفيفا من خلال شركة في سويسرا تدعى (ISL) والتي كان الألماني Horst Dassler شريكا في تأسيسها. Dassler كان ومنذ السبعينيات ومن خلال (ISL) قد أقام علاقة شراكة مع الفيفا في مجال التسويق والدعاية والرعاية التجارية لكأس العالم.
الكتاب يحتوي على 39 فصلا وعلى الكثير من المعلومات المهمة والتي توضح دور المال القطري في شراء أصوات أعضاء اللجنة التنفيذية للفوز بحق تنظيم كأس العالم 2018 أو 2022. على سبيل المثال, تبرُّع بمبلغ 100 مليون دولار كانت سوف تدفع بواسطة قناة الجزيرة القطرية للفيفا في حال فوز قطر بحق تنظيم كأس العالم 2022. وكذلك عملية المبادلة التي جرت بين محمد ابن همام وجوزيف بلاتر بعدم ترشيح ابن همام لمنصب الرئيس التنفيذي للفيفا والذي كان يشغله بلاتر وتقديم الدعم لبلاتر في انتخابات الفيفا القادمة مقابل فوز قطر بحق تنظيم كأس العالم 2022. فقد كان بلاتر كان قلقا من تحركات إبن همام المتعلقة بإنتخابات الفيفا القادمة وتزايد نفوذه بفعل الحساب البنكي المفتوح والذي كان يغدق منه لشراء الأصوات وتقديم الرشى والهدايا في محاولة منه للفوز بالكرسي الذي يشغله بلاتر.
وفي الختام, مازال الكتاب يحتوي على الكثير من المعلومات المهمة والشيقة وحيث انني لم انتهي من قراءتها, فسوف أضيف المعلومات كلما تقدمت في صفحاته حتى نهاية الكتاب.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Tuesday, November 20, 2018

لمحة مختصرة عن العوامل المسؤولة عن تكوين الرأي العام

إن مهنة مستشار العلاقات العامة تعد من المهن الحديثة نسبيا والتي كان لشخص إدوارد بيرنيز(1891-1995) الفضل في إنشائها. إدوارد بيرني لم يكن شخصا عاديا فهو إبن أخت عالم النفس النمساوي الشهير سيجموند فرويد وصاحب الفضل في انتشار أفكار فرويد في التحليل النفسي في الولايات المتحدة. إن إدوارد بيرنيز بالإضافة إلى تأثره بأفكار فرويد فإنه كان مطلعا على كتابات عالم الطبيب والمفكر غوستاف لوبون والذي يعد صاحب الفضل في مجال دراسة علم نفس الحشود ومصطلح العقل الجمعي.
إن الخصائص التي يتكون منها الرأي العام بالإضافة إلى العوامل التي تُشكِّل العقل الفردي والجمعي والجذور التي من الممكن أن نُرجع إليها تلك العوامل من الضروري أن تكون واضحة ومفهومة لدى أي شخص يعمل بمهنة مستشار في العلاقات العامة أو أنه يتخذ من مجال العلاقات العامة مسماً وظيفياً. إن الذي يعمل في تلك المهنة حيث مازالت مسألة الرأي العام وقياس ردود الفعل الجمعية وتوقع تصرفات الجماهير أو الأفراد بناء على ذلك تعتبر أمرا غامضا حيث انه من المهم لمن يحاول أن يفهم الطريقة التي تفكر بها الجماهير أن يفهم الطريقة التي يفكر بها الأفراد ويتصرفون بناء عليها. إن الحالة العقلية للفرد خلال حياته اليومية تتكون من خلال مجموعة من الأحكام التي يصدرها حول عدة مسائل مرتبطة بحالته النفسية أو الجسدية. إن تلك الأحكام تعتبر أدوات وجودية ومع ذلك فهي ليست أحكامه, وليست قائمة على أساس من البحث والإستنتاج المنطقي بل أحكام دوغماتية مستندة على مجموعة من المبادئ والمسائل ذات الأهمية والتي تفرض على الفرد التعامل معها بشكل يومي كسلطة الأسرة, المعلمين و مسائل إقتصادية وإجتماعية.
إنه من صميم عمل مستشار العلاقات العامة أن يفهم الآثار الاجتماعية المترتبة على أفكار الفرد وأفعاله والأسباب التي تدفع ذلك الفرد لاتخاذ قراراته. فعلى سبيل المثال: الأسباب التي تدفع الفرد للإنضمام إلى حزب سياسي بدلا من الانضمام لحزب آخر أو الأسباب التي تجعل الفرد يفضل الإنتماء إلى أحد الكنائس أو أن لا ينتمي لأي كنيسة على الإطلاق. كما يتوجب على مستشار العلاقات العامة أن يتعامل مع حقيقة أن الأشخاص الذي لديهم معرفة قليلة بموضوع ما, فهم في الغالب سوف يكونون فكر إيجابية عن ذلك الموضوع. فإذا قمنا ببحث يتعلق بالحالة العقلية للشخص العادي, فسوف نجد أنها تتكون من عدد كبير من الآراء المحددة بدقة حول مجموعة متنوعة من المواضيع كنشأة الكون ومعنى ذلك, قواعد السلوك والتعامل مع الأخرين, القوانين الضريبية, الخطط الإستراتيجية والحربية, اللقاحات والأمراض كمرض الإنفلونزا وآراء أخرى متعددة. ولكن تلك الأراء يجب أن لا تكون خاضعة للعقلانية في إصدار الأحكام حولها لأن بعضها وباعتراف الخبراء المختصين بقي دون حل, بينما بعضها الآخر قد يُعجز حتى الخبراء المؤهلين عن التعامل معها أو إيجاد الحلول المناسبة لها. ولو كانت الطريقة العقلانية هي المسؤولة عن إصدار الأحكام فيما يتعلق بتلك المسائل لبقي الحكم في أكثرية تلك المسائل معلقا.
في العصور الوسطى، كانت الناس مقتنعين بحقيقة وجود الساحرات وبأن تأثير السحر على الإنسان أمر حقيقي. كان أولئك الناس على درجة عالية من الإقتناع لدرجة أنهم بالفعل أحرقوا أشخاصًا يشتبه في أنهم يقومون بأعمال السحر والشعوذة. يوجد لدينا اليوم عدد  كبير من الأشخاص لا يقلون عن سابقيهم في الإيمان بطريقة أو بأخرى وبشكل راسخ ، بالروحانيات والأرواح ومع ذلك فإنهم لا يقومون بنصب محارق الوسطاء الروحانيين الروحانيين. ولكن بعض الأشخاص ممن لم يقوموا بإجراء أي بحث حول الروحانيات, لديهم نزعة قوية من أجل إستنكار مثل تلك الأمور. البعض الآخر ، ليسوا بأفضل من علما بتلك المسائل ، يعتبرون الوسطاء الروحانيين مُلهَمين بوحي إلهي. منذ زمن ليس ببعيد ، كان كل رجل على قدر من الذكاء متأكد يقينا أن العالم عبارة عن أرض مسطحة بينما في عصرنا الحالي ، الرجل العادي لديه اعتقاد صارم ولكنه يبقى مجهولا حول تلك القوة الغامضة التي سمع أنها تدعى الطاقة الذرية. إن الرجال قليلي المعرفة أو الخبرة حول موضوع معين, سوف يكونون غير متسامحين مع وجهة النظر التي تعارض وجهة نظرهم كما أن الخلافات المريرة الناجمة عن النقاش حول المسائل العامة ليضرب بها المثل في إختلاف وجهات النظر بين أشخاص متعددين عند النقاش حول مسألة ما لا يملك أياً منهم ولو الحد الأدنى من الخبرة أو المعرفة حولها. لقد كانت المشاجرات المريرة حول نظريات كنظرية المسالمة والموادعة(pacifism ) أو النزعة العسكرية قد أدت إلى الشقاق والنزاع حتى بين الإخوة أنفسهم أو بين الأصدقاء المقربين من بعضهم البعض. وعندما يكون الخصام حول مجرد فكرة ليس لها وجود على أرض الواقع, فإن الأخرين غالباً ما يتخلّون عن الخط الرئيسي للنقاش من أجل الإساءة إلى بعضهم البعض.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Friday, November 16, 2018

الصين, الولايات المتحدة وسياسة التسهيل الكمي

ولا يتم الحديث عن الأزمة المالية العالمية وإفلاس البنوك وإنقاذها بدون المرور على العلاقة بين أمريكا والصين حيث تعد الصين أكبر مقرض لأمريكا وتمتلك الصين أصولا مالية أغلبها على شكل سندات حكومية تبلغ ثلاثة تريليون دولار أكثر من نصفها بالدولار الأمريكي.
السؤال هنا ماذا لو توقفت الصين عن إقراض أمريكا أو شراء السندات التي تصدرها الحكومة الأمريكية؟
الجواب هو أنه لا مكان للمشاعر في عالم السياسة, الحكومة الصينية من مصلحتها شراء السندات التي تصدرها السلطات المالية المختصة في أمريكا لإبقاء مستوى الطلب على الدولار مرتفعا وبالتالي إبقاء التوازن بين سعر صرف الدولار واليوان لمصلحة الدولار لكون الصين دولة تعتمد على التصدير بشكل رئيسي ومن مصلحتها كما ذكرت سابقا إبقاء قيمة عملتها منخفضة نسبيا. إذا توقفت الصين عن شراء السندات الحكومية الأمريكية فسوف يؤدي ذلك إلى إنخفاض قيمة الدولار مقابل اليوان الصيني نتيجة انخفاض الطلب على الدولار وقد يؤدي ذلك إلى إنهيار العملة الأمريكية التي لا تتمتع بغطاء ذهبي يحميها في تلك الحالات كما كانت في السابق وسوف تكون ذلك بداية أزمة مالية ومصرفية كبرى لن تترك بلدا بدون أن تطاله أثارها. إن المسؤولين في البنك المركزي الصيني(بنك الشعب) قاوموا فكرة رفع قيمة اليوان مقارنة بالدولار ولجأوا في سبيل مكافحة التضخم لمجموعة خيارات منها رفع مستوى الفائدة وتشديد إجراءات الإقتراض داخل الصين.
على الرغم من إتساع السوق الصينية وقدرتها الإقتصادية و تمتعها بميزة العمالة الرخيصة والمدربة ومصادر الطاقة فإنه حتى بلد بحجم الصين لن ينجو من التضخم وآثاره حيث سجل في بعض السنين تضخم ٦% ويعود السبب بشكل رئيسي إلى ارتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية. إن أحد أسباب التضخم في الصين بالإضافة إلى إرتفاع الفاتورة النفطية هو إرتفاع الأجور حيث مع الإنفتاح على الخارج وازدياد نسبة الصادرات فقد أصبح العمال يطالبون بأجور أعلى وظروف عمل أفضل مما رفع الكلفة النهائية للإنتاج.
ولكن كيف تواجه الصين ارتفاع مستوى التضخم؟
الحل بسيط ويعتمد على مجموعة أسس منها رفع قيمة اليوان الصيني فتقل فاتورة الصادرات وخصوصا النفطية, رفع مستوى الأجور مما يرفع القدرة الشرائية للمواطن الصيني والاتجاه نحو تشجيع الإستهلاك الداخلي واتلبية حاجات السوق المحلية بدلا من التركيز على التصدير حيث أن السوق الصينية تعد ١.٣ مليار مستهلك. هناك مجالات ضخمة للاستثمار في الصين والاتجاه نحو إشباع حاجات الإستهلاك الداخلي فمثلا تعد ملكية المواطنين للسيارات في الصين ١/١٠(عشر) ما هي عليه في الولايات المتحدة. ولو أرادت الصين أن ترفع قيمة عملتها في مواجهة الدولار لكان بإمكانها القيام بخطوتين رئيسيتين وهما التوقف عن الإشتراك في مزادات شراء سندات الخزينة الحكومية الأمريكية وطرح مالديها من سندات في السوق. إن الخطوة الثانية سوف تسرع عملية رفع قيمة اليوان بشكل سريع حيث تنخفض قيمة الدولار لتوفره في الأسواق المالية حيث تحتكم الحكومة الصينية على حوالي ثلاثة تريليون عملات أجنبية نصفها بالدولار الأمريكي.
فما ما هو تأثير ذلك على المواطن الأمريكي العادي؟
إن إنخفاض قيمة الدولار يعني أن الولايات المتحدة سوف ترتفع قيمة خدمتها للدين الخارجي الذي سوف يلتهم حصة أكبر من الناتج الإجمالي المحلي ويبقى القليل للمشاريع الخدمية كالتعليم والصحة وأيضا مشاريع البنية التحتية مثل محطات تنقية المياه والصرف الصحي. كما أن من تأثيرات انخفاض قيمة الدولار هو ارتفاع تكلفة الاقتراض لإرتفاع نسبة الفائدة على القروض وإصدار السندات الحكومية مما سوف يصاحبه ارتفاع سعري في كل شيء بداية الرسوم الشهرية على الحسابات البنكية وتكلفة شراء سيارة بالتقسيط و تكلفة إستيراد المنتجات والخدمات. خلال أزمة الكساد العظيم التي مرت بها الولايات المتحدة سنة ١٩٣٣ قامت الحكومة الأمريكية بالتدخل بإجراء تخفيض في قيمة الدولار الأمريكي مقابل الذهب وبالتالي تشجيع الصادرات وتشغيل المصانع المحلية مما أدى إلى خلق فرص عمل وإنخفاض نسبة البطالة بشكل تدريجي ولكن كيف تتصرف الحكومة الأمريكية في الوقت الحالي بعد رفع الغطاء الذهبي عن الدولار أثناء فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون؟
في تلك الحالة تقوم الحكومة الأمريكية بطبع المزيد من الدولارات وضخها في السوق مما يؤدي إلى إنخفاض قيمة الدولار وفق مبدأ العرض والطلب.
المشكلة في حال قررت الحكومة الأمريكية سلوك هذا الطريق فإنها سوف تكون قادرة على الإستمرار في دفع ديونها ولكن قيمة تلك المدفوعات بالنسبة للدائنين سوف لا تكون تساوي الكثير من القيمة مما سوف يؤدي إلى اهتزاز الثقة بالدولار الأمريكي وعزوف الدول عن شراء سندات الخزانة التي تصدرها الحكومة الأمريكية. وقد يظن البعض أن إنخفاض قيمة الدولار سوف تشجع سوق التصدير في أمريكا ولكن علينا أن لا ننسى أن سوق الصادرات في أمريكا لا يشكل إلا ربع الناتج الإجمالي المحلي وليس كما كان الوضع سنة ١٩٣٣ وفي الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
إن الطريقة التي يتم فيها التعامل مع مشكلة الدين الحكومي والتضخم قد تختلف بين الأحزاب السياسية في أمريكا فمثلا حزب الشاي الأمريكي له وجهة نظر بخصوص تحجيم دور النقابات العمالية لتخفيض الإمتيازات الممنوحة لمنتسبيها بينما ترتكز سياسة الحزب الديمقراطي على تقليل الإعفاءات الضريبية الممنوحة للشركات النفطية والشركات الكبرى في محاولة لزيادة نسبة مساهمة الأغنياء في العائدات الضريبية بينما تدور سياسة الحزب الجمهوري على تشجيع الإنجازات الفردية وتأكيد دور الأسواق الحرة في الإزدهار الإقتصادي مما يعني عدم تدخل الحكومة في السوق وترك ذلك لعوامل العرض والطلب.
إن الكثير من الحكومات تلجأ لخيار مثل حزمات الإنعاش الإقتصادي وقد لاحظنا ذلك بوضوح خلال الأزمة المالية سنة ٢٠٠٧-٢٠٠٨ في دول مثل أمريكا وبريطانيا واليابان ولكن تلك الحكومات استيقظت على كابوس أزمة مالية استنفذت أغلب السيولة الموجودة وتم تغطية المبالغ المطلوبة بالاقتراض وتلك القروض يجب دفعها. إن عجز العالم عن مواجهة أي أزمة مالية قادمة لاستنفاذ السيولة قبل مرور عشرة سنين غير منقطعة من الإنتعاش الإقتصادي ليتم تعافي الإقتصاد العالمي استعدادا لما هو قادم سوف يكون له نتائج أكثر من كارثية يضاف إليها أن تلك السنين العشرة من الإنتعاش الإقتصادي تتطلب إنخفاض أسعار النفط إلى مستويات معقولة وهو لا يبدو احتمالا في القريب العاجل.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Tuesday, November 13, 2018

كيف ساهمت ظاهرة العولمة في تغيير العالم كما نعرفه؟

إن تداخل وتشابك الأسواق المالية وذالك على المستوى العالمي قد أدى إلى زيادة حدة الأزمات الإقتصادية وتقلُّص الفترة الزمنية الفاصلة بين أزمة وأخرى. كما أدى إلى سهولة إنتقال الأزمات من بلد لأخر بما يشبه الأمراض الفيروسية التي تنتقل بالعدوى. إن فقدان الثقة بقدرة حكومات مختلفة في أسيا وأمريكا اللاتينية على الوفاء بالتزاماتها تجاه المستثمرين من رجال أعمال وصناديق تحوط قد أدى إلى هروب رؤوس الأموال من تلك البلدان وبحثها عن ملاذات أمنة للاستثمار حيث وجدتها في فئات السندات المختلفة التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية. إن زيادة الإقبال على تلك السندات قد أدى نشوء أزمة أخرى فالحكومة الأمريكية قد اضطرت إلى تخفيض سعر الفائدة على تلك السندات لجذب المزيد من المستثمرين والبنوك وصناديق التحوط, إن تخفيض سعر الفائدة على تلك السندات أدى ببعض صناديق التحوط إلى المراهنة على المزيد من الانخفاض في سعر الفائدة للسندات التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية وعودة السندات التي تصدرها الدول الصاعدة اقتصاديا كدولة البرازيل إلى الارتفاع. ففي صيف عام 1998, راهن صندوق التحوط(LTCM-Long Term Capital Management) على إنخفاض سعر فئات معينة من سندات وزارة الخارجية الأمريكية وإرتفاع أسعار دول الأسواق الصاعدة بمبلغ 120 مليار دولار ولكن النتيجة وهي انه بسبب أزمة النمور الآسيوية وامتدادها على المستوى العالمي, فقد قفز سعر الفائدة على  سندات الرهن التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية وانخفض سعر الفائدة على ما يعرف دول الأسواق الصاعدة.
لقد كان للثورة الصناعية و الإكتشافات والإختراعات التي تمت على هامشها خصوصا التطور في وسائل الإتصالات والمواصلات خلال الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى أكبر الأثر في إتساع الرقعة الجغرافية المتأثرة بالعولمة. فعلى سبيل المثال, فإن اختراع التلغراف ومد خطوط الإتصالات عبر المحيط الأطلسي ووصلها ببعضها البعض قد أدى إلى سرعة إنتقال التطورات والأخبار المتعلقة بسوق الأسهم والسندات في نيويورك إلى فرنسا وبريطانيا. الحرب العالمية الأولى كانت حدثا استثنائيا أدى إلى تغيير في طبيعة العلاقات السياسية والإقتصادية بين دول العالم, فقبل عام 1914 لم يكن مطلوبا من مواطني الدول الأوروبية حمل جواز سفر أثناء تنقلهم وسفرهم خارج بلدانهم الأم. بالإضافة إلى الحرب العالمية الأولى, فإنه هناك مجموعة من الأحداث أدت إلى تفكيك منظومة العولمة الأولى التي كانت قائمة في الفترة التي سبقت الحرب, الثورة الروسية وأزمة الكساد الكبير(1929-1933) تعتبران من أهم تلك الأحداث. ومن ثم خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية حتى إنهيار جدار برلين(1945-1989) وهي الفترة التي عرفت بالحرب الباردة قد شهدت تكتلات دول العالم المختلفة في معسكرين: المعسكر الأول يجمع التحالف بين الدول الغربية تحت ظل حلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة, بينما المعسكر الثاني يجمع تحالف دول أوروبا الشرقية تحت ظل حلف وارسو وعلى رأسها الإتحاد السوفياتي. وقد بدأت المنظومة الثانية للعولمة بالتفاعل والتأثير على دول العالم مع إنهيار جدار برلين ونهاية مايعرف بالحرب الباردة حيث بدأت هيمنة القطب الواحد وهو الولايات المتحدة التي فرضت على دول العالم مفاهيم كحرية التجارة, إلغاء الحواجز الجمركية والخصخصة وذلك لمصلحة الدول الغربية بشكل عام وعلى رأسها الولايات المتحدة التي يحاول هذه الأيام رئيسها دونالد ترامب التنصل من تلك الاتفاقيات والمفاهيم باعتبارها ضارة ببلاده على الرغم من أنها اتفاقيات ومفاهيم فرضت برغبة امريكية على دول العالم وذلك بالترغيب أو بالتهديد.
إن الفرق بين المرحلة الأولى للعولمة وهي المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الأولى وبين المرحلة الثانية للعولمة التي بدأت مع إنهيار جدار برلين سنة 1989 ومازلنا نعيش تأثيراتها حتى يومنا هذا هو أن بداية المرحلة الأولى قد تمحورت حول التطور في قطاع النقل خصوصا التطور في المحرك البخاري, السيارات, إنتشار خطوط السكة الحديد, أما بالنسبة للمرحلة الثانية من العولمة فقد تمحورت حول التطور في قطاع الإتصالات خصوصا الإنترنت, شرائح معالجة البيانات وتخزين المعلومات والأقمار الصناعية. إن تكلفة مكالمة تستغرق ثلاثة دقائق بين نيويورك ولندن يتم إجرائها سنة 1933 تبلغ 300 دولار بسعر صرف الدولار سنة 1996, بداية إنتشار الإنترنت حول العالم حيث يمكن إجراء هذه المكالمة حاليا بالمجان عبر برامج الفويب(VOIP – Voice over Internet Protocol) كبرنامج سكايبي وهو أشهرها. وخلال المرحلة الأولى من العولمة, فقد كانت بريطانيا, الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وتحكم ربع سكان العالم, هي المسيطر والمهيمن حيث كان الجنيه الاسترليني هو العملة الأقوى و المهيمنة على المشهد الإقتصادي. ولكن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, فقد فرضت الولايات المتحدة شروطها وأصبح الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية وذلك من خلال إتفاقية بريتون-وودز التي عقدت سنة 1944 ووافقت عليها جميع الدول الأوروبية مرغمة وعارضها ولم ينضم إليها الإتحاد السوفياتي ودول حلف وارسو. الولايات المتحدة كانت مهتمة بإنشاء نظام للتجارة الدولية يحفز النمو الإقتصادي وينافس الإتحاد السوفياتي الذي بدأ يحقق معدلات نمو مرتفعة وتقدما في عدة مجالات أهمها العسكري. ولذالك فقد قامت بالتكفل بإعادة إعمار أوروبا من خلال إتفاقية مارشال واستخدمت نفوذها لفرض إتفاقية الجات وتأسيس مؤسسات كصندوق النقد الدولي(IMF). إن نظام العولمة(Globalization) الذي ورث مرحلة الحرب الباردة بكل آثارها وتداعياتها هو النظام الذي أسسته ورعته وأشرفت عليه الولايات المتحدة وهي التي تحاول حاليا إعادة تصميمه بما يوافق مصالحها ونظرة رئيسها دونالد ترامب الضيقة للعلاقات الدولية والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في العالم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

النفط هو عصب الحياة

لقد كان هناك تخوف لدى القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة من أن يؤدي انتصار الإتحاد السوفياتي على القوات النازية خلال الحرب العالمية الثانية إلى انتشار الشيوعية في أوروبا التي كانت تعاني من أثار الحرب خصوصا دمار مدنها وبنيتها التحتية و قاعدتها الصناعية. إن ما يسمى بالحرب الباردة وهو مصطلح أخرجه للوجود ألة الدعاية الغربية التي كانت تبحث عن ذريعة لاستمرار الحرب مع اختلاف التسميات حيث الحاجة دائما إلى عدو. ولقد فرضت ظروف الصراع مع الشيوعية العالمية على الولايات المتحدة أن تبسط سيطرتها على أوروبا عبر إعادة إعمار مدنها المدمرة وإنعاش اقتصادها المنهك عبر مايسمى مشروع مارشال التي أعلن عنها الجنرال جورج مارشال رئيس الأركان الأمريكي الأسبق ووزير الخارجية وذلك في خطابه في جامعة هارفارد بتاريخ 5 يونيو 1947. إن توفر النفط وبسعر منخفض كان الأساس الذي يعتمد عليه نجاح ذلك المشروع والذي كانت قيمته تبلغ 13 مليار دولار أمريكي تقريبا.
خلال الفترة التي سبقت نهاية الحرب العالمية الثانية وتحديدا 1-22 يوليو 1944, فقد انعقد في فندق يقع في غابات ولاية نيوهامبشر الأمريكية مؤتمر بريتون وودز بمشاركة الدول المنتصرة في الحرب وذلك لتقرير مستقبل الاقتصاد العالمي بعد إنتهاء الحرب. وفي ذلك المؤتمر, فقد تم الموافقة على قرار باعتماد الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية مقابل أن تضمن الولايات المتحدة عملتها بالذهب بسعر 35 دولار للأونصة. ولكن ميزان الاتفاقية اختل حيث أن الولايات المتحدة خالفت شروطها وبدأت تحت ضغط حرب فيتنام و خطة الإنعاش الاقتصادي التي تم اعتمادها خلال فترة حكم الرئيس ليندون جونسون وعرفت بإسم المسدس والزبدة(Guns & Butter) بطبع دولارات بكميات كبيرة مما دفع دول أوروبية إلى مطالبة الولايات المتحدة بمبادلة الدولارات المكدسة لديها بالذهب حسب شروط الإتفاقية. فرنسا كانت السباقة في ذلك حيث إنتقد الرئيس الفرنسي شارل ديجول علنا السياسات النقدية الأمريكية فيما يتعلق بطباعة كميات زائدة من الدولارات بدون تغطية ذهبية وهو أمر لم تغفره له الإدارة الأمريكية مما ساهم في إسقاطه سنة 1968. وبعد أن قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بإعلان انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاقية خلال خطابه الشهير بتاريخ 15\أغسطس\1971 حيث تحدث عن حرب اقتصادية ضد الولايات المتحدة, فكان لابد من توفير بديل آخر بدلا من الذهب يعمل كغطاء للدولار فقامت الإدارة الأمريكية بفرض إتفاقية مع مجموعة من الدول المنتجة للنفط بعدم تسعيرة وبيعه إلا بالدولار الأمريكي وبالتالي الحفاظ على مركز الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية.
ولكن ماذا يعني إرتفاع أو إنخفاض أسعار النفط مقارنة بأسعار السلع والخدمات وحتى أسعار صرف العملات وذلك بالنسبة للشخص العادي؟ كيف نستطيع أن نقدم تفسيرا واضحا وبسيطا في الوقت نفسه لتلك المسالة المتشابكة والتي تتمثل في العلاقة بين النفط وأسعار صرف العملات أو بين النفط وأسعار السلع والخدمات وكيف تتأثر بالتذبذب في أسعار النفط في الأسواق العالمية؟
إن إنخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي مقارنة بالعملات الأخرى يعني أننا سوف نحتاج إلى المزيد من الدولارات وبالتالي كميات أكبر من عملتنا المحلية لشراء مانحتاج إليه من السلع والخدمات خلال تعاملاتنا اليومية وعكس ذلك صحيح في حالة إرتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي في أسواق العملات الدولية. إن النفط هو أحد تلك السلع الأساسية التي نحتاج إليها ونستخدمها ونستفيد منها في حياتنا اليومية وبشكل مستمر. العلاقة بين أسعار النفط وسعر صرف الدولار الأمريكي هي علاقة عكسية بما معناه أن إنخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى سوف يؤدي إلى إرتفاع أسعار النفط والعكس صحيح. وحتى نعلم إلى أي مدى وصل التشابك في العلاقة بين النفط والدولار فيكفي أن نعرف بأن إنخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي يعني تعزيز مكانة الصادرات الأمريكية التي سوف تصبح أكثر تنافسية في الأسواق العالمية بسبب انخفاض سعرها وبالتالي تحقيق الإنتعاش الإقتصادي في الولايات المتحدة ولكن في الوقت نفسه سوف يرفع فاتورة الواردات الأمريكية من النفط بما يسبب عجزا متزايدا في ميزان مدفوعات وفي الموازنة يتزايد بإستمرار ويقترب حاليا من حاجز 20 تريليون دولار. الولايات المتحدة أعلنت تحقيقها الإكتفاء الذاتي من النفط بل ورفعت الحظر عن تصديره وذالك بسبب طفرة إنتاجية يعود الفضل فيها إلى مايعرف بعمليات الحفر الهيدروليكي أو التصديع(Fracking) وإن كان البعض يشك بان ذلك الإعلان لم يترجم إلى حقيقة على أراض الواقع وأن أهدافه سياسية بحتة. انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي وبالتالي ارتفاع سعر النفط كأحد السلع الأساسية يعني تصدير التضخم من الولايات المتحدة لدول العالم خصوصا إرتفاع أسعار المواد الغذائية والمنتجات الزراعية بما يؤدي إلى إرتفاع مستوى الفقر وازدياد الفجوة الاقتصادية بين الفقراء والأغنياء.
إن النفط يعتبر عصب الحياة فهو المحرك الأول للصناعة والتجارة وكافة التعاملات في حياتنا اليومية تعتمد عليه فى نهاية عصر النفط تعتبر نهاية الحضارة ونهاية الحياة كما نعرفها اليوم. النفط يعتبر المحرك الأول للتدخلات الأجنبية في الوطن العربي وأفريقيا وأسيا حيث لا تتردد القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في تدبير الإنقلابات العسكرية  أو حتى الغزو العسكري المباشر لأي بلد يتجرأ على مخالفة السياسات النفطية التي ترسمها القوى الإستعمارية في العالم. وحتى ندرك المستوى الذي وصل إليه التداخل بين النفط, الإقتصاد والسياسة فما علينا إلا أن ندرك حقيقة أن النفط هو عامل رئيسي في نجاح خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية, الحفاظ على الدولار كعملة احتياطية عالمية ومؤشر على إرتفاع أو إنخفاض أسعار السلع والخدمات حول العالم. إن تلك ليست هي نقاط التداخل الوحيدة التي يلعب في النفط دورا رئيسيا فهي أكثر من أن يكون موضوع واحد قادر على استيعابها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Friday, November 9, 2018

أحزاب الإسلام السياسي في خدمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس

إن مصطلح قوات الصدمة(The Shock Troops) يتم استخدامه للإشارة إلى الجنود الذين ينتمون لقوات متخصصة بالهجمات المفاجئة والصاعقة على خطوط العدو مما يفقده توازنه ويؤدي إلى خلخلة خطوط دفاعاته. السياسة الخارجية البريطانية في منطقة الشرق الأوسط اعتمدت على أعضاء في جماعات الإسلام السياسي والتيارات التكفيرية لإثارة الفتن والاضطرابات والقلاقل والاغتيالات وحتى تدبير الانقلابات العسكرية بما يخدم بريطانيا ومصالحها في المنطقة. خلال الاحتلال البريطاني لمصر, كان موقف تنظيم الإخوان المسلمين في مصر وإن كان يعارض الإحتلال البريطاني شكليا إلا أنه على أرض الواقع, فقد كان مؤيدا للملكية معاديا للشيوعية وأحزابها وكذلك أحزاب المعارضة كحزب الوفد الذي كان يتمتع بشعبية بين المصريين. وقد كان التنظيم الخاص يعتبر الجناح العسكري لحزب الإخوان المسلمين و يأتمر بأوامر حسن البنا شخصيا حيث قام بتنفيذ عدة اغتيالات في مصر في العهد الملكي منها اغتيال القاضي أحمد الخازندار وكيل محكمة الاستئناف واغتيال رئيس الوزراء النقراشي باشا وإغتيال سليم زكي حكمدار القاهرة. وخلال الفترة اللاحقة التي تلت سقوط الملكية وقيام نظام الحكم الجمهوري, حاول التنظيم الخاص عدة مرات إغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي قبض على منظر الجماعة سيد قطب وقيادات أخرى من الجماعة وتم إعدام بعضهم. الحكومة البريطانية قامت خلال فترة الثمانينيات في ذروة الحرب الباردة بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لتدريب وتسليح تنظيمات الإسلام السياسي على اختلاف توجهاتها لقتال الإتحاد السوفياتي في أفغانستان.
الحكومة البريطانية التي تعتبر أفضل من طبق سياسة فرق تسد وأفضل من قام بإستغلال النعرات الطائفية والعرقية والدينية كانت تعلم علم اليقين بالأهداف الحقيقية لأولئك الإسلاميين الذين تتعامل معهم حيث ورد ذلك على لسان وزير الشؤون الخارجية البريطاني كيم هاولز في إجابته على لجنة تحقيق برلمانية. الحكومة البريطانية تبيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية بينما تهاجم صحفها المملكة تحت ستار حرية الرأي والتعبير وتسمح للمعارضين السعوديين بممارسة العمل السياسي المعارض وتمنحهم جوازات سفر. الحكومة البريطانية سمحت للحركة الإسلامية للإصلاح التي يتزعمها سعد الفقيه ومحمد المسعري بفتح مكاتب في العاصمة البريطانية, كما أنها سمحت لهيئة النصيحة والإصلاح التي تتبع تنظيم القاعدة بممارسة نشاطاتها ضد الدول العربية انطلاقا من الأراضي البريطانية برئاسة خالد الفواز(١٩٩٤-١٩٩٨). الحكومة البريطانية قامت بإستغلال قيادات إسلامية كمحمد علي جناح وأحمد خان لفصل باكستان عن الهند ومن ثم إشعال حرب أهلية في باكستان أدت إلى انفصال بنغلاديش والتي كانت تعرف بإسم باكستان الشرقية. وكعادة بريطانيا في زرع صاعق جاهز للتفجير في أي منطقة بما يسمح لها وحلفائها بالتدخل في وقت لاحق, فقد كانت مشكلة كشمير هي الصاعق الذي كان هو السبب الرئيسي في إشعال صراع في القارة الأسيوية حيث اتخذ طابعا دينيا ولا يبدو أن نهايته قريبة بين بلدين في القارة الأسيوية كل منهما يمتلك سلاحا نوويا.
البلقنة(Balkanization) هي ذلك المصطلح الذي شاع إستخدامه ويرمز إلى الأحداث التي جرت في يوغسلافيا السابقة على هامش إنتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي. الحرب الأهلية التي اندلعت في يوغسلافيا السابقة على إثر وفاة الزعيم والقائد جوزيف تيتو سنة ١٩٨٠ حيث بدأت بوادر الصراع بين المكونات الإثنية والعرقية المختلفة ليوغسلافيا لتنفجر لاحقا على شكل حرب أهلية سنة ١٩٩١. ملامح التدخل الأجنبي كانت واضحة وتمثلت في تمهيد الطريق لجحافل تتبع أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب التكفيرية على إختلاف مسمياتها لمقاتلة الجيش اليوغسلافي عبر تقديم كافة أنواع الدعم بالسلاح والإمدادات وتسخير مقاتلات حلف الأطلسي خصوصا الأمريكية والبريطانية لقصف الأهداف العسكرية والمدنية على حد سواء مثل قواعد الجيش, الوزارات الحكومية, محطات توليد الكهرباء وتنقية المياه وكافة المنشآت الخدمية ومشاريع البنية التحتية بهدف الضغط على الشعب اليوغسلافي لعدم إعتراضه على خطة تقسيم بلاده. إن أهداف الدول الغربية من خلال تقسيم يوغسلافيا له علاقة بتصفية ما تبقى من حساب الحرب الباردة وتفكيك حلفاء الاتحاد السوفياتي السابق إثر انهيار جدار برلين وإعلان انتصار الدول الغربية في ما يسمى الحرب الباردة.
لقد خدمت الجماعات الإسلامية السياسة الداخلية والخارجية البريطانية منذ سنة ١٩٢٨ حيث قدمت شركة قناة السويس مبلغ ٥٠٠ جنيه لتنظيم الإخوان المسلمين متمثلا برئيسه حسن البنا من أجل بناء أول مسجد للجماعة في مدينة الإسماعيلية. وإن كان بعض المؤرخين يعتبر أن ذلك التاريخ هو بداية العلاقة بين تنظيمات الإسلام السياسي وبريطانيا, إلا أن هناك من يرى أن بريطانيا كانت مهتمة بتطويع التيار الديني لخدمة مصالحها منذ ما قبل ذلك التاريخ حيث كانت تحتل مصر وتعتبر مهمة حماية قناة السويس حيوية لمصالحها في المنطقة خصوصا وأنها تعتبر الطريق إلى مستعمرتها في الهند التي تعتبر درة التاج البريطاني. ولذلك فإن بداية تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في إحدى مدن قناة السويس لم يكن مفاجأة للدارسين لتاريخ الإسلام السياسي والحركات الإسلامية. فقد كانت الحكومات البريطانية المتعاقبة يعتريها القلق من المد الشيوعي حيث تصاعدت المشاعر المعادية للاحتلال البريطاني وتزعم حزب الوفد برئاسة سعد زغلول المعارضة ضد التواجد البريطاني في مصر. وكما خدمت تلك الجماعات بريطانيا ومصالحها في دول مثل مصر, يوغسلافيا, الهند, باكستان, أفغانستان, ودول أوروبا الشرقية كدولة يوغسلافيا السابقة, فقد قامت بريطانيا بتقديم خدماتها والتي تتمثل في الدعم المالي, الإعلامي والدعم بالتدريب والسلاح ومحاولة إيصال بعض المنتمين لأحزاب الإسلام السياسي إلى كرسي الرئاسة والسلطة خصوصا على هامش أحداث مايطلق عليه الربيع العربي.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Wednesday, November 7, 2018

هكذا تسرق الولايات المتحدة العالم

يعتبر شارل ديغول الرئيس الفرنسي الأبرز في ذاكرة مواطنيه حتى يومنا هذا, فهو المسؤول عن قيادة القوات الفرنسية للمساهمة مع قوات الحلفاء في تحرير فرنسا من الإحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية. كما أنه كان يتمتع بشعبية في فرنسا مما سمح بإعادة انتخابه لمنصب الرئاسة عدة مرات. إن تلك الشعبية لم تشفع له أمام الوضع الإقتصادي المتدهور الذي أدى إلى مظاهرات عارمة سنة 1968 تزعمتها الحركة الطلابية الفرنسية والتي كان يهيمن عليها اليسار الفرنسي أدت في النهاية إلى إستقالته من منصبه سنة 1969. إن الخطيئة الكبرى التي ارتكبها الرئيس ديغول هي تحدي الهيمنة الإقتصادية الأمريكية على العالم خصوصا دعوته في خطاب ألقاه بتاريخ فبراير\1965 إلى التخلي عن الدولار كعملة احتياطية عالمية والعودة إلى اعتماد المعيار الذهبي فقامت الحكومة الأمريكية بالتعاون مع بنوك وول ستريت بشن حرب اقتصادية ضد فرنسا عمادها سحب ودائع البنوك الأمريكية من فرنسا  وتحريض البنوك الألمانية على القيام بأمر مماثل, القيام بشراء كميات كبيرة من المارك الألماني مما أدى إلى إرتفاع قيمته أمام الفرنك الفرنسي, حظر الواردات الفرنسية للولايات المتحدة وتحذير الأمريكيين من السفر إلى فرنسا. الحرب الإقتصادية كانت متوازية مع حرب إعلامية قامت صحف ووسائل إعلام أمريكية بشنها على فرنسا خصوصا القيام بتلميع صورة مجموعة غير معروفة من الفوضويين(Anarchist) ظهرت فجأة إلى واجهة الأحداث في فرنسا وتدعى The Situationist International وذالك على أنها تتزعم الحركة اليسارية الفرنسية وأن مطالبها عادلة ومشروعة.
إن خطاب الرئيس الفرنسي جاء إثر قيام الحكومة الفرنسية بتاريخ يناير\1965 بتحويل 150 مليون دولار أمريكي من احتياطيات نقدها الأجنبي إلى الذهب بموجب معاهدة بريتون وودز التي تحدد سعر 35 دولار للاونصة كما أنها أعلنت نيتها القيام بعملية تحويل أخرى من الدولار للذهب قيمتها 150 مليون دولار. إسبانيا لحقت بفرنسا وقامت بتحويل ماقيمته 60 مليون من احتياطي الدولار إلى ذهب وكذلك عدد من الدول الأوروبية التي قامت بتحويل رصيدها من إحتياطي الدولار الذي تحتفظ به إلى الذهب مما أدى بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى إلقاء خطابه الشهير أغسطس\1971 الذي تحدث فيه عن قيام بعض الدول بشن حرب اقتصادية ضد الولايات المتحدة وأعلن إلغاء مبادلة الدولار بالذهب وتعويم الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى. الولايات المتحدة كانت تقوم بطبع الدولار بدون تغطية ذهبية بالمخالفة لاتفاقية بريتون وودز وذلك لتغطية نفقات حرب فيتنام وخطط الرئيس ليندون جونسون المتعلقة بزيادة الإنفاق العسكري وعلى برامج الرعاية الإجتماعية. كما أن الشركات والبنوك والمؤسسات الإستثمارية الأمريكية كانت تقوم بعمليات شراء شركات ومؤسسات أوروبية بدولار منخفض القيمة وبدون غطاء ذهبي مما أدى إلى الرئيس الفرنسي إلى وصف ذلك بأنه عملية مصادرة في خطابه. (Jacques Rueff) والذي كان يشغل منصب المستشار الإقتصادي للرئيس الفرنسي ذكر في مقال نشره في صحيفة وول ستريت أن معدل التضخم في الولايات المتحدة قد ازداد بمقدار الضعف منذ سنة 1934 مع بقاء أسعار الذهب ثابتة وأن ذلك غير منصف وغير عادل لبقية الدول, وأنه يتوجب زيادة سعر أونصة الذهب بمقدار الضعف.
الولايات المتحدة تقوم بطباعة الدولار بدون أي رقابة من مؤسسات مستقلة ومحايدة وبالتالي تغرق الأسواق المالية حول العالم بعملة لاقيمة لها وتصدر التضخم لدول العالم الأخرى. إن سياسة طبع العملة بدون رقابة بالإضافة إلى انخفاض سعر الفائدة في الولايات المتحدة إلى ما يقارب الصفر مئوية لفترة زمنية طويلة قبل البدء بزيادته مؤخرا قد أدى إلى ظاهرة الأموال الساخنة التي تبحث عن أعلى عائدات ممكنة بسبب إنخفاض سعر الفائدة في بلدها الأم وتتدفق إلى أسواق الدول النامية في أمريكا اللاتينية كدولة البرازيل ودول أسيوية كالهند وبنجلاديش التي تحاول جذب الاستثمارات الأجنبية برفع سعر الفائدة على الودائع والسندات الحكومية. ولكن عند سحب تلك الأموال لأي سبب قد يكون سياسيا أو له علاقة بالإقتصاد كما حصل مع فرنسا, فسوف يؤدي ذلك بالتالي إلى انهيار قيمة العملة المحلية أمام الدولار وذلك يعني التضخم وإرتفاع أسعار السلع والمواد الأولية خصوصا النفط لأن دولة بنغلاديش سوف تحتاج إلى المزيد من عملتها المحلية مقابل الدولار لإستيراد احتياجاتها وبالتالي يختل ميزانها التجاري وتزداد نسبة العجز في موازنتها وتضطر لإتخاذ إجراءات إقتصادية إستثنائية مثل رفع الدعم عن المواد الغذائية والمحروقات وهي إجرائات لن تلقى قبولا شعبيا وبالتالي قد تؤدي إلى الاضطرابات والمظاهرات وزعزعة الإستقرار.
إن إقتصاد الولايات المتحدة خصوصا خلال بداية حقبة الثمانينيات قد بدأ بالتحول إلى الاقتصاد الاستهلاكي حيث فقد الإقتصاد الأمريكي قاعدته الصناعية والخدماتية لصالح دول مثل الصين, الهند والفلبين حيث انتقلت المصانع والشركات الأمريكية وأنشأت لها مكاتب هناك حيث تتوفر على تسهيلات ضريبية, عمالة مدربة ومنخفضة الأجور مقارنة بنظيرتها الأمريكية. إن أغلب البنوك الأمريكية, شركات الهاتف والإنترنت, السيارات, الأجهزة الإلكترونية والملابس أنشأت لها مصانع ومراكز اتصال وخدمة عملاء في دول كالهند والفلبين. الولايات المتحدة وبعد أن قررت التنصل من جميع اتفاقياتها التجارية التي وقعتها ضمن منظمة التجارة العالمية أو إتفاقيات كالنافتا, قد بدأت بالشكوى والتذمر وتوجيه الاتهامات بأن الدول الأخرى تقوم بسرقة الوظائف من الأمريكيين وأن الإدارة الأمريكية سوف تقوم بفرض ضرائب إستيراد على منتجات الحديد والصلب والسيارات والأجهزة الإلكترونية التي يتم تصنيعها خارج الولايات المتحدة من قبل شركات امريكية واستيرادها للاستهلاك داخل الولايات المتحدة أو تصديرها من خلال الموانئ الأمريكية إلى دول أخرى. إن مقارنة بسيطة تكشف زيف الادعاءات الأمريكية والذرائع التي يتم استخدامها لأهداف سياسية فسعر صرف اليوان مقابل الدولار يعتبر حاليا (٦.٩٢) فلو افترضنا أن راتب عامل في شركة أثاث أمريكية نقلت مصانعها ومكاتبها للصين هو 400 دولار أمريكي بما يساوي(٢٧٦٨يوان), ولكن مستوى الأجور عند 400 دولار شهريا يعتبر مقبولا في الصين ولكنه غير مقبول بالنسبة للعامل الأمريكي الذي سوف يبلغ متوسط أجره إلى 2000 دولار أمريكي بما يعادل (١٣٨٤٠يوان). فذالك يعني أنه حتى تتمكن الصين من الدفاع عن نفسها في مواجهة الاتهامات بالتلاعب بسعر صرف العملة فعليها أن ترفع سعر صرف اليوان ليبلغ(٢ -٣يوان) مقابل الدولار وذلك يعتبر أمرا غير ممكن الحدوث.
ليس هناك خلاف على إنهيار الدولار الأمريكي وفقدانه مركزه كعملة احتياطية عالمية ولكن السؤال هو عن التوقيت. بنوك وول ستريت والمؤسسات الاستثمارية والنخب المالية في الولايات المتحدة ليس لديها مشكلة في مسألة سقوط الدولار الأمريكي فهي قد اتخذت إحتياطاتها إما بشراء الذهب والفضة أو بشراء عقارات ومنازل خارج الولايات المتحدة في دول مثل نيوزيلندا, أستراليا, النمسا وسويسرا., ولكن مشكلتها مرة أخرى في الوقت, فهي تريده في أن يكون مناسبا لها بحيث لا تتأثر مؤسساتها المالية أو إستثماراتها  إلا بالحد الأدنى بينما يؤدي ذلك في نفس الوقت إلى تدمير خصومها السياسيين خصوصا الصين, روسيا, فنزويلا وكذلك يعتبر الإتحاد الأوروبي وفي قلبه ألمانيا كأقوى وأغنى دولة أوروبية مستهدفا بتلك الحرب الإقتصادية التي يعتبر الدولار الأمريكي أهم رموزها. الولايات المتحدة مستمرة في سرقة النمو من الدول الأخرى وتصدير التضخم لها وشراء أصولها الإقتصادية بعملة لا قيمة لها وغير مدعومة بغير عامل الثقة الذي بدأ مؤخرا يهتز وبشدة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

Sunday, November 4, 2018

الإسلام السياسي والمعركة من أجل السيطرة على مصر

لن يكون هناك أدنى شك لدى أي شخص يمتلك الحد الأدنى من المعرفة المتعلقة بالسياسة الدولية بالعلاقة الوثيقة القائمة بين الإسلام السياسي و الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية, بريطانيا وفرنسا. تلك العلاقة القائمة على تبادل المنفعة بين الطرفين, الدول الغربية تقوم بتوفير الظروف الملائمة لأحزاب الإسلام السياسي للسيطرة على المجتمعات في الوطن العربي بما يتوافق مع مبادئها ومناهجها الظلامية بينما تقوم تلك الأحزاب بتمهيد الطريق للدول الغربية للسيطرة على مقدرات الوطن العربي ونهب خيراته تحت مسمى محاربة الشيوعية أو مكافحة الإرهاب, لا يهم, ولكن المهم هو وجود عدو أو خلقه من العدم إن لم يوجد. الحضارة الغربية بدون عدو تحاربه سوف تصاب بالذبول حتى تضمر وتختفي من الوجود.
إن تاريخ بداية تلك العلاقة يعود إلى سنة 1928 التي قدمت فيها شركة قناة السويس التي كانت تخضع للسيطرة البريطانية مبلغا وقدره 500 جنيه لحسن البنا من أجل بناء أول مسجد لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وذلك في مدينة الإسماعيلية, إحدى المدن المصرية التي تقع على ضفاف القناة. ولكن الحكومات البريطانية كانت مهتمة منذ ماقبل سنة 1928 بالإسلام وإمكانية استغلاله لحماية مصالحها في المنطقة التي تعوم على بحر من الثروات الطبيعية. إن مصر كانت تحتل مكانة مهمة بالنسبة لبريطانيا حيث تقع قناة السويس ذات الأهمية الاستراتيجية لبريطانيا والبوابة إلى مستعمرتها في الهند والتي كانت توصف بأنها درة التاج البريطاني. وبسبب تلك الأهمية والمكانة الإستراتيجية التي كانت تتمتع بها مصر خلال تلك الفترة فقد تعرضت لمحاولات الغزو والإحتلال من قبل أعداء بريطانيا خصوصا الحملة الفرنسية التي قادها نابليون بونابرت ومحاولة الغزو من قبل القوات النازية التي كان يقودها الجنرال رومل الملقب بثعلب الصحراء وذلك خلال الحرب العالمية الثانية.
ومن المهم أن نأخذ بعين الاعتبار الخطوات المهمة التي اتخذتها بريطانيا للسيطرة على مصر إثر غزوها عسكريا واحتلالها في الفترة التي أعقبت الحملة الفرنسية. وحيث أن الحكومة البريطانية راقبت بدقة وحللت الوقائع التي جرت خلال حملة نابليون بونابرت العسكرية لغزو مصر وكيف أنه إستخدم الدين في محاولته تطويع الرأي العام المصري وأعلن إسلامه وقام بالزواج من إمرأة مصرية مسلمة ولكن الجامع الأزهر الذي لم تنطوى على شيوخه تلك الألاعيب تعامل مع الفرنسيين كغزاة ومع نابليون بونابرت كقائد لقوة محتلة. إن شيوخ الجامع الأزهر كان لهم الفضل الأكبر في قيادة المقاومة ضد الغزو الفرنسي لمصر بل وكان سليمان الحلبي الذي اغتال الجنرال الفرنسي كليبر من تلاميذ الجامع الأزهر. وحتى يتم تطويع القيادات الدينية الازهرية في مصر, فقد تم وخلال الفترة التي تلت الإحتلال البريطاني تعيين محمد عبد إماما للجامع الأزهر وفصل منصب الإفتاء عن منصب الإمامة حيث كانا في السابق من مسؤولية شخص واحد, إمام الجامع الأزهر هو نفس الشخص الذي يتولى منصب المفتي الديار المصرية. ولمن لا يعرف محمد عبده الذي تم تقديمه للجماهير بأنه شيخ مجدد وصاحب مشروع إصلاحي, فهو تلميذ جمال الدين الأفغاني الذي كان يعمل لحساب عدة دول على رأسها بريطانيا حيث كان لا يتحرك في الهند أو في مصر إلا تحت رعاية الحاكم العام البريطاني ووصايته. كما أن جمال الدين الأفغاني هو صاحب مشروع حلف إسلامي لمواجهة روسيا القيصرية حيث رفضت الحكومة البريطانية مشروعه ولو مؤقتا في انتظار ظروف أفضل تسمح بتحقيقه.
إن جماعة الإخوان المسلمين قد خدمت المصالح الغربية في المنطقة خصوصا مصالح بريطانيا في مصر واستخدمت ثنائية الدين والعنف الدموي في معركتها ضد خصومها. فهي كانت تشكل التيار الرئيسي الذي كان يقف خلف المظاهرات المؤيدة للملك فاروق الذي كان يواجه معارضة قوية في مصر لحكمه خصوصا من حزب الوفد الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة, وهي التي تخلت عنه ودعمت حركة الضباط الأحرار للإنقلاب على الملك فاروق عندما أمنت بأن ذلك سوف يوصل أحد أفرادها لكرسي الحكم في مصر, وهي التي حاولت إغتيال الزعيم المصري جمال عبد الناصر بسبب رفضه الأجندات التي طالبته بتطبيقها خصوصا أسلمة المجتمع المصري بل وقام أحد التنظيمات المتفرعة منها بإغتيال الرئيس المصري انور السادات وحاولوا إغتيال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك خلال إحدى زياراته الخارجية. إن كل تلك الأحداث في مصر والتي كانت تقف ورائها تنظيمات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمين هي السبب في كل الأحداث التي نمر بها في وقتنا الحالي خصوصا ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي الذي ومنذ اللحظة الأولى, تولت تنظيمات الإسلام السياسي المسؤولية الرئيسية عنه في محاولة أخرى مدعومة من دول غربية لإيصال تلك الجماعات لكرسي الحكم في مجموعة دول عربية دفعة واحدة تحضيرا لإتفاقية سايكس-بيكو 2 ولكن بنكهة دينية وفتاوى تصدر من جماعات الإسلام السياسي.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية